دخلت البلاد عملياً في مرحلة “حبس أنفاس” انتخابية، ترقباً لما ستفرزه صناديق الاقتراع غداً بعدما أدلى كل حزب ومرشح بدلوه على ساحة المعركة وأدى قسطه للعلى في محاولة استمالة الناخبين واستقطاب أصواتهم، بانتظار يوم “الحصاد” المنشود في 15 أيار.
وعشية الإعتصام بحبل “الصمت”، احتدمت حدة التراشق الانتخابي بين جبهتي السلطة وقوى المعارضة والتغيير، فبلغ سقف المواجهة مداه بين الجبهتين تحت شعارات سياسية وسيادية اختزلت مجريات المعركة على أرض الواقع بخطابات بدت أشبه بـ”النداء الأخير” الذي يحثّ اللبنانيين على تحديد مصيرهم بأصواتهم عبر الاختيار بين مشروعين لا ثالث لهما، والإجابة تالياً في الصناديق على سؤال مركزي يحدد تموضعهم في المعادلة الوطنية: مع بناء الدولة أو بقاء الدويلة؟
وتحت هذا العنوان العريض، ارتفع منسوب الحماوة خلال الساعات الفاصلة عن استحقاق الغد، وبلغ حدّ الغليان، لا سيما بين “حزب الله” و”التيار الوطني” من جهة، و”القوات اللبنانية” من جهة مقابلة… بحيث كان التناغم على أشدّه بين السيد حسن نصرالله وجبران باسيل في السعي إلى تأليب الساحة المسيحية على رئيس “القوات” سمير جعجع، فاستنسخ نصرالله وباسيل الاتهامات التخوينية نفسها ضد “القواتيين” باعتبارهم “متآمرين على المقاومة وسلاحها”، على حدّ تعبير الأمين العام لـ”حزب الله” في مهرجانه البقاعي الانتخابي أمس، متوجهاً بشكل خاص إلى المسيحيين في المنطقة في معرض تحريضه على حزب “القوات” وقياداته التي “راهنت على داعش لتسبي نساءكم وتسفك دماءكم”… كما سار باسيل على خطى نصرالله في التصويب على “القواتيين” بالاتهامات عينها معتبراً أنّ من يصوّت لـ”القوات” يكون يصوّت لـ”داعش وإسرائيل”.
وفي المقابل، أتى الرد حاسماً وحازماً من جعجع خلال إطلالته المتلفزة مساءً عبر شاشة “أم تي في”، فقال: “عندما نقول إنّ باسيل كذّاب ونصّاب وحرامي نستند بذلك إلى الوقائع التي تشمل سرقاته وصفقاته في الدولة، أما هو عندما يتهمنا بأننا مع داعش وإسرائيل فلا يكون لاتهاماته هذه وجود إلا في ذهنيته المريضة”، لافتاً إلى أنّ “الذميين الفاسدين بات الجميع يعرفهم وهم “التيار الوطني الحر” وسائر الفاسدين والكذّابين والوصوليين الذين جمّعهم من حوله “حزب الله” لكي يستطيع تنفيذ مشروعه في لبنان”.
وإذ خلص إلى التأكيد على أنّ “معالجة الداء” في لبنان لن تكون إلا من خلال استئصال “الفيروس” المتمثل بـ”حزب الله وحلفائه”، جدد جعجع التحذير من أنّ كل من يصوّت لـ”التيار الوطني” يكون بذلك يصوّت لـ”حزب الله” ولإبقاء الوضع على ما هو عليه في البلد، متهماً نصرالله بأنه يقود “عملية غشّ موصوفة من خلال مصادرته مفهوم المقاومة وتصوير باقي اللبنانيين على أنهم متخاذلون ومتآمرون”، واستغرب في الوقت عينه ادعاء “حزب الله” بأنه غير معني بالفساد بينما هو “متحالف مع أفسد الفاسدين جبران باسيل من أقصى لبنان إلى أقصاه”.
على صعيد منفصل، وبعدما جرت رياح الفاتيكان بما لا تشتهي المراكب العونية التي كانت تستعد لفرد الأشرعة بغية استثمار زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان في حزيران المقبل وتجييرها لصالح إعادة تعويم العهد وتياره قبل أفول ولاية الرئيس ميشال عون، برز أمس إعلان دوائر الحاضرة الفاتيكانية بشكل رسمي عن عزم البابا على القيام بزيارة رعوية إلى كندا تستمر من 24 تموز إلى 30 منه، وهو ما رأت فيه مصادر لبنانية إعلاناً “ينسف كل البروبغندا العونية التي أدرجت إرجاء الزيارة البابوية إلى لبنان في حزيران المقبل تحت خانة الدواعي الصحية التي أوجبت على البابا إرجاء زياراته الخارجية، خصوصاً وأنّ برنامج الزيارة الأولي إلى كندا الذي صدر عن دوائر الفاتيكان أمس أكد أنها ستشمل تنقله بين ثلاث مدن كندية وهي إدمنتون وكيبيك وايكالويت ما يدل على عدم وجود أي عوائق صحية تعيق نشاطات البابا الخارجية”.
كما أوضحت المصادر أنّ من “يتابع جدول نشاط البابا الداخلي خلال الساعات الأخيرة يتأكد من أنه يقوم بمهامه على أكمل وجه، سواءً على مستوى استقبال الوفود أو على مستوى التحضيرات الجارية لإقامة احتفال مخصص لتطويب قديسين (غداً) الأحد هو الأكبر من نوعه في الفاتيكان منذ قرابة السنتين”، وأسفت في المقابل لكون الطريقة التي أدارت من خلالها دوائر قصر بعبدا قضية بمستوى التحضير لزيارة البابا إلى لبنان “كانت أقل ما يقال بها طريقة معيبة أساءت لصورة لبنان الرسمي، بدءاً من تجاوز البروتوكول الديبلوماسي والأخلاقي المتبع الذي يقضي بترك مسألة الإعلان عن تاريخها للدوائر الفاتيكانية الرسمية، ووصولاً أخيراً إلى إشاعة أجواء حول وجود أسباب صحية حالت دون قدرة البابا على الالتزام بموعد الزيارة”.