كتبت صحيفة الديار تقول: يتوجه اللبنانيون اليوم الى صناديق الاقتراع في الجولة الاخيرة والحاسمة من الانتخابات النيابية في منازلة كبرى اجمعت القوى المناقشة على انها تشكل محطة مفصلية لتحديد مسار المرحلة المقبلة.
وامس اكتملت التحضيرات اللوجستية والادارية لهذه الانتخابات في ظل استنفار امني كبير، حيث يشارك ما لا يقل عن 75 الف ضابط وعسكري من الجيش والقوى الامنية لتأمين امن وسلامة هذا الاستحقاق في الدوائر الخمسة عشر التي ستشهد تنافسا شديدا لا سيما بعد ان اكتملت عملية التحشيد الشعبي والسياسي بين القوى المتنافسة.
واعلنت قيادة الجيش اللبناني في بيان لها «ان قوى الجيش ووحداته بدأت الانتشار على الاراضي اللبنانية كافة لحفظ امن العملية الانتخابية وضمان سلامة اجرائها»، داعية المواطنين الى «التعاون والالتزام بتعليمات القوى الامنية».
وشهدت بيروت وباقي المدن والمناطق ابتداء من بعد ظهر امس بدء انتشار الجيش بشكل كثيف في مختلف الشوارع والاحياء، وسط اجراءات مشددة لمنع اي اخلال امني او اشكالات تعيق سير العملية الانتخابية اليوم.
واذا كانت الخطابات الانتخابية والشعبوية والطائفية قد وصلت الى الذروة قبل سريان مفعول الصمت الانتخابي منذ منتصف ليل الجمعة، فان السؤال الذي يبقى حاضرا، ماذا بعد الانتخابات، ومن سيفوز بالاكثرية النيابية، وما هي النتائج المترتبة عن هذا الاستحقاق؟
وفي بلد مثل لبنان لا يمكن ان تحسم الاستطلاعات نتيجة هذا الاستحقاق في ظل قانون معقد يستند الى حسابات طائفية وفي غياب النظام الحزبي المبني على الاسس السياسية بدلا من المحاصصة الطائفية والمذهبية.
لذلك من غير المؤكد ترجيح فريق على آخر، لكن الاجواء السائدة والمعطيات المتوافرة حتى الان تؤشر الى عدم احداث تغيير واضح في المعادلة السياسية والنيابية تحت قبة البرلمان الجديد، والى رجحان كفة احتفاظ الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر والحلفاء بالاكثرية.
غير ان الوضع الضبابي الذي يخيم على اجواء المعركة المسيحية – المسيحية وتحديدا بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والارباك الحاصل في الشارع السنّي بعد انسحاب الرئيس الحريري وتياره من المعركة، يشكلان عاملين مؤثرين وبارزين على النتائج، وعلى حجم الاكثرية النيابية المقبلة.
ويبرز عامل ثالث ايضا هو القوى التي تخوض هذه الانتخابات تحت عنوان التغيير، التي ترجح الاستطلاعات ان تتمكن من احداث خروقات في عدد من الدوائر املا في تكوين ما يمكن وصفه بالقوة الثالثة في البرلمان الجديد، مع العلم ان كل الاستطلاعات تشير الى انها لن تنجح في الحصول على اكثر من عشرة مقاعد خارج مقاعد حزب الكتائب والنواب المستقيلين ميشال معوض ونعمة افرام وميشال ضاهر.
كل هذه المؤشرات والمعطيات تؤكد ان معركة اليوم ستكون قاسية، وربما تحمل مفاجأت في بعض الدوائر اكان على صعيد التنافس المسيحي المسيحي ام على صعيد توزع مقاعد المستقبل بين اللوائح السنية الكثيرة او على صعيد نسبة المقاعد التي ستفوز بها قوى التغيير.
واذا ما تقاربت الارقام بين تحالف محور الممانعة والمقاومة مع تحالف القوى التي تخوض معركتها تحت عنوان السيادة فان هناك من يتطلع الى ان يلعب دور بيضة القبان ويبرز في هذا المجال دور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاك الذي رغم رفع سقف خطابه الانتخابي في وجه حزب الله لن يذهب بهذا الخطاب بعد الانتخابات الى نقطة اللاعودة، وسينحاز مجددا الى الاحتكام للحوار بدلا من الصدام والمواجهة الحادة.
كذلك فان القوى التي تنضوي تحت شعار التغيير لن تنجاز الى الفريقين الاساسيين المتصارعين، خصوصا ان هناك خلافات في ما بينها حول مسألة اساسية تتعلق بكيفية التعاطي مع الاستراتيجية الدفاعية وقضية سلاح المقاومة.
من هنا تتطلع الاوساط المراقبة الى مرحلة ما بعد الانتخابات والى الخارج الذي لعب ويلعب دورا مؤثرا في الضغط لاجراء الاستحقاق الانتخابي، معولا عليه بعد التطورات التي حصلت في السنوات الثلاث الاخيرة اثر اندلاع انتفاضة 17 تشرين في العام 2019.
مصدر بارز: العالم سيتعامل مع الانتخابات مهما كانت النتائج
وفي هذا المجال قال مصدر سياسي بارز لـ «الديار» «ان العالم سيتعامل مع نتائج الانتخابات في كل الاحوال، لانه وضع هذا الاستحقاق من بين الشروط الاساسية لمدّ يد العون الى لبنان ودعمه للخروج من ازمته». واضاف: «صحيح ان هناك من يريد او يسعى لاحداث تغيير في المعادلة السياسية في المجلس الجديد، لكن الصحيح ايضا ان العالم سيكون بعد الانتخابات امام امر واقع وحقيقة لا بدّ من الاعتراف والتعاطي معها اكان نجح تحالف الممانعة والمقاومة في الاحتفاظ بالاكثرية امام فاز الفريق الآخر بها».لذلك، يضيف المصدر «المرجح ان يعترف العالم بالانتخابات ويتعامل مع نتائجها بطريقة تتعارض او لا تتلاءم مع الخطابات والشعارات الانتخابية المتطرفة التي سادت في الاسابيع الاخيرة على الساحة اللبنانية».
فرنسا لم تفاتح اللبنانيين بفكرة المؤتمر الحواري
وفي هذا السياق كشف مصدر مطلع لـ «الديار» امس عن ان فرنسا تنوي تنشيط تحركها بعد الانتخابات، لكنه اضاف ان باريس لم تبلغ اي من المسؤولين والاطراف اللبنانية بانها في صدد اجراء مؤتمر حواري قريب بين الافرقاء اللبنانيين يتناول جوانب الازمة اللبنانية وسبل ايجاد حلول لها».
واوضح ان المسؤولين والسياسيين سمعوا مباشرة او عبر السفيرة الفرنسية في بيروت كلاما يركز على ما اكدت عليه فرنسا سابقا اكان بالنسبة الى اجراء الانتخابات في اجواء نزيهة وديمقراطية، ام بالنسبة للاسراع في الاصلاحات المطلوبة من اجل توفير الدعم للبنان اكان من خلال صندوق النقد الدولي والهيئات المانحة او من خلال تقديم دعم اضافي من قبل الدول المانحة.
وردا على سؤال قال المصدر «لا علم لي ان هناك محاولات جدية قد بدأت او ان هناك كلاما مباشرا قد جرى حول عقد مؤتمر حواري لا في القاهرة ولا غيرها، وان هذا الامر قد يحصل في مرحلة لاحقة بعد انتخاب رئيس المجلس النيابي وهيئة مكتب المجلس وتشكيل الحكومة الجديدة لمتابعة مسار العمل من اجل الاسراع في الاصلاحات الاقتصادية والمالية وانجاز الاتفاق مع صندوق النقد.
الاولوية لحكومة سريعا
وعلمت «الديار» من مصادر مطلعة امس ان هناك رغبة داخلية وخارجية لتشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات في فترة قصيرة. ونقلت عن مرجع مسؤول «ان الحكومة الجديدة يجب ان تتشكل في غضون اسابيع قليلة لان وضع البلد في ظل الانهيار الكبير الحاصل لا يحتمل حصول ازمة حكومية كما جرى في السابق ولا يمكن مواجهة تداعياته المتسارعة في ظل حكومة تصريف الاعمال».
ووفقا للمرجع فان هذا التوجه يحظى بدعم خارجي، مشيرا الى انه من المرجح ان تلعب فرنسا مرة اخرى دورا في هذا المجال كما فعلت في المساعدة على تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي الحالية بموافقة اميركية وبالتعاون مع مصر بشكل مباشر ودائم.
وردا على سؤال حول شكل الحكومة المقبلة نقلت المصادر عن المرجع قوله انه في السابق لاوانه الخوض او حسم مثل هذا الامر قبل معرفة نتائج الانتخابات، لكن هناك حاجة لتأليف حكومة تعكس اوسع تمثيل سياسي ممكن.
وبشأن اعلان بعض القوى رفضها مسبقا المشاركة في حكومة وحدة وطنية او حكومة وفاقية رأى المرجع ان الامور لم تنقشع بعد وان الصورة ستتوضح بعد الانتخابات، لافتا الى «انه علينا ان ننظر ونرى».
الحل الاقتصادي قبل السياسي
من جهة ثانية اشارت مصادر مطلعة الى ان هناك من القوى السياسية والحزبية من يرى ان مرحلة ما قبل هذه الانتخابات غير ما بعدها، وانه يعوّل على فتح الملفات السياسية الشائكة بموازاة الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
لذلك يكثر الحديث عن مؤتمر حواري سيجري العمل عليه لطرح قضايا اساسية مثل قضية السلاح والطائف وغيرها. لكن مثل هذا الطرح يتجاهل خطورة تدهور الوضعين الاقتصادي والمالي وانعكاسهما على اللبنانيين وعلى الاستقرار في لبنان.
واضافت المصادر ان هناك اولويات لا بد التعاطي معها مباشرة بعد 21 الجاري اي بعد نهاية ولاية هذا المجلس، وفي مقدمة هذه الاولويات الى جانب انتخاب رئيس المجلس وهيئة المكتب العمل على تشكيل حكومة باسرع وقت ممكن.
واشارت الى انه يمكن بعد ذلك التداول في الافكار المتعلقة بعقد هذا المؤتمر في لبنان او خارجه، لكن من المستبعد طرح قضايا خلافية كبيرة مثل موضوع الاستراتيجة الدفاعية والسلاح في الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل.
وقالت في هذا المجال ايضا انه اذا كان تأجيل زيارة قداسة البابا التي كانت مقرة الى لبنان في حزيران المقبل يعود لاسباب صحية، فان هناك ايضا من يربط ذلك بعدم نضوج الحلول المتعلقة بازمة النظام.
واضافت المصادر ان التأجيل ربما يرتبط بانضاج هذه الظروف قبل تحديد موعد اخر لزيارة البابا خصوصا ان الفاتيكان دخلت في الاونة الاخيرة على خط تبادل الافكار حول الازمة اللبنانية مع فرنسا وجهات لبنانية محلية.
وبرأي هذه المصادر ان فكرة اجراء تعديلات لتحسين وتجديد اتفاق الطائف وتنقيحه في بعض البنود، مسألة مطروحة وهناك اشارات من افرقاء سياسيين لطرحها في مرحلة لاحقة.
عون: لا اسمح بالمساومة على السيادة
وعشية فتح صناديق الاقتراع وجه رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة الى اللبنانيين دعاهم فيها الى الاقتراع بكثافة اليوم واختيار من يجدونه اهلا للدفاع عن حقوقهم واقرار القوانين التي تصونها وتحميها خصوصا وان مجلس النواب المقبل سيكون امام مسؤوليات تشريعية كبرى واستحقاقات دستورية.
وقال ليس «الذي امضى حياته يقاتل من اجل وحدة لبنان وسيادته على كل شبر من ارضه وبحره، واول من تقدم باستراتيجية دفاعية وطنية، سيسمح اليوم او في اي يوم ان تمس هذه السيادة او تباع في السوق السوداء او تغدو موضع مساومة او مقايضة».
وفي حديث لوكالة الانباء القطرية اكد الرئيس عون «حرص لبنان على اقامة افضل العلاقات العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص» وانه لا يمكن لأي غيمة سوداء قد تعتري هذه العلاقات في يوم ما ان تسود وتستمر لان مصيرها الطبيعي ان تنقشع فلا لبنان يجد نفسه بعيدا عن محيطه العربي ولا العرب بمقدورهم الاستغناء عن لبنان».
وقال « ان لبنان يتنفس من الرئة العربية ويعتمد على الدول العربية لتكون طريقه الاقتصادي الى العالم خصوصا مع تواجد العدو الاسرائيلي على حدوده الجنوبية…»
واعرب عن تطلعاته الى ان يقوم المجلس النيابي القادم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكمل خارطة الطريق التي وضعها والكفيلة بانهاء الوضع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون».
وحول تطبيق لبنان الاستراتيجية الدفاعية الموحدة قال «ان معالجة قضية بهذا الحجم تتطلب توافقا شاملا من قبل كل الاطراف اللبنانية لان انعكاس المسألة يطال الجميع من دون استثناء، كما ان الاستراتيجية الدفاعية لا يمكن تبينها وتطبيقها من قبل طرف واحد».
واعلن ان لبنان في صدد التحرك بشكل فاعل ومكثف دوليا من اجل اثارة موضوع النازحين السوريين وقال لن نقبل بتهديد مصير لبنان ارضاء لاحد وسيكون لنا موقف لبناني موحد نحمله الى العالم خلال الفترة المقبلة في اكثر من محفل اقليمي ودولي».
وحذر من «مطامع الاسرائيليين في الثروات اللبنانية من نفط وغاز ومياه» مستبعدا في الوقت عينه ان يشن الكيان الاسرائيلي عدوانا على لبنان ومعربا عن اعتقاده بأن «العدو الاسرائيلي لن يسعى الى مثل هذه المغامرة حاليا لأن الثمن سيكون غاليا جدا وسيقف لبنان صفا واحد في وجه المعتدي بكل مكوناته ومقاومته».
الراعي: للاقتراع الكثيف وتشكيل حكومة سريعا
من جهة اخرى دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الى «الاقتراع بكثافة اليوم وحسن الاختيار واحترام الديمقراطية والدستور بعد الانتخابات وتأليف حكومة جديدة سريعا لئلا تطول فترة تصريف الاعمال وتنعكس سلبا على الاستحقاقات اللاحقة».
ودعا الشعب بعد لقائه امس الوفد الاوروبي لمراقبة الانتخابات الى ان ينفض عنه غبار التبعية والى استعادة عنفوانه وتحرير قراره واعادة بناء دولته على اساس القيم التي تأسسست عليها وسار على هديها الاباء والاجداد.