كتبت صحيفة “الديار” تقول: انتهى الاستحقاق الانتخابي، وبدأت الاسئلة الصعبة والمقلقة، الاكثرية الحالية في المجلس النيابي فقدت الاغلبية الموصوفة، لاسباب كثيرة تحتاج الى مراجعة جادة وعميقة للكثير من الاخطاء التكتيكية انتخابيا، وابرز الدلائل دائرة جزين-صيدا، دون ان تغيب الاخطاء السياسية المتراكمة والتي تحتاج ايضا الى اعادة نظر باتت اكثر من ضرورية. في المقابل لم يتبدل المشهد مسيحيا كما كانت القوات اللبنانية تسعى اليه، فتقدمها لم يوازيه بالارقام نيابيا تراجعا دراماتيكيا للتيار الوطني الحر، الذي حافظ على كتلة موازية «للقوات»، وعلى الاقل لن تستطيع «معراب» على رفع شعارالحزب المسيحي الاقوى، كونها لم تصل الى مرحلة «احتكار» هذا التمثيل، «فالبرتقالي» اهتز بقوة لكنه لم يقع، لكن النتائج تحتاج الى اقرار بالاخطاء، وليس «انكارا» للوقائع. «الثنائي الشيعي» نجح في حماية كتلته النيابية من الاختراق، لكن سقوط العديد من الحلفاء ليس بالامر العابر، واذا كان النائب وليد جنبلاط قد نجح في حماية «قلعته» الدرزية من الاختراق، الا ان سطوته على دوائر كان مغلقة في الماضي سقطت الى غير رجعة، وخرق قوى «التغيير» في مناطقه له الكثير من الدلالات العميقة.اما الرئيس «المعتكف» سعد الحريري فسقط في امتحان مقاطعة بيروت، ونجح في معاقبة «المتمردين» شمالا. وفي الخلاصة سنكون امام مجلس نواب دون قيادة سنية وازنة، ودون اغلبية لاصطفاف لقوى 14 و8 آذار التي عادت الى الواجهة من جديد، نواب قوى التغيير لن يكونوا بيضة «قبان» اذا ما انتقلت خلافاتهم الى داخل المجلس، والخوف بات قائما من «تعطيل» متبادل يعطل كل شيء في بلد يقبع في «جهنم» ويتجه الى القعر بسرعة قياسية حيث لامس الدولار بالامس ال30 الفا.
الاستحقاقات الكبرى
اما الاستحقاقات الكبرى من تشكيل حكومة جديدة وانتخابات رئاسية فلا تبدو الطريق معبدة امامها خاصة اذا ما استمر»الكباش» الاقليمي على حاله ما يزيد من بواعث القلق وربما الخوف على المستقبل خصوصا ان الدور الخارجي في الانتخابات لم يكن سرا، وتغريدات السفير السعودي الوليد البخاري بعد النتائج وتحركاته قبلها، تقدم دليلا لا يحتاج الى الكثير من التمحيص، والدخول الاميركي على الخط لاضعاف حزب الله وحلفائه ليس خافيا على احد، يبقى انتظار الايام القليلة المقبلة لمعرفة كيفية تعامل الخارج مع الواقع الجديد، لان الاصرار على اعتماد الخطاب المتطرف، ورفض العيش المشترك، او التمسك بطرح شعارات مثيرة للفتنة كـ «سلاح» حزب الله، فهو امر سيؤدي حكما الى مخاطر لا تحمد عقباها، نبه منه حزب الله دون «قفازات» عبر التحذير من مخاطر الذهاب الى «حرب اهلية».
حزب الله يحذر
ففي اول تعليق علني على النتائج، حذر النائب محمد رعد، من سقوط لبنان في الهاوية واندلاع حرب أهلية في حال رفض الفريق الآخر تشكيل حكومة توافقية، داعياً إياه للتعاون والحرص على العيش المشترك. توجه رعد للفريق الآخر، بالقول: «إذا لم تريدوا حكومة وطنية فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية وإياكم أن تكونوا وقود حرب أهلية، فنحن نرتضيكم أن تكونوا خصوماً لنا في المجلس النيابي، لكن لا نرتضيكم أن تكونوا دروعاً لإسرائيل. وأضاف: «عليكم التعاون معنا وإلّا فإن مصيركم العزلة، نحن نحرص على العيش المشترك وإياكم أن تكونوا أعداءً لنا فالسلم الأهلي خط أحمر،وإياكم أن تخطئوا الحساب معنا. معتبراً أن لغة الكراهية والحقد التي لا تزال على ألسنة خصوم المقاومة وأهلها لا تصنع وطناً.».
لماذا رفع «الصوت»؟
وفي هذا السياق، تشير اوساط مقربة من «الثنائي» بان كلام رعد ليس تهديدا لاحد، بل تحذير من مغبة الدخول في رهانات خاطئة عبر قراءة متهورة للنتائج التي أفرزتها الانتخابات، وهي دعوة الى الواقعية كي لا يعتقد احد بان خسارة حزب الله لعدد من مقاعد الحلفاء في الشارع المسيحي أو السني أو الدرزي،او لصالح قوى تغييرية في الجنوب، تشكل نكسة سياسية يمكن استغلالها لتحقيق تنازلات في ملفات كبرى لن يسمح حزب الله لاحد بان يمسها، لانها لا ترتبط بعدد المقاعد النيابية وانما بتوازنات قوى يدرك الجميع انها لا تزيد او تنقص بخسارة نائب من هنا او خسارة نائب من هناك، ثمة اخطاء حكما ستتم مراجعتها، لكنها تحت سقف «الخصومة» السياسية المحلية غير المرتبطة بالخيارات الاستراتيجية.
لمن «الرسالة»؟
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط، الى ان «الرسالة» ليست محلية للقوى اللبنانية فقط، وانما ذات ابعاد اقليمية ودولية للولايات المتحدة، وخاصة للمملكة العربية السعودية التي تشعر»بنشوة» انتصار واهم قد يدفعها الى مغامرة جديدة سيكون وقودها حلفاءها، لكن سيدفع لبنان ثمنها غاليا هذه المرة، ولهذا اختار حزب الله رفع السقف دون مراعاة احد، لان البلاد ستكون امام منعطف خطير للغاية اذا ما واصل «خصومه» خطابهم التحريضي وفق اجندات خارجية باتت مكشوفة امام الجميع، وقد اختصر النائب حسن فضل الله المعادلة مساء امس بالقول»عليهم ان يبلوا شعار نزح سلاح المقاومة ويشربوه، بعدما قبضوا ثمن رفعه». والخلاصة التي يجب ان يدركها هؤلاء ان القاعدة الشعبية للمقاومة عند الشيعة لم تخترق ، فيما حافظ الحزب على حضور لدى السُنة، كما لم يتلاش التيار الوطني الحرّ، والخسارة التي اصابته لا تعني تحويله الى قوة هامشية وهو لا يزال يمثل قوة مسيحية مركزية.
«تنفيسة» سياسية
هذه الاجواء المتشنجة التي تسود في البلاد، تحتاج الى «تنفيسة» سياسية سيكون مسرحها المجلس النيابي مع طرح اعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية جديدة، وبحسب مصادر مطلعة، بدات الاتصالات الجدية مع التيار الوطني الحر لعدم الاقدام على خطوة مقاطعة هذا الاستحقاق وعدم «بيع» القوات اللبنانية «ورقة» ابتزاز ميثاقي «للثنائي الشيعي» الذي سيتعامل مع هذه الخطوة بالكثير من الحساسية التي ستنعكس على الاستحقاقات المتتالية. وفي موقف تصعيدي واضح اكد رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ان ثمة لائحة شروط على بري الالتزام بها قبل التفكير بانتخابه، واشار الى ان الامور لن تعود وتسير كما كانت في الـ17 عامًا الأخيرة،واضاف»نحن حكوميا ضد الحكومات التي تسمى بالوحدة الوطنية فنحن مع الوحدة الوطنية ولكننا ضد حكومات الوحدة الوطنية لأن حكومات لا تؤدي إلى أي نتيجة وأكد جعجع أن «المجلس النيابي القادم سيكون أفضل بدرجات من المجلس النيابي الحالي ومن الممكن أن نتمكن من إحداث التغيير المطلوب ولكن بطبيعة الأحوال لن يكون بهذه البساطة..!
«بيضة القبان»؟
واذا كانت «القوى التغييرية» قد خرقت حاجز القوى التقليدية في المجلس، الا ان السؤال الرئيسي يبقى حول موقفها من الملفات الاستراتيجية في البلاد، وكذلك مدى استعدادها لتكون كتلة واحدة في «ساحة النجمة»، عندها ستشكل «بيضة القبان» بين فريقين سياسيين تتجاذبهما صراعات كبرى. لكن يبقى المشهد الاكثر تشرذما الواقع السني في المجلس حيث خرج من «مظلة» سعد الحريري واتّجه إلى شخصيات جديدة تعمل على وراثة تيار المستقبل الذي فشل في ادارة ملف «الاعتكاف» بعدما دخلت السعودية بقوة على «الخط» ونجحت عمليا في اظهاره غير قادر على التحكم بكتلته الناخبة التي عانت من «التشرذم» ويبدو من الصعب «لملمتها» بعدما اخفق «المتمردون» على قراره في مقارعة الشخصيات المتطرقة التي كانت على «يمين» رئيس تيار المستقبل حيث لم تستجب عكار وطرابلس، وكانت المشاركة أكثر من 2018 في صيدا واكثر من جيدة في بيروت!.
وفي أوّل تعليق له على الانتخابات النيابية، رأى رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، أنّ قراره بالانسحاب كان «صائباً وهزّ هياكل الخلل السياسي» !و قال في تغريدة له: انتهت الانتخابات ولبنان أمام منعطف جديد. الانتصار الحقيقي لدخول دم جديد الى الحياة السياسية. قرارنا بالانسحاب كان صائباً. هز هياكل الخلل السياسي وهو لا يعني التخلي عن مسؤولياتنا. سنبقى حيث نحن نحمل حلم رفيق الحريري ونفتح قلوبنا وبيوتنا للناس. نسأل الله أن يحمي لبنان.
مفاجآت واخطاء
واذا كان كثير من المفاجآت حملتها صناديق اقتراع انتخابات الـ2022 ، لعل ابرزها سقوط بعض الرموز كالنائب اسعد حردان، والنائب طلال ارسلان، والوزير السابق وئام وهاب، والمرشح مروان خيرالدين، وغيرهم، الان مصادر هذا التحالف، تشير الى ان الاكثرية الشعبية لا تزال عند حزب الله وحلفائه والارقام واضحة في هذا السياق، الا ان سقوط هؤلاء له ما يبرره موضوعيا، لا سيما بعض الحسابات الانتخابية الخاطئة، والقرارات المتسرعة في تسمية شخصيات مرفوضة «شعبيا»، وهذا يحتاج الى مراجعة جدية، ولعل ابرز ما يمكن التوقف عنده من اخفاقات تكتيكية فاضحة ما حصل في جزين-صيدا فاذا كان حزب القوات اللبنانية يتغنى بانجاز فوزه بمقعدين مسيحيين في جزين للمرة الاولى في تاريخه، فان الامر يعود الى فشل خصومه في ادارة المعركة، فاخفاق امل ابو زيد وزياد اسود، ومرشح الرئيس بري ابرهيم عازار، سببها المباشر الصراع العلني بين مرشحي التيار وانحياز باسيل لابو زيد، وكذلك فشل التفاهم على تشكيل لائحة موحدة مع «الثنائي الشيعي» فكان الثمن خسارة مدوية للجميع، فضلا عن الادارة الخاطئة للماكينات الانتخابية.
نتائج وارقام ودلالات؟
ووفقا للارقام، لم يتفرد حزب القوات اللبنانية بالتمثيل المسيحي، فالتيار الوطني الحر حصل ايضا على كتلة وازنة لن تقل عن 21 نائبا حزبيا وحليفا، لكن النقاش سيبدا بالارقام حول الاكثر تمثيلا في الساحة المسيحية، اما «المجتمع المدني» فحقق خروقات هامة خصوصاً في دائرة الشوف عاليه وبيروت الثانية وطرابلس والجنوب الثالثة، ففشل الامير طلال ارسلان في الاحتفاظ بمقعده الدرزي الذي ربحه مارك ضو إضافة إلى فوز المرشحة عن المقعد الماروني في الشوف نجاة عون صليبا والمرشحة عن المقعد السني حليمة قعقور. وتمكّن المجتمع المدني من تحقيق خرق في دائرة الجنوب الثالثة مع فوز المرشح الياس جرادي على مرشح الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان، وسجل ايضا خرق ثان في المقعد الدرزي لصالح فراس حمدان وسط معلومات عن «تسرب» اصوات جنبلاطية خلافاً للتوافق على خير الدين في حاصبيا.؟!
صيدا-جزين
وفي دائرة صيدا جزين أظهرت النتائج الرسمية فوز النائب أسامة سعد والمرشح عبد الرحمن البزري وخسارة مرشحي التيار الوطني الحر أمل ابو زيد وزياد أسود وكذلك مرشح الرئيس نبيه بري النائب ابراهيم عازار مقابل فوز مرشحين للقوات اللبنانية هما غادة أيوب وسعيد الاسمر. وفي بعبدا نجح مرشحا حزب الله وحركة أمل علي عمار وفادي علامة ومرشح للتيار الوطني الحر هو آلان عون ولم يستطع التيار الاحتفاظ بالمقعد الماروني الثاني الذي ذهب إلى رئيس حزب الوطنيين الاحرار كميل دوري شمعون الذي تحالف مع مرشح القوات بيار بو عاصي ومرشح الحزب الاشتراكي هادي أبو الحسن.
زحلة
وفي زحلة فاز مرشحان للقوات هما جورج عقيص والياس اسطفان وبلال الحشيمي في مقابل فوز مرشح حزب الله رامي حمدان ومرشح التيار العوني سليم عون وفوز النائب ميشال ضاهر وخسارة الكتلة الشعبية. وفي بعلبك الهرمل نالت لائحة»الوفاء والامل» 9 حواصل بينها 6 مقاعد شيعية ومقعدان سنّيان ومقعد كاثوليكي للتيار العوني فيما تمكّن مرشح القوات النائب انطوان حبشي من الاحتفاظ بمقعده .
المتن الشمالي
وفي المتن توزّعت النتائج على حاصلين لعدد من اللوائح وسجّلت الارقام فوزاً لمرشحي القوات ملحم رياشي ورازي الحاج وخسارة المرشح الكاثوليكي للتيار العوني النائب إدغار معلوف المدعوم بشكل كبير من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس تياره في مقابل عودة النائبين ابراهيم كنعان والياس بو صعب إلى البرلمان، وعودة مرشحي الكتائب سامي الجميل والياس حنكش وفوز ميشال الياس المر الذي تحالف مع أمين عام حزب الطاشناق أغوب بقرادونيان.
بيروت الاولى
وفي بيروت الاولى نالت لائحة القوات ثلاثة حواصل لكل من غسان حاصباني وجهاد بقرادوني وايلي شربشي وفاز مرشح الكتائب نديم الجميل مع النائب جان طالوزيان فيما تمكّن مرشح التيار نقولا الصحناوي من الاحتفاظ بمقعده وكذلك فعلت بولا يعقوبيان وهاغوب ترزيان.
بيروت الثانية
اما في بيروت الثانية احتفظ الثنائي الشيعي بمقعديهما وهما أمين شري من حزب الله، ومحمد خواجه من حركة أمل، وخرق المجتمع المدني بمقعدي ابراهيم منيمنة وملحم خلف ونيل حاصل لكل من لائحتي النائب فؤاد مخزومي والرئيس فؤاد السنيورة ونبيل بدر.
البقاع الغربي راشيا
وفي دائرة البقاع الغربي وراشيا وبعد بلبلة في فرز النتائج سجلت لائحة المجتمع المدني «سهلنا والجبل»خرقاً لمصلحة ياسين ياسين عن المقعد السني في المقابل خسر نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي عن المقعد الاورثوذكسي وفاز الدكتورغسان سكاف ونجح النائب وائل ابو فاعور عن المقعد الدرزي.
كسروان-جبيل
وفي كسروان جبيل نجح التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر في إيصال ثلاثة مرشحين هم ندى البستاني وسيمون ابي رميا للتيار ورائد برو للحزب، وتمكنت القوات من استعادة مقعدين لشوقي دكاش وزياد حواط مع احتمال الفوز بمقعد ثالث والنائب فريد هيكل الخازن وتصدّر المرشح نعمة افرام الارقام في كسروان بعد تحالفه مع الكتائب التي نجح مرشحها الصايغ سليم الصايغ.
الشمال الثالثة
في هذه الدائرة فاز كل من النائب ستريدا جعجع وفادي كرم وغياث يزبك عن القوات اللبنانية،جبران باسيل وجورج عطالله عن «التيار»، ميشال معوض واديب عبدالمسيح عن «شمال المواجهة»، ميشال الدويهي عن «شمالنا» طوني فرنجية ووليام طوق عن «وحدة الشمال».
مخالفات «فاضحة»
من جهتها أعلنت منظمة «لادي» أنّ «تقريرها الأوّل حول الانتخابات يظهر مخالفات فاضحة مع انتهاء المرحلة الأخيرة من الانتخابات»، مشيرةً إلى «شوائب بالجملة» سجّلت الجمعية، في مؤتمر صحافي، «تراخياً لوزارة الداخلية في تطبيق القانون فضلاً عن الاعتداءات على المرشحين والناخبين والمندوبين خصوصاً في الحالات التي تطوّرت فيها الأمور إلى الإشكالات، ولفتت إلى أنّ «ما تمّ رصده طيلة اليوم الانتخابي جاء مخيّباً للآمال وإذا كانت السلطة اعتبرت أنّ مجرّد حصول الانتخابات هو إنجاز إلا أنّ حجم الانتهاكات لا يعكس على الأرض صفة الإنجاز»، مشيرةً إلى أنّها سجّلت «المئات من حالات المرافقة إلى العوازل وخروق فاضحة للصّمت الانتخابي والمناخ العام المرافق للعملية الانتخابية رافقته شوائب سجّلته الجمعية كما سجلت الجمعية ضعفاً في تنظيم العملية الانتخابية عموماً.