بعدما نهبت المال العام والخاص ووصلت بالخزينة إلى قعر التفليسة، بدأت الزمرة المافيوية الحاكمة عملية وضع اليد على حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي وتقاسم مغانمها تحت ستار “دعم” احتياجات الناس من المواد الحيوية، فكانت حصة العهد وتياره الأكبر من “قالب الجبنة” الذي جرى تقطيعه بالأمس على طاولة مجلس الوزراء، من خلال “بخششة” مؤسسة كهرباء لبنان 60 مليون دولار لتغذية الهدر في قطاع الطاقة “من دون اعتماد أي إجراء إصلاحي واحد” من الإجراءات المطلوبة من صندوق النقد، أقله لناحية “تفعيل الجباية وإزالة التعديات عن الشبكة”، كما عبّرت مصادر اقتصادية، بينما انتهى قرار المجلس المتعلق بمعالجة تداعيات الأزمة المالية وانعكاساتها على القطاع العام إلى “مسرحية إعادة النظر في بعض العقود والأسعار بما يصب في مصلحة عدد من المتعهدين الموزعين على قاعدة 6 و 6 مكرر بين الأحزاب والطوائف لا سيما منهم متعهدو الجامعة اللبنانية والمطار”، موضحةً أنّ “ما يحكى عن إعادة نظر في الأسعار للعقود المحددة بالدولار ليس سوى تلاعب فاضح لصالح بعض المتعهدين الذين تحايلوا للحصول على العقود وخرقوا قواعد المنافسة عبر حرق الأسعار”.
أما في الجانب الإجرامي من عقلها البارد، فلم تتوان السلطة عن قرار هدم المرفأ فوق رؤوس ضحايا انفجار 4 آب، ممعنةً في قهر أهاليهم ونحر العدالة، عبر إقرار مجلس الوزراء “عملية هدم الإهراءات” وتكليف مجلس الإنماء والإعمار الإشراف على هذه العملية بموجب توصيات اللجنة التي يرأسها وزير العدل هنري خوري، متذرعةً بالتقرير الفني الذي أعدته “مؤسسة خطيب وعلمي” بهذا الخصوص، علماً أنّ “التقرير نفسه لا يوصي بحتمية هدم الإهراءات إنما يؤكد إمكانية تدعيمها في حال أرادت الحكومة ذلك”، حسبما نقل أهالي الضحايا، مشددين على أنّ هذا القرار إنما يندرج في الواقع ضمن “مخطط السلطة لطمس معالم الجريمة بالتوازي مع عرقلة التحقيق العدلي وطمس الحقيقة وتجهيل المرتكبين والمتسببين في انفجار النيترات”.
وعلى الأثر، تداعى أهالي ضحايا انفجار 4 آب لوقفة احتجاجية قبالة المرفأ، مؤكدين أنّ الآليات التي ستباشر عملية هدم الإهراءات عليها أن “تعبر فوق أجسادهم أولاً”، وفق تعبير والدة أحد شهداء فوج الإطفاء. وصرّح وليم نون باسم الأهالي قائلاً: “كنا ننتظر توقيع التشكيلات القضائية لكنهم بدلاً من ذلك يريدون أن يهدموا الإهراءات لينسى الناس هذا الانفجار”، وأضاف: “ممنوع هدم الإهراءات فيما القرار الظني لم يصدر بعد، فليتركوا التحقيق يسير وهناك عدة دراسات لاستبدال هدم الإهراءات بتدعيمها”.
انتخابياً، تواصل الأكثرية الحاكمة ضخّ المزيد من المواقف المبددة للشكوك المتزايدة بوجود نوايا لديها لـ”تطيير” استحقاق 15 أيار، فأكد رئيس الجمهورية ميشال عون في مستهل جلسة مجلس الوزراء على أنّ “الانتخابات قائمة في مواعيدها بعدما تم إقرار الاعتمادات الإضافية”، غامزاً في المقابل من قناة اتهام وزارة المالية المحسوبة على رئيس مجلس النواب نبيه بري بتأخير صرف الاعتمادات المالية اللازمة لإجراء الانتخابات، بقوله: “على وزير المالية أن يسرّع بالإجراءات الآيلة لتحويل الأموال الى الوزارات المعنية لا سيما وزارتي الداخلية والخارجية”.
وتزامناً، وضع “حزب الله” عنواناً عريضاً للمعركة الانتخابية التي يخوضها ضد الخصوم من الأحزاب وقوى المعارضة والتغيير، فشدد على كونها معركة تحديد “الأوزان وصورة لبنان” وفق ما أعلن نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم، موضحاً أنّ “حزب الله” سيعمل قدر الإمكان على رفع عدد نوابه ونواب حلفائه في المجلس النيابي الجديد لإخراج لبنان “من التبعية لأميركا” وقطع الطريق على “التطبيع مع إٍسرائيل”.
واعتبر قاسم أنّ قوى 8 آذار تواجه في الانتخابات “مشروعاً تتداخل فيه الأيادي الأميركية والعربية والغربية ويعتمد على الكذب والتحريض”، عبر تشكيل “تحالف عريض تتفق أطرافه على الخيار السياسي لـ”حزب الله” الذي يطمئن الحلفاء لصدق قيادته”، في إشارة إلى “التيار الوطني الحر” و”تيار المردة”، مع التشديد في الوقت عينه على أنّ “حزب الله” لا يرى إمكانية للحديث راهناً عن الاستحقاق الرئاسي باعتباره حديثاً “سابقاً لأوانه… وبعد الانتخابات النيابية سنرى المشهد ونبني موقفناً على أساسه”.