وسط “ظلال” حضور بعثة صندوق النقد الدولي في بيروت، والمؤشرات التي توحي بإمكان توقيع الاتفاق الإطاري الأولي بين الصندوق والحكومة اللبنانية بعد جولات من المفاوضات، بدا مجلس الوزراء امس كأنه استجاب بسرعة للموجب الأساسي لهذا الاستحقاق من خلال مسارعته الى استدراك خطأ طرح مشروع الكابيتال كونترول بالطريقة الأخيرة التي فتحت للنواب والكتل باب التوظيف الانتخابي من باب رفضه. وإذ ترجمت المبادرة الحكومية بإقرار مجلس الوزراء المشروع نفسه، ولكن بعد ادخال تعديلات عليه خصوصا لجهة تغيير تركيبة اللجنة المولجة بالإجازة لعملية السحوبات المصرفية وإحالته على مجلس النواب سعيا الى اقراره في فترة قريبة قبل “إجازة” البرلمان الحالي عشية الانتخابات النيابية، فان ذلك لم يحل دون تسجيل ملاحظات وزارية على المشروع وتعديلاته منها تسجيل وزراء الثنائي الشيعي اعتراضهم على نقاط عدة فيه بما فيها اللجنة بتركيبتها المعدلة.
واعترض وزراء الثنائي معتبرين انه لم يلحظ بعض النقاط الجوهرية وأهمها المتصلة بالمودعين، اي انه لا يظهر في القانون كيفية حفظ حقوق المودعين ولم يضع جدولا زمنيا لتفاصيل استعادة الأموال ولم يتصل بخطة تعافي، كما على مبلغ السحب الشهري المحدد بألف دولار. وأكدت مصادر الثنائي الشيعي الوزارية، لـ”النهار”، أننا “رفضنا مشروع الكابيتال كونترول بصيغته الحالية وسجلنا اعتراضنا نظراً لوجود ملاحظات عدّة”.
والواقع ان الجلسة عقدت في قصر بعبدا وسط مناخات مشدودة للغاية على خلفيات ملفات تجري معارك سياسية بين الرئاسات الثلاث ومكونات الحكومة كافة حولها ومن ابرزها الملفات المالية والمصرفية ووضع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والتشكيلات الديبلوماسية التي كان يفترض ان تعرض بشكل اولي امس في جلسة مجلس الوزراء ولم يحصل ذلك. وثمة مصادر وزارية تؤكد ان مناخ العد العكسي للانتخابات النيابية بدأ يلفح بقوة واقع الحكومة بدليل المداخلة التي ادلى بها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي امس مكررا فيها اطلاق الرسائل في اتجاه سائر مكونات الحكومة كأنه يحذر من انفراط عقدها تحت وطأة التوظيف السياسي والانتخابي خصوصا في الملفات الأشد حساسية المتصلة بالازمة المالية والمصرفية كما بتأثير الاهتزازات الحكومية على الانتخابات النيابية.
مداخلات
وفي سياق الجلسة عرض رئيس الجمهورية ميشال عون لنتائج زيارته إلى الفاتيكان وروما، وقال: “طلبت مساعدة قداسة البابا في حل مسألة النازحين السوريين من خلال تقديم المساعدة لهم في ديارهم بدل مساعدتهم في لبنان، وجددت دعوة قداسته لزيارة لبنان”. وأكد أنه “لا يجوز الحديث عن التفرد عند طرح أي قضية طالما ان كل مبادرة ستكون في النتيجة امام مجلس الوزراء لمناقشتها ثم مجلس النواب اذا اقتضى الأمر، لذلك لا يمكن لأحد ان يتفرد بشيء”.
بدوره، قال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي: “منذ تسلمنا المسؤولية ونحن ندرك حجم التحديات التي تواجهنا. أمامنا مسؤوليات جسام في وقف الانهيار الحاصل في البلد ومعالجة ما أمكن من ملفات ووضع الملفات الاخرى على سكة الحل، من هنا كانت صرختي بالامس حول وجوب التوقف عن المناكفات”. أضاف: “المجتمع الدولي كله مساند لنا ويدعم الحكومة بكل معنى الكلمة، وهذا الأمر لمسته ايضا خلال زيارتي الى قطر، خلال لقاءاتي مع امير قطر ورئيس الحكومة ووزراء خارجية قطر وسلطنة عمان والكويت والاردن”. وقال: “هدفنا حماية الناس وانهاض الاقتصاد، في الوقت الذي يصوب البعض حملاته على الحكومة لأهداف انتخابية، فيما الوطن هو الذي يدفع الثمن. ندائي الى الجميع بتحمل المسؤولية ونحن في انتظار انجاز الاتفاق مع صندوق النقد”.
صندوق النقد
وكان عون التقى رئيس بعثة صندوق النقد الدولي ارنستو ريغو راميريز على رأس وفد من الصندوق، حيث جرى عرض المراحل التي قطعتها المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، والرؤية التي يملكها الصندوق من اجل المساهمة في تخطي لبنان الازمة التي يعاني منها. واطلع عون من راميريز على نتائج الاتصالات القائمة مع الحكومة اللبنانية في موضوع خطة التعافي المالي والاقتصادي. ولاحظ الوفد تقدما في مسار المفاوضات من شأنه ان يؤدي الى توقيع اولي على مذكرة تفاهم قبل التوقيع على العقد النهائي. وطلب الوفد التزاماً من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، بالسير نحو انجاز الإصلاحات المطلوبة للخطة كاملة ، لا سيما منها إقرار “الكابيتال كونترول” وإدخال تعديلات على قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي بما في ذلك مصرف لبنان، ليكون على مستوى معايير الحوكمة.
في غضون ذلك لم يحضر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جلسة مجلس الوزراء ورأس بعد الظهر اجتماعاً للمجلس المركزي لمصرف لبنان، خصص للبحث في موضوع إقراض الدولة من العملات الأجنبية وفق قدرات مصرف لبنان، والأولوية لقطاعَيّ الكهرباء والدواء. وبعد الاجتماع اعلن أن المجلس وافق على تمديد العمل بالتعميم الرقم 161 لغاية نهاية شهر نيسان المقبل، قابل للتجديد.
ويشار الى انه قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، شهد محيط القصر الجمهوري في بعبدا، اعتصاما لرابطة الأساتذة المتعاقدين، وطالب المعتصمون وزير التربية عباس الحلبي بالبتّ بملف الجامعة اللبنانية المتعلّق بالعمداء والملاك والمتفرغين والمدربين من خارج جدول الاعمال.، وقد حصل تضارب بين الاساتذة والقوى الامنية لمنعهم من قطع الطريق وتعرض المعتصمون للممارسات اتسمت بالخشونة اثارت استغرابا واسعا.
جعجع : الحزب والشيعة
على الصعيد السياسي والانتخابي توجه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بعد اجتماعه امس مع المرشحين المدعومين من القوات في دائرة جبيل الى المواطنين الشيعة في لبنان عموما وجبيل خصوصا، بالقول: “لو ان البعض يراها “غريبة عجيبة”، لا يحاولن احد ان يفصل بيننا وبينكم، فاكثر من يتعذب اليوم هم المواطنون الشيعة، حال جميع اللبنانيين، على خلفية تصرفات “حزب الله”، اذ هناك تضييق على الشيعة في العالم ولا سيما في لبنان. من هذا المنطلق، نؤكد لكم ان وجعكم وجعنا، والحلول التي نطرحها للخروج من الازمة التي يتخبط بها لبنان تصب في مصلحة الجميع من كل الطوائف، وليس المسيحيين فقط، باعتبار اننا نعيش في “جهنم واحد” من صناعة واحدة معروفة المصدر. هذه الازمة جمعتنا وجعلتنا نتخطى كل الحدود كي نتوحد، وفي حال “وفقنا الله” ونلنا ثقتكم، تأكدوا ان الحلول ستكون لمصلحتكم كما لمصلحة كل اللبنانيين”. وجدد جعجع التأكيد ان “القوات” لا ترشّح او تدعم لوائح ومستقلين لمجرد الحصول على عدد اضافي من النواب، بل تخوض العملية الانتخابية لانقاذ البلد من الوضع الراهن”. وأوضح من جديد ان “هناك مشروعين يتصارعان في البلد: مشروع “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” من جهة، ومشروع “القوات” وحلفائها من جهة اخرى”، آملا “من كل مواطن لبناني ان يعي اين مصلحته ومستقبله ويتصرف وفق هذا الأساس”.
يشار على الصعيد الانتخابي الى ان عملية تسجيل اللوائح في وزارة الداخلية رست امس على 15 لائحة من كل الدوائر الانتخابية ، على ان تستأنف عملية التسجيل اليوم ضمن الدوام الرسمي ليعاود الاثنين 4 نيسان وحتى منتصف الليل موعد اقفال باب تسجيل اللوائح حسب القانون.