كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: نظام المصالح المتقاطعة في لحظة واحدة يعمل بقوة في لبنان. ولكن في أغلب الأحيان على حساب قوة مؤسسات الدولة من جهة، من دون أن يضمن حقوق الناس من جهة ثانية. وغالباً تكون النتيجة مزيداً من تآكل ثقة الناس بالقيمين على أحوالهم في السلطة وخارجها.
آخر «إبداعات» حلفاء الحكم القائم، توافق ضمني على توفير حماية شاملة لحزب المصرف والمصارف وحاكم مصرف لبنان في مواجهة الإجراءات القضائية في لبنان، وإعاقة التحقيقات الجارية في الخارج. ويقضي هذا التوافق بحصول الرئيس نجيب ميقاتي على موافقة مبدئية من كل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وحزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على إقالة النائب العام التمييزي غسان عويدات من منصبه، تمهيداً لمقايضة غير أكيدة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، تفضي إلى إقالة متزامنة لرئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود. ما يجعل الجميع «فائزاً». يربح الفريق الذي يريد التخلص من عويدات لرفضه طلبات حفظ التحقيقات في ملف الحاكم والمصارف، ويربح الفريق الذي يريد التخلص من عبود بسبب طموحاته السياسية والرئاسية من جهة ودوره في تغطية مخالفات المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت طارق البيطار.
ما حصل لم يكن يقتصر على ذلك، إذ عقد، أول من أمس، اجتماع مطول لمجلس القضاء الأعلى، انتهى إلى تعيين رؤساء غرف محاكم التمييز الشاغرة، وهم القضاة: ناجي عيد، سانيا نصر، ماجد مزيحم، منيف بركات، أيمن عويدات وحبيب رزق الله. شكّلت الجلسة مفاجأة داخل أروقة «العدلية»، خصوصاً أن القاضي عبّود سبقَ أن عمَد إلى تعطيل هذه التعيينات منذ أشهر، لعدم قدرته على فرض الأسماء التي يريدها لتكون عوناً له داخل المجلس فتصوّت لصالح ما يريده، إلا أن تصدّي النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لهذا الأمر كانَ يمنع عبود من تحقيق غايته، خصوصاً أن عويدات كانَ يعارض بشدة أسماء أراد عبود فرضها كالقاضية رندة كفوري.
غيرَ أن المجريات تغيّرت أخيراً. فجأة سارعَ عبود إلى الدعوة للجلسة وعقدها، لا بل أصرّ خلالها على إنجاز التعيينات ما أثار تساؤل أعضاء في المجلس حول السبب الذي دفعه إلى الاستعجال، فضلاً عن «التناغم» المستجد بينه وبينَ عويدات، علماً أنهما في الفترة الأخيرة كانا متنافرين. فما الذي دفعَ عبود إلى التراجع خطوة إلى الوراء ولماذا لاقاه عويدات في منتصف الطريق؟
تقول مصادر مطلعة إن «عبّود لمسَ وجود مسعى جدّياً لتعيين رئيس آخر لمجلس القضاء، وأن هناك مشاورات بين القوى السياسية تجري في هذا الشأن، على أن تشمل التغييرات عويدات أيضاً». في هذا الإطار، تروي مصادر مطلعة أن فكرة «التبديلات في المراكز القضائية أتت هذه المرة من الرئيس ميقاتي، علماً أن الأخير هو من أطاحَ سابقاً بالتسوية التي كانت مطروحة لحل ملف المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ، والتي كانت تقضي بتغيير القضاة الأربعة الكبار: سهيل عبود، غسان عويدات، بركان سعد وعلي إبراهيم، وقد سقطت يومها بعد رفض الرئيس نبيه بري تطيير إبراهيم، ومعارضة ميقاتي المس بعويدات».
وقالت المصادر إن جلسة تعيين رؤساء غرف محاكم التمييز انعقدت بسبب شعور عبود وعويدات بأن «المسألة هذه المرة جدية»، فإما أنهما «يريدان الإيحاء بتجاوب ما»، وإما أن «هناك من نصح عبود بإنجاز التعيينات وتحريك ملف التحقيقات في المرفأ للاحتماء خلفه»، فالتعيينات التي أنجزت في المراكز الشاغرة ستسمح للهيئة العامة لمحكمة التمييز بالانعقاد، ومعاودة العمل بشكل طبيعي بعد اكتمال النصاب، ويصبح بإمكانها البت بدعاوى موجودة على طاولتها، وأبرزها ملف المرفأ.
وتقول المصادر إن «ميقاتي يتحرك هذه المرة من خلفية تمرد عويدات في ملف المصارف، وهو يحظى بغطاء الرئيس سعد الحريري»، مشيرة إلى «وجود اتصالات في هذا الشأن لم تصِل إلى خواتيمها بعد». وعلمت «الأخبار» أن «التغيير لن يطاول عويدات وحده، بل إن النقاش أيضاً يدور حول عبود»، وأن هذا الاتفاق «صارَ شبه منجز بين بري وميقاتي الذي زاره النائب علي حسن خليل قبل أيام».
لكن هناك سبباً إضافياً لدى ميقاتي، يتعلق باتهامه عويدات بأنه كان طرفاً في رسالة خرجت من لبنان إلى فرنسا ومنها إلى إمارة موناكو، وانتهت بطلب معونة قضائية تتعلق بملف ممتلكات آل ميقاتي في الإمارة التي يشرف عليها صهر العائلة هناك.
وفي وقت شككت مصادر مطلعة في وصول هذه المشاورات إلى خواتيمها «المرجوة»، رأت أن «أي مشاورات مع ميقاتي لا يمكن التكهن بنتائجها، بخاصة أنه لا يلتزم بما يقول»، رغم أنه يقود هذه المرة «الحرب نيابة عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف»، وهو «مستعد لأجل هذه الحماية للقيام بأي إجراء، حتى لو كان الثمن الإطاحة ببعض الشخصيات التي كان يمنع المس بها». واعتبرت المصادر أن «خطوة الإطاحة بعويدات، وإرساله إلى بيته، كما قال ميقاتي سابقاً، من المرجح أن تستتبع بخطوات أخرى تطاول كل من يقترب من سلامة والمصارف»، في إشارة إلى القاضية غادة عون. وحتى الآن، ليس معروفاً موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من كل ما يحضر له ميقاتي في انتظار عودته من الفاتيكان