كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: مهما قال الفائزون أو الخاسرون في انتخابات 15 أيار، فإن السمة الأساسية لانتخابات الأحد الماضي أنها ثبّتت النزعة الطائفية لدى الغالبية الكبرى من المقترعين، حتى إن قسماً لا بأس به ممن امتنعوا عن التصويت فعلوا ذلك تعبيراً عن إحباط قام على خلفية طائفية. أما الخروقات الجدية لشخصيات معارضة من خارج الاصطفاف الطائفي فلا يمكن اعتبارها، على أهميتها، فوزاً ناجماً عن قوّة مستقلة كاملة، لكنها قوة تتيح المجال للقول إن لخيار التيارات غير الطائفية مكانه في لبنان، لكن قيامه يحتاج الى برامج خارج الانقسام القائم حالياً. ويبقى أن يحفظ اللبنانيون ذاكرتهم الطرية لمراجعة الفائزين أو الخاسرين في كل ما قالوه وأدلوا به خلال الشهرين الماضيين.
24 ساعة كانت كافية لقلب صورة النتائج التي أُريد لخصوم حزب الله والتيار الوطني الحر تعميمها مساء الأحد. وإذا كان حزب الله قد أمسك بقوة (مع حليفه الرئيس نبيه بري) بكامل الكتلة النيابية الشيعية على مساحة كل لبنان، فإن ما برز من تطورات في الوسط المسيحي انتهى الى غياب لصورة الانتصار التي أشاعتها القوات اللبنانية مساء الأحد، وأظهرت النتائج الرسمية وغير الرسمية أن التيار الوطني الحر حصل على كتلة نيابية تتفوّق على كتلة القوات. وإذا كانت خسارة التيار في قضاء جزين قد مثّلت ضربة كبيرة، إلا أن خسارة القوات أحد مقعدَي بشري مثّل ضربة كبيرة وغير مسبوقة، علماً بأن التدقيق في نسب الأصوات يبقى مرتبطاً بالاطلاع على كامل النتائج. وقراءة سريعة لأسماء الفائزين من أعضاء الفريقين أو المتحالفين معهما تظهر تقدم التيار على القوات بمقعد على الأقل.
اللافت في اليوم التالي للفرز لم يتمثّل فقط في خسارة بعض حلفاء حزب الله، ومنهم كل مرشحي الحزب السوري القومي الاجتماعي والمرشحون طلال إرسلان ووئام وهاب ومروان خير الدين، بل هو قدرة مجموعات شبابية خرجت من انتفاضة 17 تشرين على تحقيق خروقات جدية في عدة دوائر. ويمكن القول إن هذه المجموعات نجحت في تحدّي القوى التقليدية جنوباً وبقاعاً وجبلاً وشمالاً، إضافة الى بيروت.
القراءات السياسية التفصيلية ستحتل المشهد خلال الأيام القليلة المقبلة. لكن ما يجب تثبيته حتى اللحظة ليس مبشّراً، وخصوصاً أن التصويت في غالبية الدوائر قام على خلفية طائفية ومذهبية حادة، وحتى المقاطعة في دوائر كثيرة إنما عكست الإحباط لدى جزء كبير من السنّة ممّن يمثلون قاعدة تيار المستقبل.
عملياً، النتائج الرسمية التي أعلنها وزير الداخلية بسام المولوي حتى منتصف الليلة الماضية قدمت الأرقام النهائية في 12 دائرة، وبقيت النتائج الرسمية مقتصرة على دوائر طرابلس – المنية – الضنية، عكار وبيروت الثانية، حيث يفترض التدقيق في الانعكاسات الحقيقية لعزوف جمهور الرئيس سعد الحريري في هذه الدوائر ذات الغالبية السنية.
لكن عدم الإعلان الرسمي لم يسقط النتائج شبه الرسمية التي جمعتها الماكينات الانتخابية المركزية في هذه الدوائر. ويمكن ببساطة من إعادة جمع «عديد» الكتل النيابية التيقّن من أن النتائج ثبتت الانقسام السياسي بحدة أكبر، رغم أن التحالف الذي يقوده حزب الله يظهر أكثر تماسكاً بمجموع يقلّ بقليل عن نصف المقاعد، مقابل 4 تجمعات حزبية وشخصية وفردية مثّلت بقية المقاعد، ما يجعل المجلس النيابي عرضة لاختبار التحالفات الضيقة أو الواسعة بحسب العناوين والقضايا.
ثمة عناوين كثيرة تخصّ القوى الرئيسية التي خاضت الانتخابات. لكن المشهد الإعلامي بخلفيته السياسية ركز على أمرين، يتعلق الأول بنتائج التصويت في الشارع المسيحي وطبيعة التصويت عند السنّة في غالبية دوائر لبنان. ويمكن في هذا السياق إيراد الآتي:
التيار والقوات
منذ مساء الأحد حتى غروب أمس، كان الوقت ثقيلاً على جمهور التيار الوطني الحر وقيادييه. فرغم فوز جبران باسيل بمقعده في البترون، وإعلانه انتصاره على كل القوى السياسية والماكينات المالية التي تجمهرت لإسقاطه، كانت النتائج المعلنة تشير الى خسارة التيار أمام القوات. وانعكس الأمر إحباطا لدى الجمهور العوني، وخصوصاً أن القوات لم توفّر برنامجاً تلفزيونياً أو إذاعياً أو صفحة على وسائل التواصل لإعلان فوزها الساحق وتشكيلها الكتلة النيابية الأكبر من الشمال الى الجنوب. ليس الأمر مجرد أعداد بالنسبة إلى التيار، بل فقدانه مجموعة امتيازات سياسية تبدأ بالحكومة ولا تنتهي بالتعيينات والمواقع المسيحية الأساسية في الدولة كما الجلوس على طاولة القرار. امتيازات اعتادها منذ عام 2005 جراء فوزه بالكتلة النيابية الأكبر، وأدّت بشكل رئيسي إلى وصول رئيس الجمهورية ميشال عون الى موقعه. بدا الانهيار قوياً بعد 17 عاماً.
غير أن المشهد انقلب مساءً. وبدأت الصورة تتدرّج منذ أن تبيّن فوز التيار بأربعة مقاعد في عكار، تلاه إعلان فوز النائب جورج عطا الله في الكورة، ثم خسارة القوات لمقعد الأقليات في بيروت الأولى. تزامن ذلك مع مقارعة المرشح جاد غصن للقوات على المقعد المتني وأخبار عن خسارة جورج عدوان في الشوف لمصلحة غادة عيد.
على الورقة والقلم، كان يمكن للعونيين تعداد 19 نائباً يضاف إليهم 3 نواب حلفاء من حزب الطاشناق لتصبح الكتلة 22 نائباً. بينما كانت القوات تتراجع من 23 نائباً الى 18 نائباً، يضاف إليهم النائب راجي السعد كحليف بعد إعلان النائب كميل شمعون عدم نيته الانضمام الى كتلة القوات، لتصبح النتيجة 22 للتيار و19 للقوات. سريعاً، بات يمكن الحديث عن تبدّل الصورة تماماً بين الجمهورين؛ بدا القواتيون أكثر قلقاً، والعونيون أكثر ارتياحاً ولا سيما مع «خرق» جورج عطا الله في الكورة.
غير أن الضربة الأكبر التي تلقّتها القوات أتت بعد صدور نتيجة دائرة الشمال الثالثة بشكل رسمي، وإعلان سقوط المرشح القواتي جوزيف إسحق مقابل فوز المرشح ويليام طوق في العرين القواتي في بشري. وهي خسارة تساوي 18 نائباً وأكثر. هذا الخبر أثار موجة تعليقات ومنشورات لا تعدّ ولا تحصى، غالبيّتها تعود للتيار الوطني الحر. فالنائبة ستريدا جعجع سبق لها قبيل اليوم الانتخابي أن توجّهت الى باسيل بالقول: «خلّيه يوقف عإجريه بالبترون بـ 15 أيار»، وردّ عليها باسيل بتغريدة قال فيها إنه «بالبترون وكل لبنان أقف على رجليّ ورأسي مرفوع ويدي غير ملطخة بالدماء والمال: عرفت إنو إنتو عم بتهزّوا وصرتوا ببشري عفرد إجر». هكذا، اشتعلت مجدداً بين القوات والتيار، وبات يمكن الحديث عن استعادة العونيين لأنفاسهم. لا بل سينظّم التيار الوطني الحر «مهرجان الانتصار» للإعلان عن فوزه السبت المقبل. فبالنسبة إليه، «الخروج بهذا الكمّ من النواب بعد كل الحرب التي شنّت عليه، الخارجية والداخلية وبكل الوسائل المتاحة من سفراء خليج وضغوط على المرشحين ومال وبروباغندا ووسائل إعلام وإعلاميين وبرامج مموّلة، يعدّ انتصاراً ساحقاً أقوى وأمتن من كل الانتصارات الماضية».
«سنّة السفارة»
قراءة سريعة لنتائج التصويت السنّي في لبنان تظهر تراجعاً كبيراً لا يقلّ عن 15 بالمئة من التصويت. وإذا كانت المقاطعة ظاهرة بوضوح في دوائر عكار وطرابلس وصيدا والبقاع والشوف، فإنها بدت قليلة في بيروت. لكن الثابت أن قدرة المجموعات السنّية من خارج القوى التقليدية نجحت في تحقيق تقدم كبير، بينما سجل الفريق المتمرد على قرار الحريري والذي قاده الرئيس فؤاد السنيورة وتجمّع عند السفارة السعودية، تراجعاً كبيراً وخسارات في أكثر من دائرة. لكن الأكيد أن القوات وحلفاءها كانوا أكثر المستفيدين من المقاطعة الحريرية وهو ما ظهر في صيدا وجزين ودوائر الشمال. بينما نجحت الشخصيات البعيدة عن آل الحريري في تحصيل مقاعد كثيرة في بيروت والشمال والبقاع.
يشار الى أن «سنّة السفارة» الجدد، تجندوا في ماكينة ضخمة قادها شخصياً السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، مع مبالغ كبيرة من الأموال ظهرت بقوة يومَي السبت والأحد. ومع ذلك، فإن مقاطعة الحريري نجحت في تقليص نسب الاقتراع في غالبية الدوائر ذات الحضور السني الكبير.
أعلى تراجع في نسبة المقترعين سُجل في دائرة الشمال الثانية (طرابلس – المنية – عكار) وبلغ 22 في المئة، رغمَ أن التوقعات كانت تتحدث عن زيادة في هذه النسبة بالرهان على حجم الاستياء في المدينة. وتأتي دائرة البقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيا) في الدرجة الثانية بنسبة 21 في المئة، فدائرة الجنوب الأولى بنسبة 10 في المئة، ثم البقاع الأولى (زحلة) 13 في المئة، وأخيراً البقاع الثالثة (بعلبك – الهرمل) بنسبة 11 في المئة. كما سجلت عكار تراجعاً نسبته 6 في المئة.