في دولة متهالكة تحكمها مافيات السياسة لا عجب إن تحكّم تجارها بحياة المواطنين، فالمواطن بات رهينة التجار الكبار والمحتكرين المستفيدين من انهيار مؤسسات الدولة من جهة وتقاعس الوزارات المعنية من جهة ثانية، فيما من يفترض به أن يكون العين الساهرة على أبناء الوطن منشغل في التحضير لتوريث الرئاسة قبل انتهاء الولاية التي ما أتت على الشعب اللبناني إلا بالويلات والأزمات.
أما حليفه الممانع فمنشغل هو الآخر بتأمين الفوز بثلثي مقاعد المجلس النيابي للإمساك بالبلد دستورياً، بعدما أمسك بمؤسساته وشلّ عملها على مدى سنوات، ما أسهم بشكل أساسي في الوصول الى الانهيار. بناءً على ذلك تتضح يوما بعد يوم صورة المعركة الانتخابية المصيرية القادمة، فإما سقوط البلد بشكل نهائي بيد هذه المجموعة وبالتالي انعدام الأمل بالتغيير والإصلاح وإعادة النهوض، وإلحاق لبنان رسميا بمحور إيران، وإما تأمين الحد الأدنى من التوازن الذي سيمكّن السياديين من مجابهة مجموعة الممانعة ووقف جموحها.
مصادر مراقبة أشارت لجريدة “الأنباء” الالكترونية الى أن “المعركة الانتخابية معقدة ومتشابكة في كل لبنان باستثناء الجنوب والبقاع الشمالي”، ففي الشمال توقعت المصادر أن تتوزع المقاعد في طرابلس على اللوائح الأربع الأساسية المدعومة من الرئيس ميقاتي والنائب فيصل كرامي واللواء أشرف ريفي وقدامى تيار المستقبل. وكذلك الأمر بالنسبة لعكار حيث يعيد تيار المستقبل تجديد حضوره في هذه الدائرة التي كانت الى الأمس القريب تشكل خزانه البشري. أما دائرة بشري الكورة البترون زغرتا، والتي تضم ثلاثة مرشحين لرئاسة الجمهورية، “فستشهد أم المعارك، وكذلك الأمر بالنسبة لبيروت وجبل لبنان والبقاعين الغربي والأوسط“.
أما معيشيا، وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن التوصل الى إيجابيات مع صندوق النقد تؤسس لتوقيع اتفاق مبدئي مع ليحصل لبنان على المساعدات المطلوبة، فهو لم يخف انزعاجه من المتسببين بأزمة الطحين والمتاجرين بلقمة الفقير، متهماً القسم الأكبر من أصحاب المطاحن بتخزين الطحين، إما لتهريبه الى الخارج، أو لبيعه بأضعاف سعره الحقيقي، مستفيدين من الحرب الروسية – الاوكرانية لكسب المزيد من الأرباح.
في المقتبل فإن مصادر القطاع أشارت لـ “الأنباء” الالكترونية الى أن “النقص في كميات القمح والطحين دفع بأصحاب المطاحن والأفران الى رفع الصوت ودق ناقوس الخطر، والاعلان بأن البلد على أبواب أزمة خبز لأن النقص في تسليم القمح الى المطاحن طال مختلف المناطق منذ حوالي الأسبوعين ما أدى الى توقف عدد من الأفران عن إنتاج الخبز وبالتالي زيادة الطلب عليه”، وسألت عن “مصير ربطة الخبز في ضوء إعلان أصحاب الأفران تمنعهم عن بيع الخبز خارج أفرانهم“.
بدورها مصادر نقابة أصحاب الافران استغربت في حديث مع “الأنباء” الالكترونية إعلان وزير الاقتصاد أمين سلام بأن “الوضع سليم، وأن مجلس الوزراء طلب من مصرف لبنان تأمين الاعتمادات اللازمة لإفراغ البواخر المحملة بالطحين الراسية قبالة مرفأ بيروت، خصوصا وأن إنتاج المطاحن العاملة حاليا لا يكفي لتغطية حاجة لبنان من الخبز بعد توقف أكبر مطحنة عن العمل والتي كانت تسلم خمسين بالمئة من حاجة الأفران“.
من جهته طالب مدير مكتب الحبوب والشمندر السكري جرجس برباري في إتصال أجرته معه “الأنباء” الالكترونية بضرورة تأمين مخزون استراتيجي من القمح والطحين كما كان الوضع قبل إنفجار المرفأ وتضرر الاهراءات “فمن غير المنطقي تخزين القمح في المطاحن لأنه في حال اختفى الطحين والقمح نكون أمام كارثة حقيقية، خاصة إذا لجأ البعض الى استيراد مواد غير مطابقة للمواصفات”، داعيا مصرف لبنان الى عدم التأخر بتوقيع الاعتمادات المطلوبة لإفراغ البواخر.
عضو كتلة الوسط المستقل النائب علي درويش استغرب من ناحيته في حديث مع “الأنباء” الالكترونية إصرار البعض “على افتعال الأزمات نتيجة الجشع والاستغلال الذي يلجأون اليه مستفيدين من ضعف الحكومة وبالتالي الإمعان في خلق الأزمات”، وقال إنه “على الرغم من تطمينات رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد عن توفر مادة الطحين وتوفير الاعتمادات اللازمة مازال هناك من يصر على خلق أزمة“.
وبشأن ما أعلنه الرئيس ميقاتي عن حصول تقدم في المفاوضات مع صندوق النقد أشار درويش الى انه “كان هناك مسار مكثف مع وفد الصندوق في الأيام العشرة الأخيرة نتج عنه خارطة طريق لكيفية إنجاز الاصلاحات تمهيدا لاتفاق نهائي وفعلي. كما تم وضع إطار بهدف التوصل الى نتائج ايجابية وتحديد المواضيع التي يجب العمل عليها والحصول على الأموال المطلوبة“.