في خضم جهنم ونارها التي تحرق كل ما حولها، وتحوّل لبنان الى رماد على كل الاصعدة، رأى المضاربون والمتلاعبون بسوق الصرف ساحة خالية لهم، فرفعوا الدولار الى سقف جهنمي دون حسيب او رقيب، الا ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اقدم على خطوة مدوية ضد مافيا الدولار عبر تعميم تمكن خلاله من خفض الدولار 10 آلاف ليرة لبنانية، فضلا انه توجه لحاملي الليرة الذين يريدون تحويلها إلى الدولار، سواء مواطنين ام مؤسسات قائلا: «ستتم تلبية الطلبات كاملةً في غضون ٢٤ ساعة»، وطلب منهم التقدم بهذه الطلبات الى المصارف اللبنانية إبتداءً من يوم الاثنين المقبل وذلك على سعر منصة «صيرفة»، مشيرا الى ان هذا العرض مفتوح ومتاح يوميا، وعلى المصارف ان تُبقي صناديقها مفتوحة حتى الساعة السادسة مساء لثلاثة ايام متتالية، الى جانب قيام المصارف بدفع رواتب الموظفين في القطاع العام بالدولار أيضاً على سعر منصة «صيرفة». وعليه، شكلت هذه الخطوة ضربة قاضية لمافيا الدولار، حيث اعادت الهدوء الى سعر الصرف، ومنعت لبنان من الانزلاق في فوضى لا تحمد عقباها.
بموازاة ذلك، لا تحرك فعليا وعمليا على الصعيد الرسمي ولا الشعبي، اذ بدا واضحا التخامل من قبل ما تبقى من الدولة، في حين شكل رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون المجلس الوطني لسياسة الاسعار، الذي تم انشاؤه عام 1974، وللمرة الاولى يتم تفعيله. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيرقى هذا المجلس لمستوى الكارثة التي يعيشها لبنان وحجم التفكك في الدولة التي وصلت اليه؟ خصوصاً ان الناس تنتظر في الطوابير، غير منتفضة على الاحوال المزرية، وقابعة في صمت كبير لا مبرر له في الجحيم التي هي فيه، بدلا من التمرد على الجهات التي تشعل الدولار ارتفاعا، وتجعل من الشعب اللبناني شهيدا.
والمؤسف ان معظم القوى تتلهى بمناصب تافهة وانتصارات زال وهجها، امام هذا الواقع المفجع الذي ينذر بزوال لبنان كاملا، في حين ان الشعب نائم، وربما ينتظر اعجوبة او فرجا من جهة اقليمية او دولية، ولكنه غير مُدرك ان هذه المرة لن يأتي احد لمساعدته ما لم يقرر مساعدة نفسه اولا.
الخبير الاقتصادي نادر: إبرام اتفاق مع صندوق النقد هو حل طويل الامد
وفي هذا المجال ، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر لـ «الديار» ان عوامل اساسية ادت لارتفاع الدولار: اولها ارتفاع فاتورة الاستيراد، حيث ان لبنان كان يشتري القمح بسعر ادنى من السعر الذي هو عليه اي 600$ ثمن طن القمح حاليا نتيجة الحرب الاوكرانية، وبالتالي زاد الطلب على الدولار. العامل الثاني هو ان احتياطي مصرف لبنان يتقلص، وقريبا سنصل الى النفاد. اما العامل الثالث فهو ان الانتخابات النيابية فرزت معادلة جديدة، الا انها لم تغيّر كثيرا في المشهد السياسي، حيث لم تؤد حتى الى نقاش لتشكيل حكومة، بل يستمر نظام المحاصصة وتبادل التهم، واشار الى ان الصراع بين مصرف لبنان والمصارف لم يعد مخفيا، والذي ادى الى المزيد من انهيار قيمة الليرة .
وتابع نادر ان مصرف لبنان يحاول ضبط سعر الصرف على المدى القصير، من خلال التعميم الذي اصدره، ولكن هذا التعميم يشكل ابرة مورفين لن يدوم مفعولها مطولا».
وعلى هذا الاساس، شدد نادر «ان الحل الوحيد لانقاذ لبنان هو ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي في اسرع وقت، لانه عندما ينفد احتياطي مصرف لبنان سنكون امام كارثة كبرى».
لعبة الدولار داخلية… وحزب الله وضع خبراء بتصرف الحكومة وطرح حلولاً عدة
في غضون ذلك، اعتبرت اوساط سياسية ان هذا التدهور السريع بعد انتهاء الانتخابات النيابية هدفه الذهاب الى تشكيل حكومة باسرع وقت ممكن. فعلى المستوى الخارجي، هناك قرار دولي بان يبقى لبنان مستقرا يبدأ في واشنطن مرورا بالرياض وطهران ووصولا الى باريس. وعلى المستوى الداخلي، لا يوجد اي فريق سياسي لبناني يريد ان يغرق لبنان في الفوضى. وعليه، اصبح هذا التدهور مدروسا لتأليف حكومة ، بما ان التأخير في ولادة اي حكومة اصبح عرفا في لبنان، وبالتالي اضحى واضحا ان العهد يريد تأليف الحكومة سريعا وفقا للاوساط السياسية، التي تؤكد ان هذا التأليف الحكومي يجب ان يتم تحت وقع غبار اقتصادي مالي واجتماعي معيشي، وعليه هذا الغبار سيؤدي حكما الى تسريع وتيرة تشكيل الحكومة الجديدة. وتابعت الاوساط السياسية ان العهد يريد حكومة قريبا، لانه يسعى الى ادخال النائب جبران باسيل اليها، حيث يتمكن الاخير من ادارة ملفات اساسية بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. وشارت الى ان اللبنانيين سيشهدون عودة الثلاثي الى الحكومة، اي باسيل والنائب علي حسن خليل ومحمد فنيش، حيث لكل فريق اعتباراته.
من جهة اخرى، تكشف اوساط مالية في اجواء «الثنائي» لـ «الديار»، ان الامر داخلي وليس خارجياً ، وهو ترجمة للانهيار ونفاد دولارات المصرف المركزي، وعقم الحكومة وعدم اتخاذها اجراءات كفيلة بوقف الانهيار.
وتكشف الاوساط ان حزب الله، ومنذ فترة، وضع فريق اقتصادي ومالي في تصرف الحكومة (من خلال مستشاري الوزراء ودراسات لخبراء ماليين واقتصاديين)، وطرح العديد من الحلول، وابدى استعداده للمساعدة في الاتجاه شرقاً ، خصوصاً في اتجاه ايران، الا انه قوبل بتعنت ورفض وتسويف من الحكومة وبعض اعضائها، وخوف السلطة من العقوبات الاميركية!
الاوضاع الاقليمية مُجمّدة… والمطلوب ان تبقى كذلك في لبنان
الى ذلك، يسأل المواطن والمسؤول في آن واحد : لبنان الى اين يسير؟ والجواب ان التطورات الاقليمية مجمدة، وبالتالي ما يعيشه لبنان حاليا هو محض تطورات داخلية. بيد ان المفاوضات السعودية- الايرانية مجمدة لا تعكس اي تطور ايجابي او سلبي، في حين ان الازمة الاوكرانية تتفاعل وتنعكس تداعياتها على لبنان في القمح وبعض السلع التي يستوردها من كييف، ولكن لا تداعيات سلبية سياسيا.
اما مفاوضات فيينا حول برنامج ايران النووي فهي ايضا فاترة لا توحي بتقدم ملموس، وبالتالي كما الاوضاع الاقليمية جامدة حاليا، ستبقى الامور في لبنان مجمدة ايضا، ولن يتأثر بما يجري في محيطه حتى اللحظة.
خطاب السيد حسن نصرالله يتفاعل لبنانياً واقليمياً ودولياً
على صعيد آخر، لا تزال مفاعيل خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في شقيه الداخلي والمتعلق بالغاز والنفط من جهة، وبالشق الفلسطيني المتعلق بمسيرة الاعلام الصهيونية داخل مسجد الاقصى، تتفاعل على الصعيد اللبناني والاقليمي والدولي. وتؤكد اوساط مطلعة في «الثنائي الشيعي» لـ «الديار» ان كلام السيد نصرالله في اتجاه كيان العدو تحذيري، لكنه مرتبط بتنفيذ فوري للرد، والذي سيكون صاعقاً من محور المقاومة ومن اكثر من جبهة.
وتكشف ان تجريم البرلمان العراقي للتطبيع مع العدو يشكل رداً سياسياً صاعقاً للعدو، ويؤكد توحد الساحات وقوى المقاومة من فلسطين الى لبنان فسوريا فالعراق واليمن.
وتلفت الاوساط الى ان المقاومة على اهبة الاستعداد جنوباً، وهي في جهوزية واستنفار عالي المستوى منذ مطلع ايار، تاريخ بدء العدو لمناورته، والتي يفترض ان تستمر بعض الوقت، وتؤكد ان اي حماقة يرتكبها العدو في ملف الاقصى والقدس، سيُقابل برد فوري وساحق من حزب الله ، كما اكد ووعد السيد نصرالله ، وهذا لا مجال للتراجع عنه.
اما في الملف الداخلي فكلام السيد نصرالله كان تهدوي من منطلق القوة والحزم ومن منطلق القوي والحريص على لبنان وابنائه، وهو مد اليد للخصوم ولكل من يناصب المقاومة العداء، وطالب بتأطير الخلاف حول طاولة حوار عنوانها الاول استراتيجية دفاعية غازية ونفطية، بالاضافة الى استراتيجية برية وبحرية وجوية متكاملة ودفاعية.
حزب الله يُواصل البحث مع باسيل مجلسياً
وفي ملف جلسة يوم الثلاثاء النيابية، تؤكد الاوساط نفسها ان حزب الله مستمر في وساطته مع النائب جبران باسيل لتأمين «عبور سلس» لجلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتب المجلس. وتكشف ان تسمية التيار الوطني الحر للنائب الياس بو صعب وحسم امره، يؤكد وجود توجّه «لتطرية الامور» مع بري ، خصوصاً ان بري يفضل وجود بو صعب ولا مشكلة معه.
«القوات اللبنانية»: نعم لاسقاط اتفاق الدوحة واحياء المداورة في الحكومة الجديدة
مصادر «القوات اللبنانية» ردّت على ما يقال انها تتلهى بالمناصب، فقالت لـ «الديار» ان الحزب اراد ان تترجم نتيجة الانتخابات برلمانيا من خلال اعتماد نهج جديد في الممارسة الوطنية والسياسية وتحديدا المؤسساتية، لان الجميع يعلم ان النهج القديم ادى الى الانهيار الحاصل. ولذلك تطالب «القوات» انتخاب رئيس للمجلس ونائب له، والذهاب الى تشكيل حكومة مختلفة عن كل المواصفات السابقة، عبر ابعاد الفريق الحاكم وتطبيق الدستور واسقاط اتفاق الدوحة، اي الغاء الثلث المعطل واعادة احياء المداورة في الوزارات واعطاء وزارة الطاقة لفريق آخر وليس للتيار الوطني الحر، واكدت المصادر ان حكومات الوحدة الوطنية لم تخرج لبنان من ازمته ولا حكومات اللون الواحد تمكنت من ذلك ايضا.
« الاشتراكي»: لتشكيل حكومة فوراً والا سيستمر اللعب المفضوح في السوق
من جهته، علق مفوض الاعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي صالح حديفة على تعيين رئيس الجمهورية للمجلس الوطني لسياسة الاسعار بالقول: «ليت رئيس الجمهورية بادر الى تشكيل هذا المجلس عند بدء الازمة المالية والاقتصادية عام 2019 وليس الآن، ولكن هذا الامر ليس بجديد بالنسبة لاداء عهد الرئيس ميشال عون والانفصام عن كل ما يحصل حوله ، خاصة وان العهد يتحمل الجزء الكبير من المسؤولية في تدهور الاوضاع، ويكفي ان نذكر بالوزارات التي شغلها تياره ابرزها وزارة الطاقة التي كبّدت الخزينة 40 مليار دولار خسائر حتى اللحظة».
وتابع حديفة: في كل حال «الضرب بالميت حرام»، ولكن لا نريد ان يموت الوطن، ولذلك نطالب بتشكيل حكومة باسرع وقت ممكن، وأن لا تحصل محاولات تعطيل كما عوّدنا الرئيس عون على التعطيل في كل مرة كان يجري فيها تأليف حكومة، بما ان البلد لم يعد يحتمل اي هدر للوقت. وندعو أن تنصرف هذه الحكومة فور تشكيلها الى تنفيذ بنود الاصلاح التي وضعها صندوق النقد الدولي وبغير ذلك سيبقى هذا اللعب المفضوح في سعر الصرف ممن لهم امكانية في التحكم بالسوق سواء من قوى محلية أومن بعض الجهات المالية، وتبقى الضحية الاولى والاخيرة هي الناس. ولفت حديفة الى ان «الحزب التقدمي الاشتراكي» شدد مرارا «بعدم ربط معالجة الازمة اللبنانية بكل ما يتعلق من مفاوضات ونقاشات حاصلة في المنطقة»، مشيرا الى انه « آن الاوان لتحييد لبنان عن كل الصراعات الاقليمية».
وعن انتخاب الرئيس نبيه بري مجددا لرئاسة مجلس النواب قال حديفة ان الحزب «التقدمي الاشتراكي» سيعلن موقفه قريبا ، لكننا لا نخجل بالعلاقة التاريخية المتينة مع بري.