كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : وأخيراً أُنجز الاستحقاق النيابي وعلى نتائجه الرسمية التي ستعلن اليوم، سيكون مشهد لبنان غير ما كان قبله، رغم انّ نتائج العملية الانتخابية لم تغيّر كثيراً فيه من حيث موازين القوى العامة السائدة في ظل المجلس الحالي الذي تنتهي ولايته في 21 من أيار الجاري، وتصبح عندها الحكومة مستقيلة دستورياً وتتولّى تصريف الاعمال الى حين تأليف حكومة جديدة.
وأظهرت النتائج الاولية لفرز النتائح حصول خرق متبادل في عدد من الدوائر بين لوائح «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وحلفائهما ولوائح حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» وحلفائهما. لكن بعد ان ينجلي غبار المعارك الانتخابية سيكون التحدّي الكبير تأليف الحكومة الجديدة، حيث انّ البلاد بما تعانيه من أزمات جهنمية، لا تتحمّل تأخيراً في إنجاز هذا الاستحقاق الذي يفترض ان يبدأ عدّه العكسي صبيحة 22 من الجاري، حيث سيكون الجميع امام اختبار تجاوز خطاب ما قبل الانتخابات الى التوافق على التركيبة الحكومية الجديدة على رغم الاختلاف في المواقف والتوجّهات السياسية.
نجحت الحكومة في تنظيم الانتخابات النيابية على رغم الأزمة المالية الحادة وغياب الاستقرار السياسي والتشكيك المتواصل في إجرائها، وهذا الإنجاز يُسجّل في خانة الحكومة التي أُنيط بها عند تأليفها ثلاثة أدوار أساسية: الأول إجراء الانتخابات النيابية، والثاني التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والثالث وضع لبنان على سكة التعافي.
ومع نجاح الحكومة في إنجاز الانتخابات في الخارج والداخل تنتقل الأنظار إلى النتائج الرسمية التي ستُعلن اليوم وستبدأ معها مرحلة جديدة، وإذا كانت رئاسة مجلس النواب محسومة للرئيس نبيه بري، إلّا انّ تكليف رئيس الحكومة غير محسوم بعد على الرغم من انّ رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي هو الأوفر حظاً، ومع تكليف رئيس الحكومة يتحوّل التركيز الى اتجاهين: استشارات التأليف، وانطلاق العدّ العكسي لانتخابات رئاسىة الجمهورية.
ولكن، قبل انطلاق المسار السياسي الدستوري النيابي والحكومي وصولاً إلى الرئاسي، ستخضع الانتخابات لدراسات معمّقة تبدأ من نسبة التصويت مقارنة مع الانتخابات السابقة، ولا تنتهي بطريقة اقتراع الناخبين، خصوصاً انّ هذه الانتخابات تجري للمرة الأولى وسط انهيار مالي غير مسبوق وانتفاضة شعبية عمّت لبنان من أقصى الجنوب مروراً بوسطه وجبله إلى أقصى الشمال.
وكل التوقعات كانت تؤشر إلى ارتفاع نسبة التصويت هذه المرة، لأنّه لم يعد أمام الناس سوى صندوقة الاقتراع التي تشكّل باب الأمل الوحيد للخروج من الأزمة الخانقة، من خلال إدارة سياسية جديدة تقطع مع المرحلة السابقة وتؤسس لإدارة سياسية جديدة للدولة ومؤسساتها.
وفي حال ظهر انّ نسبة التصويت متدنية مقارنة مع انتخابات العام 2018، فهذا يعني انّ الناس وصلت إلى حدّ اليأس، ولم تعد مؤمنة بأنّ التغيير يتحقّق بإرادتها ومن خلال صناديق الاقتراع، وانّها قرّرت التعايش مع قدرها ومصيرها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وفي مطلق الحالات، دخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة طُويت معها مرحلة كانت مليئة بالتطورات بين الانتخابات السابقة واليوم. فما شهدته البلاد من أحداث وتطورات وانهيارات وانتفاضات وتأليف حكومات كان ضخماً ومثيراً، ولا يُعرف بعد ما إذا كانت الانتخابات ستدفع القوى السياسية على اختلافها إلى وضع الماء في نبيذها وفتح صفحة جديدة لمواجهة الأزمة المالية، أم انّ انقسامات ما قبل الانتخابات ستتواصل بعدها، وكأنّ لا انتخابات ولا من يحزنون، خصوصاً انّ المرحلة المقبلة غنية باستحقاقاتها الدستورية وأبرزها تأليف حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية جديد.
وكانت الانتخابات بدأت بتوافد الناخبين في مختلف الدوائر الى مراكز الاقتراع، وسط إجراءات أمنية مشدّدة اتخذها الجيش وكل الاجهزة الامنية، ولم يخل الوضع من حصول بعض الإشكالات في محيط عدد من مراكز الاقتراع في بعض الدوائر، وتمّت معالجتها من دون ان تعطّل العمليات الانتخابية التي سارت في ظل رقابة «الجمعية الوطنية لمراقبة الانتخابات» والبعثة الاوروبية وبعثة جامعة الدول العربية لمراقبة الانتخابات. وقد أعلن مكتب البعثة العربية مساء امس تأجيل المؤتمر الصحافي لرئيسها الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية احمد رشيد خطابي، الذي كان مقرّراً في الاولى والنصف بعد ظهر اليوم إلى موعد لاحق يُعلن فور تحديده.
واد بلغ عدد الناخبين في كل الدوائر 3.967.507 ناخبين، مقارنة مع 3.746.483 ناخباً في عام 2018 أي بزيادة 221.024 ناخباً. وبلغ عدد المرشحين للانتخابات 719 مرشحاً توزعوا على 103 لوائح وتنافسوا في 15 دائرة انتخابية، وبلغت نسبة الاقتراع العامة الاولية غير النهائية 41,04%.
نتائج أولية لبعض الدوائر
ولوحظ انّ المعارك الانتخابية الأكثر احتداماً كانت في دائرتي بيروت الاولى والثانية وفي دوائر جبل لبنان وبعض دوائر الشمال وكذلك في دائرة بعلبك ـ الهرمل.
وأظهرت النتائج الأولية غير الرسمية الصادرة عن ماكينات اللوائح الانتخابية في دائرة بعلبك الهرمل، وبنتيجة فرز 540 قلم اقتراع من أصل 590 قلماً، فوز 9 مرشحين على لائحة «الأمل والوفاء»، هم النواب الحاليون: حسين الحاج حسن، غازي زعيتر، علي المقداد، إبراهيم الموسوي، وإيهاب حمادة عن المقاعد الشيعية، والمرشحان السنّيان ينال صلح وملحم الحجيري، والمرشح عن مقعد الروم الملكيين الكاثوليك سامر التوم.
فيما فاز بالمقعد الماروني نائب «القوات اللبنانية» الحالي أنطوان حبشي.
وفيما سادت احتفالات الابتهاج بالفوز في بعلبك من مناصري الثنائي الشيعي، وفي بلدة دير الأحمر من محازبي «القوات اللبنانية»، تواصلت أعمال الفرز الرسمية في قصر عدل بعلبك، التي قد تصدر نتائجها عند ساعات الصباح الأولى.
وتحدثت معلومات اولية غير رسمية، عن أنّ خرقاً سجله المرشح الياس جرادي في دائرة الجنوب الثالثة، عن المقعد الارثوذكسي في دائرة حاصبيا مرجعيون الذي نافسه عليه النائب اسعد حردان.
وبحسب النتائج الأوّلية لماكينة «القوات اللّبنانية»، فقد فاز كلّ من مرشحيها: انطوان حبشي في بعلبك، والياس اسطفان وجورج عقيص في زحلة، وراجي السعد ونزيه متى في الشوف، كما فاز النائب جورج عدوان، ومن المرجح ان تفوز غادة ايوب في جزين. أما في بيروت ففاز كل من غسان حاصباني، جهاد بقرادوني، في كسروان شوقي الدكاش، في جبيل زياد حواط ، في البترون غياث يزبك، في بشري كل من ستريدا جعجع وجوزف اسحاق، في طرابلس الياس خوري، في عكار وسام منصور، في الكورة فادي كرم، في بعبدا كل من بيار ابو عاصي ودوري كميل شمعون.
وفي دائرة المتن الشمالي اظهرت النتائج الاولية فوز كل من ميشال الياس المر واغوب بقرادونيان من لائحة «معاً أقوى». وفوز كل من سامي الجميل والياس حنكش من لائحة «الكتائب» وملحم رياشي و رازي الحاج من لائحة «القوات»، وابراهيم كنعان والياس بوصعب من لائحة «التيار الوطني الحر».
باسيل
إلى ذلك علّق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، على اليوم الانتخابي فقال: »التيار لم يكن في معركة مع «القوات» و«الاشتراكي» و«الكتائب» و«أمل» وغيرهم، بل بمعركة بدأت في 17 تشرين مع اميركا واسرائيل وحلفائها». واضاف: «شينكر «معلم» هذا الفريق بلبنان اعترف بالحصار وتخفيض تصنيف لبنان وبإدارة الجمعيات والشخصيات وتمويلهم، وبأنّهم فرضوا عليّ عقوبات سياسية لأذيتي شخصياً ومادياً بما امثل وهذا امر ليس بسيطاً».
وقال: «التمويل مصدره الاقليمي معروف، وكانت ثمة جولات لسفراء، والثابت انّ «القوات» هو الحزب الاول بشراء الضمائر. فليفتخر بذلك اذا اراد». وختم: «واضح انّه يجب انتظار الارقام والنتائج قبل الحديث. لكن الاكيد انّ التيار خرج منتصراً من المعركة فهو سينال نواباً في كل لبنان. والعدد نتركه للنتائج التي ستتظهر تباعاً وفكرة الغاء التيار سقطت».
ميقاتي
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من وزارة الداخلية والبلديات قال إثر انتهاء العمليات الانتخابية وإقفال اقلام الاقتراع، انّ ما حصل أمس «هو انجاز بكل معنى الكلمة. والدولة قامت بواجبها في انجاز الانتخابات بشكل كامل». وقال بعد اجتماع عقده مع وزير الداخلية بسام مولوي: «اليوم (أمس) تحركت الدولة بكل عناصرها من جيش وقوى أمن ورؤساء أقلام وقضاة وأكثر من 120 ألف شخص تحركوا على الارض وهذا إنجاز «منشوف حالنا فيه». واضاف: «نتمنى ان تنتج هذه الانتخابات مجلس نواب يتعاون مع السلطة التنفيذية المقبلة لكي ننتشل لبنان من الازمة الحالية. ومع استقالة الحكومة أتمنى الّا تتأخّر الاستشارات النيابية لإنقاذ لبنان». وختم: «الانتخابات انتهت، وكل انتخابات وإنتم في خير».
ثم زار ميقاتي وزارة العدل وعرض ووزيرها هنري خوري للمواكبة القضائية لفرز أصوات الناخبين ونتائجه، كذلك أطلع على بدء عمل لجان القيد الابتدائية في المرحلة الاخيرة من الانتخابات. وقال: «أردنا أن يكون ختام هذا النهار مسكاً، ولذلك حضرنا الى الحصن الاول للعدل في لبنان لتأكيد شكرنا للمواكبة القضائية لهذا النهار الانتخابي الطويل. العدل أساس الملك بالتأكيد، ورغم كل الصعوبات يبقى ميزان العدل هو الذي يصوّب الامور ويصون الوطن».
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد اقترع في مسقط رأسه حارة حريك في دائرة بعبدا. وقال بعد الإدلاء بصوته أنّ «الاقتراع واجب على كل مواطن. ولا يمكن للمواطن ان يكون محايداً في قضية كبيرة هي أساسية في اختيار نظام الحكم. وكل 4 سنوات يعيش مرحلة يمكنه من خلالها التمييز بين من أنجز من النواب، ولماذا، ومن لم ينجز شيئاً».