بانتظار ما ستخلص إليه بعثة صندوق النقد الدولي بنهاية مهمتها المستمرة في بيروت حتى منتصف نيسان الجاري، يواصل أركان الحكم والحكومة نهج “ترقيع الحلول وتقطيع الوقت” وتقاذف المسؤوليات على أرضية الانهيار في سياق خطة ممنهجة ترمي إلى تضييع غريم الشعب اللبناني وتجهيل المرتكبين وتحوير الوقائع وتزوير الحقائق في مسببات ما وصل إليه البلد من ذل وبؤس وفقر حال… فهل ينجح وفد “الصندوق” في مهمته “المفصلية” الراهنة، كما وصفتها مصادر مواكبة لهذه المهمة، أم تنتصر نظرية “فليذهب صندوق النقد إلى الجحيم” التي يرفع لواءها الثنائي الشيعي رفضاً لشروط الصندوق الإصلاحية؟
وأمام العجز الرسمي الفاضح عن إحداث أي خرق إصلاحي في جدار التأزم تحت سطوة أكثرية 8 آذار الحاكمة، لم يجد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحت وطأة اشتداد الخناق على اللبنانيين، معيشياً واجتماعياً واقتصادياً، أفضل من تحفيزهم على “الجهاد الزراعي” داعياً إياهم إلى “زراعة القمح بنوعيه الطري والصلب لمواجهة الظروف الصعبة والنهوض بلبنان”، بينما أطل رئيس الجمهورية ميشال عون من “على شرفة” الانهيار أمس لطمأنة شعبه إلى أنه عازم على مواصلة “الجهاد المالي” في ملفي الكابيتال كونترول والتدقيق الجنائي حتى الرمق الأخير من ولايته، مشدداً على أنه “لن يترك” سدة الرئاسة قبل أن يكشف “كل واحد فاسد”، تاركاً مهمة النهوض بلبنان إلى من سيخلفه في قصر بعبدا، غير أنّ أوساطاً معارضة توقفت عند العبارة التي استخدمها عون في معرض توصيف أدائه الإصلاحي لناحية قوله: “أنا هلق عم هبّط البناية وإنتو من بعدي عمْروا”، فرأت فيها “أصدق تعبير وأدقّ تشخيص لنتائج العهد “الهدّامة” للبلد”.
واستغربت الأوساط نفسها ما وصفته بحالة “الانفصال عن الوقائع” التي طغت على مجمل محاور كلام رئيس رئيس الجمهورية أمام المجلس التنفيذي الجديد للرابطة المارونية، سواءً لناحية “تحميل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة مسؤولية هدر المال العام بينما كان عون نفسه هو من طرح التمديد لولايته على رأس الحاكمية في مجلس الوزراء”، أو لجهة “تجاهله في سياق التصويب على عدم جواز دعم الدولة بالدين، حجم الخسائر المالية التي كبّدها وزراء “التيار الوطني الحر” للخزينة في ملف دعم الكهرباء والتي راكمت ما مجموعه ثلثي الدين العام على الدولة”، فضلاً عن “تعاميه عن مسؤوليته الشخصية والسياسية في تغطية ممارسات “حزب الله” التي أدت إلى عزل لبنان عربياً ودولياً وخروج رؤوس الأموال من البلد”… أما حديثه عن استحالة إصلاح القضاء “طالما بقي ممسوكاً”، فوضعته الأوساط المعارضة “برسم العهد وتياره قبل سواهما في ظل الأداء القضائي الاستنسابي “الممسوك” الذي تنتهجه القاضية غادة عون”.
وعلى الضفة المقابلة، برز موقف لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمس صوّب فيه على النتائج الكارثية للتحالف القائم بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، مستغرباً الشعار الذي أطلقه “حزب الله” في معركته الانتخابية “باقون نحمي ونبني”، فسأل بالنسبة لـ”نحمي”: “من طلب منكم هذه الحماية؟ هذا الدور في لبنان كما في كل دول العالم يعود الى مؤسسات الدولة والجيش اللبناني والاجهزة الامنية، فضلاً عن العلاقات الدولية”، أما بالنسبة لـ”نبني”، فـ”حزب الله” في السنوات الأربع الماضية تمتّع بالاكثرية النيابية، الى جانب رئيس جمهورية “على إيدو”، فضلاً عن حصولهم على أكثرية الثلثين وما فوق في كل حكومة، فما الذي حققوه مع هذه الاكثريات كلها؟ كانت نتيجة “هذا البناء” الكارثة الأكبر التي حلّت على الشعب اللبناني في تاريخه”.
وإذ حذر من أن “وجود “حزب الله” كما هو يشكل خطراً كبيراً على الشعب اللبناني”، تساءل جعجع: “عندما نرى أن “الحزب” متحالف مع “التيار الوطني” في كل المناطق ويسعى لإقناع حلفائه بالتصويت لـ”التيار” والوزير جبران باسيل، أين يكون البناء؟ وكيف بدو يبني؟” ألم يلمس مدى الفساد واللاكفاءة والفشل في إدارة أمور البلد؟ ومسألة الكهرباء هي الدليل الساطع على ذلك، ورغم هذا يتحالف “حزب الله” مع جبران باسيل على مساحة الوطن وبالتالي شعاره “باقون نحمي ونبني” لا بيحمي ولا بيبني”.
وخلص جعجع إلى التأكيد على كون “حزب الله” هو بمثابة “المساهم الأكبر في ما وصلت إليه الاوضاع في لبنان، فيما الأهم والأسوأ انه يخطط ليتابع في المسار نفسه من خلال هذا التحالف مع التيار الوطني”، ليستطرد متوجهاً إلى الناخبين من أبناء الطائفة الشيعية في ضوء ذلك بالقول: كما قلنا ولا زلنا نقول إنّ كل من ينتخب “التيار الوطني” يعني أنه ينتخب “حزب الله”، كذلك فإنّ كل من ينتخب “حزب الله” يعني أنه ينتخب “التيار الوطني”.