بدأت معالم خارطة التموضعات السياسية والسيادية والتغييرية ترتسم في أفق المجلس النيابي الجديد، راسمةً معها خطوطاً حمراء عريضة على مستوى تحديد المواقف والمقاربات، المتجانسة منها والمتنافرة على مقاعد المجلس إزاء التحديات والملفات الوطنية… فبعدما أدلى رموز السلطة بدلوهم تباعاً على مدى الأيام الأخيرة، سواءً لناحية تجديد التمسك ببقاء السلاح خارج إطار الدولة أو لجهة رفض مبدأ تشكيل حكومة اختصاصيين لمعالجة أزمات اللبنانيين، وتأكيد النية في مواصلة نهج المكابرة والمناورة وتسويف المطالب والحقوق في متاهات ودهاليز لامتناهية من اللف الدوران في حلقات مفرغة وحوارات فارغة لطالما شقلبت الأولويات وأعادت ترتيبها ضمن قالب عقيم أثبتت التجارب التاريخية أنه غير قادر على إنتاج الحلول، برز على المقلب الآخر تقاطع في المواقف بين نواب “التغيير” وكتلة “القوات اللبنانية” ينبئ بتشكل نواة ائتلاف “أكثرية نيابية” تنطلق في مبادئها من قاعدة: لا مساومات ولا تسويات.
فعلى ضفة النواب التغييريين المنتخبين من رحم ثورة 17 تشرين، وبينما تتواصل المشاورات في ما بينهم لتشكيل “تكتل نيابي فعال وشفاف” كما كشف النائب مارك ضوّ أمس لـ”نداء الوطن”، بدا الموقف حاسماً إزاء استحقاق رئاسة المجلس النيابي حيث كان ضو واضحاً وحازما في التشديد على أنّ إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري مسألة “غير واردة على الإطلاق لأنه من المنظومة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه”، ليعود ضو وزملاؤه من النواب الجدد عبر شاشة “أم تي في” مساءً إلى تأكيد العزم والعمل على تكوين “كتلة تغييرية واحدة تضع برنامج عمل واضحاً في مواجهة السلطة الفاسدة وترفض المشاركة في أي مساومة أو تسوية على حساب المبادئ الوطنية التغييرية الإصلاحية بما يشمل تحرير القضاء وتعزيز قدرات وسلطة الجيش اللبناني“.
وهو ما بدا متطابقاً مع المواقف التي كان قد عبّر عنها رئيس حزب “القوات” سمير جعجع من معراب ظهر الأمس، إن كان لجهة تحديد الموقف من مسألة رئاسة المجلس النيابي أو من خلال تشديده على مبدأ رفض المساومة على المبادئ الوطنية والسيادية. فأكد جعجع في المسألة الأولى أنّ بري غير مطابق لـ”المواصفات” القواتية في ظل “ممارساته ومواقفه خلال السنوات الماضية”، مشيراً في المقابل إلى وجوب أن يتعهد أي “مرشح جدّي” لتولي سدة الرئاسة الثانية بحصر “القرار الاستراتيجي وقرارات الحرب والسلم والسياسة الخارجية بيد الدولة والقرار الأمني والعسكري حكماً بقيادة الجيش”، موصداً من ناحية أخرى الباب في وجه أي دعوة حوارية ترمي إلى تضييع الوقت في مناقشة “الاستراتيجية الدفاعية” على اعتبار أنّ المطلوب واضح و”غير قابل لأي نقاش وهو تطبيق الدستور وحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية”، كما جاهر برفضه المسبق لتشكيل أي حكومة “شوربة وطنية”، مجدداً المطالبة بتأليف “حكومة فعّالة لديها برنامج سياسي واضح“.
وإذ دعا “النواب المنتخبين السياديين والتغييرين والاصلاحيين والمجتمع المدني الى التنسيق سوياً لأن الهدف من الدخول الى البرلمان هو التغيير الفعلي من أجل تحسين واقع اللبنانيين”، لفت جعجع إلى أنّ “المعركة الانتخابية أتت نتيجتها مدوية بخسارة “حزب الله” و”التيار الوطني” للأكثرية النيابية، وانتقلت هذه الاكثرية إلى مجموعة تكتلات وأحزاب تتوافق جميعها ضد المسار الذي ساد في السابق وضد وضعية “حزب الله” وسلاحه في الدولة وموضوع السيادة والفساد“.
أما عن إعلان رئيس “التيار الوطني” جبران باسيل انتصاره في الانتخابات، فتوجه جعجع إليه “من باب التوضيح” والرد على “تيار الكذب والتشويه والخداع” قائلاً: “لو كنت مكانك لاخترت الطابق الـ17 تحت الأرض لكي أمكث فيه، فبأيّ منطق تدعي الانتصار وتقول إنك الكتلة والتكتل الأكبر؟”، مضيفاً: “لدى “القوات اللبنانية” كتلة من 19 نائباً مقابل 18 لـ”التيار” في حال حسبنا محمد يحيى معه، بينما في التفاصيل نالت “القوات” بأقل تقدير 200 ألف صوت تفضيلي مقابل 130 ألفاً للتيار الوطني”.
وعشية الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء في قصر بعبدا اليوم قبل دخول حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في مرحلة تصريف الأعمال، برز اقتحام ملف قطاع الاتصالات خط الأزمات الأمامي بشكل يضعه أمام خطر “انهيار وشيك” على خطى الانهيار الشامل في قطاع الكهرباء.
وعلى هذا الأساس، دقّ الوزير جوني القرم جرس “الفرصة الأخيرة” واضعاً استقالته على طاولة الخيارات ما لم يبادر مجلس الوزراء إلى إقرار مرسوم مشروع التعرفة الجديدة “بشكل مدروس” بغية “ضمان استمرار القطاع ووقف انهياره”، وقال: “في حال لم يقر المرسوم لا أحد يحملني المسؤولية، فأنا لن أكون شاهد زور ولا اريد ان يقولوا إنه خلال توليّ الوزارة بات قطاع الاتصالات مثل الكهرباء“.