كتبت صحيفة البناء تقول: يحتفل لبنان اليوم بالعيد الـ22 للمقاومة والتحرير وسط ضبابية المشهد السياسي لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، ومسار انحداري على الصعيد المالي والاقتصادي، في ظل وضع دولي وإقليمي يبشر بالمزيد من الحروب، من منطقة تغلي حبلى بالمفاجآت في ظل المواجهة المتصاعدة في فلسطين وحولها، إلى عالم تدقّ أبوابه أزمات متفجّرة بتداعيات الحرب في أوكرانيا، إلى التصاعد الآتي من الشرق تحت عنوان الاستقطاب بين بكين وواشنطن حول تايوان، وتبقى المقاومة القوية والقادرة بمعادلات الردع التي فرضتها، بعدما حرّرت وحمت وقدمت مصدر القوة لحماية ثروات النفط والغاز، عنواناً وحيداً للأمل، وسط سواد يخيّم على المشهد.
يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم بالمناسبة، وينتظر الداخل والخارج ما ستتضمّن الكلمة التي يطلّ عبرها على ملفات المواجهة الدائرة حول فلسطين والتصعيد بين محور المقاومة وكيان الاحتلال من جهة، ومعادلات الردع ومستقبل ثروات النفط والغاز من جهة موازية، فيما تتوقع مصادر متابعة ان يلتفت في كلمته الى مقاربة مرحلة ما بعد الانتخابات في لبنان، رغم تخصيص كلمته لمحاور الصراع الإقليمي والمواجهة مع كيان الاحتلال في قلبها.
لبنانياً تبدو القوى الإقليمية و المحلية التي راهنت على تحقيق انتصار على القوى المؤيّدة للمقاومة ونيل الأغلبية النيابية، وفي مقدّمتها السفير السعودي وليد البخاري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حال ارتباك في كيفية التعامل مع إعلان نصر يظهر كل يوم أنه وهميّ، ويكبر المأزق كلما اقتربت ساعة الاستحقاق الخاص بتسمية رئيس جديد للحكومة، وفيما انتهت مساعي رئيس القوات بتجميع 40 نائباً هم 19 نائباً يضمون نواب القوات وحلفائها والمستقلين الذين سينضمّون الى تكتلها النيابي اضافة لـ 4 نواب للكتائب، و2 للجماعة الإسلامية والنائبين بلال حشيمي وأشرف ريفي، إضافة لـ 8 نواب من لوائح المجتمع المدني وخمسة نواب مستقلين هم ميشال معوّض ونعمة افرام وفؤاد مخزومي وأديب عبد المسيح وجان طالوزيان، يحاول السفير السعودي وليد البخاري حشد ما تبقى من النواب الفائزين بدعم سعودي لتأكيد الأبوة المرجعيّة للوائح المدعومة، ويضغط لكسب انضباط نواب اللقاء الديمقراطي وحليفه المستقل غسان سكاف على الأقلّ في تسمية رئيس للحكومة، بما يضيف 9 نواب الى الـ 40، بينما يستدعي ما تبقى من «نواب التغيير» طلباً للمبايعة.
اللبنانيّون الذين سمعوا الوعود بأن الحل بالانتخابات النيابيّة، يشعرون أنهم خارج الصورة في ضوء ما يسمعونه من الذين قالوا إن الحل بالانتخابات، فالذين أعلنوا انتصارهم هم أنفسهم قالوا إنه في اليوم الذي يلي فوزهم سينخفض الدولار الى 25 ألف ليرة، كما وعد سمير جعجع، بينما الدولار لامس أمس سعر الـ 34 الفاً، وظهر أن الذين كانوا يرددون أن الحل في الانتخابات كانوا يحدثون أنفسهم ويتحدثون عن أنفسهم، لا عن الناس ولا عن البلد. فالحل لدخولهم جنة السلطة هو بالانتخابات، وليس الحل لمشاكل البلد وأزمات الناس، حيث يغيب البلد وتغيب الناس عن الأولويات، وينشغل النواب الجدد، كما قالت مصادر نيابية، بأرقام لوحات سياراتهم، حيث يطلب أحدهم رقم لوحة الرئيس سعد الحريري ويطلب آخر رقماً يناسب عيد ميلاد زوجته.
وفيما يعيش لبنان سباقاً بين الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي في الشارع، وبين إنجاز الاستحقاقات الدستورية، سجل سعر صرف الدولار ارتفاعاً قياسياً للمرة الأولى في تاريخ لبنان، حيث وصل خلال نهار أمس الى 34 ألف ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء فيما تمّ التداول بالعملة الخضراء في «سوق» الصرافين غير الشرعيين بـ36 ألف ليرة، ما يُنذر بكارثة اجتماعية وانفجار اجتماعي كبير يلوح في أفق الأزمات التي تتراكم وتشتدّ بشكل غير مسبوق.
ونشطت بعض الجهات السياسية على خط الاتصالات والمشاورات لتأمين توافق على استحقاق انتخاب رئيس للمجلس النيابي خلال المهلة القانونية، في ظل استمرار الخلاف والتباين في مقاربة هذا الاستحقاق بين الأطراف السياسية أكان ضمن فريق «الثنائي الشيعي»- 8 آذار والتيار الوطني الحر من جهة وداخل قوى المجتمع المدني والتغيير والمستقلين من جهة ثانية، ما يصعب إمكانية التوافق على استحقاق على نائب رئيس المجلس بوجود مرشح واحد، فكيف باستحقاق تكليف وتأليف رئيس للحكومة والاستحقاقات المالية والاقتصادية والسيادية فضلاً عن استحقاق رئاسة الجمهورية؟
وفيما لفتت مصادر مطلعة على موقف عين التينة لـ»البناء» إلى أن «الرئيس بري لن يدعو إلى جلسة قبل توفير المناخ الملائم للتوافق بين أغلب الكتل النيابية على انتخاب الرئيس»، ولفتت الى أن «كتل ونواب عدة أعلنوا مواقفهم الداعمة لانتخاب الرئيس بري ومنهم مسيحيّون وبالتالي لا مشكلة في الميثاقية المسيحية المؤمنة». وعلمت «البناء» أن التواصل فتح بين عين التينة وكليمنصو للتنسيق بهذا الإطار، مشدّدة على أن «أصوات اللقاء الديمقراطي ستجير للرئيس برّي، لافتة الى أن «الرئيس بري سيُعاد انتخابه بمعزل عن عدد الأصوات التي سينالها، مرجحة توفير أكثرية وازنة لانتخابه، مقابل سعي بعض الجهات السياسية على رأسها «القوات اللبنانية» و«الكتائب» وبعض «قوى التغيير» والنواب المدعومين من السعودية، لإعادة انتخاب بري بأكثرية هزيلة.
وأكد عضو كتلة عكار النيابية النائب سجيع عطية لـ»البناء» الى أن «الكتلة التي تضمّ مجموعة من النواب ستمنح أصواتها للرئيس بري لغياب أي مرشح آخر يملك الحيثية السياسية والشعبية التي يتمتع بها بري، وبالتالي لن نتخذ أي موقف يؤدي الى مشكلة وتعطيل عمل المؤسسات وأي استحقاق لا سيما استحقاق رئاسة المجلس». وعلمت «البناء» أنه «ترشح لمنصب نيابة رئيس المجلس النيابي كمرشح توافقي وأبلغ الرئيس بري بالأمر».
وعلمت «البناء» ايضاً وجود تواصل بين الرئيس بري وأكثر من جهة في «المجتمع المدني» حول نيابة الرئيس.
وأكد عضو كتلة «ننتخب للتغيير» النائب شربل مسعد لـ»البناء» الى أننا «بمعزل عن تصويتنا لبري من عدمه، لكنه منتخب ويملك حيثية شعبية وسياسية ولديه الخبرة في إدارة اللعبة البرلمانية وسنتعاون معه ومع كل من يعمل لمصلحة البلد والمواطن على مستوى العمل البرلماني».
ولم يرشح أي موقف حاسم عن تكتل «لبنان القوي» الذي اجتمع أمس، حيال استحقاق انتخاب رئيس المجلس. أما بشأن نائب الرئيس، فأفادت المصادر بأن «التكتل يفضل ان يرشح النائب جورج عطالله على الياس بو صعب، لنيابة رئاسة مجلس النواب»، أما «القوات» فتتمسك بترشيح النائب غسان حاصباني.
ولفتت مصادر «الثنائي الشيعي» لـ»البناء» إلى سعي الحريصين على مصلحة البلد لإنجاز استحقاق رئاسة المجلس والمطبخ التشريعي قبل نهاية المهلة المحددة في الدستور أي خلال 15 يوماً من إجراء الانتخابات، عبر اتصالات وتواصل مع مختلف القوى السياسية».
أما في حال انتهت المهلة ولم يتمّ التوافق على سلة الاستحقاقات المجلسيّة، فيعطي ذلك إنذاراً ومؤشراً للمرحلة المقبلة لوجود مشروع تعطيل المؤسسات والدولة برمّتها لكون المجلس «أم المؤسسات»، كاشفة عن محاولة لتعطيل استحقاق انتخاب رئيس المجلس، مشيرة إلى أن «شخص الرئيس بري مستهدف وكذلك الخط الذي ينتمي إليه والمقاومة والبلد بشكل عام». وأوضحت أن لا مرشح غير الرئيس بري وبالتالي أية إعاقة لهذا الاستحقاق ستعكس نيات خبيثة لعرقلة سير عمل المؤسسات». ودعت المصادر قوى المجتمع المدني الى المبادرة لتحمل المسؤولية في إنقاذ البلد من أزماته وعدم الانخراط في جبهات سياسية داخلية أو قوى خارجيّة لاستهداف المقاومة والشركاء في الوطن».
وأعربت أوساط سياسيّة عبر «البناء» عن خوفها على «مستقبل لبنان الذي أصبح ضمن دائرة الخطر الكبير، لا سيما أن هناك قوى وجهات تضعه بين خيارين: استمرار الحصار والعقوبات حتى لحظة الانهيار الكامل للدولة ومؤسساتها وتحميل حزب الله والعهد المسؤولية، وإما تقييد المقاومة بشروط وضوابط وحدود لإلغاء دورها ووظيفتها في حماية لبنان وردع العدو الإسرائيلي». وحذّرت الأوساط من أن «أعداء لبنان يسعون لتشديد الحصار في محاولة تحقيق الأهداف بالسلاح الاقتصادي والحرب المالية والاجتماعية التي لم يستطيعوا تحقيقها بالحرب العسكرية الإسرائيلية والإرهابية والفتن الأهلية». ووضعت الأوساط ارتفاع سعر صرف الدولار بعد صدور نتائج الانتخابات في إطار فشل السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بانتزاع الأكثرية النيابية واختراق لوائح أمل وحزب الله واكتساح القوات للمقاعد المسيحية وتحجيم كتلة التيار الوطني الحر، ما دفع السعودية عبر أدواتها الخارجية والداخلية لا سيما حاكم مصرف لبنان الى إعادة التلاعب بالدولار للضغط السياسي على فريق العهد والثنائي والاستمرار بسياسة الحصار وأخذ البلد الى الفتن والتفجير في الشارع.
وبرزت دعوة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، اللبنانيين لمواجهة حزب الله بقوله: «موضوع حزب الله بيد اللبنانيين»! علماً أن اللبنانيين حسموا أمرهم وجدّدوا الشعبية للوائح المقاومة والتحرير الذين نالوا أكبر نسبة أصوات في لبنان. وقال بن فرحان: «الانتخابات في لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك ونحن معنيون بعودة العملية السياسية في لبنان وينبغي على الأطراف كافة العمل على ذلك».
وانتقد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان نصر الدين الغريب، تدخل السفارتين السعودية والأميركية في لبنان في الانتخابات النيابية لمصلحة أطراف ضد آخرين، وسأل: «هل أصبحت السّفارات الأجنبيّة والعربيّة تؤلّف اللّوائح وتصدر النّتائج؟ حيث الصّناديق الآتية من الخارج كان بعضها مشوّهًا أو مكسورًا، أو كان انتخاب المغتربين هناك عنوةً عن إرادتهم؟». وخاطب الّذين خسروا المعركة، بالقول: «هنيئًا لكم أيضًا، لقد حاولتم الفوز وبنيّة تصحيح المسار والاعوجاج والتّضحية في سبيل وطن ينازع، وتلزمه العقاقير البشعة للإصلاح، جنّبتم أنفسكم من «كلّن يعني كلّن». فعليكم بإعادة النّظر بمسيرتكم السّياسيّة والاجتماعيّة والتّحالفات القاتلة، لعلّكم توفّقون وقد أتى دور المحاسبة للّذين شملتهم رحمة الانتصار».
في سياق ذلك، لاقت تغريدة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري حملة انتقادات سياسية وشعبية واسعة، ولفت رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، في تصريح إلى أنّ «هفوة سفيرها تسجّل نقطة سوداء في تاريخ الديبلوماسية السعودية، والمصفقون من الضيوف هم أهل للكلام الذي قيل».
ويلقي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم كلمة بمناسبة عيد المقاومة والتحرير. ودعا المكتب السياسي لحركة أمل الجميع الى «تلقف المبادرات الايجابية وملاقاة اليد الممدودة للتعاون، فالمرحلة المقبلة وخصوصاً على صعيد التشريع يُفترض ان تحول البرلمان الى ساحة عمل وميدان تشريع رافدة لورشة إنقاذ فعلية واصلاحات حقيقية وملموسة تقترحها الحكومة المنتظرة، لا ان تكون افكار البعض الخارجة على المنطق والواقعية السياسية ممن لم يفقه بعد معنى العمل التشريعي والرقابي وآليات الدستور والقانون والنظام الداخلي للمجلس النيابي محاولة اغتيال من قبل عقلية مريضة، تريد إغراق البلد في وحول النكايات، فلبنان المقبل على أكثر من استحقاق اساسي يحتاج الى تضافر جهود كل أبنائه وقواه السياسية الفاعلة ليتمكن من الخروج من أزماته الكبيرة والكثيرة التي تعصف به والتي هي عابرة للطوائف».
وأشار الرئيس السوري بشار الأسد، في رسالة تهنئة إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتهنئته بعيد المقاومة والتحرير، الى أن «الانتصار الذي تحقق قبل 22 عاماً سيبقى محطة تاريخية مشرفة لأنه أعاد الحقوق وأسقط مؤامرات الاحتلال».
ورأى الأسد، أن «الانتصار أثبت صوابية نهج وخيار المقاومة باعتباره حقاً طبيعياً لأي شعب تنتهك سيادة بلاده، وستبقى ذكرى الأبطال الذين أناروا طريق المجد بدمائهم الزكية حاضرة دائماً في الوجدان».
بالعودة الى ارتفاع سعر صرف الدولار الذي لامس أمس الـ33700 ليرة، ما انعكس على أسعار المحروقات والمواد الغذائية وكافة السلع الحياتية والحيوية.
وقد ارتفعت صفيحة البنزين 95 أوكتان: 588000 (+32000)، صفيحة البنزين 98 أوكتان: 599000 (+)، المازوت: 681000 (+3000)، الغاز: 416000 (+10000). وأعرب ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا عن «استيائه لما تشهده اسعار المحروقات من ارتفاع كبير بعد صدور جدول الأسعار»، وقال: «كفى ظلما للشعب الذي يتحمل وحده نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ينعكس على ارتفاع الأسعار ولا سيما أسعار المحروقات»، ورأى أن «أسعار المحروقات تأكل الأخضر واليابس اذ انها تنعكس على اسعار السلع كافة».
على صعيد آخر، وبعد «تهريب» الحكومة خطة التعافي المالي في آخر جلستها قبل تحولها الى تصريف أعمال مع تحفظ عدد من الوزراء لا سيما وزراء ثنائي أمل وحزب الله، طفا الخلاف بين الحكومة والمصارف ومصرف لبنان حول هذه الخطة الى العلن.
فقد جدّدت جمعية المصارف أمس، رفضها «لخطة كُتِبت بأموال المودِعين وأموال المصارف وهي تقف صفّاً واحداً مع المودِعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها».
في المقابل ردّ المكتب الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، سعادة الشامي، على بيان المصارف، وأسف الى أن «بيان جمعية المصارف، أقلّ ما يُقال فيه إنّه مجاف للحقيقة، ويمثّل عمليّة هروب إلى الأمام، في محاولة مفضوحة تدّعي حماية المودعين». وأكّد المكتب الإعلامي أنّ «خطّة النّهوض بالقطاع المالي تحافظ على حوالي 90% من أموال المودعين، إلّا أنّ هذا لا يعني أبدًا أنّنا نتجاهل الـ10% المتبقّية. فشطب جزء من ودائع المصارف الموجودة دفتريًّا لدى مصرف لبنان، يهدف بالدّرجة الأولى إلى تسوية وضع البنك المركزي حتّى يتمكّن من القيام بواجباته، لكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ هذه الأموال قد شُطبت من الودائع».
وتوجّه المكتب إلى المودعين، قائلًا: «لقد تعرّضتم لضرر كبير نتيجة سياسات خاطئة، لذا أنتم على رأس أولويّاتنا، فلا تدعوا أحدًا يستثمر في حقوقكم المشروعة ويتكلّم باسمكم وكأنّه الحريص عليكم. لا تسمحوا بأن يكبّلوكم بأغلال مصالحهم، كي لا يغرقوكم معهم».