في ظل رقصة تانغو للمسارين التفاوضي والعسكري في أوكرانيا بالتقدّم خطوة والتراجع أخرى وإكمال نقلة القدم اليمنى بالقدم اليسرى، يبدو أن المشهد الأوكراني على موعد مع مد وجزر، ظهر بالتهدئة العسكرية النسبية، بالتوازي مع المسار التفاوضي، بينما لم يتوقف العمل العسكري المحوري الهادف لاستهداف البنى التحتية العسكرية الأوكرانية وفرض السيطرة على خط الإمداد عبر حدود بولندا، وتجفيف موارد الطاقة عن الآلة العسكرية الأوكرانية، بينما تفاوضياً تستمر سياسة الخطوة خطوة الروسية بهضم التراجعات الأوكرانية والمضي قدما، بعدما نجحت موسكو بالحصول على وثيقة خطية أوكرانية تلتزم بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو وعدم امتلاكها أسلحة نووية، وتفتح الطريق للتسليم بوضع القرم والدونباس تحت العهدة الروسية، فيما يتقدم التفاوض والضغط على مسار إمداد روسيا لأوروبا بالغاز والنفط عشية انتهاء مهلة الانتقال الى الدفع بالروبل، وهو ما كان موضوع تفاوض مباشر بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني أولاف شولتز، بدا انه حقق تقدماً نسبياً لجهة تأكيد ألمانيا حرصها على التوصل الى حل يحافظ على حصولها على الغاز الروسي الذي يعادل قضية حياة أو موت بالنسبة لها، ورد روسيا بالحاجة للبحث عن صيغة تضمن الانتقال الى الروبل، وترجيح مصادر روسية ان يتم تمديد المهلة سعياُ للتوصل الى حل وسط بالتزامن مع ظهور تمايزات داخل الصف الأوروبي من جهة، وبين أوروبا وأميركا من جهة أخرى، بينما كان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف يجتمع بنظيره الصيني وانغ يي، ويعلن أن موسكو وبكين تعملان لبناء نظام عالمي جديد قائم على تعدّد الأقطاب.
إقليمياً ملفات متداخلة تبدأ بالارتباك الإسرائيلي بعد عملية الاستشهادي الفلسطيني ضياء حمارشة التي هزت الكيان، وحرمته من الاحتفال بالصورة التذكارية مع وزراء خارجية التطبيع، ووضعته كما قال رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت أمام تحدي مواجهة المزيد من نزف الدماء، في ظل ترجيحات أمنية بأن يكون شهر رمضان الذي يبدأ بعد أيام شهراً ساخناً.
في الملفات الإقليمية فشل الرهان الأميركي الخليجي على استثمار نتائج الانتخابات العراقية لجعل حكومة أغلبية تستثني فصائل المقاومة ترجمة تلقائية لحصاد أغلبية المقاعد النيابية، مع تعثر إمكانية تأمين نصاب الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس العراقي الجديد، الذي يشكل انتخابه معبراً إلزامياً للاستحقاق الحكومي، ورجحت مصادر عراقية أن يدخل العراق في استعصاء مديد يصعب معه دون التوافق تأمين نصاب انتخاب رئيس وإطلاق المسار الحكومي، ويصعب كذلك تأمين النصاب ذاته لحل المجلس النيابي والذهاب الى انتخابات جديدة.
وفي الإقليم بقي اليمن حاضراً مع إعلان مجلس التعاون الخليجي لوقف إطلاق النار، ورد أنصار الله بلغة مبدئية تفتح الباب لتثبيت الهدنة شرط الذهاب لرفع الحصار، دون تحديد مهلة لذلك، ما يبقي الباب مفتوحاً لتفاوض يديره الوسطاء على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، بينما يمسك انصار الله بـ «الثلث الضامن» عبر امتلاك قدرة تهديد العمق السعودي وموارد الطاقة والمنشآت النفطية الحيوية.
لبنانياً، تواصلت المفاوضات مع وفد صندوق النقد الدولي الذي وصل بيروت وزار قصر بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بينما عقدت الحكومة في بعبدا جلسة انتهت بإقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول معدّلاً ليتم إرساله الى مجلس النواب تمهيداً لإقراره في جلسة تشريعية الشهر المقبل، باعتباره من المطالب الرئيسية التفاوضية لصندوق النقد الدولي.
في الشأن السياسي والانتخابي، مع نهاية مهلة الانسحاب من الترشيح، وتسارع ما تبقى من وقت لتسجيل اللوائح الانتخابية حتى يوم الاثنين المقبل، أعلن حزب الله برنامج مرشحي الوفاء للمقاومة الذي نص على أولوية الإجراءات العلاجية للمشاكل الاقتصادية والمالية، ووضع في الأولوية إقرار خطة التعافي المالي والاقتصاد.
فيما يسير قطار الانتخابات النيابية على السكة الصحيحة وبانتظار وصوله موعد الاستحقاق بسلام، تتلهى الساحة الداخلية بجملة من الملفات الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية التي تصدرت الواجهة أمس.. فبالتزامن مع وصول وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت، أقرّ مجلس الوزراء قانون «الكابيتال كونترول»، مع إدخال بعض التعديلات عليه، بناء لملاحظات بعض الوزراء.
وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أن «التعديلات على قانون الكابيتال كونترول تعديلات بسيطة لا بالجوهر وشملت تركيبة اللجنة، فبدل أن تتألف من رئيس الحكومة او من ينتدبه ووزير المال والاقتصاد ومصرف لبنان أصبحت من مصرف لبنان ووزارة المال وخبيرين اقتصاديين وقاض من درجة 18».
ونال هذا البند حيزاً هاماً من مناقشات مجلس الوزراء، وأثار جدالاً وخلافاً بين الوزراء، فقد أفادت المعلومات بأن وزراء حزب الله وحركة أمل اعترضوا على الصيغة النهائية لمشروع قانون الكابيتال كونترول لجهة صلاحيات اللجنة التي ستبت بطلبات السحب. وبعد ملاحظات الوزراء طلب ميقاتي إدخال هذه التعديلات على المشروع لسدّ الثغرات فيه، ولكي يحظى بتوافق الجميع.
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أن ميقاتي بذل كافة الجهود مع المراجع المعنية واستخدم كافة وسائل الضغط السياسي والمالي والنقدي لا سيما التهديد بالاستقالة من الحكومة وتجميد المفاوضات مع صندوق النقد لكي يمرّر قانون الكابيتال كونترول»، وعلمت «البناء» أيضاً أن ميقاتي تبلغ من إدارة صندوق النقد أن تخلف الحكومة عن إنجاز الإصلاحات سيهدد استمرار المفاوضات، وأن على الحكومة إنجاز الإصلاحات وأولها الكابيتال كونترول وتنظيم التحويلات والسحوبات قبل وصول وفد الصندوق الى لبنان. ولفتت المصادر الى «أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء ستحيل اقتراح القانون الى الامانة العامة لمجلس النواب لإحالته الى اللجان النيابية المشتركة لدراسته وإحالته الى الهيئة العامة لإقراره. وأشارت المصادر الى أن «لا مفر من اقرار الكابيتال كونترول في مجلس النواب»، مرجّحة أن يدعو رئيس المجلس نبيه بري الى جلسة عامة لمناقشته خلال الشهر المقبل بعد انتهاء اللجان من مناقشته».
وفي سياق ذلك، وافق مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس الحكومة والوزراء، على طلب وزير المال يوسف خليل، سداد الدفعات المستحقة للبنك الدولي ومكاتب التدقيق الجنائي، كما وافق على طلب وزير الطاقة وليد فياض تحويل مبلغ 76 مليون دولار فريش، لتأمين سلامة الاستثمار في قطاعات الإنتاج والمعامل.
واعتبر وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، في تصريح على وسائل التواصل الاجتماعي، الى أنه «ما بين الاستقراض ومصطلح آخر حرفان اذا ما دخلنا معهما في حالة غفلة يخسر مجلس الوزراء القدرة على حفظ البقية الباقية من الاحتياطي الإلزامي لاستعمالها حصراً لشراء أدوية الأمراض المستعصية والقمح على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات». وتابع: «طار عقد «الاستقراض» عساه لا يحطّ مجدداً على طاولة الحكومة».
ولفتت مصادر إعلامية إلى أنّ اتفاقية الاستقراض بين الحكومة اللبنانية ومصرف لبنان، أقرّت وفق آلية تستدعي طرح كل دفعة تتوجب على الحكومة في مجلس الوزراء، والاستحصال على موافقة المصرف على إقراضها.
وعرض رئيس الجمهورية ميشال عون في مستهل الجلسة لنتائج زيارته إلى الفاتيكان وروما، موضحًا «أنني طلبت مساعدة البابا فرنسيس، في حل مسألة النازحين السوريين من خلال تقديم المساعدة للسوريين في ديارهم، بدل مساعدتهم في لبنان، وجدّدت دعوته لزيارة لبنان»، لافتًا إلى أنه «لا يجوز الحديث عن التفرّد عند طرح أية قضية، طالما ان كل مبادرة ستكون في النتيجة أمام مجلس الوزراء، لمناقشتها ثم مجلس النواب اذا اقتضى الأمر، لذلك لا يمكن لأحد أن يتفرّد بشيء».
بدوره، أشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى أنه «منذ تسلمنا المسؤولية ونحن مدركون حجم التحديات التي تواجهنا. أمامنا مسؤوليات جسام في وقف الانهيار الحاصل في البلد ومعالجة ما أمكن من ملفات ووضع الملفات الأخرى على سكة الحل. من هنا كانت صرختي بالأمس حول وجوب التوقف عن المناكفات.»
ولفت ميقاتي، الى أن «المجتمع الدولي كله مساند لنا ويدعم الحكومة بكل معنى الكلمة، وهذا الأمر لمسته أيضاً خلال زيارتي الى قطر، وخلال لقاءاتي مع امير قطر ورئيس الحكومة ووزراء خارجية قطر وسلطنة عمان والكويت والأردن». واعتبر أن «هدفنا حماية الناس وإنهاض الاقتصاد، في الوقت الذي يصوّب البعض حملاته على الحكومة لأهداف انتخابية فيما الوطن هو الذي يدفع الثمن. ندائي الى الجميع بتحمل المسؤولية ونحن في انتظار إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد».
الى ذلك، أعلن وزير الزراعة عباس الحاج حسن، أن مجلس الوزراء «وافق على خطة وزارة الزراعة للنهوض بقطاع القمح، وهي المرة الأولى التي نضع خطة لمشروع وطني بامتياز»، معتبرًا «أننا نحتاج إرسال رسالة للفلاحين ان الحكومة تتعهد بأن تتسلم كل أنواع القمح والشعير، وسنقف إلى جانب المزارع اللبناني».
ولفت، خلال مؤتمر صحافي من بعبدا اثر انتهاء الجلسة إلى أنّ «الحكومة اللبنانية أكدت أنها تلتزم بهذا الامر حتى نبعث رسالة للخارج وللهيئات التي تحاول ان تساعدنا»، مشيرًا إلى «أنّنا يمكن أن نؤمن العام المقبل، أكثر من 30 بالمئة من القمح الطري محليًا».
ومن جهته، طمأن وزير الاقتصاد أمين سلام، بعد الجلسة أن «ما يثار عن الشح في مادة القمح غير صحيح، والأرقام في الوزارة حتى اليوم مطمئنة، ويتم استكمال استقدام البواخر، والاستيراد سار كما هو معهود، ونحاول الحصول على احتياطي إضافي، والسكر موجود والزيوت موجودة على الأقل لمدة شهرين، ولكن بعد ذلك الخوف من أنها قد ترتفع الأسعار».
وقال: «نعمل مع البنك الدولي على مشروع الأمن الغذائي، وأصبحنا بمرحلة متقدمة، وهو مشروع بقيمة 150 مليون دولار للأمن الغذائي وبطليعته القمح، سيؤمن 6 أو 7 أشهر للأمام، والهدف جزء منه تأمين استمرار تدفقها وعدم انقطاعها، ولوضع آلية لاستيراد القمح وتنمية القطاع الزراعي».
وإذ كان من المفترض ان يشارك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الجلسة لو عقدت في السراي، رأس سلامة قبيل جلسة مجلس الوزراء اجتماعاً للمجلس المركزي لمصرف لبنان، وذلك للبحث في موضوع إقراض الدولة من العملات الأجنبية وفق قدرات مصرف لبنان، والأولوية لقطاعَي الكهرباء والدواء. وبعد الاجتماع اعلن سلامة أن المجلس وافق على تمديد العمل بالتعميم الرقم 161 لغاية نهاية شهر نيسان المقبل، قابل للتجديد.
وكان محيط القصر الجمهوري في بعبدا، شهد اعتصاماً لرابطة الأساتذة المتعاقدين قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، وطالب المعتصمون وزير التربية عباس الحلبي بالبتّ بملف الجامعة اللبنانية المتعلّق بالعمداء والملاك والمتفرغين والمدربين من خارج جدول الأعمال. وحاول الأساتذة الجامعيين قطع الطريق والقوى الأمنية منعتهم من ذلك.
وكانت بعثة من صندوق النقد برئاسة رئيس البعثة أرنستو راميريز، وصلت بيروت أمس، وجالت على المسؤولين، وأفاد مصدر لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) أن وفداً من الصندوق بدأ مهمّة جديدة في لبنان الغارق في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، في إطار مفاوضات للتوصل الى اتفاق على خطة تعاف مالية، على أن تمتد المهمة لأسبوعين».
وأوضح نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، في تصريح للوكالة، «أننا نأمل التوصّل الى اتفاق أولي في غضون أسبوعين من النقاشات».
وكان رئيس الجمهورية استقبل البعثة وعرض معها مسار المفاوضات مع الجانب اللبناني، لإطلاق خطة التعافي الاقتصادي والمالي. واطلع الرئيس عون من راميريز على نتائج الاتصالات القائمة مع الحكومة اللبنانية في موضوع خطة التعافي المالي والاقتصادي، حيث لاحظ الوفد تقدمًا في مسار المفاوضات، من شأنه أن يؤدي الى توقيع اولي على مذكرة تفاهم قبل التوقيع على العقد النهائي.
وطلب الوفد التزامًا من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، بالسير نحو إنجاز الإصلاحات المطلوبة للخطة كاملة، لا سيما منها إقرار «الكابيتال كونترول» وإدخال تعديلات على قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي بما في ذلك مصرف لبنان، ليكون على مستوى معايير الحوكمة.
وبعد الجدال الذي أثير حول مسألة سياسة الدعم التي اعتمدها مصرف لبنان إبان حكومة الرئيس حسان دياب، خرج دياب عن صمته، في بيان توضيحيّ أكد فيه أن «قضية الدعم كان معمولاً بها منذ أن بدأ الانهيار المالي، وقد أعلن مصرف لبنان في أيلول 2019 بدء تنظيم تمويل استيراد القمح والأدوية والمحروقات وفقاً للسعر الرسمي للدولار الأميركي الذي يبلغ 1507 ليرات، في حين كان الدولار قد بدأ بالارتفاع في السوق السوداء تدريجياً فوق السعر الرسمي»، وكشف أن «احتياطي مصرف لبنان الفعلي كان يوم نيل حكومتي الثقة في 11 شباط 2020، استناداً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، هو نحو 22 مليار دولار أميركي فقط، وأن احتياطي مصرف لبنان عند انتهاء فترة تصريف الأعمال للحكومة في 9 أيلول 2021، كان 14 مليار دور أميركي».
كما أوضح دياب في البيان أن «الإنفاق على دعم الطحين والأدوية ومن ضمنها أدوية السرطان وحليب الأطفال والمواد الغذائية والمحروقات، إضافة إلى تشغيل معامل الكهرباء وتسديد مستحقات وتشغيل وصيانة معدات وآليات الدولة، خلال سنة ونحو ثمانية أشهر، لم يتجاوز 8 مليارات دولار فقط، علماً أن كلفة تشغيل الدولة كانت تبلغ سنوياً نحو 7 مليار دولار في السنة الواحدة».
على صعيد آخر، يواصل رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان والوفد المرافق زيارته الى روسيا، حيث التقى أمس المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وأقام له مأدبة غداء في مقرّ الخارجية الروسية، تداولا خلالها في المستجدات الدوليّة والإقليميّة.
واعتبر أرسلان خلال اللقاء أن «ما تتعرّض له روسيا الاتحادية من حملات من بعض الدول سببه الأساسي فرضها التوازنات الجديدة في العالم ومحاربتها للإرهاب والمنظمات التكفيرية في منطقتنا، خصوصاً بعد اندلاع الحرب الكونية على سورية، وتأتي هذه الهجمة كردٍ دولي على إفشالها لمخططات التقسيم في المنطقة ومساهمتها في دعم شعوبنا بالصمود والانتصار على الإرهاب».