“حُبّ الرئاسة مرضٌ روحيّ يصيب الإنسان الذي لم يتعلم التواضع بعد”… عبارة ضمّنها المطران الياس عودة عظة الأحد أمس، واختزنت في طياتها أفضل تعبير عن خلفيات صورة اللقاء الذي جمع من خلاله الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، كلاً من رئيسي ”التيار الوطني الحر” وتيار “المردة”، جبران باسيل وسليمان فرنجية، متضرعاً إلى الرب أن ”يخلّصنا من الآفات الروحية المتمثلة بحب الرئاسة والتسلط والكبرياء والاستئثار بالرأي والأنانية”.
غير أنّه، وعلى قاعدة الموازنة بين “عدم تسخيف أهمية اللقاء وعدم تضخيمه”، حرص باسيل في إطلالته المتلفزة مساءً على وضعه ضمن الإطار “الطبيعي”، باعتبار أنّ “السيّد وجه لنا الدعوة ولم أرَ سبباً لعدم تلبيتها”، نافياً أن يكون تم التطرق على مائدة “حارة حريك” إلى مرحلة ما بعد الانتخابات “لا في الملف الحكومي ولا في الملف الرئاسي”…
وفي المقابل، بدا رئيس “التيار الوطني” متماهياً مع “الأجندة الانتخابية” التي تجمعه مع ”حزب الله”، من خلال تصويبه المباشر على “القوات اللبنانية” واتهامها بتجاوز سقف الإنفاق الانتخابي و”دفع المصاري للناس في بيوتهم”، فضلاً عن الميزانية الكبيرة التي تصرفها على ”البانوهات والتلفزيونات”، بينما بادر من ناحيته إلى اتباع استراتيجية “التمسكن” سياسياً و”التبكبك” مالياً لاستجرار عطف الناخبين قائلاً: “ما معي حق “بانو”… وأعترف أنّ سمير جعجع نجح في إفشال عهد ميشال عون… وهيدا كافي ليربح”.
أما على ضفة تحالفه الانتخابي مع “الثنائي الشيعي”، فأطلق باسيل العنان لاستراتيجية “القنابل الدخانية” في سبيل التعمية على حقيقة انضوائه في حلف واحد مع “حركة أمل” بعد سيل الاتهامات التي ساقها بحق “الحركة” ورئيسها نبيه بري بالضلوع في الفساد، مستخدماً رسماً تشبيهياً لتبرير هذا الحلف بإشارته إلى أنه وبري يركبان “قطاراً واحداً” انطلق من “الحاجة المشتركة” التي تجمعهما مع “حزب الله”، بينما لكل منهما “مشهده المختلف من نافذة القطار” على أن يكون لهما “وجهتان مختلفتان عندما يصل إلى محطته الأخيرة”.
وفي معرض مضيّه قدماً على خطى “حزب الله” في تخوين الخصوم والمعارضين، اتهم باسيل جهات خارجية وسفارات بدفع الأموال منذ اندلاع ثورة 17 تشرين لبعض الأحزاب ولجمعيات مدنية و”NGOs” في سبيل إضعاف العهد وتياره وتقويض فرص نجاح أركان السلطة القائمة في الانتخابات، رافضاً في المقابل اعتبار “سلاح حزب الله” عائقاً أمام وصول مرشحين معارضين من الطائفة الشيعية إلى الندوة البرلمانية. وقال رداً على سؤال حول منع المرشحين المناهضين للثنائي الشيعي من القيام بأي نشاط انتخابي في الجنوب: “سطوة المال أقوى من سطوة السلاح”. وفي السياق عينه، لم يتوانَ رئيس “التيار الوطني الحر” عن تخوين المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار متهماً إياه بأنه “يسيّس” ملف التحقيق في جريمة المرفأ ويفسح المجال أمام استثماره انتخابياً “بإيعاز من جهات خارجية”، من دون أن يتردد في إبداء تحامله الواضح على الجيش اللبناني، بوصفه يتحمل “مسؤولية أساسية” في انفجار النيترات في 4 آب، إلى جانب تحميله مسؤولية موازية في حصول الانفجار إلى كل من “القضاء وإدارة المرفأ… وليس الجمارك”.
وإذ نفى أي إمكانية لعدم حصول الانتخابات إلا إذا حصل “حدث كبير جداً”، شدد باسيل في ما خصّ مرحلة ما بعد الانتخابات على وجوب “التخلص من كذبة التكنوقراط في الحكومة الجديدة”، مؤكداً في الوقت نفسه الحاجة إلى تنظيم “مؤتمر حوار لبناني في قصر بعبدا بمساهمة وتشجيع من أطراف خارجية” لمعالجة الأزمة اللبنانية.
على المقلب الآخر من المشهد، ومع وصول السفير القطري الجديد اليوم إلى بيروت لمزاولة مهامه الديبلوماسية، بدأ السفيران السعودي والكويتي، وليد بخاري وعبد العال القناعي، عملية تزخيم مفاعيل العودة الخليجية إلى لبنان من خلال تفعيل نشاطهما الديبلوماسي على الساحة اللبنانية، في حين ستتجه الأنظار إلى مائدة الإفطار الجامعة للقوى الوطنية والسيادية التي سيقيمها بخاري في دارة السفارة، والتي دعا إليها أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، عبر اتصال هاتفي أجراه معه مثمناً “جهوده في سبيل حماية لبنان في هذا الظرف الصعب واعادة العلاقات اللبنانية – السعودية الى طبيعتها”.
وتزامناً، لفت أمس تلقي ميقاتي اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح “جرى خلاله عرض الاوضاع اللبنانية والعلاقات بين لبنان ودول الخليج العربي، في ضوء التطورات الايجابية التي سجلت أخيراً”، بحيث أكد الصباح على أنّ “دول الخليج تتطلع إلى استقرار لبنان وأمنه واستعادة عافيته”، مشيراً إلى أنّ “الكويت لن تدّخر أي جهد لدعم لبنان ومساعدته على النهوض من جديد”.