كتبت صحيفة “النهار” تقول: من طرابلس التي شغل غرق “زورق الموت” قبالة ساحلها المشهد الداخلي منذ ثلاثة أيام الى سهل القليلة في صور حيث عادت اللعبة الخطرة لاستخدام “الصواريخ الفلسطينية” مطية استباحة لارض الجنوب، وما بينهما من تحركات نقابية واجتماعية حارة كمثل ما يخطط لليوم من اعتصامات قرب مجلس النواب، بدا المشهد الداخلي قبل عشرين يوما من موعد الانتخابات النيابية على موعد استباقي من الاهتزازات والاختلالات التي استحضرت هاجس احتمال اتساع هذه الاختلالات الى حدود تهديد اجراء الانتخابات. ومع ان معظم المؤشرات والمعطيات الأمنية كما السياسية ، وعلى رغم التضارب الكبير في مواقف القوى الداخلية سياسيا على أبواب منازلة انتخابية “مصيرية”، تؤكد ان هذه التطورات لا يفترض ان تبلغ حدود تهديد جدي للانتخابات، فان بعض مجريات ما شهدته طرابلس من استغلال للفاجعة التي زج فيها عدد من أبنائها، مع عشرات المهاجرين السوريين لم يعرفوا بعد أيضا، على “مركب الموت” اثار مخاوف جدية من اتساع الإثارة والتحشيد ضد الجيش بزعم تحميله تبعة غرق المركب. ومع ان الجيش سارع منذ ما قبل ظهر السبت عبر قائد القوات البحرية فيه الى كشف وقائع الكارثة تفصيليا التي تثبت المسؤولية المباشرة على قبطان المركب في التسبب بارتطام المركب بخافرة الجيش، فان الخشية اتسعت من التوظيف السياسي بعدما تعاقبت احداث الفوضى الأمنية في طرابلس منذرة بتفلت أوسع الامر الذي استدعى استنفارا عسكريا وامنيا. ومع الخرق المفاجئ الجديد الذي نقل المخاوف من طرابلس الى الجنوب والحدود الجنوبية مع إسرائيل بعد اطلاق صاروخ مشبوه من القليلة، ورد إسرائيل وتهديداتها بالمزيد، بدا الوضع بمجمله امام استحقاق امني خطير يسابق الاستحقاق الانتخابي في وقت مضت القوى السياسية والحزبية في الاعداد بقوة للمبارزات الانتخابية من خلال تكثيف المهرجانات والحملات واطلاق المواقف ذات الوتيرة العالية السقوف على غاربها.
وبدا واضحا ان هذه التطورات أملت استنفاراً سياسياً رسمياً تمثل في دعوة وجهتها رئاسة المجلس امس الى عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء عند الساعة الحادية عشرة والنصف قبل ظهر اليوم الثلثاء في القصر الجمهوري حدد موضوعها بالبحث في موضوع غرق الزورق قبالة شاطئ مدينة طرابلس وتداعياته إضافة إلى البحث في الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق اللبنانية.
وسيتزامن انعقاد الجلسة مع الموعد المقرر لانعقاد جلسة اللجان النيابية المشتركة من اجل استكمال البحث في مشروع “الكابيتال كونترول” والتي يصعب للغاية ان تنعقد وسط الاستعدادات النقابية والاجتماعية الواسعة التي دعت اليها نقابات المهن الحرة وممثلو رابطات المودعين لتنفيذ اعتصام يرجح ان يكون حاشدا في محيط مجلس النواب ومنع انعقاد الجلسة رفضا للمشروع.
والحال ان فاجعة غرق الزورق غير الشرعي قبالة طرابلس من خلال استفحال ظاهرة التجارة بالفقراء واستغلالهم وضعت طرابلس امام هزة خطيرة برزت تداعياتها الأمنية والاجتماعية والسياسية بسرعة. واخطر ما تكشف عنه هذا الحادث انه أدى الى وضع فئات من أبناء طرابلس في مواجهة خطيرة فورية مع الجيش اللبناني عبر الشائعات التي بثت عن تسبب مطاردته للزورق بارتطام أدى الي غرق الزورق، في حين ان الوقائع التي سارع الجيش الى كشفها اثبتت ان قبطان الزورق تسبب بالمأساة لدى محاولاته الهروب بحمولة بشرية تفوق قدرة الزورق على الاستيعاب بعشرة اضعاف وتسبب بنفسه بارتطام زورقه بالخافرة العسكرية التي طلبت منه العودة لتجنب كارثة الغرق.
وعقب الفوضى التي شهدتها طرابلس ساد امس هدوء حذر، بعدما استقدم الجيش تعزيزات ميدانيّة وعزّز انتشاره في المدينة. كما أقفلت المؤسسات التجارية في طرابلس أبوابها التزاماً بالحداد على ضحايا الزورق. وشيعت مدينة طرابلس اثنتين من الضحايا، وأعلن الجيش تواصل عمليات البحث والإنقاذ التي ينفذها براً وبحراً وجواً بعد غرق المركب.
صاروخ وقصف
وفيما الأنظار مشدودة الى تداعيات حادث غرق الزورق، فاجأ حادث اطلاق صاروخ من الجنوب على إسرائيل الأوساط الرسمية والسياسية اذ استدرج اطلاق الصاروخ ردا بقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق طيرحرفا، وادي حامول، علما الشعب، وخراج بلدة زبقين . واعلن الجيش اللبناني ان وحدة منه عثرت في محيط منطقة القليلة على صاروخين نوع غراد عيار 122 ملم موضوعين على مزاحف ألمنيويم مجهزين للإطلاق، تم تعطيلهما من قبل الوحدات المختصة. كما أعلنت القوات الدولية العاملة في الجنوب انها رصدت اطلاق صاروخ من جنوب لبنان في اتجاه إسرائيل. وعلى الفور تواصل رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام اللواء أرولدو لاثارو مع السلطات على جانبي الخط الأزرق وحضهما على ضبط النفس. ومع ذلك، رد الجيش الإسرائيلي بإطلاق عشرات القذائف على لبنان. ودعا اللواء لاثارو جميع الأطراف إلى تجنب المزيد من التصعيد، معربا عن قلقه من الرد غير المتناسب. وبمجرد انتهاء القصف، فتحت اليونيفيل تحقيقا لتحديد الملابسات.
وهدد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس “بأنّ إسرائيل ستستخدم القوة الضرورية للرد على الهجمات الصاروخية التي أطلقت عليها من لبنان”، محمّلاً الحكومة اللبنانية مسؤولية ما يجري على أراضيها. وقال: “إذا استمرت عمليات الإرهاب والعنف سنعرف كيف نستخدم القوة اللازمة ضد الأهداف الصحيحة”.
على ضفتي المبارزة
وبدا المشهد الانتخابي متأثرا بقوة بهذه التطورات من خلال مواقف قيادية بارزة. فعلى الضفة “الحاكمة” نشر رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تحت عنوان: “حذار من خلق الفتنة وتأجيل الانتخابات” داعياً “للتنبه” من الأحداث المتتالية التي تحصل في الآونة الاخيرة قبيل الانتخابات النيابية.
اما على الضفة المعارضة فتصاعدت وتيرة المواقف من تحالف الحكم و”حزب الله”. وسجل في هذا السياق تأكيد الرئيس فؤاد السنيورة ان “اعتزال الانتخابات يعني استحالة أي إصلاح للواقع المأسوي الذي نعيشه اليوم”، سائلا “ماذا يعني أن يسيطر “حزب الله” وحلفاؤه على أكثرية ميثاقية – كما يسميها هو- للمجلس النيابي؟ وهو الأمر الذي يطمح إلى تحقيقه اليوم، وذلك بعدما حقق في انتخابات 2018 الأكثرية المطلقة في مجلس النواب ؟ وهل في ظل سيطرة حزب الله هناك أي إمكان لأي إنقاذ وإصلاح ونهوض للبنان بعدما جرى إيقاعه في هذه اللجة العميقة: دولة مخطوفة، واقتصاد منهار بالكامل .. فمع كل توسع لسيطرة حزب الله والأحزاب الطائفية والمذهبية المؤتلفة معه، وكذلك المؤتلفة مع تلك المجموعات المهادنة والرمادية في مواقفها السياسية سيكون ذلك على حساب الدولة اللبنانية ومؤسساتها”.
وفي احتفال حاشد قدمت فيه “القوات اللبنانية” مرشحيها ولوائحها في كل المناطق اعلن رئيس حزب “القوات” سمير جعجع أن “القوى السيادية ترفض خسارة لبنان، كما لن تسمح لأحد، أيًّا يكن ومهما استقوى وتكبّر وتجبّر، أن يبقينا في جهنم الذي رمانا به، وما لم يأخذه في الحرب والاغتيالات والاضطهاد والحبس والسجن، لن ندعهم يحصلون عليه في السلم والانتخابات”. وتعهد “بالتصدي لعملية مصادرة الدولة من خلال الوسائل السياسية كافة وفي مقدمتها الانتخابات، ونحن لسنا بمفردنا في عملية الانقاذ، فشركاؤنا كثر، فكما كنّا سويًا في ساحات 17 تشرين و14 آذار، هكذا سنعود، وهكذا سنبقى في هذه الأيام مع أي فريق مستهدف، وما حصل معنا في التسعينات كقوات وكمجتمع لن نقبل تكراره مع أي فريق لبناني آخر أكان سنّيًا أن مسيحيًا أم درزيًا أم شيعيًا”. وشدد على ان “أحدا لا يمكنه سلخ لبنان عن محيطه وامتداده الطبيعي أو ضرب علاقاته بالدول العربية والخليجية، أو يمكنه الغاء أحدٍ او السيطرة عليه ليحكم بمفرده، فحان الوقت أن يعترف حزب الله بالخصوصيات اللبنانية وأن يقتنع أنه غير قادر على الاستمرار في هذا الاتجاه، فلبنان لن يكون لإيران. وما فيه يكون إلاّ للبنان .. ومن جمهورية البشير، جمهورية العشرين يوم ويوم سنقول للفاسدين والفاشلين والمرتشين والعملاء بأن أمامكم عشرين يومًا ويوم، بدءاً من اليوم الى 15 أيار المقبل، قبل أن تنتهي صلاحياتهم ويتوجهون نحو مزابل التاريخ ولعنة الأجيال”.
بخاري
الى ذلك اقام السفير السعودي وليد بخاري مساء امس إفطارا على شرف القادة الروحيين واعتبر في كلمة له ان هذه “المأدبة تجسد دور السعودية في نشر ثقافة السلام وسعيها في تعزيز سبل العيش المشترك” ، وكشف ان “اتفاقية الصندوق السعودي – الفرنسي ستوقع اليوم لدعم الشعب اللبناني وهي تتضمن 35 مشروعا في لبنان تتعلق بقطاعات الصحة والتعليم والطاقة”.