كتبت صحيفة “الديار” تقول: انشغلت القوى السياسية في الداخل اللبناني وخارجه يوم أمس بالتدقيق بنتائج الانتخابات النيابية وأثرها على التوازنات الكبرى وشكل الكتل وحجمها. وفيما اختلف معارضو حزب الله ومؤيدوه على تحديد اتجاه الأكثرية، بدا واضحا ان المجلس الجديد منقسم الى كتل سياسية صغيرة ما يجعل من الصعب الحسم الآن ما اذا كان حزب الله وحلفاؤه استحوذوا على الاكثرية، ام ان اخصامه هم الذين باتوا يمسكون بأغلبية مقاعد البرلمان. وحتى اتضاح التحالفات النهائية والشكل الأخير للكتل، من المرجح ان نكون على موعد مع حفلة مزايدات مع تحديد معظم الزعماء السياسيين مواعيد لاطلالات في الساعات والايام المقبلة لتشريح نتائج الانتخابات ومحاولة تصوير ما حصل انتصارا لكل منهم.
في هذا الوقت، وفيما الجميع منشغل بقراءة الواقع المستجد نيابيا، بدا أن الأزمة الاقتصادية – المالية – المعيشية سلكت منحدرا قاسيا وأن ابر المورفين التي استخدمتها الحكومة بهدف تمرير الاستحقاق النيابي انتهى مفعولها، مع بروز أكثر من مؤشر يجعلنا نخشى من اقترابنا أكثر من أي وقت مضى من انفجار اجتماعي كبير. ولعل أبرز هذه المؤشرات تحليق سعر صرف الدولار من دون سابق انذار وتخطيه عتبة الـ30 ألفا، تجاوز سعر صفيحة البنزين الـ550 ألفا، رفع المعنيين بالقطاع الدوائي الصوت عاليا منبهين من انقطاع عدد كبير من الادوية ورفع الدعم عن بعض أدوية السرطان، وصولا للتحذير من نفاذ مخزون الطحين وتوجه الأفران للاقفال خلال ساعات، وهو ما رده نقيب اصحاب الافران والمخابز علي إبراهيم الى كون «القمح موجود في المطاحن لكنه لم يعد مدعوماً»، قائلا:»إذا لم تُحلّ الأزمة اليوم فسنشهد طوابيرا من الناس تتهافت على شراء الخبز».
انفجار اجتماعي؟
ونبهت مصادر سياسية من ان اكثر من ازمة كانت لا تزال صامتة في الاسبوعين الماضيين بمحاولات جدية قام بها عدد من المسؤولين لتفادي انفجارها قبل الانتخابات، أصبحت اليوم مكشوفة واستفحلت ما يهدد بانفجار اجتماعي وشيك، خاصة بعد وصولنا الى مرحلة حرجة جدا بما يتعلق باحتياطات مصرف لبنان التي يمكن استخدامها، لافتة في حديث لـ «الديار» الى ان الايام القليلة المقبلة ستكون حاسمة بما يتعلق بامكانية رفع الدعم عن الخبز وعن أدوية السرطان، حتى اننا قد نعود الى طوابير المحروقات مجددا نتيجة المشاكل التي تعانيها شركات المحروقات مع المصارف ومصرف لبنان بتحويل الاموال على سعر صيرفة.
وقال ممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا ان «الموزعين والمحطات يعانون من شح في مادة البنزين من قبل يوم الانتخابات النيابية»، وقال: «نحن تحملنا وأخذنا الامر على عاتقنا ولم نقفل المحطات واستمررنا في تسليم المادة الى المواطنين في فترة الانتخابات مع اننا لم نستلم مادة البنزين من الشركات المستوردة منذ الجمعة الماضي». وناشد الحكومة ورئيسها والمعنيين «التحرك السريع لحل المشكلة لأن المواطن لم يعد يحتمل المزيد من الازمات والعودة الى الطوابير».
من جهته، شدد نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة، على وجوب ان «تتخذ الحكومة قرارا يوم الخميس، لتفادي الفراغ الدوائي وفتح إعتمادات»، لافتًا إلى أنّ «بعض ادوية السرطان التي لا يتخطى سعرها 100$ رفع الدعم عنها، في حين بقي الدعم على الدواء الجنريك الارخص».
أما نقيب الصيادلة جو سلوم، فدعا الى «تحرك امام مجلس النواب والى مؤتمر مانحين للحصول على ادوية واعلان حالة طوارىء دوائية».
صراع على شكل الحكومة؟
وكما هو واضح فان كل ما سبق يحتم تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن تسارع للبت بخطة النهوض وتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الا ان مصادر سياسية واسعة الاطلاع استبعدت حصول ذلك قريبا، معتبرة ان «الانقسامات والاصطفافات داخل المجلس النيابي الجديد تجعل من الصعب جدا الوصول الى تفاهمات وتسويات سواء بخصوص الحكومة او رئاسة الجمهورية او التعيينات او غيرها من الاستحقاقات المطروحة حاليا او المقبلة». وقالت المصادر لـ «الديار»: «فيما يدفع حزب الله لتشكيل حكومة وحدة وطنية، يرفض حزب «القوات» وغيره كثير من القوى السير بهكذا حكومة، ويدفعون باتجاه حكومة من المستقلين او الاخصائيين، ما يعني ان الاتفاق على شكل الحكومة سيشهد شد حبال، فما بالك تقاسم الحصص الوزارية؟!»
وبات محسوما التوجه لاعادة انتخاب رئيس المجلس النيابي الحالي نبيه بري لدورة جديدة، علما ان ما يتم العمل عليه بحسب مصادر «الثنائي الشيعي»، «تأمين أكبر عدد ممكن من النواب الذين سيصوتون له وبخاصة لجهة المكون المسيحي من دون ان تتضح حتى الساعة القرارات النهائية للكتل». واضافت المصادر في حديث لـ «الديار»: «اما اؤلئك الذين يكابرون ويرفعون السقف في هذا الملف سيضطرون لخفضه عاجلا او آجلا… فهل استطاعوا ان يخرقوا «الثنائي» ولو بنائب شيعي واحد كي يطرحوه بديلا عن الرئيس بري؟».
ولم تستبعد المصادر الا تتشكل حكومة حتى موعد الاستحقاق الرئاسي، «ما يعني وضع كل الاستحقاقات سلة واحدة، وحلها باطار تسوية كبيرة الارجح ستتطلب تدخل الخارج، ولعل ما نخشاه ان نذهب ابعد من ذلك ويصبح هناك من يدفع باتجاه ان تشمل التسوية نظاما جديدا للبنان».
أما بملف رئاسة الجمهورية، فاعتبرت المصادر ان هذا الاستحقاق بات في مهب الريح خاصة في ظل الصراع العوني القواتي على تناتش الاكثرية المسيحية بعدما بات واضحا ان حصتيهما شبه متساويتين لجهة التمثيل المسيحي، ما يؤدي تلقائيا الى تضاؤل حظوظ رئيس «المردة» سليمان فرنجية مع تراجع عدد النواب المحسوبين عليه الى 1 وفي افضل الاحوال 2 اذا انضم اليه احد الحلفاء.
رضى خارجي على نتائج الانتخابات؟
وبقدر ما ينشغل اللبنانيون بتحليل النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، بقدر ما تنهمك الدوائر العربية والدولية بمحاولة تحديد حجم حزب الله وحلفائه في المجلس الجديد. وفي هذا الاطار، تحدثت مصادر على تماس مع عدد من الدوائر الغربية لـ «الديار» عن «مؤشرات مريحة لجهة عدم استحواذ الحزب على الاكثرية»، لافتة الى انها «تراقب بدقة كيفية تشكيل التكتلات الجديدة وتأثيرها على مسار ومصير الاستحقاقات المقبلة».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هنأ اللبنانيين على الإنتخابات النيابية، مشيرًا إلى أنه «ينتظر بفارغ الصبر أن تشكل سريعًا حكومة جامعة في بلدهم الغارق في أزمة إقتصادية خطيرة والذي غالبًا ما يستغرق تشكيل حكومة جديدة فيه وقتًا طويلا».
وبعد تقرير لادي بالمخالفات التي شابت العملية الانتخابية، أشارت بعثة الاتحاد الاوروبي لمراقبة الانتخابات الى أن «ممارسات شراء الأصوات أثرت في حرية اختيار الناخبين وأدت الى غياب تكافؤ الفرص». وافادت انه «طغى على ھذه الانتخابات ممارسات واسعة النطاق من شراء الأصوات، والزبائنية شوھت مبدأ تكافؤ الفرص وأثرت بشكل كبیر على خیارات الناخبین».