كتبت صحيفة النهار تقول: في السابعة صباح اليوم الأحد 15 أيار تُفتَح صناديق الاقتراع أمام الناخبين اللبنانيين في كل المناطق اللبنانية لانتخاب الأعضاء الـ128 لمجلس النواب الجديد بعد حملات انتخابية حامية طبعت الأسابيع الأخيرة بطابع مقلق نظراً إلى ما عكسته من تفاقم هائل في الانقسامات السياسية والطائفية من جهة، وعمق تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية الناشئة عن الانهيار الذي أصاب لبنان منذ ثلاث سنوات، من جهة أخرى. وإذا كان من الصعوبة بمكان رسم تقديرات استباقية موضوعية ومتجرّدة للنتائج المحتملة التي قد يفضي إليها الأحد الانتخابي الطويل، فإنّ المراقبين الجادين يرصدون بدقة عالية الوضع الذي ستكون عليه مناطق عدة لجهة نسب الإقبال وكثافتها التي تلعب دوراً حاسماً في تقرير وجهة الانتخابات ونتائجها. ومع أنّ الاستطلاعات والاحصاءات تمادت طويلاً في سوق الكثير من السيناريوات المسبقة للنتائج المفترضة، فإنّ معظم المعطيات الجادة تعكس توقعات بمفاجآت عديدة قد يسفر عنها هذا اليوم. وليس خافياً في هذا الاطار أنّ العيون الإعلامية والسياسية ترصد بدقة الساحة السنية التي ستلعب دوراً كبيراً في رسم نتائج الانتخابات في معظم الدوائر الـ15 الانتخابية سواء منها ذات الأغلبية السنية أو ذات الاختلاط الطائفي في ظلّ الدعوات التي تكثّفت في اليومين الأخيرين إلى السنة تحديداً ولا سيما مع الدعوات التي وجهت عبر خطباء المساجد الجمعة الماضي. وهو الأمر الذي سيُحوِّل نسبة الاقتراع السنّي اليوم الحدث المحوري الذي يخترق الاستحقاق الانتخابي باعتباره سيشكل اختباراً دقيقاً للمفاعيل التي أحدثها انسحاب الزعامة السنية الأقوى والأساسية المتمثلة بالرئيس سعد الحريري وكيف سيتم تعامل غالبية السنة مع الدعوات الكثيفة لمحاولة ملء فراغ هذه الزعامة تحت لواء عنوان منع الآخرين يوظفون هذا الفراغ للعبث بتمثيل السنة.
العامل الآخر البارز الذي يطبع السباق الانتخابي اليوم يتمثل في احتدام عنيف للصراع بين “حزب الله” والقوى السيادية عموماً، وخصوصاً “القوات اللبنانية”، التي تشكل رأس حربة المواجهة مع الحزب في مناطق حساسة من أبرزها البقاع الشمالي وزحلة وجبيل وجزين وبعبدا والمتن فضلاً عن تحالفات الاشتراكي والقوات في الجبل على قاعدة هذه المواجهة.
لوجستيّاً، بدأت منذ صباح أمس عملية تسليم صناديق الاقتراع إلى رؤساء الاقلام والكتبة المكلفين إدارة العملية الانتخابية الذين سينطلقون إلى المراكز المخصصة للإقتراع، بإشراف قائمقام المنطقة أو المحافظ، وبمراقبة وتنظيم من عناصر الأجهزة الأمنية المستنفرة لليوم الكبير وقد انتشرت وحدات الجيش في كل المناطق اللبنانية لحفظ الأمن. في حين أكد وزير الاتصالات جوني القرم أنّ “الاتصالات مؤمّنة نهار الانتخابات وسنواجه اي عطل بسرعة فائقة”. وشدد وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي على أنّ “الوضع الأمني تحت السيطرة، وتم وضع خطة أمنية محكمة لتأمين حماية المراكز وسلامة العملية الانتخابية”.
ولفت مولوي إلى أنّ “الجميع سيشهد على حياد وزارة الداخلية طيلة اليوم الانتخابي حتى إعلان النتائج”، واعداً باعتماد الشفافية التامة مع المواطنين وبإعلان نسب المشاركة كل ساعتين.
أمّا المفارقة اللافتة، فتمثّلت في الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون إلى اللبنانيين مساء أمس داعياً إيّاهم الى المشاركة بكثافة في الانتخابات، إذ حوَّل الرسالة إلى فرصة للهجوم مجدّداً على من وصفها بمنظومة الفساد ونأى بنفسه عن كل مسؤولية متعلّقة بالانهيار الذي حصل خلال عهده واجتهد بعدم مسؤوليته عن ملاحقة الفاسدين وادرج نفسه مع المواطنين الضحايا. ومِمّا قال: “لقد حانت لحظة المحاسبة، ولحظة تحديد الخيارات. والمحاسبة تكون دائمًا في صندوق الاقتراع”، موضحاً أنّ “الانتخابات هي فرصتكم، فلا تضيّعوها، خصوصاً بعد الحقائق التي تكشّفت خلال هاتين السنتين، والأكاذيب التي تم فضحها، وبعدما بات للفساد وللسرقة وجوه وأسماء”.
وأكّد أنّ “مسؤوليتكم كبيرة اليوم، كي لا يتوقّف مسار تفكيك منظومة الفساد المركّبة، التي تحكّمت بمفاصل البلد على مدى عقود… مسؤوليتكم كبيرة لكي تحاسبوا الفاسدين والسارقين!”، مبيّناً أنّهم “منذ 30 سنة، جعلونا نعيش كذبة كبيرة. أوهمونا أن الليرة بخير وأن أموالنا موجودة ولا شيء يدعو للقلق. كذبة كهذه هي لا شك ممتعة ومريحة، ولكن كان لا بد أن يأتي وقت وندفع ثمنها، وكلَّما طالت الفترة، كلما بات الثمن أغلى وأقسى”. وشدّد على أنّ “منذ فترة، انتهت الكذبة، وكان يجب أن تنتهي وتتكشف الحقيقة القاسية، لنتمكن من مواجهة الواقع وإيجاد طريق الخروج منه”، مشيرًا إلى أنّ “اليوم، هنالك حملة تيئيس كبرى، عنوانها أنَّ لبنان مكسور ومفلس: “غادروه، واهربوا”. لا…! لقد قلتها منذ سنين، وها إنَّني إكررها: إنّ لبنان منهوب وليس مكسوراً، ولا هو بمفلّس… نعم، إنّه منهوب ومسروق، بالتكافل والتضامن، والأموال مهرّبة الى الخارج … وها هم يحاولون تحميل تبعات النتائج لكم، والمسؤولية لي. أنا الذي لطالما حذّرت، منذ أكثر من 25 سنة، من سياسات مالية سترهن البلد، وسياسات اقتصادية ستوقعه بأزمات مستقبلية”.
ورأى أنّ “اليوم، ولكي يستقيم الوضع في لبنان، فلا يبقى هناك تراشق اتهامات ورمي مسؤوليات، على القضاء أن يقوم بعمله، عليه أن يسمي الفاسدين ويلاحقهم، وبعض هؤلاء بات معروفاً”، معتبراً أنّه “لا يعود لرئيس الجمهورية أن يلاحق الفاسدين والسارقين ويقاضيهم ويزج بهم في السجون. أنا بإمكاني ان أدل على الطريق التي توصلنا الى معرفة من سرق، ولقد فعلت وقلت “إن التدقيق الجنائي هو الطريق فابدأوا من هنا”.
وختم عون: “ثوروا وراء العازل على من عرقل ولمّا يزل كلَّ خطوة بمقدورها أن تحمي ما تبقَّى من حقوقكم أو تفضح السارقين ثوروا على من يحرِّض ويبتغي الفتنة وربّما حرباً أهليَّة، إنَّ ثورة صندوق الاقتراع هي أنظف الثورات وأصدقها فلا تبيعوها لأحد كونوا أحراراً خلف العازل لدقائق تربحون وطنكم وتعيشون فيه أحراراً وبكرامتكم مدى حياتكم”.
من جهته، وجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي نداءً إلى الشعب اللبنانيّ، والمرشّحين للنيابة والناخبين. وقال: “حريٌّ بالشعبِ اللبنانيِّ أن يتوجّهَ غدًا إلى الانتخاباتِ عفويًّا ووطنيًّا من دونِ تدخّلاتٍ ومن دونِ ترغيبٍ ماليٍّ وترهيبٍ أمنيّ. فالكرامةُ هي صنوُ السيادةِ، واستقلاليّةُ القرارِ تَنبعُ من الحِسِّ بالمسؤوليّةِ الوطنيّةِ لا من مسايرة هذا أو ذاك، وهذه الدولة أو تلك. أيّها الشعبُ اللبنانيّ: أنْــفُض عنكَ غبارَ التبعيّة، واسْتعِد عنفوانَك، وحَرِّر قرارَك، وأعِدْ بناءَ دولتَك على أساسِ القيمِ التي تأسّستَ عليها، وسار على هَدْيها الآباءُ والأجداد”. واعتبر أنّه “مهما كانت نتائجُ الانتخاباتِ وشكلُ الحكومةِ المقبلةِ ونوعيّةُ الإصلاحات، يظلُّ اعتمادُ نظامِ الحِيادِ الناشِط الحلَّ المحوريَّ الذي يَضمَن وجودَ لبنان ويَحفَظَ استقلالَه واستقرارَه ووِحدته التاريخيّة والوطنيّة”.