بصورة هزلية وأداء هزيل، تواصل السلطة تظهير حقيقة عجزها عن تأمين أبسط مقومات تسيير عجلات الدولة بعدما أغرقتها فساداً وإفساداً ونهبت خزائنها واستولت على الأموال العامة والخاصة فيها، فأتى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا ليعكس الواقع المزري الذي بلغته المؤسسات الأمنية في البلد، تحت وطأة النقص الحاد في المال لتأمين المستحقات النقدية لعناصرها في سبيل توفير مستلزمات المواكبة اللوجستية والأمنية اللازمة لضمان حسن سير العملية الانتخابية.
وتحت هذا السقف، تعالت الهواجس المالية خلال اجتماع بعبدا حيث طغت أجواء المخاوف الأمنية والقضائية والإدارية من عدم وجود “ضمانات حاسمة” بحصول العناصر والموظفين المولجين بتنظيم الاستحقاق الانتخابي على مستحقاتهم المالية، وبرز في هذا السياق تحذير المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان من محاذير “نقص المال” على مستوى المواكبة الأمنية المطلوبة من العناصر الأمنية ليوم الانتخاب، حيث “المطلوب من المديرية تأمين 17 ألف عنصر، بواقع عنصرين لكل قلم اقتراع”، وفي حال تغيّب 10% من هذا العديد الأمني فسيعني ذلك وجود نحو 800 قلم اقتراع من دون عناصر قوى أمن داخلي، الأمر الذي قد يعرقل عملية تسليم صناديق الاقتراع إلى رؤساء هذه الأقلام، لأنّ ذلك لا يمكن أن يتم إلا بحضور عنصرين لقوى الأمن في كل قلم.
ولدى سؤال رئيس الجمهورية ميشال عون عن الأسباب التي يمكن أن تدفع إلى عدم تأمين العديد الأمني المطلوب في اليوم الانتخابي، تبينّ بحسب مصادر مطلعة على مجريات اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أن ذلك يعود إلى “عدم توفر المحروقات لعناصر قوى الامن الداخلي، ما قد يدفع بأعداد كبيرة منها إلى التغيّب”، موضحةً أنّ “هذا الأمر أثار الاستغراب لا سيما وأنّ كافة الأجهزة الأخرى، من الجيش إلى أمن الدولة والأمن العام يستفيدون من “بونات بنزين” باستثناء الامن الداخلي الذي لا يستفيد أي من ضباطه وعناصره من تقديمات البنزين”. وفرض هذا الواقع على وزير الداخلية الدعوة إلى عقد اجتماع أمن مركزي عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم في مقر وزارة الداخلية للبحث في كل الأمور المتصلة بالعملية الانتخابية والتحضيرات اللوجستية والأمنية لها.
على صعيد منفصل، برز أمس إعلاء رئيس الجمهورية ميشال عون الصوت في مواجهة المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، رافضاً إبقاء أي مشتبه به قيد التوقيف على ذمة التحقيق في القضية انطلاقاً من “قرينة البراءة التي تسود حتى الإدانة”، كما قال أمام وفد من أهالي بلدة رشميا زاره في قصر بعبدا لمراجعته في مسألة استمرار توقيف المدير العام للجمارك بدري ضاهر.
وشدد عون على ضرورة أن يبادر القاضي البيطار إلى إصدار قراره وإحالته إلى المجلس العدلي “فتُبرَّأ ساحات الأبرياء من الموقوفين ويُدان المسؤولون على المستويات كافة سواءً كانوا من الموقوفين أو الطليقين”، وأضاف: “حان الوقت لأن تُعرف الحقيقة كاملة عن ظروف انفجار مرفأ بيروت الكارثي، والمسؤوليات، وان يكف الاستثمار السياسي والتذرع بالحصانات والامتيازات والثغرات القانونية التي تشل قدرة القضاء المختص على الملاحقة والاتهام والادانة”.
وفي المقابل، وضع مرجع قضائي كلام رئيس الجمهورية عن ضرورة إصدار المحقق العدلي قراره في الإطار “الشعبوي الذي لا يقدم ولا يؤخر طالما بقيت التحقيقات مجمّدة بسبب عدم اكتمال الهيئة العامة لمحكمة التمييز”، وأوضح أنّ “القاضي طارق البيطار لا يمكنه استئناف عمله كمحقق عدلي ولا يمكنه متابعة التحقيقات بسبب عدم توقيع وزير المالية على التشكيلات القضائية الجزئية التي أنجزها محلس القضاء الأعلى”، متوجهاً إلى عون بالقول: “فخامة الرئيس راجع حلفاءك لأنهم هم من يعرقلون إنجاز التشكيلات التي تتيح للمحقق العدلي استئناف عمله وإصدار قراره”.
وخلص المرجع القضائي إلى التأكيد على أنّ كل المعطيات والمؤشرات تفيد بأنّ “الفريق الشيعي لا يريد أن تُستأنف التحقيقات في انفجار المرفأ، ولذلك فإن وزير المالية يوسف الخليل الذي ينتمي إلى هذا الفريق ويأتمر بأوامره، يراوغ ويناور بغية عدم توقيع التشكيلات القضائية”، مشيراً في ما يتصل بتذرع الخليل بعدم توافر شرط الميثاقية في التشكيلات إلى أنّها “حجة ساقطة خصوصاً وأنّ مجلس القضاء وافق بكامل أعضائه عليها”، أما عن السبب الثاني الذي يتحجج به وزير المالية لناحية “عدم توفر الاعتمادات اللازمة”، فيؤكد المرجع القضائي أنه “سبب غير واقعي لأنّ هذه التشكيلات لا تتطلب أي اعتمادات اضافية من وزارة المالية”.