يُنتظر ان يكون هذا الاسبوع اسبوع تثبيت علاقات لبنان العربية، بعد التطور المتمثل بعودة سفراء دول الخليج العربي تباعاً الى بيروت، وسيصل اليوم السفير القطري، ويُنتظر ان يكون هناك لقاء قريب بين السفير السعودي وليد البخاري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي كان له لقاء امس مع السفير الكويتي عبد العال القناعي. وربما تُتوّج هذه التحركات بزيارة عربية لرئيس الحكومة في وقت لاحق. وفي موازاة هذا التحرّك لتثبيت العلاقات اللبنانية ـ العربية، يُنتظر ان تنطلق الحكومة هذا الاسبوع، بدءاً من جلستها الخميس، في إعداد مشاريع القوانين الإصلاحية التي يستعجلها صندوق النقد الدولي لبدء تمويل لبنان على أساسها، وذلك في ضوء الاتفاق المبدئي الذي تمّ الاسبوع الماضي بينه وبين الحكومة، على ان تُحال هذه القوانين سريعاً الى مجلس النواب لدرسها وإقرارها، خصوصا انّ المجلس ستكون له جلسة تشريعية خلال هذا الشهر.
أكّدت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ جلسة نيابية عامة ستُعقد بين عيدي الفصح والفطر لإقرار بعض القوانين الملحّة، مثل مشروعي قانوني «الكابيتال كونترول» والموازنة العامة، بغية إعطاء إشارة لصندوق النقد الدولي حول جدّية الدولة اللبنانية في بدء تنفيذ الإصلاحات التي تمّ الاتفاق عليها معه ضمن الاتفاق المبدئي. ولفتت المصادر، إلى أنّ هذه الجلسة قد تكون الأخيرة قبل الانتخابات النيابية المقبلة، مشدّدة على اهمية ان يتمّ خلالها إقرار «الكابيتال كونترول» ومشروع الموازنة الضروريين، لأنّه قد يتعذّر تشكيل حكومة جديدة سريعاً بعد الانتخابات المقبلة، وبالتالي فإنّ الشلل سيصيب الدولة حتى إشعار آخر.
عنوانان
وكان عنوانان بارزان تصدّرا المشهد السياسي في عطلة نهاية الاسبوع، على رغم الحماوة الانتخابية التي ارتفعت وتيرتها في الأيام الأخيرة: العنوان الأول عودة السفيرين السعودي والكويتي وليد البخاري وعبدالعال القناعي، وما ترمز إليه هذه العودة من أبعاد عشية الانتخابات النيابية. والعنوان الثاني مبادرة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى جمع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ورئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية على مائدة افطار رمضانية في زمن الصومين المسيحي والاسلامي.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ المملكة العربية السعودية ربطت عودتها إلى لبنان بثلاث نقاط أساسية:
ـ النقطة الأولى، تشديد الرياض على انّ قرار العودة الديبلوماسية إلى لبنان جاء استجابة لمناشدات ونداءات قوى وشخصيات لبنانية معتدلة، ونقطة ارتكاز هذه المناشدات التمييز بين الأكثرية الحاكمة التي أساءت إلى علاقة لبنان مع الدول الخليجية بتحويله منصّة لاستهداف هذه الدول، وبين الشعب اللبناني الذي يُنشد أفضل العلاقات مع الدول الخليجية التي وقفت إلى جانب لبنان واللبنانيين في كل الظروف والأوقات، والهدف من التمييز بين السلطة والناس مدّ الشعب اللبناني في سياسة صمود من أجل ان يجتاز عتبة الانتخابات النيابية في 15 أيار ويتمكّن من إنتاج أكثرية جديدة تعيد مدّ جسور علاقاتها الخارجية، وتحديداً مع السعودية والدول الخليجية.
ـ النقطة الثانية، ارتكزت على تعهُّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمسّ المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، والاتصال الذي أجراه البخاري بميقاتي وهنأه فيه بحلول شهر رمضان المبارك ووجّه اليه الدعوة الى إفطار يقيمه في دار السفارة، يؤكّد علاقة الثقة التي باتت تجمع بين رئيس الحكومة والمملكة، خصوصاً انّ السفيرالسعودي أصرّ على تظهير تثمينه «لجهود رئيس الحكومة في سبيل حماية لبنان في هذا الظرف الصعب وإعادة العلاقات اللبنانية-السعودية الى طبيعتها». ومن الواضح انّ ميقاتي سيتشدّد بما التزم به من أجل ترسيخ الثقة بشخصه ودوره من جهة، ولأنّ أي تقاعس يعني العودة إلى النقطة الصفر وما دونها من جهة أخرى.
ـ النقطة الثالثة، ترتبط بحرص المملكة على «أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي، متمثلةً بمؤسساتها وأجهزتها الوطنية»، ما يعني انّ الرياض لن تتهاون مع محاولات فصل لبنان عن عمقه العربي، وانّ عودتها تشكّل رسالة مزدوجة: رسالة إلى اللبنانيين بأنّها لن تتخلّى عنهم، ورسالة إلى طهران بأنّها لن تسمح بسلخ لبنان عن محيطه.
ورأت المصادر المطلعة نفسها، انّ «من الصعوبة بمكان عدم الربط بين العودة الخليجية والانتخابات النيابية، لأنّه كان في استطاعة المملكة العربية السعودية ان تؤخِّر قرار عودتها إلى ما بعد هذه الانتخابات، اي بعد نحو شهر من اليوم، ولكنها تقصّدت توقيت هذه العودة قبل الانتخابات في رسالة إلى اللبنانيين مفادها انّ العودة كانت من أجلهم، وانّ الرهان يبقى عليهم من أجل إنتاج أكثرية جديدة تعيد تصحيح علاقات لبنان مع الدول الخليجية وتعيده شكلاً ومضموناً إلى حاضنته العربية».
ميقاتي والصباح
وفي هذا السياق، تلقّى ميقاتي اتصالاً من وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، عرضا خلاله للأوضاع اللبنانية والعلاقات بين لبنان ودول الخليج العربي، في ضوء التطورات الإيجابية التي سُجّلت أخيراً.
وخلال الاتصال، قال الصباح: «إنّ دول الخليج تتطلع إلى استقرار لبنان الشقيق الحبيب وأمنه واستعادة عافيته». وشدّد على أنّ «الروابط التي تجمع الكويت ولبنان بشكل خاص هي روابط متينة جداً، تزداد رسوخاً مع الايام». وأكّد انّ «الكويت لن تدخر اي جهد لدعم لبنان ومساعدته على النهوض من جديد». وقال: «إنّ عزم رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على استعادة العلاقات اللبنانية – الخليجية عافيتها، ومثابرته على تبديد ما اعتراها من شوائب، هو أمر مقدّر ويعبّر عن ايمان وطيد بعمق لبنان العربي».
ومن جهته ميقاتي، كرّر الشكر للكويت أميراً وحكومة على «وقوفها الدائم الى جانب لبنان، ومساعيها وجهودها لعودة العلاقات اللبنانية – الخليجية الى صفائها وحيويتها». وقال: «إنّ هذه الجهود يقدّرها جميع اللبنانيين، وهي ستبقى على الدوام محطة مضيئة في تاريخ علاقات لبنان والكويت».
وكان ميقاتي إستقبل القناعي في دارته أمس، وجرى عرض للعلاقات اللبنانية- الكويتية والعلاقات اللبنانية- الخليجية. وتلقّى اتصالا من السفير بخاري الذي هنأه فيه بحلول شهر رمضان المبارك، ودعاه الى افطار يقيمه في دار السفارة. مثمناً «جهوده في سبيل حماية لبنان في هذا الظرف الصعب وإعادة العلاقات اللبنانية – السعودية الى طبيعتها». وافادت معلومات رسمية، انّه تخلل الاتصال «تأكيد عمق علاقات لبنان العربية وتقدير الرئيس ميقاتي للخطوة الخليجية والسعودية خصوصاً بعودة السفراء الى لبنان، مقدّمة لاستعادة هذه العلاقات عافيتها كاملة». وتمّ «الاتفاق على استكمال العمل الاخوي الإيجابي لاجل لبنان وعروبته».
وقد استهل البخاري الإفطارات الرمضانية التي يعتزم اقامتها في دار السفارة في اليرزة بإفطار اقامه غروب امس على شرف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان والمفتيين.
وعلمت «الجمهورية»، انّ السفير السعودي سيزور المفتي دريان في دار الفتوى اليوم، وسيكون له موقف من منبر الدار، في بداية تحرك محدود لا يبدو انّه سيشمل كل المواقع والمؤسسات الرسمية في وقت قريب.
وفي جدول اعمال السفير البخاري، افطار على شرف رئيس الحكومة اليوم قد يحضره رؤساء جمهورية وحكومات سابقون ووزراء ونواب وشخصيات سياسية وحزبية. على أن تتبعه مجموعة من الإفطارات التي اختير ضيوفها بدقة.
سفير قطر
واستكمالاً لعودة العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي قالت مصادر ديبلوماسية عربية في بيروت لـ «الجمهورية»، انّ السفير القطري في بيروت سيعود اليوم تمهيداً لاستئناف مهماته الديبلوماسية. واعتبرت انّ علاقة لبنان مع قطر لم تصل الى ما بلغته مع عواصم خليجية اخرى، كما بالنسبة الى دولة الإمارات العربية المتحدة التي لم تقرّر بعد تسمية سفير جديد لها في بيروت منذ ان غادرها سفيرها السابق قبل الأزمة الديبلوماسية مع الرياض بأشهر عدة.
نصرالله وباسيل وفرنجية
أما العنوان الثاني الذي تصدّر المشهد السياسي نهاية الاسبوع، فكان لقاء الإفطار الذي دعا إليه السيد نصرالله، وجمع فيه باسيل وفرنجية، والذي يمكن إدراجه ضمن الرسائل التالية:
ـ الرسالة الأولى، انّ «حزب الله» هو العمود الفقري لقوى 8 آذار او الخط السياسي، والوحيد القادر على جمع مكونات هذا الخط تحت سقفه.
ـ الرسالة الثانية، انّ المرحلة السياسية تستدعي توحيد الصفوف ورصها ووضع حدّ لحالة الشرذمة والخلافات.
ـ الرسالة الثالثة، التهيؤ للانتخابات النيابية وما تليها من استحقاقات دستورية تبدأ من تكليف رئيس حكومة ومحاولة تأليف حكومة ولا تنتهي بالانتخابات الرئاسية، وكل هذه الاستحقاقات تستدعي التشاور وخوضها من مربّع وحدة الموقف والصفّ.
الراعي والتباشير
وفي المواقف امس، توقف البطريرك الماروني في قداس احد الشعانين للطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي عند «تباشير ثلاثة ظهرت في هذا الأسبوع هي: إعلان زيارة قداسة البابا فرنسيس لبنان في حزيران المقبل؛ الاتفاق المبدئي مع خبراء صندوق النقد الدولي؛ عودة سفراء الدول الخليجية إلى لبنان». وقال انّ «هذه الخطوات الإيجابية بينما تحصل تطورات مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، نأمل أن تستفيد منها الدولة اللبنانية وتوظفها في الإطار الوطني دون سواه».
أضاف: «إنّ زيارة قداسة البابا فرنسيس، تأتي في سياق سعي الكرسي الرسولي إلى مساعدة لبنان للخروج من أزمته العميقة، وإبقائه بين منظومة الأمم الديموقراطية». ودعا اللبنانيين الى «الاستعداد نفسياً وروحياً لاستقبال قداسته بالفرح والرجاء». اما بالنسبة إلى الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي، فقال الراعي: «إننا ننتظر من الحكومة ومجلس النواب الإسراع في إقرار القوانين التطبيقية لهذا الاتفاق ولإجراء الإصلاحات المتفق عليها كأساس وشرط للحصول على المال اللازم».
وعن عودة سفراء دول الخليج، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، قال: «إنّها تعود لتشدّ عرى الصداقة والتعاون بين هذه الدول ولبنان». واضاف: «نزيد على هذه التباشير، السير الجدّي في إعداد الإنتخابات النيابية في 15 أيار المقبل، فإنّها وسيلة لإحداث الفارق بين الحاضر والمستقبل، بتكوين مجلس نيابي يحقق حلم التغيير وإرادة الشعب. ولا يحصل ذلك من دون كثافة الاقتراع».
عوده
ومن جهته، قال متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، أمس في القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس: «إنّ الذين يعتبرون رؤساء في هذا العالم يجورون على الشعب، وينصبّون أنفسهم أسياداً، ويتسلّطون على البشر. كان هذا الأمر شائعاً في زمن المسيح، لكنه يحدث بشدة أيضاً في زماننا هذا. فعلى الرغم من أنّ الديكتاتوريات اندحرت معظمها في العالم، إلّا أنّ الأنظمة التي يُقال عنها ديموقراطية، كحال بلدنا، تبتكر الأساليب البديعة للمحافظة على مصالح كبار القوم ومكتسباتهم، بغية محافظتهم على السلطة». وسأل: «أليس القضاء النزيه مقموعاً في بلدنا؟ ألا تُخفى الدلائل والحقائق في خدمة ذوي النفوذ؟ ألا يصبح المظلوم ظالماً بفعل ملفات تظهر بين ليلة وضحاها؟ ألا يُسلب الفقير قروشه كي يبقي الغني على ملايينه؟». واعتبر «إنّ حب الرئاسة مرض روحي يصيب الإنسان الذي لم يتعلّم التواضع بعد، لذلك نحن نتلو يومياً خلال الصوم المقدّس صلاة القديس أفرام السرياني التي نقول في مطلعها: «أيها الرب وسيد حياتي، أعتقني من روح البطالة والفضول وحب الرئاسة والكلام البطال…» طالبين من الرب أن يخلّصنا من الآفات الروحية المتمثلة بحب الرئاسة والتسلّط والكبرياء والاستئثار بالرأي والأنانية».
«عقد الاستقراض»
من جهة ثانية، وفي إطار المساعي الجارية لمعالجة أزمة الطحين، عُلم انّ اتفاقاً تمّ بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميقاتي، على اتخاذ قرار حكومي يسمح لمصرف لبنان بفتح الاعتمادات اللازمة لشراء كميات من الطحين، على أن يصدر تشريع عن مجلس النواب خلال الجلسة العامة المرتقب انعقادها يغطي هذا الإجراء، من خلال إقرار ما يُعرف بـ»عقد الاستقراض».