كاد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن يستقيل أمس لكنّه تهيّب الموقف وتحسّس خطورة الاوضاع فالتفّ على دافعيه الى الاستقالة لاكتشافه أنهم يريدون الهروب من الانتخابات عبر إسقاط الحكومة بدفعه الى الاستقالة او بأي طريقة اخرى. ولذلك طار مشروع ”الكابيتال كونترول” من المجلس النيابي ليحطّ على طاولة مجلس الوزراء اليوم على أن يعود منه بصيغة مشروع قانون محمّلاً بالتعديلات المطلوبة والمشفوعة برأي صندوق النقد الدولي. وذلك في انتظار جلسة تشريعية اخرى يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري خصوصاً أن مشروع القانون هذا مطلوب بإلحاح لعقد الاتفاقات المطلوبة مع صندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات المالية الدولية. ولوحظ انّ بري استدرك غضب رئيس الحكومة في مستهل الجلسة من تحامل البعض على حكومته فلم يستجب طلبه تحويلها جلسة مناقشة تنتهي بطرح الثقة بالحكومة فأكد له انها جلسة تشريعية، وبالتالي فإنّ بري تهيّب من جهته خطورة إسقاط الحكومة على الاوضاع في هذه الظروف فلا هو قبِل بجلسة مناقشة وطرح الثقة ولا ميقاتي ذهب الى الاستقالة مكتفياً بدق جرس الانذار للجميع محذّراً ايّاهم من خطورة ما يذهبون اليه.
وقال ميقاتي لـ”الجمهورية”: “انهم لا يريدون الانتخابات ويعتبرون ان الورقة الاخيرة لخلاصهم منها هي إسقاط الحكومة وربما يحقق هذا الامر اذا حصل مبتغاهم ولكنني لن انساق اليه وأستقيل فلا استقالة ولا من يستقيلون. ولذلك انّي أدق جرس الانذار للجميع من ان الاوضاع لا تُدار بهذه الطريقة ولن اقبل بما يقومون به لأن ما يجري هو على حساب الوطن والبلد واللبنانيين ولن يؤدي الى نتيجة”.
واستغرب ميقاتي “ربط البعض بين مشروع الموازنة وخطة التعافي”، وقال: “ان الموازنة هي استحقاق دستوري على الحكومة أن تنجزه في مواعيده بينما خطة التعافي منفصلة عنها وسترفع وحدها الى المجلس”. ولاحظ انّ البعض يمارس شعبوية وخلطاً بين الامور على حساب الحكومة والعهد معاً وهذا لا يجوز ولا نستطيع ان نستمر بهذه الطريقة وعلى هذا المنوال ومسرحية التصريحات لن تنطلي علينا”. واضاف: “اما بالنسبة الى ما يتعلق بمشروع الكابيتال كونترول فهو في الاساس اقتراح قانون ورد من مجلس النواب الى الحكومة وطلبوا ان نُدخل تعديلات عليه الى جانب رأي صندوق النقد الدولي فأتينا لهم بهذه المسائل، فكانت حجّتهم الآن انه ينبغي ان يرد الى المجلس بمشروع قانون. حسناً سنفعل هذا الامر في مجلس الوزراء غداً (اليوم) ونعيد إرساله اليهم”.
وكان ميقاتي قد قال بعد الجلسة النيابية: “في ضوء المؤشرات الخارجية التي تصلنا والجولات الخارجية التي أقوم بها نلمس دعما كبيرا للبنان وسعيا لمساعدته، فيما داخل البلد نرى تخبّطا وسعيا من قبل البعض لاستثمار كل الامور في الحملات الانتخابية، تارة من قبل فريق يعارض العهد وتارة من قبل فريق يعارض الحكومة ويتهجم عليها. والخاسر الاكبر من هذه الحملات هو البلد”.
وردا على سؤال قال ميقاتي: “من مهمات الحكومة اليوم اجراء الانتخابات النيابية، ولا يمكن ان أنساق الى الاستقالة كي لا تكون مبررا لتعطيل الانتخابات، ولن اكون سببا لتعطيل الانتخابات، ولهذا السبب لن اقدم على الاستقالة”.
ولاحقاً، عمّمت مصادر السرايا الحكومية عقب الجلسة النيابية شرحا للظروف التي أملت على ميقاتي طلب تحويل الجلسة التشريعية جلسة مناقشة عامة وطرح الثقة بالحكومة. فقالت: “منذ قبول الرئيس ميقاتي المهمة الحكومية عقد العزم على العمل مع الفريق الحكومي وفق أولويتين هما الحد من الانهيار عبر وضع لبنان على سكة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وسائر الهيئات الدولية المعنية واجراء الانتخابات النيابية. وعلى هذا الاساس نالت الحكومة الثقة وانطلقت في عملها. لكن منذ فترة، لاحظ رئيس الحكومة ان الأمور بدأت تسلك منحى آخر يتمثّل بعودة المناكفات السياسية لدى طرح أي خطوة اصلاحية من كل الاطراف ولا سيما التي أعلنت دعمها للحكومة، اضافة الى تأخير واضح في تنفيذ الخطوات الاصلاحية المطلوبة كشرط اساسي من الجهات الدولية التي عبرت عن دعمها للبنان وحذرت من تداعيات التأخير في اقرار الاصلاحات”.
وأضافت المصادر: “ان اللقاءات الخارجية التي يعقدها رئيس الحكومة بهدف تجييش الدعم للبنان في كل المجالات، أظهَرت ارادة دولية وعربية قوية لدعم لبنان مشروطة بتنفيذ اللبنانيين ما هو مطلوب منهم من خطوات اصلاحية، الا ان الاداء الذي بدأ يظهر في مقاربة الملفات يوحي بأنّ أولوية الكثيرين هي الاستثمار الانتخابي لكل شيء فيما اولوية رئيس الحكومة معالجة الملفات المطروحة وتنفيذ الإصلاحات ووضع الأمور على سكة المعالجة”.
وشددت المصادر الحكومية على “انّ ما طرحه الرئيس ميقاتي في الجلسة النيابية هو جرس إنذار لكل الأطراف من خطورة ما قد يحصل في حال استمر التعاطي مع المعالجات المطلوبة على النحو الحاصل”. وأكدت “إصرار رئيس الحكومة على عقد جلسة مناقشة عامة للحكومة يُصار خلالها الى طرح كل الملفات علنا وعرض كل المواقف والتوجهات، ومن ثم طرح الثقة بالحكومة ليبنى على الشيء مقتضاه لأنّ الامور لا يمكن ان تستمر على هذا النحو”.
مناورة سياسية
والى ذلك، قالت اوساط نيابية لـ”الجمهورية” ان طلب ميقاتي خلال الجلسة العامة طرح الثقة في حكومته كان أقرب إلى مناورة سياسية منه الى موقف جاد”، مشددة على “أن ميقاتي يعرف، كما صرّح بنفسه، ان الحكومة باقية لإجراء الانتخابات النيابية وانها ممنوعة من الانصراف سواء بسحب الثقة منها او بالاستقالة، وبالتالي فإن احدا لن يتحمل مسؤولية اسقاطها في هذا التوقيت”.
واشارت هذه الاوساط الى “ان ميقاتي اراد إحراج بعض الكتل وحشرها ردا على المطالبة بطرح الثقة في الحكومة كما فعل النائب جورج عدوان من كتلة “القوات اللبنانية” في معرض الاحتجاج على صيغة الكابيتال كونترول، لافتة إلى انه “خرج من المجلس وقد أعاد “تشريج” رصيده الحكومي بعد مُسارعة الرئيس نبيه بري الى سحب اقتراح ميقاتي المباغت بطرح الثقة من التداول”.
ونفت الاوساط نفسها ان يكون مبدأ الكابيتال كونترول قد سقط بعد الجلسة العامة امس، لافتة إلى “ان الحكومة ستعد مشروع قانون متكاملا وتحيله الى المجلس”، متوقعة ان يتم إقراره قبل الانتخابات النيابية “لأنه بلا كابيتال كونترول لا إنقاذ، ومن دونه لن يأتي الدعم المالي من صندوق النقد الدولي والدول المستعدة للمساعدة، لأن هذه الجهات تخشى من ان تدخل الأموال لبنان ثم تخرج منه اذا لم يكن هناك كابيتال كونترول يحميها”.
مجلس الوزراء
في غضون ذلك تتجه الانظار الى جلسة مجلس الوزراء التي تعقد في قصر بعبدا عند الرابعة بعد ظهر اليوم وعلى جدول اعمالها 29 بنداً، ابرزها مشروع قانون الكابيتال كونترول وعرض وزير المهجرين لرؤيته الانقاذية المتعلقة بالقطاع المصرفي حيث علمت “الجمهورية” ان الوزير عصام شرف الدين أعدّ دراسة سيوزّعها على الوزراء خلال الجلسة انطلق فيها من 3 نقاط اساسية هي:
1- اقتراح أن نسمح بتحويل ايداعات المودعين او قسم منها إلى أسهم في المصرف.
2- اقتراح دمج المصارف اللبنانية مع مصارف عربية تريد الاستثمار، وبالتالي بيع 49% أو أكثر الى مصارف عربية أو أجنبية بغية إنقاذ القطاع المصرفي وإنقاذ ودائع المودعين، فنكون بذلك قد أعدنا ”الثقة” بالقطاع المصرفي وانقذنا المصارف من خطر الإفلاس وحافظنا على الإيداعات كاملة، وتبقى التفاصيل والضوابط في عهدة لجنة مؤلفة من الحكومة وجمعية المصارف.
3- مشروع الشركة الوطنية لاستثمار اصول الدولة والتي سيقوم بتوزيعها داخل الجلسة.
وقال شرف الدين لـ”الجمهورية”: “يجب ان نعتبر ان الدولة والمصرف المركزي والمصارف والمودعين في مركب واحد وعليهم مسؤولية مشتركة في قيادة البلاد الى بر الأمان، وآمل ان نصل إلى صيغة تفرض نفسها كأمر واقع ولا نلحق هذا الملف بسلسلة الملفات الأساسية والمهمة التي تدخل في سبات التأجيل ولا تحسم، وحتى لا تصل المفاوضات مع صندوق النقد الى طريق مسدود”.
وعلمت “الجمهورية” ان هذه الأفكار الثلاثة ارسلها وزير المهجرين الى رئيس جمعية المصارف سليم صفير، ثم اتصل به لاستطلاع رأيه فأجاب أنها معقدة ولم يعط إشارات إيجابية حول امكانية القبول بها وطلب اللقاء للبحث فيها، فكان جواب شرف الدين أنه قام بما عليه تجاه جمعية المصارف وسيكمل مهمته مع الحكومة.
الكابيتال كونترول
الى ذلك سيبحث مجلس الوزراء في صيغة جديدة لقانون “الكابيتال كونترول” بدلاً من تلك التي سقطت في الاجتماع المشترك للجنتي الادارة والعدل والمالية النيابية في مجلس النواب الإثنين الماضي وسحبت من جدول اعمال الجلسة التشريعية التي عقدت أمس في قصر الاونيسكو بناء لطلب اللجان النيابية التي طلبت من الحكومة تبنّي المشروع وإحالته كمشروع قانون الى مجلس النواب، طالما ان نائب رئيس الحكومة الدكتور سعادة الشامي هو مَن وضعه ومعه فريق عمله المكلف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وعلمت “الجمهورية” ان مسودة المشروع تتضمن 13 مادة، منها:
1- التعاريف التي تتضمن 18 تعريفا لكل من المصرف والوسطاء المعتمدين، حسابات الودائع الائتمانية، الحساب المصرفي، العميل، منصة صيرفة، مصرف لبنان، الهيئة المصرفية العليا، مقيم، غير مقيم، العملات الاجنبية، العملة الوطنية، حركة التحاويل ورأس المال عبر الحدود، عمليات القطع الاجنبي، مدفوعات الحساب الجاري والتحاويل، الأموال الجديدة.
2- انشاء لجنة خاصة مسؤولة عن اصدار التنظيمات التطبيقية للقرار.
3- نقل الأموال عبر الحدود ومدفوعات الحساب الجاري.
4- عمليات القطع الاجنبي.
5- السحوبات.
6- التحاويل والمدفوعات المحلية.
7- إعادة الأموال المتأتية من الصادرات.
8- فتح حسابات مصرفية جديدة، بالإضافة إلى مواد تعنى بالاحكام العامة والعقوبات الجزائية والإدارية والمالية على ان تقدم اللجنة تقريرا فصليا الى مجلس النواب حول نتائج تطبيق القانون.
ورجّحت مصادر مطلعة ان يقر مجلس الوزراء هذه الصيغة اليوم.
لا مناقلات ديبلوماسية
وعشية الجلسة نفت مصادر حكومية عبر “الجمهورية” صحة المعلومات التي ترددت عن احتمال طرح دفعة جديدة من المناقلات والتشكيلات الديبلوماسية التي أعدّها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب على جلسة اليوم من خارج جدول الأعمال. وقالت هذه المصادر: صحيح انّ بوحبيب أعدّ دفعة ملحّة وضرورية من هذه المناقلات لملء بعض المراكز الشاغرة في مجموعة من السفارات في الخارج، لكن الأمر ليس مطروحا قي جلسة اليوم لا من ضمن جدول الأعمال ولا من خارجه.
وفد صندوق النقد
من جهة اخرى كشفت مراجع معنية لـ”الجمهورية” ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيلتقي قبَيل جلسة مجلس الوزراء اليوم وفدَ صندوق النقد الدولي لعرض الجهود المبذولة وتقويم ما أنجز حتى اليوم في المفاوضات الجارية مع الصندوق.
الجلسة التشريعية
وكان مجلس النواب قد أقرّ في جلسته أمس قانون الدولار الطالبي 10 آلاف دولار في السنة على سعر صرف 8000 ليرة لبنانية. ووافق على فتح اعتماد إضافي استثنائي في الموازنة العامة لمصلحة موازنة وزارة الداخلية والبلديات ووزارة الخارجية لتغطية نفقات الانتخابات النيابية. وأقر إقتراح القانون الرامي إلى تمديد العمل بأحكام المادة الثانية من القانون رقم 237 /2021 (تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية). كذلك أقر تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى تاريخ 2023/5/31.
وأقر ايضا قانون إعفاء بعض رخص البناء من الرسوم تضمّنَ اعتراض النائب اصطفان دويهي على طريقة التصويت، فأعيد التصويت بالمناداة فصدّق بموافقة 44 نائباً، وكان أبرز المعترضين نواب “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”المردة”، ووافقَ نواب ”المستقبل” و”حزب الله” وحركة “أمل” وامتنع النائب جميل السيد عن التصويت.
وصادقَ المجلس على إقتراح القانون الرامي إلى إعطاء تعويضات ومعاشات لذوي الضحايا في تفجير التليل (في عكار) وتمكين الذين أصيبوا بإعاقة منهم من الاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي.
الفاريز لم تتوقف
من جهة ثانية، ورداً على ما تردد أمس من أن شركة التدقيق الجنائي ”الفاريز اند مارسال” قد جمّدت أعمالها في لبنان انتظارا لاستيفاء 40% من قيمة العقد بينها وبين الدولة والمقدّرة بمليون ومئة الف دولار اميركي، أكد مرجع مسؤول في وزارة المالية لـ”الجمهورية” عدم صحة هذه الرواية معتبراً انها “من باب الترويج الاعلامي المُسبَق سعياً الى سبق صحافي غير موجود”.
ولفت المرجع الى ان الوزارة المعنية بتنفيذ العقد مع الشركة تسعى الى توفير ما تطالب به الشركة وفق العقد الموقع معها، وان استغرقت الاجراءات المالية والاستشارة بعض الوقت فإنّ الشركة ستستوفي حقوقها كاملة. وقال ان الشركة اكتفت بما تسلّمته من مستندات من مصرف لبنان ولم تطلب أي معلومات إضافية حتى الساعة.