غدا يوم مصيري في تاريخ الوطن يرسم صورة المرحلة المقبلة ويأتي في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق وبعد انفجار مرفأ بيروت الذي قضى على العاصمة حجرا وبشرا وبعد فقدان الليرة اللبنانية قيمتها بنسبة 90% فضلا عن ازمة المصارف وخطة الحكومة في التحايل لسرقة ودائع الناس وارتفاع نسبة خطيرة للهجرة اثرت سلبا على النسيج الاجتماعي اللبناني. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون البرلمان الجديد ساحة للتعاون لاخراج لبنان من هذه الدائرة المغلقة ام ساحة للخلافات والانقسامات والتي تنعكس سلبا على وضع البلد؟
وهذا المجلس النيابي الذي سينتخب غدا سيكون اولى تحدياته تطبيق اصلاحات صندوق النقد الدولي الذي اصبح المخرج الوحيد المتاح لوضع لبنان على سكة الخلاص. ولذلك ستكون الايام المقبلة خير دليل على توجه النواب الجدد في اتخاذ القرار الوطني للمشاركة والمساهمة الفعالة ضمن برنامج اصلاحي لعمل برلماني سليم بعيدا عن الشعبوية ام سيتبين ان الاصطفافات والانقسامات الحادة سيدة الموقف وبالتالي يغرق البرلمان بتناحر داخلي يرتد انتحارا على لبنان المنهار والمهترئ وعلى شعبه المسكين الذي يزداد فقرا وعوزا وتهجيرا.
في غضون ذلك، يعول على القوى الامنية ضبط الامور وعدم السماح باي تفلت امني سواء عبر مناوشات او تعارك بين المواطنين يؤثر على سير الانتخابات السلمي ليبقى يوم الاقتراع يوما ديمقراطيا وحضاريا.
بموازاة ذلك، ستنتقل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تلقائيا الى حكومة تصريف أعمال بعد الإنتخابات، وتقول المعلومات ان المرحلة المقبلة دقيقة جدا ولذلك سيترتب على الرئيس ميقاتي مسؤولية كبيرة في ادارة الشهور المقبلة الى حين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. فهل سيبرم لبنان اتفاقا مع صندوق النقد الدولي ليحصل على 3 مليارات دولار ام ستدخل البلاد في فوضى سياسية ومؤسساتية تؤدي الى انفجار اجتماعي لا يحمد عقباه؟
أما الامر الملفت هو اعلان رئيس الجمهورية تشكيل حكومة جديدة فور انتهاء الانتخابات النيابية لاستكمال الخطوات الاصلاحية التي بدأتها الحكومة الحالية. وتعليقا على كلام الرئيس عون، اعتبرت اوساط سياسية رفيعة المستوى ان كلام عون كلام جميل انما العبرة في التنفيذ والتجارب اظهرت كم من الصعب تشكيل حكومة في وقت قصير.
الخلاف القواتي-العوني : من انقلب على المسيحيين؟
الى ذلك، رأت القوات اللبنانية ان هذه الانتخابات النيابية تخاض مع الخط المسيحي العوني الذي شكل عاملا انقلابيا على تاريخ المسيحيين وثوابتهم ومسلماتهم حيث ان المسيحيين وفقا للقوات يرتكزون على ثوابت الكنيسة المارونية لجهة احترام الدستور والحياد الايجابي وحماية الميثاق والشراكة وتعزيز الشرعية العربية والدولية. ولكن الخط العوني انقلب على هذه الثوابت. ولذلك تشدد القوات اللبنانية ان معركتها لاثبات ان الخط المسيحي هو ابقاء لبنان التعددي والديمقراطي وان يكون لبنان جسر بين الغرب والشرق واحياء الدور المسيحي التاريخي خلافا للدور المسيحي العوني الذي سلكه.
في المقابل، اعتبرت مصادر التيار الوطني الحر ان أول من قام بالانقلاب على المسيحيين هم القوات اللبنانية عام 2005 بعد انسحاب القوات السورية حين دعموا الحلف الرباعي الذي كان يضم تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل وحزب الله . واستمر هذا الحلف لسنوات طويلة وكان التيار الوطني الحر خارج هذا التحالف الباطني . اما التيار فقام بتفاهم مع حزب الله خلافا لما قامت به القوات بتحالفها السري مع الحلف الرباعي وعزل الوطني الحر.
أئمة المساجد تدعو السنة للتصويت
في سياق اخر، ائمة المساجد دعت الناخب السني للتصويت بكثافة والمفتي دريان حث في رسالتين متتاليتين في رمضان وفي عيد الفطر البيئة السنية الى المشاركة بالاقتراع يوم الاحد 15 ايار الى جانب اجتماع سفراء دول الخليج الذي هدف الى دفع المواطن السني الى عدم المقاطعة لا بل الى المساهمة بشكل كبير في الانتخابات النيابية.
الثنائي الشيعي: جعجع وجنبلاط فقدا صوابهما بسبب شعورهم بالخسارة النيابية
وتكشف اوساط قيادية بارزة في الثنائي الشيعي ان «الثنائي» قد توصل الى اتفاق لتوزيع الاصوات التفضيلية بين مرشحي حركة امل وحزب الله في الجنوب والبقاع يعني على مستوى كل قرية بقريتها بات واضحاً كيفية توزيع الاصوات بين مختلف المرشحين.
اما على اللوائح الاخرى والتي فيها مرشحون سنة ومسيحيون ودروزاً، فإن القرار النهائي سيصدر خلال ساعات ولتوجيه الاصوات في 5 دوائر مشتركة بين «الثنائي» وحلفائه.
ورداً على سؤال عن اسباب التصعيد الكبير بين حزب الله والتيار الوطني الحر من جهة ومع الحزب الاشتراكي والقوات من جهة ثانية وخصوصاً في عكار وبعلبك الهرمل والشوف وعاليه، تشير الاوساط الى ان شعور كل من سمير جعجع ووليد جنبلاط بالخسارة النيابية وبسبب الاستحقاق الانتخابي والاحتكام الى رأي الناس، افقد الرجلين «صوابهما « ولم يوفرا وسيلة لمهاجمة المقاومة والسلاح واختلاق الاتهامات بالضغط على المرشحين والناخبين.
وتؤكد ان خسارة النائب انطوان حبشي مقعده امر محتمل وكذلك خسارة جنبلاط لـ 3 مقاعد درزية في بيروت الثانية والبقاع الغربي والشوف امر وارد ومحتمل..
الدوائر الانتخابية واحتدام المنافسة بين الافرقاء السياسيين
دائرة صيدا-جزين
في جزين، هناك خلاف قوي بين مرشحي تيار الوطني الحر زياد اسود وأمل ابو زيد على الصوت التفضيلي.
من جهة اخرى، تبدو لائحة ابراهيم عازار التي يدعمها الثنائي الشيعي والمرشح نبيل الزعتري تتمتع بحظوظ نجاح عالية في هذه الانتخابات النيابية.
من جهتها، تعتبر القوات اللبنانية ان دائرة صيدا -جزين هي منطقة اساسية مرتبطة بالواقع المسيحي لبوابة الجنوب وبالخط السيادي اللبناني.
وحاليا وضعية القوات هذه المرة جيدة حيث حصلت على 6000 صوت في الانتخابات الماضية عام 2018 واليوم رشحت عن المقعد الكاثوليكي غادة أيوب التي تحالفت مع يوسف النقيب الذي كان عضوا بارزا في تيار المستقبل ومقرب من النائب بهية الحريري والرئيس سعد الحريري ولكنه اليوم خرج من عباءة المستقبل وتعاون مع القوات ويجري حاليا كباش بينه وبين المستقبل على المقعد السني.
وتعليقا على ما ذكرناه، تقول اوساط سياسية للديار ان النائب بهية الحريري قد تلجأ الى خيارين اما المقاطعة التامة وفقا لرغبة سعد الحريري اما ستدعم سرا مرشح الجماعة الثنائي الشيعي نبيل الزعتري كأهون الشرين بين الزعتري ويوسف النقيب الذي يحارب المستقبل بقوة في صيدا.
وفي السياق ذاته، يحظى النائب اسامة سعد بوضعية قوية في دائرة جزين-صيدا وتحالفه مع عبد الرحمن البزري الذي يتمتع بحيثية كبيرة الا ان اسامة سعد خسر الناخب الشيعي بعدما انفجر الخلاف بينه وبين الثنائي الشيعي وبالتالي لن يحصل على صوت الشيعة في قلب مدينة صيدا ولا في جبل الريحان.
اما القطبة المخفية في هذه الدائرة هي انسحاب الجمعية الاسلامية من الانتخابات النيابية واحتمال ان تصب اصواتها للعضو السابق في تيار المستقبل يوسف النقيب وبالتالي قد تحصل القوات اللبنانية بطبيعة الحال على اصوات الجمعية الاسلامية ما يضمن فوز مرشحتها غادة ايوب عن المقعد الكاثوليكي.
دائرة المتن
بدورها، اكدت مصادر التيار الوطني الحر للديار ان هناك اشاعات كثيرة يتم التداول بها لتشويه المعركة الانتخابية، مشددة ان معركة الوطني الحر هي مع كل اللوائح وليس مع لائحة واحدة خلافا لما يروج له البعض. وتابعت ان معركة الوطني الحر هي معركة حواصل وليس الصوت التفضيلي، كاشفة ان المنافسة محتدمة مع الكتائب وليس مع القوات، حيث مَن يحصل على حاصل اكثر يربح المقعد الثالث في المتن. واشارت الى ان معركة القوات الفعلية هي مع لائحة ميشال الياس المر المتحالف مع حزب الطاشناق. ولفتت الى ان التيار الوطني الحر لا يعتمد على لغة العواطف ولا على الكيديات ليسوق لمرشحيه بل يرتكز على مشروع وبرنامج وحجم الكتلة البرلمانية.
ميشال الياس المر: حظوظه مُرتفعة
اظهرت الاحصاءات ان نجم المرشح ميشال الياس المر يرتفع ، فهو يتمتع بحظوظ عالية بالنجاح في الانتخابات النيابية، حيث ان الحزب القومي السوري برئاسة ربيع بنات يدعمه بقوة، الى جانب حزب الطاشناق الحليف الدائم لعائلة المرّ.
وبيّنت الاحصاءات، ان لائحة ميشال المر تملك حاصلين مؤكدين وتسعى الى الحاصل الثالث.
ويتمتع ميشال المر بشعبية كبيرة في جرود المتن والقرى المجاورة، حتى ان شعبيته تمتد الى وسط المتن مروراً بساحله (ضبية ، انطلياس، جل الديب والزلقا) وصولا الى قرى المتن الشمالي (بكفيا، برمانا..)
ويذكر ان المهرجان الذي اقيم في بتغرين كان الاكبر في المتن، حيث اظهر مدى شعبية ميشال المر، الذي يتميز بكاريزما عالية وبحيثية كبيرة عند الشباب، حيث الجميع يبدي احتراما له ويؤيد وصوله الى البرلمان ليكون صوت الشباب في المنبر النيابي، كما يحظى بدعم رؤساء بلديات ومخاتير المتن والفاعليات المتنية.
دائرة الشمال الثالثة
هنا في هذه الدائرة الانتخابية، يصفها البعض بانها دائرة الاستحقاق الرئاسي ومن يفوز بالاصوات المسيحية يكون المخول للوصول الى سدة الرئاسة. وفي هذا السياق، رأت القوات اللبنانية انها تواجه حليفين لحزب الله اراد امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جمعهما على طاولة واحدة. وعليه، المعركة تدور بين القوات اللبنانية من جهة وبين المردة والتيار الوطني الحر من جهة اخرى ومن يربح سيكون له حظوظ في رئاسة الجمهورية علما ان احدا يعلم ان المجلس النيابي لم يأت يوما برئيس للجمهورية بل دوما ضمن تقاطع مصالح اقليمية دولية.
دائرة عاليه-الشوف
في هذه الدائرة، المعركة بشكل اساسي بين لائحة وليد جنبلاط برئاسة نجله تيمور ولائحة طلال ارسلان ووئام وهاب وناجي البستاني والتيار الوطني الحر . واللائحة الاساسية للمجتمع المدني «توحدنا لنغير» برئاسة مارك ضو بالاضافة الى اربع لوائح اخرى للمجتمع المدني. وهنا تشير التوقعات الى ان وليد جنبلاط سيحصل على 7 حواصل انتخابية ولائحة ارسلان على 5 حواصل وهناك حاصل للمجتمع المدني. لكن هذه الاحصاءات قد تتغير في ظل معركة قاسية في الشوف بين وئام وهاب ومروان حمادة في الشوف. ووضع جنبلاط كل ثقله في المعركة الدرزية بينما الصراع على المقعد الماروني سيكون بين ناجي البستاني وفريد البستاني وبين نجاة عون مرشحة المجتمع المدني. اما المرشح جورج عدوان فوضعه محسوم نظرا للشعبية الكبيرة التي يتمتع بها اضافة الى ان ان القوات اللبنانية لديها حاصل انتخابي في الشوف وعاليه. وبالنسبة للمقعدين السنيين، هناك مقعد لوليد جنبلاط في اقليم الخروب وهو بلال عبدالله ولكن المقاطعة السنية التي يقودها تيار المستقبل وقد حصد في انتخابات 2018 على 15000 صوت تفضيلي وهذا ما يفتح المعركة على المقعد السني الثاني بين مرشح المجتمع المدني عماد سيف الدين ومرشحي الجماعة الاسلامية والمشاريع.
وفي عاليه، الحزب التقدمي الاشتراكي يتمتع بحاصلين انتخابيين سيوزعهما بين اكرم شهيب وراجي السعد. وفي النطاق ذاته ، الامير طلال ارسلان لديه حاصل انتخابي والتيار الوطني لديه حاصل ايضا لسيزار ابي خليل والقوات اللبنانية نزيه متى. وهنا تلعب لعبة الحواصل لصالح المجتمع المدني ولو كان الاخير موحدا في دائرة عاليه-الشوف لحصل على ثلاثة نواب بكل سهولة لكن تشتت اصواته بين خمسة لوائح سيحرمه مقعدين. ورغم انه بذلت محاولات كثيرة لتوحيد قوى المجتمع المدني لكنها فشلت وبالتالي نكهة انتخابات عاليه-الشوف تبقى في المقعد الدرزي في الشوف واذا استطاع وهاب الخرق ستكون مفاجأة انتخابية.
معركة بعلبك الهرمل
الى ذلك، تساءلت مصادر مطلعة اذا كانت القوات اللبنانية تستطيع الخرق في هذه الدائرة وتامين وسائل النجاح للمرشح انطوان حبشي وكل المعلومات تؤكد بان القوات وضعت كل ثقلها في المنطقة وصرفت ملايين الدولارات لانها اذا تمكنت من الخرق في هذه الدائرة سيشكل لها انتصارا في مواجهة الثنائي الشيعي في عقر داره.
من جهتها ، تقول مصادر القوات اللبنانية للديار ان هذه الدائرة تشكل المواجهة المباشرة مع حزب الله . في المقابل تشير معلومات الثنائي الشيعي الى استحالة خرق القوات وقد درسوا ظروف المعركة جيدا لجهة توزيع الاصوات ومنع نجاح انطوان حبشي خصوصا ان القوات اللبنانية تعتبر نجاح الاخير يوازي كل نجاحات مرشحي القوات في الانتخابات النيابية في الدوائر المتعددة.
بيروت الثانية
في بيروت الثانية، المعركة الدرزية صعبة على كل الاطراف ونجاح مرشح الحزب الاشتراكي فيصل الصايغ متوقف على قدرة رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالحصول على اكثر من 3 او 4 مقاعد وهذا مستحيل. واذا صب الثنائي الشيعي او حزب الله تحديدا اصواته لمرشح الحزب الديمقراطي نسيب الجوهري فان نجاحه يصبح سهلا خصوصا ان عدد ناخبي الدروز في بيروت لا يتجاوز 5000 صوت ويقترع منهم 45% فقط. ولكن في بيروت الثانية ايضا، هناك حظوظ قوية لزينة منذر المرشحة الدرزية على لائحة فؤاد مخزومي كونها بيروتية وتتمتع بحضور لافت وحصلت على اصوات مرتفعة في الانتخابات الماضية عام 2018.
سامي نادر للديار «عندما يتوقف المركزي عن ضخ الاحتياطي الدولار سيرتفع حتما»
وعلى الصعيد الاقتصادي ، اعتبر الخبير الاقتصادي سامي نادر ان الليرة لم تتدهور بشكل كلي لان مصرف لبنان لا يزال يضخ الاحتياطي الاجنبي ليحافظ قدر المستطاع على عدم رفع سعر الصرف ولكن لاحقا سيتوقف لان الاحتياطي سينفد وبالتالي سيرتفع الدولار الى مستوى لا احد يمكن ان يتوقعه. ورأى ان كل ذلك من الممكن تجنبه في حال حدثت اعجوبة وشكلت حكومة بشكل سريع بعد الانتخابات النيابية قادرة على ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي وتطبيق الاصلاحات المطلوبة منها الا ان هذا الامر يبدو صعب المنال وبالتالي ستكون الاصلاحات ترقيعية غير جذرية.
وتابع نادر ان الانتخابات النيابية ستحسن دور المعارضة في البرلمان الجديد ولكنها لن تأتي بتغيير جذري وبالتالي لا تغيير في نظام الحكم وفي مقاربة الافرقاء السياسيين في كيفية تشكيل الحكومات اللبنانية.