انها دورة الانتخابات النيابية الثانية في ظل قانون جرى تشريعه عام 2017 وجرت تحت احكامه انتخابات 2018 وستجري غدا انتخابات 2022 وهو يتسم بالالتباس الشديد، اذ على رغم إدخاله النسبية للمرة الأولى الى نظام الاقتراع في لبنان، اعتمد خليطا هجينا بين النسبية والأكثرية والفردية من خلال اعتماد الصوت التفضيلي الأقرب الى مشروع “القانون الأرثوذكسي” الطائفي .
والاهم والأكثر تسليطاً للاضواء الكاشفة على هذه الانتخابات التي استقطب عبرها لبنان فرقا كثيفة من مراسلي الاعلام العربي والاجنبي لم يشهد حضورا مماثلا لهم منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ، انها الانتخابات النيابية الأولى التي ستستولد البرلمان الأول بعد مجموعة احداث “تاريخية ” متواصلة متعاقبة أدخلت لبنان في جرم واقع كارثي غير مسبوق لا في تاريخه القديم ولا في تاريخه الحديث. فهي الانتخابات الأولى التي ستجري تحت وطأة الثلاث سنوات الأخيرة التي شهدت تعاقب اخطر وأسوأ واضخم انهيار مالي ومصرفي واقتصادي واجتماعي عرفه لبنان واودى به وبابنائه الى مصاف الدول الأكثر فقرا وافلاسا ومديونية وفسادا سياسيا وسلطويا.
وهي الانتخابات الأولى التي ستجري بعد ثورة او انتفاضة شعبية عارمة لم يعرف لبنان بضخامتها على خلفية اجتماعية عابرة للطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية بفعل تمحورها حول مناهضة الفساد السياسي في المقام الأول. ومع ان هذه الانتفاضة تراجعت وانحسرت وتقوقعت لاحقا ولكنها تقدم غدا عشرات بل مئات المرشحين في اختبار سيكون دقيقا لجهة رصد الأعين الداخلية والخارجية هذه “الفئة” الوافدة من حاملي لواء التغيير والحجم الممكن ان تحمله صناديق الاقتراع الى البرلمان المنتخب الجديد .
وهي الانتخابات الأولى التي ستجري عقب الكارثة المفجعة المدمرة التي ضربت قلب بيروت وادمته بأسوأ مما فعلت الحروب والاجتياحات والغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي، عنينا بها كارثة احد اكبر انفجارات العصر التقليدية في مرفأ بيروت الذي اودى بأكثر من 210 شهداء وأصاب نحو ستة الاف شخص بجروح وهجر مئات الاف السكان من عشرات الاف المباني والمنازل . والانكى من الكارثة المفجعة ان التحقيق العدلي المفتوح فيها ضرب عليه حصار مشبوه تآمري مريب، ونجح المتآمرون على الحقيقة بالضلوع مع الخانعين في عدم حماية حق الضحايا والمتضررين في بلوغ حكم العدالة في شل هذا التحقيق وتجميده حتى الان في سابقة هي الأخطر في تاريخ الملفات المماثلة طبعا على غرار تضييع الحقائق في ملفات اغتيال شهداء الحرية والسيادة والاستقلال.
واذا كان ايراد الحقائق والوقائع الكبرى الأساسية في سنوات الكوارث السابقة الفاصلة ما بين انتخابات وانتخابات يهدف الى اشاحة الغبار عن ذاكرة مثقلة بيوميات البؤس التي تحاصر اللبنانيين، فيبدو طبيعيا وبديهيا والحال هذه ان تكون ذروة امال الداخل والخارج ان يحمل الاحد 15 أيار 2022 تاريخا ولا كل التواريخ وموعدا ولا كل المواعيد ومحطة تحول كبيرة ولا كل المحطات.
مع كل التوهج الذي يعلق على يوم غد يرتسم السؤال المصيري الكبير هذه المرة بكل ما تنطوي عليه معايير المصيرية من دلالات وتداعيات على لبنان كما كان عبر تاريخه وليس كما “حولوه” اليوم الى بلد التبعية القاتلة لمحاور خارجية وصراعات قاتلة بالإضافة الى افقار وتجويع معظم شعبه. السؤال مصيري بقدر الواقع المأسوي للبنانيين: هل سيحول الناخبون اللبنانيون يوم 15 أيار 2022 تاريخا لاستيلاد ثورة الصناديق المتحررة التي ستفتح ليل الاحد على ثورة حقيقية حلال ديموقراطية خالصة تنفتح معها طريق انقاذ لبنان وخلاصه من منظومة الكوارث والفواجع والاستنزاف القاتل للوطن وابنائه وشبابه؟
الجهوزية الأمنية
في انتظار الاحد الانتخابي الحاسم تبارى المسؤولون المعنيون في تأكيد انجاز التجهيزات اللوجستية والجهوزية الامنية لضمان سلامة العملية الانتخابية وسط استعار المبارزات الخطابية والاعلامية التي تعدت السياسة الى بعض المواقع الدينية كمثل ما دأب عليه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان في اطلاق مواقف استفزازية مثيرة للنعرات من موقع فئوي فاقع.
اما على مستوى المواقف السياسية الرسمية ، فبدا لافتا مرة جديدة ان رئيس الجمهورية #ميشال عون بادر الى التشكيك الاستباقي ببعض جوانب العملية الانتخابية اذ اعلن امس تحديدا “أن بعض المال الذي يُدفع في الاستحقاق الانتخابي يأتي من خارج لبنان ونراهن على وعي الناخبين ورفضهم ان يكونوا سلعاً تباع وتُشترى”. وابلغ بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات النيابية التي زارته ان “ثمة مرشحين يستغلون الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ويدفعون المال لمصادرة خيار الناخبين الذي يفترض ان يكون محرراً من اي قيد.” ويشار الى ان رئيس البعثة الأوروبية اعلن ان “المراقبين سيتوزعون في المناطق اللبنانية كافة لتحقيق متابعة متكاملة للانتخابات دعماً للديمقراطية التي يتمتع بها لبنان”.
وترأس وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي اجتماعا أمنيا، حضره ضباط من الاجهزة الامنية والعسكرية، لتنسيق الخطوات العملية على الارض خلال فترة الانتخابات النيابية. واوضح مولوي ان ملف الكهرباء عهد به الى جهاز أمن الدولة الذي وضع خطة كاملة للتعاطي مع اصحاب مولدات الكهرباء والاماكن التي فيها مولدات، مثل البلديات والمراكز الدينية “ونحن زودنا كل مراكز واقلام الاقتراع باللمبات اللازمة واستطعنا الربط مع فريق تقني متواجد على نحو دائم. كما تم تجهيز وتهيئة اللازم مع مراكز القيد لتوفير الكهرباء طيلة الوقت.” وقال ان: “اجتماعنا مفتوح، ونحن على تواصل دائم مع غرفة العمليات التي تضم الجيش والامن العام وقوى الامن وأمن الدولة، وستكون على تواصل معنا في وزارة الداخلية”.
كما ان وزير الدفاع الوطني موريس سليم اكد أن الجيش سيكون منتشرا على الأراضي اللبنانية كافة خارج أقلام الإقتراع بدءا من اليوم لمؤازرة قوى الأمن الداخلي في تأمين حسن سير الإنتخابات النيابية يوم الأحد لجهة المحافظة على الأمن والتدخل عند أي حادثة من شأنها التأثير على صفو عملية الاقتراع وفق الآلية التي تم وضعها بالتنسيق مع الأجهزة الأخرى حيث يشرف الجيش على عمل وحداته من خلال غرفة عمليات مركزية في قيادة الجيش وغرف عمليات فرعية في كل من قيادات المناطق العسكرية الخمس. وتتمثل في غرف العمليات في الجيش كل من المديريات العامة لقوى الامن الداخلي ولأمن الدولة وللأمن العام عبر انتداب ضباط من قبلها الى غرف العمليات تلك”.
نصرالله وقبلان
وفي المشهد الانتخابي قبيل سريان الصمت الانتخابي منتصف الليل الفائت لبى مفتيو المناطق دعوة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بتوجيه نداءات في خطب الجمعة للمواطنين “للاقتراع بكثافة وعدم الاستنكاف عن الحق والواجب الدستوري”،
وفي المقابل جدد الأمين العام لـ”#حزب الله” السيد حسن نصرالله اتهام خصوم الحزب بـ”التآمر”. واعتبر في ثالث كلمة القاها هذا الأسبوع في مهرجان لحزبه في البقاع الشمالي أن “هدف المتآمرين كان أن تنقلب بيئة المقاومة على المقاومة وأكثر منطقة كانت مستهدفة هي البقاع وخصوصا بعلبك الهرمل. حضوركم الكبير هو تعبير عن تمسككم بالمقاومة وإخلاصكم لها وأنتم أهل المقاومة وزندها وقبضتها وعقلها وعيونها وقلبها وعاطفتها وحضوركم في هذا المهرجان هو دليل ورسالة وجواب واضح. أشكر حضوركم وهو الحضور المتوقع وهو غير مفاجئ بل قد يفاجئ المتآمرين والذين راهنوا خلال السنوات الماضية على أن تنقلب بيئة المقاومة عليها”. واستهدف تحديدا مرشحي “القوات اللبنانية ” في البقاع الشمالي فقال “أسألكم وارجعوا إلى ضمائركم، قيادات بعض الأحزاب المسيحية التي راهنت على الجماعات المـسلحة ومنعت الجيش أن يقاتل هل فكرت بكم؟ بدمائكم؟ ببيوتكم بأموالكم بأعراضكم بأمنكم بكرامتكم؟ أنا أقول لكم لم يفكروا. عليكم أن تحسموا فإما أن تكونوا مع من يدافع عنكم أو مع من يتآمر عليكم هل تكونوا مع اليد التي حملت البندقية لتدافع عنكم أو مع من قدمها للجماعات المسلحة للهجوم عليكم؟ وهم موجودون في اللائحة الأخرى”.
وبرز أيضا موقف نافر للمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان اذ اعرب عن “دهشته مما قاله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بأن مشكلة البلد بسلاح المقاومة، سائلا أين المقاومة وهي تقاتل في سوريا والعراق واليمن وغير ذلك؟! وأن إيران تنتهك سيادة لبنان!”، وذهب قبلان الى “الأسف لأن غبطته لا يرى بعين لبنان، فهذا أقرب لعقلية المتصرفية من عقلية لبنان الوطن والعيش المشترك” .وخلص الى “ان خيارنا الانتخابي المحسوم هو الثنائي الوطني المقاوم مع كل حلفائه، والتصويت لهذا الحلف واجب وطني وأخلاقي وديني”.
اشتعال
وعلى صعيد المواجهات الإعلامية اشتعلت السجالات العنيفة والحادة بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية “. وجدد رئيس “التيار” النائب جبران باسيل هجومه على “القوات” معتبرا ان “من يصوت لمرشحيها يصوت لداعش وإسرائيل”. ولم يوفر الرئيس نبيه بري متهما إياه “بالمسؤولية الكبيرة عن كل ما حصل للعهد”. ورد رئيس حزب “القوات” بعنف في حديث تلفزيوني مساء متهما باسيل و”التيار الوطني الحر” بالكذب والفساد والسرقة وقال ان باسيل لا يستند في أقواله الا على ذهنية مريضة مؤكدا ان التيار لم يكن لديه يوما مشروع لبناء الدولة وشدد على أولوية مواجهة مشروع “حزب الله” لكي تستقيم الأوضاع ولبناء الدولة .