… وفي نهاية الجولة الثانية من المشاورات مع صندوق النقد الدولي، صدر بيانان منفصلان عن كل من الحكومة وفريق الصندوق، يعلنان توصلهما إلى اتفاق وصفه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بـ«اتفاق مبدئي»، فيما وصفه الصندوق بـ«اتفاق على مستوى الموظفين». دلالة التوصيف تكاد تختزل المشهد كلّه. فهذا الاتفاق يشبه «إعلان النوايا» الذي يتطلّب العبور منه نحو «الاتفاق النهائي» مساراً يمرّ إلزامياً بتنفيذ شروط مسبقة. وقد حرص الصندوق على تضمين بيانه هذه الشروط المسبقة بحذافيرها وتفاصيلها. بعض الشروط نصّ على إقرار في مجلس الوزراء، وبعضها الآخر نصّ على إقرار في مجلس النواب. بمعنى أوضح، لن يكون هناك اتفاق نهائي مع الصندوق يقترض بموجبه لبنان ثلاثة مليارات دولار، إلا بعد تطبيق هذه الشروط. وكان لافتاً أن فريق رئيس الحكومة التزم بتطبيق هذه الشروط قبل أن يعرضها على مجلس الوزراء.
هنا، تحديداً، تظهر أهمية حصول «تفاوض» مع صندوق النقد الدولي. ففي ظل الشروط المسبقة وعرضها في بيان علني مفصّل، نُسف مبدأ التفاوض من أساسه. لكن الصندوق لم يكتف بذلك، ففي سياق عرض الشروط المطلوبة والتي التزم لبنان بتنفيذها قبل الاتفاق النهائي، أعاد الصندوق رسم «مسرح الجريمة» التي أدّت إلى الانهيار، ثم حدّد نتائجها وآليات التعامل معها. وبحسب المعلومات، أتى ذلك بعد جولات عدّة قام بها رئيس بعثة الصندوق إرنستو راميريز ريغو، على مسؤولين في الإدارات العامة وممثّلي القطاعات المدنية من أصحاب العمل ورجال الأعمال وتجمّعات المودعين، فضلاً عن لقاءات بممثلي أحزاب سياسية. هذه اللقاءات، كالعادة، تفتح الباب أمام الاجتياح الخارجي للسيادة اللبنانية، إلا أنها تأتي برحابة صدر محلية من كل قوى السلطة، بل تجعل لبنان منبطحاً بالكامل أمام الصندوق.
واستجابة للشروط المسبقة، أشيع أمس أن قوى السلطة قرّرت التعامل بجديّة مع مطالب الصندوق، وأنها ستسعى من أجل ذلك إلى إقرار ما هو مطلوب منها في مجلس النواب قبل الانتخابات النيابية، أي خلال أربعة أسابيع كحدّ أقصى. لكن المطلعين على حجم العثرات التي قد تعترض إقرار القوانين المطلوبة من لبنان، يشيرون إلى شبه استحالة إقرارها، لا سيما أن أبرز هذه القوانين المطلوبة بعنوان «المعالجة الطارئة للقطاع المصرفي» والتي يفترض أن يسبقها إقرار مجلس الوزراء «استراتيجية إعادة هيكلة المصارف» هي محور استقطاب تحالف رأس المال مع قوى السلطة. فالاستراتيجية التي يفترض أن تعترف بالخسائر وأن تغطّيها جزئياً بمسح كامل لرساميل المصارف، ليست مقبولة من المصرفيين – أصحاب الرساميل ولا من غالبية القوى السياسية المتحالفة معهم. ويضاف إلى ذلك، أن إعداد القانون لن يكون أمراً سهلاً، لأن لبنان يتكّل على الصندوق لصياغة هذه الاستراتيجية بموجباتها وأهدافها ونصوصها القانونية، وهذا يتطلب مواءمة بين هذه الأهداف وبين النصوص القانونية الموجودة، أي إنها عمل ضخم يتطلب وقتاً غير قصير. ولا أحد يعتقد بأن مثل هذه الأمور ستمرّ بسهولة. فالتعقيدات ستكون على الفاصلة والنقطة، لا سيما أن هذه الطبقة مارست الإنكار العلني على مدى سنتين ونصف سنة، ويمكنها أن تمارس الإنكار المقنّع لبضعة أسابيع.
وإلى جانب ذلك، فإن القوانين الأخرى المطلوبة من لبنان ليست محل إجماع وليست جاهزة بالكامل. فعلى سبيل المثال، التعديلات على السرية المصرفية وفق التوجهات التي يطلبها الصندوق، والتي وردت في بيانه على الشكل الآتي: «موافقة البرلمان على مراجعة قانون السرية المصرفية لجعله يتماشى مع القانون الدولي ومعايير محاربة الفساد وإزالة العوائق أمام هيكلة فعالة للقطاع المصرفي والرقابة عليه، وعلى إدارة الضرائب، والتحقيق في الجرائم المالية، واسترداد الأصول»، لن تكون مسألة يسيرة في بلد ينخره الفساد نخراً. والفساد في لبنان ليس مسألة شخصية تتعلق بعمل لصوصي أو رشوة لموظف حكومي أو غضّ نظر عن معاملة ما، بل هو من أركان عمل النظام القائم وبنية المصالح المترابطة داخله. والسرية المصرفية إحدى أدوات تفكيك هذه البنية، بالتالي لن تكون مسألة سهلة حتى في ظل توقيع كل القوى السياسية الأساسية في لبنان. فالجزء الأكبر من هذه القوى تمثّل أعمدة النظام.
القانونان الجاهزان، أو شبه الجاهزين، هما قانونا الموازنة والكابيتال كونترول. بالنسبة للأخير، لدى مجلس النواب ثلاث نسخ منه، واحدة أعدت في لجنة الإدارة والعدل، والثانية في لجنة المال والموازنة، والثالثة أتت من الحكومة أخيراً. بعض التعديلات على أحد هذه القوانين قد تفي بالمطلوب. لكن الفترة الزمنية للتوافق على هذه التعديلات وفق مواصفات صندوق النقد أمر قد لا يعجب أو لا يناسب بعض قوى السلطة ذات الثقل الوازن في المجلس النيابي. أما في ما خصّ قانون الموازنة، فإن فيه مشكلة أساسية تتعلق بسعر الصرف المعتمد. وهي المشروع الوحيد الذي يمكن الانتهاء منه سريعاً بعد الاتفاق على سعر صرف متوازن.
لكن لنأخذ، مثلاً، أمرين مطلوبين من الصندوق: تقييم مدعوم خارجياً لأكبر 14 بنكاً، كلّ على حدة، وقيام مصرف لبنان بتوحيد سعر الصرف. إلى أي مدى يمكن إنجاز هذه المسألة في وقت قصير؟ تقييم المصارف ينطوي على إشكالية متصلة بسعر الصرف. رساميل المصارف وموجوداتها مقيمة اليوم بالدولار وبالليرة، فأي سعر سيعتمد لتقييم هذه الموجودات؟ وهل تعتبر هذه الموجودات أصولاً محلية مسعّرة بالدولار المحلي، أم بالدولار النقدي، أم بالليرة؟ ما هي المعايير التي ستعتمد للسعر العادل لهذه الموجودات؟ وأي سعر صرف؟
وإذا كان مصرف لبنان نفسه قد خلق أسعاراً متعدّدة لليرة مقابل الدولار ووثّق ذلك في تعاميم مثل الـ151 والـ158، والـ161، فإن الانتقال إلى سعر صرف موحّد ليس عملية سوقية سهلة، بل تتضمن إجراءات قاسية وصعبة وقمعية. وهذا أمر مرتبط أيضاً بإرادة مصرف لبنان للقيام بهذا التغيير في ظل حاكم مشتبه فيه بالاختلاس وتبييض الأموال في 7 دول أوروبية، ويواجه تهماً مماثلة في لبنان. ومن أبرز الشروط المسبقة «إتمام التدقيق في وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، لبدء تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية»، وهذا بند متفجّر بحدّ ذاته، إذ إن الحاكم لغاية الآن يرفض فتح دفاتره، تحت عنوان السرية، والإفصاح عما يملكه فعلاً بالتفاصيل والالتزامات المترتبة عليه.
في المحصّلة، ليست هذه الشروط سهلة التحقيق، لكنها ضرورية للحصول على اتفاق. وهو اتفاق خنوع لم يفاوض فيه لبنان على مصلحة مجتمعه واقتصاده، بل بُني على مزايدات سياسية تمنح الرئيس نجيب ميقاتي حق المطالبة برئاسة الحكومة في ما بعد الانتخابات النيابية. فالبيانات الصادرة أمس لا تحسم مسألة الفوز بالاتفاق، لكنها تحسم مسألة الشروط المسبقة مع صندوق النقد الذي ذاع صيته على مدى العقود الماضية في الإسهام في إفقار الشعوب وإخضاعها. فها هي مصر أصبحت «مدمنة» على الصندوق ولجأت إليه مرتين على الأقل بعد إعادة الهيكلة عام 2016 التي حصلت بموجبها على قرض بـ12 مليار دولار. ومنذ ذلك الوقت، تشهد تحوّلاً نحو المجتمع الاستهلاكي وانخراطاً أكبر في سياسة الخنوع والإدمان على التمويل الخارجي. وقد كان مفترضاً أن نناقش قبل كل هذه الشروط المسبقة أسئلة من نوع: هل نحن بحاجة فعلاً لصندوق النقد؟ ماذا نريد من الصندوق؟ كيف نحقق مصلحة المجتمع والاقتصاد من هذه العلاقة؟ هل سيرشدنا الصندوق إلى أي نموذج اقتصاد سياسي يمكن بناؤه في لبنان؟ وهل نعلم أي نموذج يصلح للبنان في ظل كل هذه التغيرات الإقليمية والدولية؟ طبعاً لم يجر هذا النقاش، بل كان هناك رأي واحد من شقين: مع الصندوق لإجراء تغيير سياسي، وضدّ الصندوق لأنه يمحو رساميل المصارف.
نصّ مسوّدة صندوق النقد للاتفاق مع لبنان
نشر صندوق النقد الدولي النص الكامل لمشروع التفاهم مع الحكومة اللبنانية باللغة الإنكليزية، وهنا ترجمة غير رسمية له:
ملخّص
ــــ قامت السلطات اللبنانية، بدعم من خبراء صندوق النقد الدولي، بصياغة تفاهم شامل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد، واستعادة الاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وإزالة العوائق أمام خلق فرص العمل، وزيادة الإنفاق على الأوضاع الاجتماعية والبنى التحتية.
ــــ البرنامج المتفق عليه يتطلّب موافقة من إدارة صندوق النقد الدولي والمجلس التنفيذي، بعدما وافقت السلطات اللبنانية على القيام بالعديد من الإصلاحات الحيوية قبل اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.
ــــ سيكون تمويل الدعم بشروط ميسّرة للغاية من شركاء لبنان الدوليين أمراً ضرورياً لدعم جهود السلطات والتأكّد من أن البرنامج مموّل بشكل كافٍ ويمكن أن يحقق الأهداف.
استجابة لطلب السلطات اللبنانية، قامت بعثة صندوق النقد الدولي بقيادة السيد إرنستو راميريز ريغو بزيارة بيروت ــــ لبنان في الفترة من 28 آذار إلى 7 نيسان لمناقشة دعم صندوق النقد الدولي للبنان وللسلطات ولبرنامج الإصلاح الاقتصادي. وفي نهاية المهمة، أصدر السيد راميريز ريغو البيان الآتي:
توصّلت السلطات اللبنانية، وفريق صندوق النقد الدولي، إلى «اتفاق على مستوى طاقم العمل» على سياسات اقتصادية شاملة يمكن دعمها لفترة 46 شهراً، من خلال إجراءات الصندوق الممدّد والطلب إلى الصندوق الحصول على 2.173.9 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (نحو 3 مليارات دولار أميركي). تخضع هذه الاتفاقية لموافقة إدارة صندوق النقد الدولي والمجلس التنفيذي، بعد تنفيذ جميع الإجراءات المسبقة في الوقت المناسب، وبعد تأكيد الدعم المالي من الشركاء الدوليين. يهدف البرنامج إلى دعم استراتيجية السلطات في استراتيجية الإصلاح لاستعادة النمو والاستدامة المالية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، وزيادة الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنى التحتية. هذا سيحتاج إلى استكماله من خلال إعادة هيكلة الدين العام الخارجي بما يؤدي إلى مشاركة كافية من الدائنين من أجل استعادة استدامة الدين وسدّ فجوات التمويل.
يواجه لبنان أزمة غير مسبوقة أدت إلى انكماش اقتصادي دراماتيكي وزيادة كبيرة في معدلات الفقر والبطالة والهجرة. هذه الأزمة هي مظهر من مظاهر نقاط الضعف العميقة والمستمرّة التي نتجت على مدى سنوات عدة من اختلال السياسات الاقتصادية الكلية، وتغذّت على العجز التوأم (المالي والخارجي)، وعلى دعم مبالغ فيه لسعر الصرف وتضخيم القطاع المالي. واقترن ذلك بمشاكل عدة في المساءلة والشفافية ونقص في الإصلاحات الهيكلية. كل ذلك ظهر في أواخر عام 2019 مع تسارع خروج الرساميل، ما أدّى إلى التخلّف عن سداد الديون السيادية في آذار 2020، تلاه ركود عميق، وتراجع دراماتيكي في قيمة العملة اللبنانية، وتضخّم ثلاثي الأرقام. وتفاقمت الأزمة بسبب جائحة كوفيد وانفجار آب/ أغسطس 2020 في مرفأ بيروت، وفيما تتصاعد الحرب في أوكرانيا، ازدادت الضغوط على الحساب الجاري وعلى التضخّم، وأرهقت إمدادات الغذاء والوقود. وتدهورت الأحوال المعيشية للسكان، ولا سيما الأكثر هشاشة، ويرجع ذلك جزئياً إلى نقص الموارد وشبكة حماية اجتماعية قوية.
«تدرك السلطات الحاجة الملحّة لبدء برنامج إصلاح متعدّد الجوانب يستجيب لهذه التحديات، يعيد الثقة، ويضع الاقتصاد على سكّة النمو المستدام، مع نشاط أقوى للقطاع الخاص وخلق فرص عمل. في هذا الصدد، تستند خطتهم (السلطات اللبنانية) إلى الركائز الأساسية:
ــــ إعادة هيكلة القطاع المالي لاستعادة قدرة المصارف على البقاء وعلى العمل لتخصيص الموارد بكفاءة من أجل دعم التعافي.
ــــ تنفيذ الإصلاحات المالية المقترنة بإعادة الهيكلة المقترحة للدين الخارجي سيضمن استدامة الدين ويخلق مساحة للاستثمار في الإنفاق الاجتماعي، وإعادة إعمار البنية التحتية.
ــــ إعادة هيكلة المؤسّسات المملوكة من الدولة، وخاصة في قطاع الطاقة، لتوفير جودة الخدمات من دون استنزاف الموارد العامة.
ــــ تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد وغسل الأموال/ مكافحة الإرهاب (AML/CFT) من أجل تعزيز الشفافية والمساءلة، بما في ذلك عن طريق تحديث الإطار القانوني للبنك المركزي والحوكمة وترتيبات المساءلة.
ــــ إنشاء نظام نقدي وشفاف يتّسم بالصدقية والشفافية.
السياسات والإصلاحات الحاسمة في هذه المجالات، إلى جانب التمويل الخارجي الكبير، أمور ضرورية لتحقيق أهداف السلطات خلال السنوات المقبلة.
ويشمل ذلك تحسين المالية العامة وخفض الدين العام من خلال زيادة الإيرادات وتدابير الإصلاح الإداري، لضمان توزيع أكثر عدالة وشفافية لـ«العبء الضريبي». ميزانية 2022 هي الخطوة الأولى الحاسمة في هذا الاتجاه. يهدف ذلك إلى تحقيق عجز أولي بمعدل 4% من الناتج المحلي الإجمالي، مدعوماً بتغيير في قيمة الواردات الجمركية (تعبير تقني للدولار الجمركي) ولأغراض الضريبة يتم القيام بها بسعر صرف موحد. هذا من شأنه أن يسمح بزيادة بدلات موظفي القطاع العام لإعادة إطلاق الإدارة العامة و/أو زيادة الإنفاق الاجتماعي بهدف حماية الفئات الأكثر ضعفاً.
سيتم تمويل عجز الميزانية من الخارج، وسيتم إلغاء الممارسات التمويلية للبنك المركزي.
سوف يسترشد مصرف لبنان بالأهداف الشاملة لتهيئة الظروف الملائمة للحدّ من التضخم بما في ذلك عن طريق الانتقال إلى نظام نقدي جديد. وسيتم التركيز على إعادة بناء الاحتياطات بالعملة الأجنبية، والحفاظ على سعر صرف واحد محدّد في السوق، ما سيساعد ويدعم القطاع المالي، ويسهم في تخصيص أفضل للموارد في الاقتصاد، ويسمح بامتصاص الصدمات الخارجية. ولاية مصرف لبنان وبنية حوكمته، سيتم تعزيزها من خلال اعتماد إصلاح واسع النطاق على صعيد التشريعات الضرورية.
يجب استعادة صحة واستمرارية القطاع المالي حتى تتمكن البلاد من مغادرة حالة عدم اليقين القائمة، وتوفير الظروف لنموّ اقتصادي قوي. مجموع احتياجات إعادة الرسملة في النظام المصرفي كبير جداً، وكذلك يجب أن تكون الخسائر معترفاً بها مسبقاً ومغطاة، مع حماية صغار المودعين. تم تصميم استراتيجية مناسبة، لكن تنفيذها يتطلب عدداً من التغييرات التشريعية.
ستتبع هذه الخطوات الأولية إصلاحات أخرى. إصلاحات السياسة الضريبية وإدارة الواردات ستوسع من القاعدة الضريبية وتعزّز الإيرادات المحصلة. خطط شاملة لاستعادة الكلفة في قطاع الطاقة، وإدخال أطر مؤسساتية جديدة للشركات المملوكة من الدولة ستساعد على الحوكمة وتخفض النزف من الموارد الحكومية. تحديث إطار إدارة المالية العامة، تنفيذ قانون المشتريات الذي جرت الموافقة عليه أخيراً، وإقرار قانون المنافسة، إصلاح الأنظمة الإدارية ونظم التقاعد والتعويض سيزيد الشفافية وكفاءة الإنفاق. سيتم استخدام المساحة المالية التي أنشئت من خلال هذه الجهود لتحسين الحماية الاجتماعية والإنصاف بين اللبنانيين والبنية التحتية وتنمية رأس المال البشري. سيتم تعزيز أطر الرقابة المصرفية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتأمين على الودائع والأصول، ومكافحة الفساد.
ستستكمل هذه الجهود بإصلاحات جارية بالفعل، أو ستناقش مع مؤسسات أخرى متعددة الأطراف وإقليمية لديها الخبرة والتمويل، فضلاً عن تعزيز جهود السلطات لوضع أسس لاقتصاد أقوى وأكثر استدامة.
تدرك السلطات التحديات التي تواجهها في تنفيذ جدول الأعمال الطموح هذا، لكنها تعلم أن برنامج الإصلاح بالغ الأهمية لإنهاء الأزمة الحالية، ويحظى بدعم القيادة السياسية. فقد أعربوا عن التزامهم القوي لتنفيذه ومواصلة التنفيذ الحاسم خلال فترتَي الانتخابات البرلمانية والرئاسية. السلطات ملتزمة أيضاً بالتواصل لتفسير وشرح خطط الإصلاح للجمهور.
أخيراً، تتفهم السلطات الحاجة إلى الشروع في الإصلاحات في أسرع وقت ممكن، ووافقت على استكمال الإجراءات التالية قبل عرض الأمر على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي:
ــ موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة المصارف التي تعترف وتعالج مقدماً خسائر كبيرة في القطاع، فيما ستعمل على حماية صغار المودعين والحدّ من اللجوء إلى الموارد العامة.
ــــ موافقة البرلمان على تشريع مناسب للمعالجة الطارئة في القطاع المصرفي المطلوبة بشدة من أجل تنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة المصارف وإطلاق عملية استعادة صحّة القطاع المالي، وهو أمر أساسي لدعم النمو.
ــــ الشروع في تقييم مدعوم خارجياً لكل بنك على حدة لأكبر 14 بنكاً من خلال توقيع الشروط المرجعية مع شركة دولية مرموقة.
ــــ موافقة البرلمان على مراجعة قانون السرية المصرفية لجعله يتماشى مع القانون الدولي ومعايير محاربة الفساد وإزالة العوائق أمام هيكلة فعالة للقطاع المصرفي والرقابة عليه، وعلى إدارة الضرائب، والتحقيق في الجرائم المالية، واسترداد الأصول.
ــــ إتمام التدقيق في وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان لبدء تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.
ــــ موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسّطة المدى لإعادة هيكلة المالية العامة والديون المطلوبة لاستعادة القدرة على تحمل الديون، وغرس الصدقية في السياسات الاقتصادية وخلق حيّز مالي و/أو الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار الإضافي.
ــــ موافقة مجلس النواب على موازنة 2022 لبدء استعادة المساءلة المالية.
ــــ توحيد مصرف لبنان أسعار الصرف لعمليات الحساب الجاري المصرّح بها، والتي هي أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة الصدقية والقدرة الخارجية، والإرادة يتم دعمها من خلال تطبيق ضوابط رسمية على رأس المال.
المصارف تعلن بدء المعركة: رسالة تحذير إلى راميريز
بالتزامن مع إعلان الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وجّهت جمعية المصارف رسالة تحذير إلى رئيس بعثة الوفد المفاوض إرنستو راميريز، محذرة من فشل تطبيق خطّة التعافي إذا لم يجر إشراكها في المفاوضات. وحدّدت ملاحظاتها على مضمون الاتفاق بالآتي:
– تستغرب الجمعية أن يعفي الاتفاق الحكومة من مسؤوليتها رغم أنها المسؤول الأول لجهة الخسائر الائتمانية. إذ إن الخسائر التي ستتحملها الحكومة، بناءً على الاتفاق، أقلّ من تلك التي ستتحملها المصارف، علماً بأن مسؤولية الحكومة أكبر من مسؤولية المصارف.
– حدّدت الخطّة مسبقاً تعثّر المصارف، وتوقعت استخدام رؤوس أموال المساهمين لسدّ الفجوة المالية بدلاً من التفاوض «بحسن نية» مع الدائنين لتحديد الخسائر التي سيتعين على كل دائن تحملها.
– تبدو عملية توزيع الخسائر كأنها عبارة عن عملية محاسبية لسدّ الفجوة المالية، وهي لا تسمح بحصول انتعاش اقتصادي سليم. والجمعية حدّدت عدداً من أصول الدولة السيادية التي يمكن جمعها تحت إدارة خاصّة (SPV) لسدّ الخسائر من خلال عائداتها.
– يبدو أن الخطة تضع في أولوياتها استخدام أموال المصارف والمودعين للتخفيف من عبء الخسائر على الدولة، ثم تأتي أولوية إجراء الإصلاحات. تبدي الجمعية قلقها من أن هذا الأمر قد يؤدي إلى تنفيذ مفكّك وغير مكتمل لخطّة التعافي مع عواقب وخيمة على الاقتصاد.
وخلصت الجمعية إلى أن أي مفاوضات لوضع خطة يجب أن تضمن مشاركة كل أصحاب المصالح (stakeholders) أو ستكون احتمالات نجاحها معرضة للمخاطر.
جلسة تشريعية أخيرة
الخميس الماضي، أبلغ وفد صندوق النقد الرئيس نبيه بري أن مشروع الاتفاق صار شبه جاهز، وأن الصندوق على بيّنة من الوقائع اللبنانية بما فيها القوانين القائمة وإمكانية العمل على إقرار قوانين أخرى. وسمع الوفد من رئيس المجلس أن النواب في لبنان دخلوا في مرحلة الإعداد للانتخابات، لكن هناك فسحة تتيح انعقاد مجلس النواب لإقرار عدّة قوانين بينها ما يتصل بالقوانين المطلوبة من لبنان في معرض الاتفاق النهائي. وكرّر بري أن المجلس لن يوافق على أي مشروع أو اقتراح قانون يسبّب مشكلة، كما كانت الحال مع مشروع الكابيتال كونترول، قبل أن تعدله الحكومة. عملياً، يبدي رئيس المجلس إيجابية في معرض رفضه تحميل مجلس النواب أي تأخير، في سياق ردّ ضمني على محاولة رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون ونجيب ميقاتي رمي الكرة في ملعب المجلس. ولكن لا يمكن الحسم بترجمة عملانية للإيجابية الظاهرة في مواقف بري أو مواقف بقية الكتل النيابية، عبر إقرار كل القوانين قبل موعد الانتخابات. وقد جزمت مصادر معنية لـ«الأخبار» أن المجلس قد يعقد جلسة تشريعية أخيرة في الأسبوعين المقبلين، ولكن قد لا يكون ممكناً إمرار كل ما طلبه صندوق النقد. وكان بري أعلن أمس جاهزية المجلس النواب لمواكبة توصّل مجلس الوزراء إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد. واعتبر، في بيان، أن «الاتفاق المبدئي» الذي توصّلت إليه الحكومة مع الصندوق النقد الدولي «إنجاز إيجابي للحكومة على طريق معالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد». وأكد «جاهزية المجلس النيابي لمواكبة هذا الإنجاز بالعمل وبجدية كبيرة لتأمين التشريعات والإصلاحات المطلوبة».
حمية: لا معارضة ولا موافقة
التقى رئيس بعثة الصندوق إرنستو راميريز بناء على طلبه وزير الأشغال العامة علي حمية، الذي أكد له أنه ليس عضواً في لجنة التفاوض، وإن كان لديه ما يقول كوزير معني ببرامج الإصلاحات الشاملة. وسأل الموفد الدولي الوزير أن يضعه في أجواء ما يقوم به من إصلاحات وزيادة واردات الخزينة في ظل الأوضاع القائمة. وجرى نقاش تفصيلي طرح خلاله الموفد أسئلة حول المطار والمرفأ وخطّة النقل. وأعرب عن تقديره لما تقوم به الوزارة في غياب برنامج متكامل.
حمية أبلغ راميريز أنه لا توجد معارضة بالمطلق أو موافقة بالمطلق على الاتفاق مع الصندوق، وأنه عندما يصار إلى نقاش مسودة الاتفاق سيكون هناك ردّ على كل نقطة فيه. لكن الموقف المبدئي هو الآتي: دعم إقرار قانون الكابيتال كونترول شرط ضمان عدم المساس بحقوق المودعين، دعم تعديل قانون النقد والتسليف وضرورة الفصل بين الجهة التي تتولى الإنفاق والجهة التي تراقب عمليات الإنفاق، دعم كامل لبرنامج التدقيق الجنائي، دعم إطلاق نقاش وطني عام حول السرية المصرفية.