عملياً، عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت ليست إنهاء للقطيعة الدبلوماسية مع لبنان، رغم البيان الذي دبّجته الخارجية السعودية لتغطية هذه العودة. إنهاء القطيعة يفترض، وفق الحدّ الأدنى من اللياقات الدبلوماسية، أن يكون قصر بعبدا والرئيس ميشال عون الوجهة الأولى للبخاري. فيما المؤشرات الأولى لحركة السفير العائد تشير إلى أن ممثل الرياض في لبنان بات «مفتاحاً انتخابياً» يدعو إلى «موائد الرحمن»، لا سفيراً دبلوماسياً، وإن كان الغموض لا يزال يحيط بالموقف السعودي الذي يحمل إشارات متناقضة حيال الاستحقاق واللوائح والمرشحين، وصولاً إلى المال الانتخابي.
مصادر على صلة وثيقة بالسعوديين أكدت أن «عودة السفير انتخابية بامتياز»، وأن «القطيعة مع العهد ورئيس الجمهورية مستمرة، فيما المصالحة هي مع خصومه وخصوم حزب الله». وقالت المصادر إنه «ليس من الضرورة أن تُعلن المملكة موقفاً من الانتخابات، لكن الشخصيات التي ستحدّد لها مواعيد في السفارة ستشكل مؤشراً للوجهة السعودية».
ويبدو الرئيس فؤاد السنيورة، حتى الآن، في مقدّم هذه الشخصيات. فقد سُجّل بعد عودة البخاري الاتصال الثاني خلال أيام بينه وبين رئيس الحكومة السابق، الذي تشير المصادر إلى أن حراكه الانتخابي «انطلق»، وأنه «بات أكثر أريحية وجرأة في ملاعبة تيار المستقبل، بعدما هالته بدايةً هجمة التخوين المستقبلية ضده باعتباره مُنقلباً على قرار الرئيس سعد الحريري»، فضلاً عن «التحرك المضاد» الذي يقوم به الأمين العام للتيار أحمد الحريري وأحمد هاشمية والماكينة الانتخابية الزرقاء، إن لجهة دعم مرشحين من تحت الطاولة أو الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات.
ويحاول السنيورة حالياً الالتفاف على هجمة «المستقبل» من داخله. فبعدما نجح في تحقيق اختراق في العائلات البيروتية التي كانت ترفضه، بدأ باستقطاب مستقبليين سابقين انضموا إلى ماكينته الانتخابية، وإن كان هؤلاء لا يزالون يحاذرون الإعلان عن نشاطهم تحسباً لرد فعل الحريري. وفي هذا السياق، فإن كثراً ممن كانوا مفاتيح انتخابية للتيار، صاروا أكثر ميلاً لدعم لائحة «بيروت تواجه». و«الصيد الأسمن» الذي نجح السنيورة في استقطابه هو النائب السابق سليم دياب الذي بدأ يتحرك بفعالية في الأوساط البيروتية دعماً للائحة «بيروت تواجه»، علماً بأنه لا يزال يحظى بعلاقات متينة مع القواعد الشعبية ويمتلك شبكة علاقات واسعة في بيروت يمكن أن يجيّرها لمصلحة اللائحة. كما بدأ السنيورة التحرك على خط نافذين ورجال أعمال مقربين من الحريري، والتأكيد لهم أن خوضه المعركة في بيروت هو «مشروع مؤقت لئلا يستبيح حزب الله المدينة، في انتظار عودة الحريري». وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن مساعي السنيورة استهدفت أخيراً أحد المقاولين الكبار المعروفين بقربهم من الحريري، إلا أن الرجل لم يكُن متحمساً لرئيس الحكومة السابق وطروحاته.
كذلك يعمل السنيورة على فتح خطوط مع معظم المرشحين السنّة، حتى أولئك الذين لن «يهضموا» دوره ويتمسكون بـ«الوفاء» للرئيس الحريري، ولو بالمواقف. قنوات السنيورة المفتوحة من فوق الطاولة وتحتها، هدفها واضح، وفق ما يردّد مطّلعون، مشيرين إلى أنه يطمح إلى رعاية كتلة نيابية تضمّ النواب الذين خرجوا من رحم تيار المستقبل كـ(محمد القرعاوي ومحمد سليمان ووليد البعريني وهادي حبيش) تحفظ نفوذه في حال أفول نجم الحريري تماماً، وتشكّل مع القوات اللبنانية والشخصيات السنّية الأخرى كالنائب فؤاد مخزومي ونبيل بدر في حال فوزه، «بيضة قبان» المجلس الجديد، وتكون مهمتها رفض التسويات التي يمكن أن تعقدها القوى السياسية، بالتماهي مع الموقف السعودي إذا ما قرّر رعاية السنيورة، على أن تكون الخطوة الأولى عدم انتخاب نبيه بري لرئاسة مجلس النواب والامتناع عن إعطاء الثقة للحكومة المقبلة.