تصر القوى السياسية على مواصلة خوض حرب الارقام الانتخابية دون هوادة، والبلاد تغرق في قعر «الهاوية» وسط تحذيرات امنية من فوضى مقبلة دون «كوابح». لا شيء يوحي بوجود خروج قريب من «عنق الزجاجة» في ظل «الكباش» المتوقع حول كل الاستحقاقات الداهمة، ما يعزز دخول البلاد في «شلل» سياسي عقيم يهدد بفوضى عارمة «بشرت» بها اسرائيل التي كادت تنزلق الى «سوء تقدير» حدودي سارعت الى تداركه، فيما خرجت اصوات اميركية تصدرها نائب رئيس وزير الخارجية السابق ديفيد هيل تدعو الى عدم الرهان على امكانية اضعاف حزب الله وفقا لنتائج يوم الاحد، بعدما حصل الحزب على اكبر كتلة شعبية في البلاد. في هذا الوقت انفجرت الازمات المعيشية دفعة واحدة، عشية الجلسة الوداعية للحكومة، الخبز، المحروقات، الكهرباء، والاتصالات، وانهيار العملة الوطنية، لكن الامر ليس مستغربا، بل هو نتيجة حتمية لسياسات «الترقيع» وغياب استراتيجية حل للازمات المتراكمة. وفي مشهد معتاد «سأم» اللبنانيون تكراره بسذاجة،، نفد الطحين المدعوم، ما ادى الى ازمة رغيف، امتدت الطوابير، فحلت الازمة بعد رفع سعر ربطة الخبز، واليوم لا ازمة. وكذلك اختفت الطوابير عن محطات المحروقات بعد الظهر اثر رفع جديد للاسعار.
اما الكهرباء فلا تزال «غائبة» والتخبط سيد الموقف، وليس لدى وزير الطاقة الا التعلق «بحبال الهواء» مع وعود السفيرة الاميركية دوروثي شيا التي باتت اقرب الى «الوهم» بدعم بلادها لاستجرار الغاز والكهرباء من الاردن ومصر، فيما البنك الدولي مستمر بوضع المزيد من الشروط قبل التمويل، وفي طليعتها، رفع التعرفة، وتشكيل الهيئة الناظمة وهو امر غير متيسر الان، في ظل «الكباش» السياسي حولها.اما وزير الاتصالات فدق ناقوس الخطر لان «الانهيار» حتمي، اذا لم تتم رفع تعرفة الاتصالات، هدد بالاستقالة اذا لم تتم الموافقة على مرسومين اعدهما لزيادة الاسعار في «اوجيرو» وشركتي الخلوي،، لكن المرسومين لن يعرضا اليوم في جلسة الحكومة الختامية، وستبقى الزيادة المقترحة على اسعار الانترنت بضعفين، وعلى اسعار الخلوي وفق سعر دولار منصة صيرفة، معلقتين بانتظار الانهيار الكبير.
لا مقايضة
اذا، وفي غياب اي بارقة امل بخروج قريب من النفق المظلم اقتصاديا، لا يبدو المشهد السياسي اقل قتامة، فالقوى السياسية بدات تلامس الملف الحكومي بحذر من خلال فتح «بازار» هوية رئيس الحكومة المقبل وشكل الحكومة، وثمة اجواء سلبية توحي بان «الشلل» سيكون عنوان المرحلة المقبلة، اذا ما استمرت «السقوف العالية» على حالها مع قدرة كل القوى على التعطيل المتبادل، وفي هذا السياق، لفتت مصادر سياسية بارزة الى ان عمليات «جس النبض» التي بدات باعادة طرح اسم نواف سلام لرئاسة الحكومة تشير الى ان هذه العملية ستكون شاقة للغاية في ظل محاولات سعودية- اميركية للاستثمار في نتائج الانتخابات، لكن قريبا جدا سيصطدمون بالوقائع التي لا تسمح بتحقيق «انتصار» سياسي لا تستحقه القوى المحسوبة عليهما. واول «الغيث» «رسائل» واضحة من قبل قوى الاغلبية السابقة لمن يعينهم الامر بانه لا «مقايضة» بين انتخاب نبيه بري رئيسا للمجلس النيابي وبين رئاسة الحكومة المقبلة، ومجرد ربط الاستحقاقين «سخيف» ولا يتسق مع الواقع، فعودة بري مضمونة ولا تحتاج لنقاش، والاطراف الاخرى تحتاج «الثنائي الشيعي» لتولي منصب نائب رئيس المجلس حيث الصراع على اشده بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر لتولي هذا المنصب من خلال النائبين الياس بو صعب، او غسان حاصباني، اما اذا وصلت «مناورة» الطرفين الى حدود غير مقبولة، فسيكون «الباب» مشرعا امام تولي النائب عن قوى «التغيير» خلف للمنصب.
«شروط» ميقاتي؟
اما الحكومة «فقصة» اخرى، وهي ترتبط باحتمال حصول فراغ رئاسي طويل الامد، وفي هذه الحال قد يكون الابقاء على حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي «اهون الشرور»، مع العلم ان الاخير لم يفصح بعد عن نواياه الحقيقة ازاء احتمال قبوله بتشكيل حكومة جديدة، في ظل تسريبات ممنهجة عن شروط مسبقة لديه في مقدمتها تفاهمات جدية على «خارطة طريق» تسمح له بالانجاز بعدما اقتصرت انجازات حكومته الحالية على اجراء الانتخابات النيابية، وهو لا يرغب في ادارة «التفليسة» وانما البدء في الخروج من «النفق» وهو امر يبدو صعبا من خلال التعقيدات السياسية التي انتجتها الانتخابات.
صراع «الارقام»: حزب الله اولا
في هذا الوقت وفي ظل الصراع على التمثيل الشعبي من خلال الارقام الانتخابية، اظهرت النتائج الرسمية ان حزب الله الأوّل شعبياً بحصول مرشحيه على أعلى نسبة من الأصوات التفضيليّة، تليه قوى «التغيير» فيما حلت القوات اللبنانية اولى في التمثيل المسيحي مع تسجيل تراجع واضح للتيار الوطني الحر مقارنة بنتائج العام 2018.
فقد ارتفع عدد الناخبين الذين شاركوا في انتخابات 2022 إلى 1951683 من 1862103 عام 2018. وتؤكّد الأرقام أن حزب الله هو الأكثر شعبيةً بحصول نوابه على 347 ألفاً و171 صوتاً تفضيلياً بزيادة 3951 صوتاً عن عدد الأصوات التي حصل عليها في 2018. اما قوى «التغيير» فهي الكتلة الأكثر شعبية بعد حزب الله، إذ اقترع 330 ألفاً و527 ناخباً للوائح الـ 24 التي شكّلتها هذه القوى في مختلف الدوائر اللبنانية من ضمنها لائحة النائبين أسامة سعد وعبد الرحمن البزري..
«التيار» يتراجع
مسيحيا، سجل تراجع كبير في شعبية التيار الوطني الحر الذي حصل في 2018 على 276 ألفاً و610 أصوات، فيما نال في هذه الدورة 116 ألفاً و665 صوتا، اما حزب القوات اللبنانيّة فقد حل في المرتبة الأولى مسيحياً بحصول مرشحيه على 171 ألفاً و683 صوتاً تفضيلياً في مقابل 162 ألفاً و78 صوتاً عام 2018. من جهته حلّ الحزب التقدمي الاشتراكي في المرتبة الخامسة وطنياً بعد «القوات»، وحصل مرشحوه الدروز والسني بلال عبدالله على 66 ألفاً و131 صوتاً تفضيلياً. أما على الصعيد السني، فكانت جمعية المشاريع الخيرية الكتلة السنية الأكثر شعبية وحلّت في المرتبة السابعة في لبنان بحصول مرشحيها على 23 ألفاً و112 صوتاً، تليها الجماعة الإسلامية التي حصدت 19 ألفاً و978 صوتاً تفضيلياً.
جعجع: لا لبري
ومقابل هذه الارقام الموثقة من قبل وزارة الداخلية، التأم تكتل الجمهورية القوية للمرة الاولى بحلّته الجديدة بمشاركة 19 نائبا من بينهم رئيس حزب الوطنيين الاحرار النائب كميل شمعون. وبعد الاجتماع، أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أنّ «نتيجة الإنتخابات كانت مدوّية وهي خسارة «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» للثنائية»، مشيراً إلى أنّ التكتلات التي أنتجتها الانتخابات متفقة أقله على نقاط أساسية رئيسية هي السيادة ووجود سلاح خارج الجيش اللبناني وموضوع الفساد.؟!.ولفت إلى أنّ «لدى القوات مواصفات واضحة جداً لرئيس مجلس النواب لا تنطبق على الرئيس نبيه برّي.
هيل يتوقع «الشلل»
من جهته دعا مساعد وزير الخارجية الاميركية السابق ديفيد هيل الى التخلي عن وهم يفيد بان تقليص حضور حزب الله البرلماني وتحالفاته يقلل من قوته. وكتب في موقع «ويلسون سينتر» ان نفوذ حزب الله في الانتخابات والبرلمان هو مجرد نتيجة ثانوية مفيدة لهيكل سلطته، مرجحا حصول شلل سياسي في لبنان بعد نتائج يوم الاحد. واعتبر هيل بان المكاسب التي حققتها المعارضة المسيحية المناهضة لحزب الله مثيرة للإعجاب ولكنها لم تكن كافية لها لتوجيه المشهد السياسي. وقال» استحوذت كتلة حزب الله – أمل على جميع المقاعد الشيعية البالغ عددها 27، مما أعطى هذا الفصيل تأثيراً حاسماً في الخيارات السياسية المقبلة. واشار هيل الى ان المعارضة المسيحية القوية قد تطالب باستبعاد حزب الله من الحكومة كشرط لمشاركتها فيها أو التصويت على الثقة لكن يمكن لحزب الله وحلفائه مقاطعة التصويت على الثقة لأي حكومة يعتبرونها غير ممثلة مما يشل العملية برمتها…وفي اقرار واضح بالعجز الدولي الاقليمي عن ايجاد الحلول، اوضح هيل بانه في لحظات الخلاف الداخلي الحاد يتطلع العديد من اللبنانيين إلى الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية للتدخل. ومع ذلك، فإن اللاعبين الأجانب على الأرجح إما راضون عن الشلل اللبناني أو غير راغبين في تسويات، أو يواجهون مشكلة في ربط النقاط بين الديناميات اللبنانية ومشاكل الشرق الأوسط الأوسع. وقال ان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يسعى إلى الحوار بين اللبنانيين حول صيغ جديدة جريئة للحكم. ولفت الى إن السياسة الأميركية الحالية المتمثلة ببناء الجيش والقوى الأمنية كقوى استقرار والحب الشديد لجعل الإعانات المالية مشروطة بالإصلاح هو أفضل ما يمكن أن تقوم به واشنطن في ظل الظروف الراهنة؟!
اسرائيل ترجح «الفوضى»
في هذا الوقت، وفي اولى القراءات الاسرائيلية لنتائج الانتخابات التشريعية، لفت المعهد «القدس للشؤون العامة والسياسية» الى إنّ الانتخابات في بلاد الأرز أدّت لشللٍ شبه تامٍّ في المنظومة السياسيّة اللبنانيّة، ولفتت الى ان نتائج الانتخابات ستُساهِم إلى حدٍّ كبيرٍ في تأجيج حالة الفوضى الوطنيّة في لبنان، والتحوّل رسميًا إلى دولةٍ فاشِلةٍ بسبب الوضع الاقتصاديّ الصعب والاستثنائيّ.
قوة حزب الله؟
ولفت المعهد الى إنّ حزب الله لم يُحافِظ على قوتّه فقط، بل زادها، اما التوقعّات بأنْ يقوم الجمهور اللبنانيّ بمعاقبة حزب الله بسبب الوضع الاقتصاديّ الصعب منذ العام 2019 وبسبب تفجير مرفأ بيروت، فقد تلاشت لان الناخب اللبنانيّ لا يؤمن بأنّ حزب الله هو الذي قام بتفجير المرفا، ولذلك على القادة في اسرائيل ان لا ينتظروا انتفاضةً شعبيّةً ضدّ حزب الله لا اليوم ولا غدًا، واذا كان الخاسر الأكبر في المعسكر المسيحيّ هو جبران باسيل، وقوّة سمير جعجع والكتائب ازدادت، لكن يبقى المفتاح الحلّ براي الكاتب لدى المعسكر السُنيّ فقط..
الحرب المقبلة؟
وخلص المعهد إلى القول إنّ نتائج الانتخابات في لبنان مقلقة جدًا بالنسبة لإسرائيل، ليس فقط بسبب ازدياد قوّة حزب الله فقط، بل لأنّ الحزب وضع الآن نُصب عينيه الحرب مع إسرائيل، متوقعًا أنّ تندلع الحرب القادمة بسبب الخلاف على المياه الإقليميّة، وهي ستبدأ من مواقع البحث عن الغاز في البحر الأبيض المتوسّط.
اسرائيل «مردوعة»
في هذا الوقت، سارعت قيادة قوات الاحتلال الاسرائيلي الى تفعيل «الخط الساخن» مع قوات «اليونيفيل « العاملة في الجنوب لتجنب حصول فهم خاطىء للتطورات على الجبهة الشمالية بعدما ساد الارباك خلال الساعات القليلة الماضية في المنطقة التي تشهد مناورة ضخمة تستمر لشهر كامل. ووفقا لمعلومات «الديار» حرص الجانب الاسرائيلي على توجيه «رسائل» تهدئة الى الجانب اللبناني وخصوصا حزب الله بعدم وجود اي نوايا تصعيدية على طول الجبهة، بعدما تم تفعيل نظام القبة الحديدية، في الجليل الأعلى شمال فلسطين المحتلة، بسبب ما وصفته صحيفة «هارتس» بـ»خطأ في التشخيص»، وقد نُشرت مقاطع فيديو لإطلاق صواريخ اعتراضية ضد هدف قيل إنه طائرة مسيّرة لحزب الله، اخترقت الأجواء الشمالية في فلسطين المحتلة، تبين لاحقا انه مجرد رد فعل متوتر نتيجة خطأ في التشخيص، ادى الى اطلاق مقاتلات اسرائيلية صواريخ اعتراضية دون وجود هدف محدد. ووفقا لمصادر مطلعة يعكس هذا الاجراء حجم التوتر الاسرائيلي في ظل اعلان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن استنفار تنفذه المقاومة للرد على اي «تهور» اسرائيلي، ولهذا كان الاسرائيليون حريصين على ابلاغ القوات الدولية بعدم وجود اي نوايا تصعيدية خوفا من فهم خاطىء من قبل الطرف الآخر، يمكن ان يؤدي الى اشتباك لا ترغب به اسرائيل «المردوعة» بفعل توازن الردع القائم.
تدريبات في قبرص
وفي سياق متصل كشفت صحيفة «اسرائيل اليوم»انه في اطار التدريبات التي تحاكي حربا على كل الجبهات تتضمن المناورة العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى مناورتي فرقة 162 و98 التي تحاكي اقتحاماً برياً عميقاً في لبنان، مناورة قوات لفرقة المظليين المختارة التي تنفذ في قبرص كي تدرب القوات على العمل في منطقة غير معروفة تشبه منطقة ما في لبنان.
حل ازمة الرغيف؟
معيشيا، وبعدما اختفت الطوابيرعن محطات الوقود بعد زيادة الاسعار وافراج الشركات عن مخزونها، ستغيب «الطوابير» عن الافران، مبدئيا اليوم، بعدما رفع سعر ربطة الخبز، حيث حدّدت وزارة الاقتصاد والتجارة الاسعار كالآتي: ربطة الخبز الصغيرة وزن ٣٨٨ غراما بـ٨٠٠٠ ليرة. ربطة الخبز الوسط وزن ٨٥٥ غراما بـ١٣٠٠٠ ليرة. ربطة الخبز الكبيرة وزن ١٠٩٥ غراما بـ١٦٠٠٠ ليرة. وأوضحت الوزارة في بيان أن «الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات حتّم التسعيرة الجديدة كونها تؤثّر مباشرةً في سعر انتاج الطحين وفي كلفة انتاج ربطة الخبز وكلفة النقل، الى جانب ارتفاع سعر القمح في الاسواق العالمية نتيجة الازمة الاوكرانية».وكان اتحاد نقابات الافران والمخابز في لبنان برئاسة علي ابراهيم نفذ اعتصاما ظهر امس امام وزارة الاقتصاد والتجارة في حضور رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر احتجاجا على عدم توفر الطحين المدعوم ولإعادة النظر بتعرفة الرغيف في ظل كلفة انتاج الرغيف .والتقى ابراهيم وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام وعرض معه للواقع الذي يمر به القطاع، لا سيما توقف عدد كبير من الافران عن انتاج الخبز بسبب نفاد الطحين لديه، فاكد سلام انه سيطرح الامر في جلسة مجلس الوزراء اليوم لاتخاذ القرار المناسب. واكد نقيب أصحاب الأفران في جبل لبنان أنطوان سيف أنّ «أزمة الخبز حقيقية وسببها قلة وجود الطحين لدى المطاحن بسبب عدم دفع مصرف لبنان المستحقات للموردين في الخارج». وأشار إلى أن «البواخر أفرغت سابقاً من دون دفع ثمن القمح، والمطاحن لا يمكنها تسليم الطحين اذا لم يتم الدفع»