كتبت صحيفة النهار تقول: لم يبق السؤال امس ، بعد تصاعد “المحرقة” على جبهتي #الدولار والمحروقات ، متى وكيف وهل يمكن منع تمدد الاشتعال المخيف التصاعدي بقوة غير مسبوقة ، بل من ذا الذي يدفع بلبنان نحو الحريق الأخطر والأكثر اتساعا وشمولا بما ينذر بعظائم التداعيات غير المسبوقة منذ بدء دومينو الانهيار قبل ثلاث سنوات؟ بل الأخطر في ما يتم تداوله من تساؤلات في يوميات الرعب الجديدة : لماذا يجري الدفع بالحريق الأكبر غداة الانتخابات النيابية تحديدا اذ بدا لافتا ، والى حدود مذهلة ان الموجة المستجدة للتسونامي الذي يلهب الدولار تحديدا وما يستدرجه وراء اشتعاله من تداعيات ، جاءت وتصاعدت ولا تزال تتصاعد بالتزامن مع المناخات التي تعيشها البلاد بعد الانتخابات ونتائجها وتداعياتها والوقائع الجديدة التي وضعت عبرها البلاد .
مع دولار حطم السقوف وحلق في الساعات الأخيرة نحو سقف ال 34الف ليرة ومع صفيحة بنزين اشتعلت بسعر ناري بلغ ال 600 الف ليرة ، بدا واضحا ان الخطوط الحمر امام هذه الهجمة قد انهارت وتلاشت وان الآتي الأعظم يضع لبنان في مهب الحلقة الأخطر اطلاقا من الانهيار . كانت مفارقة مذهلة ان يحرف اشتعال سعر الدولار وأسعار المحروقات الأنظار من ساحة النجمة حيث مشهد إزالة واسقاط الحواجز الاسمنتية والبوابات الحديدية والسواتر بين مبنى البرلمان والناس تواصل لليوم الثاني مثيرا الارتياح ورياح التفاؤل الى المشهد القاتم الباعث على كل الريبة والشكوك والقلق امام اشتعال أسواق الدولار والمحروقات بالأرقام المخيفة القياسية . وفي أي حال فان الشبهة في تعمد اشعال الموجة الجديدة مشروعة ومبررة اذ لعل اللبنانيين لا ينسون ان البنك الدولي نفسه كان لمح في تقرير له عن لبنان في كانون الثاني الماضي الى اتهامه “النخبة في البلاد” بالتسبب بالانهيار لافتا الى ان “الكساد كان سببا متعمدا من قبل النخبة التي استولت على الدولة”.
اما اغرب المفاجات التي تواكب السجالات المتواصلة حول ملف الفضيحة الكهربائية التي فجرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في وجه وزير الطاقة وفريقه فتتمثل في معلومات ترددت في الأيام الأخيرة لدى بعض الجهات عن ان هذا الاشتباك يخبئ أيضا فشل محاولة بذلت قبيل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء لتمرير تغيير قائد الجيش رفضها ميقاتي بحدة بالغة الامر الذي حال دون طرحها على مجلس الوزراء .
جرى ذلك ويجري بينما تراوح الأوضاع المتصلة باستحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه مكانها، اذ لم توجه بعد الدعوة لانتخاب رئيس المجلس ، وسط مؤشرات الى مزيد من التأخير في تشكيل حكومة جديدة . ولكن العامل اللافت الذي سجل امس تمثل في موقف جديد لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اذ اعلن “ان على اللبنانيين أن يقوموا بإصلاحات لاستعادة حكم الدولة” مشددا على ان موضوع “حزب الله” بيدهم. وقال ” الانتخابات في لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك ونحن معنيون بعودة العملية السياسية في لبنان وينبغي على الأطراف كافة العمل على ذلك”.
من جانبه، شدد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، على أنه “يجب العمل على منع انزلاق لبنان إلى الفوضى” محذرا من أن “لبنان على شفا الانهيار وإذا حدث ذلك فسندفع جميعنا تكلفة الأمر أمنياً”.
أرقام قياسية
في هذا الوقت كسر الدولار رقما قياسيا جديدا ملامسا الـ33700 ليرة، وحلّقت اسعار المحروقات وباتت صفيحة البنزين بحدود ال 600 الف ليرة . بدورها اعتصمت لجنة أصحاب الصيدليات بالتنسيق مع نقابة الصيادلة امام وزارة الصحة العامة، تزامناً مع إقفال الصيدليات، للمطالبة بتطبيق قوانين تسليم الأدوية للصيدليات ومواجهة الدواء المهرَّب. ومن جانبه، أعلن رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أنّ “الواقع الغذائي في لبنان لم يشهد أي يتحسّن منذ شهرين، إنما إزداد سوءاً جراء الحرب في أوكرانيا والبلبلة في الأسواق العالمية، وكذلك جراء عودة سعر صرف الدولار الى الإرتفاع في السوق المحلية فضلاً عن الصعوبات التي يواجهها مصرف لبنان في تمويل المواد الإستهلاكية الأساسية كالقمح والبنزين”. وإذ أكد أنه “لا يوجد أي مخاطر لفقدان المواد الغذائية”، نبّه “من أمور لم تكن محسوبة بدأت تضغط بقوة على الأمن الغذائي للبنانيين، وتتمثل بما يسجله سعر صرف الدولار من إرتفاع متواصل الذي يؤدي حتماً الى إنخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية وبالتالي إرتفاع اسعار كل السلع ومنها المواد الغذائية”.
الاشتباك المالي
واتخذت الازمة المالية دلالاتها الصارخة مجددا في ظل موقف عنيف للغاية اعلنته جمعية المصارف عبر رفضها لخطة التعافي الاقتصادي الحكومية اذ وصفتها بانها “خطة كُتِبت بأموال المودِعين وأموال المصارف” مؤكدة “وقوفها صفّاً واحداً مع المودِعين لرفض هذه الخطة التي لا نهوض فيها سوى في اسمها”. واعتبرت ان “الحكومة اللبنانية ابت إلاّ أن تودِّع اللبنانيين بشكل عام والمودعين بشكل خاص، عبر إقرار خطة نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعاده الشامي القاضية بتنصّل الدولة ومصرف لبنان من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة في ذمتهما، وتحميل كامل الخسارة الناتجة عن هدر الأموال التي تتجاوز السبعين مليار دولار أميركي إلى المودعين، بعدما قضت الخطة على الأموال الخاصة بالمصارف. فأبشروا أيها المودِعون، لأن الدولة اللبنانية ألغت ودائعكم بـ “شخطة” قلم. فهذا كلّ ما تمخّض عن عبقرية “الخبراء”، بالرغم من وجود خطط بديلة واضحة، لا سيما تلك التي اقترحتها جمعية مصارف لبنان والقاضية بإنشاء صندوق يستثمر، ولا يتملّك، بعض موجودات الدولة وحقوقها، ليعيد إلى المودعين حقوقهم، وإن على المدى المتوسط والبعيد”. وقالت “رضيَت الضحية ولم يرضَ الجاني، بذريعة أن هذه العائدات هي ملك للشعب ولا دخل للمودعين بها وكأن استنزاف أموال المودعين لدعم الشعب كان محللاً، أما استعادة المودعين لأموالهم فهو محرّم.”
ورد الشامي على البيان معتبرا ان “الخطر على المبادرات كما على المودعين يبقى في تصريحات مماثله وغير مسؤولة كتلك التي طالعتنا اليوم”. وأضاف” قلنا مرارا وتكرارا أننا نطمح لإرساء قطاع مصرفي سليم ومعافى يساهم في تمويل القطاع الخاص من اجل إطلاق عجلة الاقتصاد وتحفيز النمو. كما كرّرنا في مناسبات عدة أن القطاع المصرفي يمثّل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني وأننا نسعى لتحسين هذا القطاع وإعادة هيكلته خدمة للمجتمع. لذا فقبول بعض الخسائر في سبيل المحافظة على الوطن هو أقل ما يُطلَب أو يُتَوَقّع منّا في هذه الأوقات الصعبة.”
وقال “إلى المودعين، لقد تعرضتم لضرر كبير نتيجة سياسات خاطئة، لذا أنتم على رأس أولوياتنا، فلا تدعوا أحدا يستثمر في حقوقكم المشروعة ويتكلّم باسمكم وكأنه الحريص عليكم. لا تسمحوا بأن يكبّلوكم بأغلال مصالحهم كي لا يغرقوكم معهم.”
…والاشتباك الكهربائي
كذلك تجدد السجال بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الطاقة والمياه فيها وليد فيّاض حول ملف الفضيحة الكهربائية التي كشفها ميقاتي في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء . وعاود المكتب الإعلامي لفياض تبرير طلبه التريّث قبل وضع بندي الطاقة على جدول أعمال مجلس الوزراء قائلا ان ذلك حصل “بملء إرادتي دون أي إملاءات من أحد . أما بالنسبة إلى مقولة “حرماني اللبنانيين من الكهرباء” فهو كلام مرفوض ومردود كون ما تم التريث فيه ليس له أية علاقة بإنشاء المعامل بل بتلزيم إستشاري لتحضير دفاتر شروط ولا زلنا بصددالتفاوض معه كون الأسعار مرتفعة جداً والتمويل غير متوفّر”.
ولاحقاً رد المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي كاشفا ان الوزير فياض كان اتصل بالرئيس ميقاتي “مبديا رغبته في طيّ السجال والعودة الى بحث الملفات موضوع السجال بهدوء، من دون اللجوء الى الاعلام، واتفق مع الرئيس ميقاتي على موعد قريب لاستكمال البحث. وبعد ظهر امس فوجئنا ببيان جديد صادر عن مكتب الوزير يجدّد فيه سرد المغالطات والأكاذيب، لا بل يرفع لواء التحدي والنبرة، مما يؤكد ان هناك تصميماً على أخذ صك براءة عن فعل موصوف بشهادة اللبنانيين، فيما الهمّ الاول للرئيس ميقاتي تأمين التيار الكهربائي”.
وتساءل : “هل فعلاً وزير الطاقة هو الذي أصدر البيان ونسي أو تناسى ما التزم به تجاه الرئيس ميقاتي بالامس؟ وهل فعلاً هو الذي يدير شؤون الوزارة؟ سؤال بات مطروحاً بقوة بعد كل هذه السلوكيات الملتبسة. كفى إصدار بيانات ملفّقة”.