يتقلّب اللبنانيون على جمر الأزمات ونار الدولار. تكوي العملة الخضراء الجميع، باعةً ومشترين. وعلى وقع التلاعب بأسعار تصريفها يتلاعب آخرون بمصير البلد في انعدام الرؤية، أو فقدان البصيرة، أو حتى في عدمية التبصّر.
المجال مفتوح للسجال والمبارزة التي لا طائل منها سوى رفع منسوب الالتهاب السياسي، فيما المصرف المركزي لا يزال على بهلوانياته في رفع سعر الصرف أو تخفيضه بدون القيام بأي إجراءات سريعة لمعالجة الأعطاب والأزمات، فيستمر النزف حتى آخر ما تبقى من الاحتياطي الالزامي. ويتّجه الخوف على مصير الذهب، خصوصاً أنّ المعادلة الجهنمية التي تتحكم بمفاصل البلاد ورقاب العباد تبدو واضحة المسار باستمرار الصرف على الدعم غير المنظور، والدولار غير المشهود حتى آخر ما تبقى من امتيازات للدولة.
وبعدما كان قد واصل سعر صرف الدولار ارتفاعه الجنوني مع تسجيله أرقاماً قياسيةً، وتخطّيه عتبة الـ37 ألف ليرة، عاد مصرف لبنان إلى التدخل بشكلٍ واضح في سوق القطع، عبر تعميم أصدره يسمح فيه لجميع المواطنين الراغبين في تحويل ليراتهم إلى دولار التوجّه نحو المصارف وإجراء العملية عبر منصّة “صيرفة”، ليسجّل الدولار تراجعاً كبيراً وصل إلى ما دون 30 ألفاً.
المتخصّصة بالاقتصاد النقدي في البلدان المدولرة، ليال منصور، أشارت إلى أنّ تدخّل “المركزي” كان متوقعاً، فهو ما كان ليترك جنون سعر الصرف على حاله، لكن الهدف من تدخّله لجم الارتفاع وليس تغيير مسار سعر الصرف. وفي حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، حذّرت منصور من أنّ العملية “مكلفة جداً، ومصادر الدولارات قد تكون الاحتياطي الإلزامي، أو أموال التحويلات القادمة من الخارج، وفي الوقت نفسه إنّها مؤقتة، وسعر الصرف سيعود إلى الارتفاع بعد فترة، لأنّ سعره سيكون مصطنعاً”، لكنّها كشفت أنّ السعر الحالي قد ينخفض 3 أو 4 آلاف الأسبوع المقبل مع بدء تطبيق التعميم، إلّا أنّ ذلك يبقى مؤقتاً قبل عودة الارتفاع من جديد.
في السياسة، الحروب الشخصانية قائمة، ولا يزال الخلاف على انتخاب رئيس مجلس النواب هو الطاغي، فيما قطع الرئيس نبيه بري أكثر من نصف الطريق بتحديد موعد الجلسة، على أن تستمر المفاوضات لإنجاح الجلسة واكتمال هيئة مكتب المجلس واللجان ورؤسائها.
عملياً ضمِن برّي الفوز من الدورة الأولى ما لم تحدث أي تطورات ليست في الحسبان، من قبيل تعطيل النصاب، أو الدخول في احتمالات تحمل بعض المفاجآت، كما أفادت مصادر سياسية عبر “الأنباء” الإلكترونية. وبغضّ النظر عن موقف التيار الوطني الحرّ الذي تتضارب الأجواء فيه بين من يشيرون إلى أنّ حرية الخيار ستكون متروكة للنواب، أم أنّ الموقف صارمٌ بعدم منح أي صوت لبرّي تحت طائلة التهديد بالفصل من التيار من قِبل رئيسه، خصوصاً أنّ عدداً من النواب الذين انعدمت الكيمياء بينهم وبين جبران باسيل كانوا يفكّرون في انتخاب بري.
إلّا أنّ الصراع، بحسب المصادر، كان لا يزال مستمراً داخل البيت الواحد قبل انعقاد تكتل لبنان القوي وتبنّي ترشيح الياس بو صعب لمنصب نائب رئيس مجلس النواب، الأمر الذي كان يرفضه باسيل المتحمّس لجورج عطالله. هذا الخلاف وغيره سيفتح مشكلة دائمة داخل كتلة التيار الوطني الحرّ التي ستستمر الإشكالات داخلها حتى موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، إذ تشير معطيات متعدّدة إلى أنّه بعد انتهاء ولاية عون سينفضّ كثر من حول الكتلة العونية لصالح تكتلات أخرى.
وهنا تشير مصادر متابعة إلى أنّ عدداً من النواب الذين حاربهم باسيل في الانتخابات، ولكنّهم لا زالوا في التيار، تلقّوا الكثير من النصائح بضرورة اتّخاذ موقف حاسم والانفصال عن كتلة رئيس التيار، لا سيّما أنّ أهمية هذا الموقف تكمن في توقيته الحالي، وليس في انتظار انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، لأنّه حينها لن تعود خطوةً ذات قيمة ولن تؤخذ بجدّية، إذ أنّها ستظهر وكأنها خطوة مصلحية تتعلق بالقفز من المركب بعد غرقه.
إذاً، الصورة لا تزال ضبابية في جلسة الثلاثاء لجهة انتخاب نائب رئيس المجلس وهيئة المكتب، في حين حُسمت الرئاسة لبرّي مع عدم اتّضاح موقف بعض الكتل الرافضة حول وجهة تصويتها وشكله.