الاستحقاقات والملفات التي تشعل الاوساط السياسية والشعبية كثيرة، ولعل اكبر الاستحقاق الذي دخل المرحلة الحاسمة هو الاستحقاق الانتخابي المقرر في 15 أيار.
لكن الذهاب الى صناديق الاقتراع في اليوم الموعود مثقل بالالام والجروح التي اصابت وتصيب اللبنانيين نتيجة الانهيار الذي يضرب لبنان ويهدد بمزيد من التداعيات والاخطار.
يكتمل عقد اللوائح مطلع الاسبوع المقبل في معركة ابطالها القوى والاحزاب والتيارات السياسية القديمة والجديدة، بينما تشتد وطأة الازمة على المواطنين الذين باتوا محاصرين بالفواتير والغلاء والجوع. فواتير المولدات الكهربائية الخيالية، وارتفاع الاسعار الجنوني لكل المواد الغذائية والسلع، واختفاء الدواء، والاقساط المدرسية الجنونية التي باتت تقرّش بالدولار.
وقبل شهر ونصف الشهر من موعد الانتخابات يستمر السباق بين المساعي لوقف الانهيار واقتراب السقوط الكبير. وتعوّل الحكومة اليوم على الجولة الجديدة من المفاوضات التي يجريها الوفد اللبناني مع بعثة صندوق النقد الدولي التي بدأت مهمتها في الجولة الجديدة مطلع الاسبوع وتواصل اجتماعاتها ولقاءاتها مع الجهات المعنية اللبنانية خلال اسبوعين.
تفاصيل مفاوضات لبنان وصندوق النقد
وقالت مصادر حكومية لـ «الديار» امس ان بعثة صندوق النقد الدولي المؤلفة من خبراء ومختصين تجري بحثا تقنيا مفصلا مع الجهات المعنية اللبنانية في القطاعين العام والخاص، بعد لقاءاتها مع رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة.
وقالت انه يؤمل في هذه الجولة التوصل الى توقيع اتفاق مبدئي او بالاحرف الاولى بين لبنان وصندوق النقد في ختام مهمة البعثة المذكورة التي تستغرق اسبوعين والمعلوم ان الجولة الجديدة بدأت مطلع الاسبوع الجاري.
وردا على سؤال قالت المصادر ان الاتفاق المبدئي او التمهيدي المتوقع توقيعه يفتح الباب لمرحلة جديدة من اجل التوصل الى الاتفاق النهائي والتفصيلي الذي سيأخذ وقتا، والذي ينتظر ان يكون بعد موعد الانتخابات النيابية.
وكشفت المصادر عن تفاصيل ما جرى من تقدم في المفاوضات بين صندوق النقد والجانب اللبناني برئاسة نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي، مشيرا ان بعثة الصندوق عبرت امام الرؤساء الثلاثة عن ارتياحها لاداء وتعاون الوفد للبناني ولما تم التوصل اليه حتى الان.
وفي الملعومات التي توافرت لـ «الديار» من المصادر ان المسؤولين في صندوق النقد والجانب اللبناني توصلوا الى «كثير من نقاط التقارب في الرؤية بشأن خطة التعافي المالي والاقتصادي»، وجرى التشديد على تحقيق الخطوات التالية:
1-اقرار قانون الكابيتال كونترول، حيث ابدى وفد الصندوق ارتياحه لاقرار مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة مشروع القانون الذي ياخذ بمعظم ملاحظات الصندوق.
2- اعادة تنظيم مصرف لبنان، حيث شدد الوفد على وجوب اخذ كل هيئات المصرف الاستقلالية وان لا تكون تابعة لحاكم المصرف ومنها: لجنة الرقابة على المصارف، هيئة التحقيق الخاصة، وهيئات الاسواق المالية. كما يشمل التعديل المطلوب قانون النقد والتسليف وحوكمته بشكل اوسع.
3- اعادة هيكلة النظام المصرفي في اطار معالجة الوضع المصرفي في لبنان.
4- تعديل قانون السرية المصرفية.
5- تفعيل هيئة مكافحة الفساد واصدار مراسيمها التنظيمية بأسرع وقت.
واوضحت المصادر ان هناك نقطة اساسية لم تحسم بعد الى جانب بعض النقاط الاخرى، وهي تقدير الخسائر والخسارة المالية التي ادّت وتؤدي الى الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل.
واضافت ان صندوق النقد لم يتوصل بعد مع الجانب اللبناني الى اتفاق في هذا الشأن خصوصا ان هناك تضاربا في الارقام وتقدير حجم الخسارة بين الجهات اللبنانية المعنية، فالارقام متباينة بين تقديرات كل من مصرف لبنان، ووزارة المالية، والمصارف ولجنة المال النيابية التي شددت في وقت سابق على تحديد رقم موحد.
وتابعت المصادر الحكومية انه بسبب الاختلاف وعدم الاتفاق على تقدير الخسارة المالية لم تدخل المفاوضات بشكل مفصل في موضوع كيفية تحميل هذه الخسائر، لكن الاتجاه العام هو لتحميل كل من الدولة والمصارف ومصرف لبنان وكبار المودعين هذه الخسارة بنسب متفاوتة.
وشدد الجانبان اللبناني وصندوق النقد على عدم تحميل صغار المودعين اي نسبة من الخسائر، لكن تحديد سقف الودائع الصغيرة لم يبت ايضا.
ووفقا للمعلومات ايضا فقد شددت بعثة صندوق النقد امام المسؤولين وخلال المفاوضات التي تجريها على اهمية الاسراع في انجاز كل هذه المفاوضات «لان اي تأخير يهدد مالية الدولة».
الكابيتال كونترول
ومن المتوقع ان يحيل مجلس الوزراء في الايام القليلة المقبلة مشروع قانون الكابيتال كونترول الى مجلس النواب بعد الانتهاء من اعادة صياغته وطباعته على ضوء بعض التعديلات التي اضافها على الصيغة التي كانت رفضتها لجنتا الادارة والعدل والمال، والموازنة في جلستهما الاخيرة.
وعلم ان بعثة الصندوق مهمته باقرار القانون في المجلس النيابي، وقد ابلغت ذلك الى الرئيس بري في لقائها معه مؤخرا.
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ «الديار» ان المشروع سيناقش في اللجان المشتركة، متوقعة ان يواجه معارضة نيابية تعكس تحفظ واعتراض 7 وزراء على المشروع في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة اضافة الى كتل نيابية خارج الحكومة مثل كتلة القوات اللبنانية.
واوضحت المصادر انه من غير المستبعد بل من المرجح ان يصار الى اضافة بعض التعديلات على مشروع القانون في اللجان، متوقعة عقد جلسة تشريعية عامة للمجلس قبل موعد الانتخابات وخلال شهر نيسان الجاري للبت بهذا الموضوع.
وردا على سؤال قالت انه من الصعب التكهن في مصير هذا القانون من الان، وانه من الطبيعي انتظار احالة الصيغة الجديدة الى المجلس ورصد مواقف الكتل النيابية.
وفد الصندوق والمصارف
وفي هذا السياق اجتمعت بعثة صندوق النقد الدولي امس مع مجلس ادارة جمعية المصارف التي اصدرت بيانا بعد الاجتماع اشارت فيه الى انه «تمت مناقشة خطة الانقاذ المقترحة ومن ضمنها اعادة هيكلة القطاع المصرفي».
وشددت جمعية المصارف على «ضرورة العمل لحماية الودائع في اي خطة يتم الاتفاق عليها للحفاظ على الثروات الخاصة الاساسية واعادة اطلاق عجلة النمو». واكدت «تعاونها الكامل والدائم مع صندوق النقد الدولي بما فيه مصلحة المودعين والمواطنين والبلد».
ترحيل الموازنة بعد الانتخابات؟
من جهة اخرى بات واضحا ان موازنة العام 2022 التي تناقشها لجنة المال والموازنة النيابية سترحّل الى ما بعد الانتخابات النيابية. وقد سألت «الديار» رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان امس عمّا اذا كانت اللجنة ستنهي درس مشروع الموازنة قبل موعد الانتخابات، فاكتفى بالقول «نبذل اقصى جهدنا».
ووفقا لمصادر نيابية فان الشعب المتعلق بالرسوم والضرائب وبما يسمى الدولار الجمركي يواجه معارضة نيابية شديدة، الامر الذي يعزز الاعتقاد بان هناك نقاطا مهمة ستكون عالقة، وبالتالي يرجح بنسبة كبيرة ترحيل هذه الموازنة الى ما بعد الانتخابات.
موقف ميقاتي وحاكم المصرف
على صعيد آخر سجلت تطورات جديدة في الساعات الماضية على صعيد تداعيات الاتهامات والاجراءات القضائية التي تستهدف حاكم مصرف لبنان رياض سلامه في الداخل والخارج، واستمرت التكهنات حول مصيره لا سيما الحديث عن محاولات وضغوطات لاقالته وتعيين حاكم جديد.
وحول ما تردد عن تعديل في موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قالت مصادر مقربة منه لـ «الديار» امس «انه لا يدعم شخص او اشخاص ولا يتمسك باشخاص، لكن مثل هذا الامر يخضع الى الاتفاق عن بديل ومعالجة المسألة برمتها».
لكن المصادر نفسها اعتبرت ان هذا الموقف، يدل على ان رئيس الحكومة ما زال على موقفه الرافض لاقالة سلامة والمشدد على الحل المالي الشامل.
ووفقا للمعلومات فان الرئيس عون وتياره يضغط باتجاه حسم هذا الموضوع وتبديل سلامة في اسرع وقت، بينما يربط رئيس الحكومة وافرقاء آخرين القيام بمثل هذه الخطوة في إطار معالجة هذا الموضوع الحساس وفقا للمصلحة العامة.
تجميد حسابات سلامة في 5 دول اوروبية
وامس نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر قضائي كبير بان النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات طلب تجميد حسابات مصرفية اوروبية تخص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
واكد المصدر ان عويدات بعث اول امس بكتاب الى وزارة العدل اللبنانية يبلغها بانه طلب تجميد اصول مملوكة لسلامة وشركائه في بنوك سويسرا وفرنسا وبلجيكا والمانيا ولوكسمبورغ.
من جهة ثانية استأنفت النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون امس قرار اخلاء سبيل شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، واحالت الملف الى قلم الهيئة الاتهامية.
وكان قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان القاضي نقولا منصور قرر اخلاء سبيل سلامة لقاء كفالة مالية مرتفعة قيمتها 500 مليار ليرة اي ما يقارب العشرين مليون دولار.
وبعد استئناف القاضية عون يبقى رجا سلامة موقوفا الى الاسبوع المقبل لتبت الهيئة الاتهامية بالموضوع، وكذلك في الاستئناف المقدم ايضا ضد قرار القاضي منصور حول المبلغ الكبير المحدد للكفالة.
الانتخابات والحملات الانتخابية
على الصعيد الانتخابي قطعت عملية تشكيل اللوائح الشوط الاكبر قبل انتهاء المهلة المحددة بعد غد الاثنين، حيث تدخل معركة الانتخابات مرحلة الحملات التي بدأت تأخذ منحى ساخنا يؤشر الى شراسة النزال الانتخابي في موعد التوجه الى صناديق الاقتراع.
والبارز امس تأكيد الرئيس نبيه بري خلال اطلاق الماكينة الانتخابية للائحة «الامل والوفاء» في الجنوب على اهمية النتائج التي ستترتب عن الاستحقاق الانتخابي والتي ترتقي الى حجم تحديد مصير لبنان.
ويعكس كلام رئيس المجلس حجم وتأثير هذا الاستحقاق على مسار الوضع العام في البلاد، مع العلم ان المعطيات المتوفرة حتى الان لا تشير باحداث تغيير مؤثر في التوازنات السياسية داخل المجلس الجديد.
خرق سني لقرار الحريري
وما يمكن التوقف عنده عشية اكتمال عقد اللوائح هو التطور المتعلق بالوضع الانتخابي على الساحة السنيّة بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري من حلبة الصراع الانتخابي. ويتمثل هذا التطور بالموقف الصريح والحاسم الذي صدر عن مفتي الجمهورية ودعوته الى الاقبال على صناديق الاقتراع في اشارة واضحة الى تغطية حركة الترشيح والمرشحين السنّة على اختلافهم ميولا متناقضا مع موقف الحريري وتيار المستقبل.
وتعزو مصادر سياسية هذا الموقف الصريح الى الاتصالات والمساعي التي جرت مؤخرا باتجاه الرياض من قبل قوى واطراف حليفة منها «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي والرئيس فؤاد السنيورة.
وتقول ان هذه المساعي تلاقت مع رغبة المملكة في دعم حلفائها بوجه حزب الله وحلفائه، مشيرة الى ان دار الفتوى تنسجم مع هذا الموقف ومع موقفها منذ البداية بعدم مقاطعة الانتخابات.
وعشية العودة الموعودة للسفير السعودي وليد بخاري الى لبنان، لفت احراز المتمردين على قرار الرئيس الحريري خروقات ملحوظة لهذا القرار، واستطاع الرئيس السنيورة الدفع ورعاية ودعم تشكيل لوائح في بيروت، وصيدا، وطرابلس، حيث اعلنت امس اللائحة المدعومة منه مباشرة في العاصمة برئاسة الوزير السابق خالد قباني، ولائحة اخرى في صيدا تضم يوسف النقيب ومرشحين مدعومين من القوات اللبنانية. كما تمكنت القوات من تشكيل لائحة تحالف مع النائبين السابقين طلال المرعبي وخالد الضاهر في عكار.
اما ثنائي امل وحزب الله فقد اطلق ماكيناته الانتخابية في الجنوب والبقاع في احتفالات ومهرجانات حاشدة، داعيا الى الاقبال الكثيف على صناديق الاقتراع لقطع الطريق على محاولات خرق لوائح في مختلف الدوائر.
واللافت تأخر التيار الوطني الحر في تشكيل واعلان لوائحه، التي ستظهر في خلال اليومين المقبلين.
بري: مصير لبنان مرتبط بنتائج الانتخابات
وامس اكد الرئيس نبيه بري خلال حفل اطلاق الماكينة الانتخابية للائحة «الامل والوفاء» في دائرة الجنوب الثانية «ان مستقبل لبنان ومصيره وهويته وثوابته وسبل الخروج من الازمة. كلها مرتبطة بنتائج هذه الدورة الانتخابية في كل لبنان».
وشدد على ان «في الوحدة امل، نحمي ونبني، في الوحدة امل لانقاذ لبنان من الطائفية والمذهبية، ونستطيع استثمار كل ثرواتنا، فحدودنا مرسومة بالدم ولا نقبل المقايضة ولا المساومة».
ودعا الى الاقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، وقال «حذاري من الاستسلام والركون فمستقبل لبنان ومصيره مرتبط بنتائج الانتخابات وتحديدا الجنوب».
رعد: لا يمكن لأحد ان يهزمنا
واكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد في لقاء سياسي في ارنون انه « لا يمكن لأحد ان يهزمنا في لبنان ما دمنا ملتزمين المعادلة الذهبية: الجيش، والشعب، والمقاومة».
وشدد على العمل في عملية الاصلاح، لافتا الى ان حزب الله «لا يمكنه ان يقاتل الفاسدين في بلدنا، لكن يمكنه ان يضيّق عليهم ويضبطهم ويعاقبهم». وقال «الفساد في بلدنا ليس شيعياً ولا سنياً ولا مارونياً. الفساد لا طائفة له، لكن الفاسدين هم من يتلطون بالطوائف».
مفتي الجمهورية
وفي رسالة حلول شهر رمضان دعا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان اللبنانيين الى المشاركة في الانتخابات والذهاب الى صناديق الاقتراع، لافتا الى «ان اي بديل مهما كان يحصل نتيجة الانتخابات افضل من السلطة القاهرة والفاسدة»، ومشيدا بكثير من المرشحين القدامى والجدد «منهم أهل همّة وصلاح وإرادة في التغيير. الانتخابات اولا تضاهي في اهميتها شعار لبنان اولاً الذي نادينا جميعا به يوماً ما».
وتوقفت مصادر سياسية عند كلام دريان، معتبرة انه يشكل اشارة واضحة على تغطية المرشحين السنّة، على نقيض موقف الرئيس سعد الحريري وتياره. كما انه يحث الناخبين على المشاركة في الاقتراع، ما يعكس ايضا موقفا مناقضا لموقف الحريري.
رئيس المجلس الشيعي
وفي رسالة حلول شهر رمضان طالب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب بالحدّ من جشع تجار الحروب والازمات الذين يستغلون الفرص لزيادة اسعار المواد الغذائية».
وقال ان ما نعانيه وشعبنا في لبنان اليوم ليس الا احد الشواهد البارزة على حجم التآمر للقوى الغربية الحليفة والداعمة للكيان العبري اللقيط التي هالها هذا التحدي الذي يشكله لبنان الى جانب قوى الممانعة في المنطقة العربية والاسلامية، وفي مقدمها سوريا وايران وقوى المقاومة اللبنانية والشعب الفلسطيني».
المفتي الجعفري الممتاز
وفي كلمة له بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك دعا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان الى انشاء «هيئة طوارئ وطنية تتجاوز التفصيل السياسي لحماية لبنان، لافتا الى الكارثة المالية التي كشفت البلد عن اسوأ افلاس ونهب.
وكما دعا الى «طائف مالي جديد لان ابواب الكوارث اصبحت متعددة»، مؤكداً على «ضرورة تأمين اغلبية نيابية قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية لانقاذ البلد من وحشية الافلاس والحصار الاميركي».