هي مرحلة “تقطيع وقت” حافلة بحقن الوريد اللبناني بالمسكّنات وإبر البنج لتخفيف عوارض انهيار البلد وإبقائه في وضعية مستقرة على فراش “الموت السريري” ريثما تنقضي المهلة الفاصلة عن موعد إجراء “العملية” الانتخابية في 15 أيار، وعندها إما يكون استئصال “أورام” السلطة الخبيثة من بنية الدولة إيذاناً ببدء رحلة التعافي والإنقاذ… أو يكون “التفشي القاتل” في مختلف مفاصل البلد، سواءً إذا ما تمّ التلاعب بتاريخ “العملية”، أو في حال إجرائها وخروج “المريض” بنتيجة تعيد إفراز “سموم” الأكثرية الفاسدة نفسها في تركيبته البرلمانية.
وبالانتظار، تتواصل حفلة “بيع الأوهام” على مسرح أهل الحكم، وآخر فصولها أمس تصوير التوصل إلى اتفاق مبدئي مع “موظفي” صندوق النقد الدولي على خطة مساعدة بقيمة 3 مليارات دولار، على أنه “النور الذي بدأ يسطع من آخر نفق الأزمة”، بينما تؤكد “الحقائق والتجارب” أنّ الالتزام الذي قطعته السلطة وتعهدت من خلاله بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة منها لقاء توقيع الاتفاق المبدئي مع الصندوق لا يعدو كونه أكثر من “كذبة 7 نيسان”، بحسب توصيف مصادر مالية، في معرض إعرابها عن القناعة الراسخة بـ”استحالة إيفاء هذه السلطة بأي من الالتزامات الإصلاحية التي نصّ عليها الاتفاق وتشكل الممرّ الإلزامي للمضي قدماً نحو الاستحصال على موافقة الهيئات العليا في صندوق النقد على تمويل برنامج العمل الإنقاذي للبنان“.
وإذ جزمت مصادر سياسية واسعة الاطلاع بأنّ “كل الملفات باتت مُرَحّلة إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، بما في ذلك تحديد مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، لفتت في المقابل الى أنّ “إبرام الصندوق الاتفاق المبدئي (بالأمس) مع لبنان إنما أتى استجابة لرغبة فرنسية في تعويم فرص التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية المستعصية”، مبديةً أسفها لكون هذا الاتفاق “ستكون مفاعيله عكسية بحيث سيعمل على تعويم السلطة عشية الانتخابات لأنه سيشكل مادة استثمار انتخابية “ببلاش” لها من دون أن تقدم فعلياً على اتخاذ أي خطوة إصلاحية عملية على أرض الواقع، خارج إطار الوعود الإنشائية الفارغة“.
وكان البيان الصادر عن اجتماع قصر بعبدا قد تضمّن إعلان رئيسي الجمهورية والحكومة، ميشال عون ونجيب ميقاتي “التزاماً راسخاً بالعمل على حلّ الأزمة ووضع لبنان على مسار النمو المستدام والمتوازن والشامل من خلال تطبيق إصلاحات بنيوية توطّد الإطار المؤسَّساتي، وتعالج أبرز مواطن اختلال التوازن الاقتصادي والمالي الكلي، وتوسّع شبكة الأمان الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة على اللبنانيين لا سيما منهم الفئات الأكثر حاجة، وتنشيط حركة الاستثمار في البنى التحتية وإعادة الإعمار”، مؤكداً دعم عون وميقاتي “بقوة البرنامج الاصلاحي الاقتصادي الذي تقوم اللجنة الوزارية المكلفة من قبل مجلس الوزراء بالتفاوض بشأن مندرجاته مع صندوق النقد الدولي”، مع التزامهما “التعاون بشكل وثيق لضمان التطبيق السريع لكل الإجراءات المتفق عليها مع الصندوق، بما في ذلك إقرار التشريعات الضرورية، بالتعاون مع المجلس النيابي، الهادفة إلى إنجاح هذا البرنامج”… وهو ما أعقبه رئيس المجلس نبيه بري بإصدار بيان يعلن فيه بدوره “الجهوزية لمواكبة هذا الانجاز (الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد) بالعمل وبجدية كبيرة لتأمين التشريعات والاصلاحات المطلوبة الضرورية الهادفة الى انجاح البرنامج المدعوم من قبل صندوق النقد وضمان ودائع اللبنانيين والمودعين“.
وعلى نية ترجمة الأقوال بالأفعال، توالت الردود الدولية المرحّبة بتوقيع اتفاق على مستوى الموظفين بين صندوق النقد ولبنان، بحيث اعتبرها الاتحاد الأوروبي “خطوة رئيسية نحو برنامج تعافٍ اقتصادي شامل مرتكز على الإصلاح”، مبدياً استعداده لتقديم الدعم في هذا الصدد. كما أشادت الولايات المتحدة الأميركية “بالعمل الجاد الذي قام به وفد الصندوق مع فريق رئيس الحكومة اللبنانية”، وأضافت في بيان: “التزم لبنان ببرنامج إصلاحي طموح وشامل، بما في ذلك الخطوات التنفيذية المسبقة التي تتضمن إصلاح قطاعه المصرفي وتحسين الشفافية وبدء الطريق نحو القدرة على الاستمرار في تحمل الديون”، ومن هذا المنطلق حثّ البيان على ضرورة “تمرير التشريعات المطلوبة بسرعة وتنفيذ جميع الخطوات المسبقة”، مقابل الإعراب عن الحرص الأميركي على “تنفيذ هذه الإصلاحات من أجل إيصال الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي إلى ثمارها للمساعدة في إنقاذ الاقتصاد وإعادته إلى مسار الاستدامة“.
تزامناً، برز مساءً إعلان وزارة الخارجية السعودية قرار عودة السفير وليد البخاري إلى بيروت “استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان، وتأكيدًا لما ذكره رئيس الوزراء اللبناني من التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ووقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمس المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي”، مشددةً في المقابل على “أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي متمثلةً بمؤسساتها وأجهزتها الوطنية“.
وإثر تبلّغه أيضاً من سفير دولة الكويت عبد العال القناعي قرار الحكومة الكويتية إعادته الى بيروت قبل نهاية الاسبوع، عبّر ميقاتي عن تثمينه الخطوتين السعودية والكويتية مؤكداً أنّ “لبنان يفخر بانتمائه العربي ويتمسك بأفضل العلاقات مع دول الخليج التي كانت وستبقى السند والعضد”، كما خصّ بالشكر وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح “على الجهود التي بذلها لعودة العلاقات اللبنانية- الخليجية الى صفائها وحيويتها“.