مع نهاية الأسبوع الثالث للحرب الأوكرانية، أصيب الأميركيون والأوروبيون بنكستين كبيرتين، الأولى بدء ظهور تشققات في الموقف الأوروبي، عبر الثغرة التي فتحتها صربيا في جدار التضامن بوجه روسيا، مع كلام كبير مستشاري وزارة الخارجية الصربية، فلاديمير كرشليانين، الذي قال إنَّ “الغرب، ومن خلال تصرفاته، يساعد في تشكيلِ نظامٍ عالميٍّ جديدٍ من دون هيمنته”، وأضاف كرشليانين أنَّ “الناتو يعرف أنّه لا يستطيع هزيمة روسيا وأن عالماً جديداً قد ظهر بالفعل، بقيادة روسيا والصين، وقد ظهر هذا العالم بدايةً من صربيا”. وأشار إلى أنَّ “النظام الجديد سيكون خالياً من الفاشية والإرهاب، والثورات الملوّنة التي يدعمها حلف الناتو بانتظامٍ وبشكلٍ دوريٍّ”. وقال كرشليانين “سقطت أوكرانيا ضحيةً للناتو، تماماً مثل يوغوسلافيا، وبالنِّفاق نفسه المتوقَّع الذي لا حدودَ له”.
النكسة الثانية تمثلت بالكلام العالي السقوف الذي ردت به بكين على التهديدات الأميركية في حال عدم الامتثال الصيني للعقوبات المفروضة على روسيا، فأكدت أنها ترفض لغة التهديد، وأنها ستلتزم بدعم الحل التفاوضي بين روسيا وأوكرانيا، وتعتبر العقوبات على أحد طرفي الصراع وتسليح الطرف المقابل انحيازاً يؤدي الى التصعيد تتحمل مسؤوليته الدول التي تنخرط في العقوبات، وتحول الحرب إلى شرارة حرب عالمية يجب أن يعمل الجميع لتفاديها.
بهاتين النكستين تفقد الخطوات الأميركية والأوروبية في مواجهة روسيا أقدامها، بينما يتواصل التقدم الروسي عسكرياً، ويتواصل النزيف الأوروبي تحت ضغط حروب الأسعار، وحمّى اللاجئين، وخطر توقف إمدادات الغاز والنفط.
في لبنان رغم الإجماع على السير نحو الانتخابات النيابية بدأت ترتسم أسئلة حول مخاطر تعثرها، حيث الملفات المتفجرة تزداد تعقيداً. فالملفات القضائية المرتبطة بملاحقة المصارف وحاكم مصرف لبنان بلغت مرحلة تبشر بالمزيد من الانقسامات السياسية، حيث الملاحقات لرؤساء مجالس إدارة عدد من المصارف والحجوزات على أملاك هذه المصارف أثارت احتجاج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وجاء قرار القاضية غادة عون بتوقيف رجا سلامة شقيق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، بتهمة الإثراء غير المشروع، ليشكل حدثاً يرجّح أن يتحول إلى موضوع رئيسي للحراك السياسي. ومن جهة موازية بلغ ملف ترسيم الحدود البحرية مرحلة حرجة مع وصول معدات شركة هاليبرتون للبدء بالتنقيب في حقل كاريش، في ظل استمرار التفاوض، والمراسلة التائهة للدولة اللبنانية في أروقة الأمم المتحدة التي تعتبر التنقيب في حقل كاريش بالتحديد نسفاً للمسار التفاوضي، فيما تم التداول باحتمال انعقاد اجتماع رئاسي في قصر بعبدا اليوم يحضره مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، للتفاهم على عناوين الموقف اللبناني الرسمي من التطورات التي يشهدها ملف الترسيم، سواء لجهة الخطوات الإسرائيلية نحو التنقيب عبر إجراءات أحادية، أو لبلورة الرد اللبناني على مقترحات المبعوث الأميركي الخاص بالترسيم آموس هوكشتاين.
وفيما بقيت القرارات القضائية التي تسطرها النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون بحق عدد من المصارف اللبنانية وإحالتها على التنفيذ، في صدارة المشهد الداخلي، سجل ملف ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة خطوة نوعيّة، تمثلت بتوقيف عون، رجا سلامة شقيق حاكم مصرف لبنان، وذلك بعد انتهاء التحقيق معه.
واستمعت القاضية عون إلى إفادة رجا سلامة، في موضوع عقود وتحويلات مالية إلى حساباته خارج لبنان. وكشفت عون أن “توقيف رجا سلامة جاء بتهمة الإثراء غير المشروع”. وفي حديث تلفزيوني، أوضحت أن “الحاكم استخدم اسم أخيه وشركات وهمية كان قد أنشأها رجا باسمه لتسجيل عقارات في فرنسا، قاربت قيمتها الـ ”12 مليون دولار”.
ورداً على سؤال عن استدعاء رياض سلامة، قالت عون: “سبق واستدعيناه “وشفتو شو صار”، سنعاود الاتصال به، وإذا لم يحضر “منشوف شو منعمل، بركي إجا هالمرة”.
وكشف مصدر مطلع لـ”البناء” عن توجه القاضية عون لاستدعاء رياض سلامة مطلع الأسبوع المقبل بعد نتيجة التحقيقات مع أخيه والتي أثبتت ضلوعه وتورطه بعمليات إثراء غير مشروع، مرجحة توقيف رياض سلامة في حال ثبت بعد التحقيق معه، تورطه في ملفات الإثراء غير المشروع على أن يُحال الى المحاكم حتى الوصول الى مرحلة عزله من منصبه، الا أن التدخلات السياسية بحسب ما تقول مصادر سياسية لـ”البناء” ستحول دون توقيفه أو ستؤخر ذلك الى ما بعد الانتخابات النيابية، على غرار ما حصل منذ أسابيع عندما هدّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالاستقالة في حال تم توقيف سلامة أو عزله من منصبه، بموازاة الاستنفار الاميركي عبر السفيرة الاميركية في لبنان لحماية سلامة. وأشارت المصادر الى أن “مصير الحاكم متعلق بموقف الحكومة والحسابات السياسية لأركان الدولة، بعدما أدّى القضاء قسطه للعلا”.
وأوضح خبراء في القانون لـ”البناء” أن “النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان وضعت يدها على الملف وبات في عهدتها، وبالتالي لم يعد ممكناً للقضاء المالي أو للنيابة العامة التمييزية أن يدخلوا على خط الملف بكف يد القاضية عون».
ونقل موقع “التيار الوطني الحر” الالكتروني عن مصادر قضائية رفيعة قولها ان “سلامة اعترف بالتحقيق معه بأنه يشتري العقارات لصالح شركة بيتا”. وتشير المصادر القضائية الى أنه “بناء على اعترافات سلامة والمستندات التي بحوزة القاضية عون، أوقفت الأخيرة رجا سلامة بعد التحقيق معه، على أن يحال الملف أمام قاضي التحقيق نقولا منصور”، وكشفت المصادر نفسها أن القاضية عون حدّدت الاثنين جلسة للتحقيق مع حاكم مصرف لبنان في هذا الملف، وأنه اذا لم يحضر، قد يكون الادعاء وارداً جدّاً”.
وعلى خطٍ موازٍ، وبعد إقفال “فرنسبنك” والمضي في الإجراءات القانونية بحقه، واصلت القاضية عون قراراتها ضد مجموعة من المصارف بتهم مختلفة، وأصدرت أمس، قراراً بمنع سفر رئيس مجلس إدارة بنك “الاعتماد المصرفي” وتجميد أصول البنك في إطار التحقيق. كما وضعت عون إشارة منع تصرف على أسهم بنك “الاعتماد” وحصصه وعقاراته وسياراته في جميع الشركات التجارية، في الشكوى المقدَّمة ضدّ المصارف من مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام”. وهو المصرف السادس الذي تتّخذ القاضية عون هذا التدبير في حقه بعد مصارف “بيروت” و”سوسييتيه جنرال” و”ميد” و”عوده” و”لبنان والمهجر”.
في المقابل علمت “البناء” أن “المصارف ستعقد جمعية عمومية اليوم، مع توجهها الى التصعيد اعتباراً من الأسبوع المقبل، بما فيه إعلان الإضراب العام.
في غضون ذلك، عاد ملف ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة، عشية وصول سفينة تعمل لصالح شركة “هاليبرتون” التي تعاقدت معها شركة “انرجين” اليونانية، إلى حقل “كاريش” لبدء الحفر لاستخراج النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها، ما يؤشر إلى تحدٍ وتصعيد “إسرائيلي” في هذا الملف والضغط على لبنان لقبول العرض الذي قدمه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
وأفيد عن اجتماع سيُعقد اليوم بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بعبدا، للبحث في الرد اللبناني على ورقة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
ولفتت جهات مطلعة على ملف الترسيم لـ”البناء” الى أن “ملف الترسيم وصل الى مرحلة حرجة جداً ومصلحة لبنان التوقف عن هدر الوقت بمناقشات ومزايدات عقيمة، والتركيز على رفض العرض المفخخ الذي قدمه هوكشتاين الذي يخفي نية لهضم وقضم حقوق لبنان، والتوجه الى رفع السقف التفاوضي والعودة الى طرح الخط 29 كخط سيادي للحدود اللبنانية وتفعيل الرسالة التي أرسلها لبنان الى الامم المتحدة التي تثبت هذا الخط”، محذرة من أن أي طرح آخر بقبول النقاش بطرح هوكشتاين، يعني الإقرار الضمني بقبول لبنان بالخط 23 كخط تفاوضي لا سيادي، وبالتالي بدء التفاوض من هذا الخط ما سيمكن العدو من كسب حقل كاريش والضغط على بلوك 9 وحقل قانا.
وقال رئيس الوفد التفاوضي في مفاوضات الترسيم في الناقورة العميد الركن بسام ياسين، على حسابه على “فيسبوك”: “بالتزامن مع تقديم آموس هوكشتاين، لعرضه المتمثل بالخط المتعرج والذي يهدف الى إبعاد الأنظار عن حقل كاريش وإلهاء اللبنانيين في النقاش حول هذا الخط الذي يقع داخل المياه اللبنانية في منطقة الـ860 كلم مربع، وصلت إلى هذا الحقل بتاريخ 11 مارس سفينة الحفر Stena IceMAX والتي تعمل لصالح شركة “هاليبرتون” التي تعاقدت معها شركة “أنرجين” اليونانية. وستبدأ هذه السفينة بحفر أول بئر من أصل 3 إلى 5 آبار تمّ الاتفاق عليها بين الشركتين لتطوير حقل كاريش من الجهة الشمالية ولاستكمال عمليات الاستكشاف عن النفط والغاز في المنطقة الحدودية الواعدة بالموارد البترولية”. وذكر ياسين أن “لبنان الرسمي أعلن بموجب رسالة بعث بها الأمم المتحدة، بناء على توجيهات من الحكومة اللبنانية كما تنص، أكد فيها أنه لا يمكن الادعاء بأن هناك منطقة اقتصادية إسرائيلية خالصة مثبتة، بعكس ما ادعى الجانب الإسرائيلي بشأن ما يسمّى “حقل كاريش”. وبالتالي تؤكد هذه الرسالة بأن هذا الحقل متنازع عليه كما ورد أيضاً في رسالة سابقة مشابهة أرسلت من قبل لبنان إلى الأمم المتحدة بتاريخ 18 سبتمبر 2021 تتعلق بهذا الشأن”.
على مقلب آخر، ارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، مسجلاً 22675 ليرة للمبيع و22725 ليرة للشراء، بالتوازي تصاعد الخلاف بين وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، واصحاب المولدات الخاصة، وانتقل الى القضاء، بعدما تحول أصحاب المولدات الى “مافيات” و”زعران الحي”، كما وصفتهم مصادر اقتصادية، فهم يحتكرون خدمة الكهرباء ويستغلون ارتفاع أسعار المازوت لرفع فاتورة الاشتراكات على المواطنين بنسبة أكبر من نسبة ارتفاع صفيحة المازوت ويهددون المواطنين بقطع الاشتراك اذا لم يسددوا الفاتورة، فيما لا يتمكن المواطنون من الاشتراك في مولدات أخرى كون “منظومة المولدات” تحولت الى شركة احتكارية واحدة عصية على الكسر والتفكيك.
وأعلن سلام خلال مؤتمر صحافي، من أمام قصر العدل في جديدة المتن، “أننا في العدلية لدينا ستة قرارات بحق اصحاب مولدات، صدرت باسم الشعب اللبناني وسأذكرها بالأسماء، وقد تم استبدال الحبس فيها بالغرامات، اما في حال تكرارها فيصبح الحبس أمرًا واقعًا”، وكشف أنّ “القرار الاول، باسم اميل حبيب غسان السخن، آر جي أي، ايليا داغر (والحكم مكرّر مرتين)، يوسف كيروز، وبولس جرجس معوض، وقد حكم على كل منهم بثلاثين مليون ليرة، بعد استبدال الحبس بغرامة، هذه المحاضر صدرت ونفذت، واتخذ قرار بها، وستتابع من قبل القاضي المختص والجهات الأمنية المعنية”. ولفت سلام بشأن المخالفات الى أن “أهمها كان عدم تركيب عدادات والتزام تسعيرة وزارة الطاقة، وكذلك الدفع المسبق وبعض البدع الاخرى، وهنا أقول إن الوزارة أعطت مساحة للتعاون لكن اذا لم يحصل تجاوب فإن الوزارة لن تتهاون خصوصًا، وأن هناك استبدادًا بالمواطنين وتحديدًا بالمرضى”.
وبعد الحديث عن توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أشار المتحدث باسم “الصندوق”، جيري رايس، إلى أن “الصندوق يواصل العمل مع السلطات اللبنانية من أجل إصلاحات اقتصادية في البلد الذي أدى فيه انهيار مالي عام 2019، إلى انهيار العملة ووقوع معظم السكان في هاوية الفقر”.
وأعلن بحسب ما أشارت وكالة “رويترز”، أنه “من المقرر أن يرسل الصندوق بعثة أخرى من الخبراء إلى هناك هذا الشهر”، لافتاً إلى أنه “ما زلنا على تواصل وثيق مع السلطات اللبنانية، ونحاول العمل معها لصياغة برنامج إصلاح يمكن أن يتصدى للتحديات المالية والاقتصادية الشديدة التي يواجهها لبنان”.
على صعيد آخر، عرض الرئيس نبيه بري التحضيرات للانتخابات النيابية مع وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي. وبعد اللقاء، أشار مولوي إلى انه وضع بري في كافه الأجواء والتحضيرات التي تقوم بها وزارة الداخلية بالنسبة للعملية الانتخابية وكل التفاصيل التي نتابعها يوماً بيوم من التحضيرات الإدارية الى استكمال الترشيحات وصولاً الى المراحل اللاحقة التي نقوم بها، والجهد الذي نقوم به مع المحافظين والقائمقامين وسائر التفاصيل ومع سائر المختصين لتأمين التيار الكهربائي الدائم في يوم الانتخابات”. وأضاف “تكلمت مع دولته بكافة الأجواء وخصوصاً على الصعيد الأمني، ونحن مصرون على إجراء الانتخابات وتذليل كافة العقبات التي قد تعترض الانتخابات، ونطالب اللبنانيين أن يثقوا بنا، لأننا جاهزون للانتخابات، وهذا حق اللبنانيين علينا”.