لم يضف تقرير الأمم المتحدة جديداً على توصيف الأزمة اللبنانية، ولم يزد اللبنانيين قناعةً بمسؤولية سلطة “الحرامية” عن إفقارهم ونهب مقدراتهم والاستيلاء على مدخراتهم وجنى أعمارهم وإيصالهم إلى الدرك الأسفل اقتصادياً ومالياً ومعيشياً واستشفائياً… إنما أهمية التقرير أنه جاء بما اختزنه من مضامين واقعية في معرض تشخيصه مكمن الداء اللبناني، ليشكل إدانة أممية صريحة لـ”المافيا” الحاكمة في البلد بجرم قهر اللبنانيين و”إفقارهم” عن سابق إصرار وترصّد، مع التأكيد في خلاصة هذا الحكم الوجاهي ضد أركان السلطة على وجوب “أن يغيّر لبنان مساره” لكي يستطيع الخروج عن سكة الانهيار.
وفي التقرير الصادر عن المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شورتر، نتيجة معاينته الوضع اللبناني ميدانياً نهاية العام الفائت، وجهت الأمم المتحدة أصبع الاتهام مباشرةً ومن دون مواربة إلى “الدولة اللبنانية والمصرف المركزي” باعتبارهما يتشاركان المسؤولية عن الأزمة المالية التي تعصف بالبلد وأدت إلى “إفقار غالبية السكان الذين يتخبطون لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم”، مع التشديد على أنّ الدولة “مسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان” في لبنان حيث “يجد 9 من كل 10 أشخاص صعوبة في الحصول على دخل، ويعتزم ما يزيد على 6 من كل 10 أشخاص مغادرة البلد لو استطاعوا إلى ذلك سبيلا”.
وإذ شددت الأمم المتحدة في تقريرها على ضرورة “أن يقدّم المجتمع الدولي الدعم” للبنان، لكنها في الوقت عينه رهنت تقديم هذا الدعم بشرط اعتماد “إصلاحات هيكلية” من قبل الحكومة اللبنانية تضع حداً “لعملية التفقير” المنهجية الممارسة بحق الشعب اللبناني، منبهةً إلى أنّ “الدعم لن يكون له أي أثر” من دون تنفيذ هكذا إصلاحات في لبنان.
تزامناً، وفي سياق متابعة مندرجات الاتفاق المبدئي الموقّع بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، استرعى الانتباه أمس الإعلان عن عقد اجتماع حكومي مع حملة سندات اليوروبوندز، وبحسب المعلومات المتوافرة حول الاجتماع، فإنه خُصّص لشرح بنود الاتفاق الأولي على مستوى الموظفين مع صندوق النقد تمهيداً للاتفاق مع حملة هذه السندات على الخطوات اللاحقة ذات الصلة من جانب الحكومة في الفترة المقبلة بعد الانتخابات النيابية.
وعشية انطلاق المرحلة الأولى من العملية الانتخابية على الأراضي اللبنانية، من خلال اقتراع نحو 7500 ناخب من الموظفين المولجين بإدارة وإجراء العملية الانتخابية في مختلف الدوائر الـ15 يوم الأحد المقبل، برزت أمس إطلالة إعلامية للبطريرك الماروني بشارة الراعي عبر شاشة “تلفزيون لبنان” حضّ فيها الناخبين على تحكيم ضميرهم الوطني أثناء الإدلاء بأصواتهم، مشدداً على أنّ الانتخابات الراهنة “تختلف كلياً عن سابقاتها”، فدعاهم إلى الاقتراع “لهوية لبنان” ولمرشحين “ولاؤهم للبنان”، منبهاً إلى أنّ “التغيير المنشود يقف على حسن اختيار المواطنين لمرشحيهم في الصناديق”.
وفي معرض إضاءته على أهمية الاستحقاق الانتخابي، أكد الراعي على كونه استحقاقاً “مفصلياً لأنه ستنبثق عنه “نوعية” رئيس الجمهورية المقبل خلفاً للرئيس الحالي ميشال عون، محذراً في المقابل من مغبة تكرار السيناريو التعطيلي العوني نفسه كما حصل سابقاً “لفرض إيصال عون إلى سدة الرئاسة”، وأكد في هذا الإطار أنّ ما جرى حينها كان “خطأ دستورياً وعملاً غير ديمقراطي وغير قانوني لا يجب تكراره وإلا نصبح أكثر تخلفاً مما نحن عليه اليوم كدولة”، كاشفاً أنه يعمل “مع الدول الصديقة لمساعدة لبنان لكي لا نقع في أي تمديد أو فراغ رئاسي”.
ووصف الراعي الدولة القائمة حالياً بـ”الدولة المشطورة”، وقال: “نحن ننتحر والخلل في إدارة الدولة يجب إصلاحه فلا يجوز أن يبقى هناك في لبنان سلطتان وجيشان وسلاحان”، رافضاً من هذا المنطلق استئثار “حزب الله” بمفهوم المقاومة باعتباره حقاً مشروعاً لكل اللبنانيين أما “قرار الحرب والسلم واستخدام السلاح فيجب أن يكون محصوراً بيد الحكومة”. ورداً على سؤال عن تصنيفه لـ”حزب الله” وما إذا كان يعتبره ميليشا أو مقاومة، أجاب: “إذا قلنا عنهم ميليشيا “بيزعلوا” لكن علينا أن نسأل هم اليوم مقاومة ضد من؟ خصوصاً وأنهم أصبحوا اليوم في سوريا والعراق واليمن”، مشدداً على أنّ المقاومة في لبنان لا يحب أن تكون حكراً على فئة معينة من اللبنانيين تحمل السلاح وتتفرد بقرار الحرب والسلم، فهذا وضع “غير طبيعي ولا توجد أي دولة تقبل به في كل أنحاء العالم”.
وخلص البطريرك الماروني إلى التأكيد على وجوب معالجة “الثغرات” في تطبيقات دستور الطائف، مجدداً الدعوة إلى ضرورة عقد مؤتمر دولي خاص بالوضع اللبناني لتطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً وضمان تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، فضلاً عن ضرورة إيجاد حل لقضية اللاجئين والنازحين على الأراضي اللبنانية.