بدا غريباً، بل باعثاً على مزيد من الصدمات بإزاء توظيف وتسخير القضاء هنا وهناك لاهداف فئوية فاقعة، ان تصح التقديرات والتكهنات التي اطلقت غداة احداث الطيونة في 14 تشرين الأول من العام الماضي بان الملف القضائي فيها سيستخدم عصا غليظة اوهراوة انتخابية ضد “القوات اللبنانية” وربما سواها لاحقا، وهذا ما حصل فعلا!
فيما كانت أسعار البنزين والمازوت والغاز تشتعل بسقوف حارقة قياسية جديدة، وبتوقيت انتخابي فاضح، جرى الادعاء فجأة على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع المنخرط بأقصى زخم في إدارة المعركة الانتخابية قبل اقل من شهر وثلاثة أسابيع من موعد الانتخابات النيابية. ولكي يكتمل نقل تسخير القضاء العسكري بزعرور توظيف القضاء المدني، تزامن الادعاء على جعجع مع المضي في تصعيد ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خلال اصدار مذكرة توقيف في حق شقيقه رجا، ومن ثم تحديد موعد جديد لاستجواب الحاكم سلامة نفسه غداة موعد جلسة مجلس الوزراء التي دعي الى حضورها للبحث في الملف المالي. هذا المناخ القضائي الجانح بقوة نحو استهداف خصوم الحلف الثنائي السلطوي العهد و”حزب الله” على نحو مكشوف وحصري، حشر صورة القضاء مجدداً في أسوأ ابعادها ودلالاتها من خلال استعادات قاتمة إبان مرحلة الوصاية السورية والنظام الأمني اللبناني السوري المشترك، وهذه المرة بايدي لبنانية صرفة، بما يفاقم خطورة تسخير بعض القضاء وجعله أداة تصفية حسابات سياسية من داخل السلطة او من خارجها. ولعلّ العامل الأشد اثارة للتداعيات السلبية يكمن في التوقيت الانتخابي المزدوج الذي يتداوله كثيرون خلف الكواليس. اذ ان استهداف الخصوم داخل مؤسسات الدولة يوحي باندفاع العهد الى فتح معركة مبكرة على خلفيات شعبوية نيابية لإفادة تياره منها انتخابيا، كما لمحاولة فرض امر واقع على خلفية استعداداته لاستحقاق نهاية الولاية. اما استهداف الخصم الأساسي للعهد و”حزب الله” المتمثل برئيس حزب “القوات” في هذه الفترة بعدما انكشف رفض الجهة المدعية قضائيا تلقي الشكاوى والمراجعات التي تقدمت بها “القوات”، فلا يترك مجالا لدحض الخلفية المسخرة لمحاولة حشر جعجع ومحاصرته والتضييق عليه في اللحظة الانتخابية الحاسمة. ومن نافل الخلاصات المبكرة التي ترددت على نطاق واسع في الساعات الأخيرة ان ينعكس هذا التسخير للقضاء على صورة الاستعدادات “النزيهة والمتجردة” للسلطة في إدارة العملية الانتخابية، اذا أجريت ولم تقوضها احداث او تطورات معينة لا يمكن اسقاط احتمالاتها. اذ ان عدم الالتفات الى الاصداء الصاخبة التي يثيرها توظيف القضاء سيكون من اخطر الطعون التلقائية الاستباقية في نزاهة الانتخابات. ولعلّه يتعين الإشارة أيضا في هذا السياق الى ما تسبب به تسخير القضاء أيضا في معترك التضييق على الحريات بعد استدعاءات متعاقبة لإعلاميين وصحافيين. وليس في موجة الإدانة الواسعة للقاضية #غادة عون لتحريضها مجلس القضاء الأعلى على الإعلامي الزميل مارسيل غانم والتضامن الواسع معه سوى نموذج خطير من انحراف سلوكيات القضاء وعدم التحرك لمعالجة هذا الانحراف.
اذن، وعلى نحو مفاجئ اشبه ما يكون بـ”تهريبة”، إدعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في ملف احداث عين الرمانة – الطيونة. وأحال اوراق الإدعاء على قاضي التحقيق العسكري الاول بالإنابة فادي صوان. وتبريراً لتوقيت الادعاء، زعمت مصادر ان الادعاء حصل بناء على توفر معطيات جديدة في هذا الملف مشيرة الى ان هذا الإدعاء حصل قبل ثلاثة ايام وأودع المحقق العسكري الأول.
وردت اوساط حزب القوات اللبنانية على هذا الاجراء بالكشف انّه وبتاريخ ١٦/٣/٢٠٢٢ كان وكلاء الدفاع في ملف غزوة عين الرمانة، قد تقدّموا بشكوى أمام التفتيش القضائي بوجه القاضي فادي عقيقي موضوع مخالفات عدة. كما تقدموا بالتاريخ نفسه بطلب رد القاضي عقيقي أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت نظراً للخصومة التي نشأت بين الفريقين، فعلم بها القاضي عقيقي، ومن تاريخه بدأ يتهرب من التبليغ. وفي صباح ٢٤/٣ بقي القاضي فادي عقيقي في منزله دون الحضور إلى المحكمة متهرباً من تبلّغ طلب الرد عن نيّة مقصودة لعدم رفع يده عن الملف، وقام، ومن منزله، وبشكلٍ غير قانوني، بتقديم ادعاء إضافي مؤرخ بتاريخ ٢٢/٣ ادعى بموجبه على جعجع بجرائم جنائية عدة، وهو لتاريخه لا يزال ممتنعاً عن الحضور إلى المحكمة.
ووصفت اوساط “القوات” هذه الممارسات بانها تشكل “تدميراً ممنهجاً للقضاء والعدالة في لبنان، يقوم به بعض القضاة استجابةً لبعض الأطراف السياسية، وبالأخص حزب الله والتيار الوطني الحر، للاقتصاص من اخصامهم السياسيين”.
ولم تهدأ المواجهة القضائية – المصرفية عموما غداة جلسة مجلس الوزراء التي حملت اتفاقا على تأليف لجنة برئاسة وزير العدل لمعالجة هذه المواجهة. والجديد في هذا السياق تمثل في اصدار قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان نقولا منصور مذكرة توقيف وجاهية امس بحق شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، كما حدد جلسة للاستماع الى الحاكم رياض سلامة الخميس المقبل.
المصارف وغادة عون
اما في اطار المواجهة القضائية المصرفية المستمرة فوجه محامي جمعية المصارف اكرم عازوري كتابا مفتوحا إلى النائب العام التمييزي ناشدته فيه المصارف بوصفه رأس سلطة الملاحقة والنيابات العامة في لبنان وقف تنفيذ القرار الذي أصدرته النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان بتاريخ والقاضي بالطلب من إدارة الجمارك منع 5 مصارف من شحن الأموال النقدية بناء لطلب مجموعة “الشعب يريد إصلاح النظام” “لأن هذا القرار هو تجاوز حد السلطة لأن القانون لا يمنح النائب العام صلاحية الحد من حرية شحن الأموال النقدية من قبل المصارف والشركات المرخص لها بإجراء هذا النشاط ولا إتخاذ أي تدبير فيه تعدٍ على الأموال وحرية نقلها وتحويلها. إن هذا التدبير يمس بصميم العمل المصرفي وتغير مبدأ حرية تحويل الأموال وحرية التجارة الذي يعتمده لبنان منذ تأسيسه وهو تدبير يدخل حصراً في صلاحية السلطة التشريعية، كما أن هذا التدبير سيساهم في زيادة تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار، ويعزل المصارف اللبنانية عن مراسليها ويقضي على ما تبقى من ثقة في القطاع المصرفي”.
وأصدرت عون لاحقا بيانا أوضحت فيه ان قرارها “يتناول فقط اصول المصارف الـ 5 التي كانت موضوع قرار منع التصرف واموال رؤساء مجالس الادارة واعضائها. وان هذا القرار لا يتعلق بتحويل الأموال من اجل شراء المواد الغذائية او الطبية او ما يتعلق بتحويل الاموال للطلاب وبكل تحويل مبرر بحاجات خاصة”.
عبد اللهيان
وسط هذه الأجواء وفي ظل التطورات الإيجابية الأخيرة التي تشهدها علاقات لبنان بدول مجلس التعاون الخليجي، بدأ امس وزير الخارجية الإيرانية #حسين أمير عبد اللهيان زيارته لبيروت بعد زيارة مماثلة لدمشق. واعتبر أن “زيارتنا إلى لبنان تأتي في سياق علاقتنا الطيبة والبناءة بين البلدين، وهناك الكثير من التطورات السياسية الهامة، ولا بدّ من أن تشكل هذه الزيارة مناسبة لتبادل وجهات النظر”. وأضاف “خلال اللقاء الذي جمعني بالرئيس نجيب ميقاتي على هامش مؤتمر ميونيخ، طرحت عليه استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لبناء معمليْ كهرباء، مع إمكانية التعاون في مجالات أخرى ونحن في بيروت لنقول بصوت مدوٍّ اننا لا نريد الا الخير والهناء للبنان”.
وفي الملف الاقليمي، قال عبداللهيان: “نرحب بعودة العلاقات الطبيعية بين السعودية وايران ونتمنى على السعوديين ان يتحركوا في الاتجاه الذي يخدم مصحلة هذه المنطقة”. واضاف: “ندين الحرب سواء كانت في اوكرانيا او اليمن او افغانستان او اي مكان آخر”.
وجال الوزير الايراني على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب على ان يلتقي اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون.