كتبت صحيفة “الشرق الأوسط” تقول: أعاد البرلمان اللبناني انتخاب رئيسه نبيه بري لولاية سابعة أمس بأكثرية 65 صوتاً، في أولى جلسات المجلس الذي أفرزته الانتخابات، وحملت وقائعها تشظياً بالتحالفات بين الكتل، للمرة الأولى منذ عام 1992، رغم احتفاظ الكتل التي كانت ممثلة في البرلمان السابق، بمقاعدها في هيئة مكتب المجلس الذي انتخب أمس أيضاً، إلى جانب انتخاب إلياس بوصعب نائباً للرئيس.
وفاز بري للمرة السابعة على التوالي برئاسة المجلس بغياب أي منافس له غير الورقة البيضاء والورقة الملغاة، وانتخب من الدورة الأولى بعد حيازته على 65 صوتاً، وهو أدنى رقم يفوز به منذ 1992، وذلك من إجمالي 128 يشكلون أعضاء البرلمان، مقابل 23 ورقة بيضاء و40 ورقة ملغاة. إلا أن ذلك لم يمنع مناصريه عن الاحتفال بفوزه عند إعلانه، إذ أطلقوا ألعاباً نارية، كما سمع دوي إطلاق رصاص كثيف في ضاحية بيروت الجنوبية وبعض أحياء بيروت.
ومساء تحرك عدد من أنصار بري في مواكب جالت في بيروت وضواحيها، وتجمع عدد منهم أمام منزل جميل السيد، النائب المتحالف مع «حزب الله»، والشيعي الوحيد الممتنع عن التصويت لبري نتيجة خلافات سابقة بينهما.
وتدخل الجيش اللبناني للتفريق بين المحتفلين وحرس منزل السيد الذي غرد متوجها إلى بري بالاسم قائلاً: «نبيه بري ضب زعرانك من قدام بيتنا هلق».
وحاز بري على أصوات نواب الثنائي «حزب الله» و«حركة أمل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» ونواب مستقلين وبعض نواب تكتل «لبنان القوي» الذي يرأسه النائب جبران باسيل، ومنتمين سابقين لـ«تيار المستقبل».
ودعا بري بعد انتخابه إلى «الاحتكام للإرادة الوطنية الجامعة المتمثلة بقلق الناس وآلامهم وتطلعاتهم وآمالهم بالقدرة على الإنقاذ والتغيير»، معتبراً أنَ «أي خطط ووعود وبرامج لا تقدم الحلول للأزمات على اختلافها وكثرتها هو كلام وخطط خارج السياق».
ولفت بري إلى أنه من المفيد لجميع النواب والكتل أن يدركوا حجم «التحديات» الملقاة على عاتقهم، في زمن لن يحظوا فيه بـ«ترف» المناورة، ولا سيما أنّ سلاح «التعطيل» المتوافر بين أيديهم، لن يفضي سوى إلى «جريمة كبرى» بحق الوطن، الذي بات «يحتضر» بشهادة الجميع.
وخاطب النواب بالقول: لنكن 128 «نعم» لإنجاز الاستحقاقات الدستورية في موعدها و128 «لا» للفراغ في أي سلطة، و128 «نعم» جريئة ودون مواربة للانتقال بلبنان من دولة الطوائف والمذاهب والمحاصصة إلى دولة المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص الدولة المدنية، و128 «نعم» صريحة وقوية وواحدة موحدة ضد أي تفريط بحقوق لبنان السيادية في ثرواته المائية والنفطية مع فلسطين المحتلة و128 «لا» للتنازل أو المساومة أو التطبيع قيد أنملة في هذه الثروات تحت أي ظرف من الظروف ومهما بلغت الضغوط. كما دعا «لحفظ حقوق المودعين كاملة وإقرار وتنفيذ كل القوانين المتصلة بمكافحة الفساد والهدر واسترداد الأموال المنهوبة.
وتقدم بري بالشكر لمن انتخبه، ولمن عارضوا انتخابه رئيساً للمجلس سواء بالتصويت «لا»، بورقة بيضاء، أو باختيار اسم آخر من خارج السياق المألوف أو بالاقتراع من باب «الزكزكة». وتعهد باحترام رأيهم وأي نقد بناء، وأضاف: «سوف ألقي خلفي كل إساءة وسنلاقي الورقة البيضاء بقلب أبيض ونية صادقة ويد ممدودة للجميع للتعاون المخلص من أجل إنقاذ لبنان». ودعا بري لـ«الاحتكام للإرادة الوطنية الجامعة المتمثلة بقلق الناس وآلامهم وتطلعاتهم وآمالهم بالقدرة على الإنقاذ والتغيير».
وأكدت وقائع انتخاب نائب الرئيس وهيئة مكتب المجلس، أن البرلمان الجديد بات يضم بعد الانتخابات النيابية الأخيرة كتلاً غير متجانسة لا يحظى أي منها بأكثرية مطلقة. وفي التنافس على موقع نائب الرئيس، كانت المنافسة بين النائب إلياس بو صعب المدعوم من «التيار الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي» ومستقلين، والنائب غسان سكاف (عن المستقلين) على دورتين متتاليتين، بعدما لم يفز أحدهما في الدورة الأولى بأكثرية 65 نائباً. وفي الدورة الثانية، فاز بو صعب بأكثرية 65 نائباً، رغم أن 11 نائباً من النواب «التغييريين» اقترعوا لسكاف المدعوم من «القوات» و«الاشتراكي» ومستقلين وسياديين، وحاز على 60 صوتاً.
وتحول المجلس نحو الاقتراع للأعضاء الباقين في هيئة مكتب المجلس. بدأت بانتخاب النائب آلان عون (التيار الوطني الحر) الذي حاز من الدورة الأولى على 66 صوتاً، لموقع «أمين سر»، مقابل منافسه زياد حواط (القوات اللبنانية)، وذلك بعد انسحاب مرشحي الكتلة المدنية ميشال الدويهي وفراس حمدان. وتالياً، فاز بالتزكية هادي أبو الحسن في موقع أمين سر ثانٍ (التقدمي الاشتراكي)، وفاز بالتزكية في موقع المفوضين كل من كريم كبارة (مقرب سابق من المستقبل) وآغوب بقرادونيان (الطاشناق) وميشال موسى (التنمية والتحرير).
وأظهرت النتائج الأخيرة أن الكتل السياسية التي كانت ممثلة في هيئة مكتب المجلس، حافظت على تمثيلها من دون أي تغيير بالحصص، رغم التغيير بوجهين. فإلى جانب بري الذي يترأس كتلة «التنمية والتحرير»، حافظت كتلته على تمثيلها بالمفوض النائب ميشال موسى، كما في البرلمان السابق، أما موقع نائب الرئيس، فكان يتبوّأه النائب السابق إيلي الفرزلي الذي كان عضواً آنذاك في تكتل «لبنان القوي»، واليوم ينتمي بو صعب للتكتل نفسها، إلى جانب النائب آلان عون (أمين السر) الذي حافظ على موقعه السابق. وفي المفوضين الباقيين، حافظ بقرادونيان على موقعه السابق، فيما وصل النائب كريم كبارة بدلاً من النائب سمير الجسر، وكلاهما مقربان من «المستقبل».
وأكد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أن التيار صوّت بورقة بيضاء لرئاسة المجلس، وقال: «حلو نتنافس مع بعضنا برقي وشرف وليس بالتخوين والتشكيك». وقال لدى خروجه من جلسة الانتخاب: «موقفنا معروف بالنسبة لانتخابات رئاسة المجلس النيابي وهو أنّنا وضعنا ورقة بيضاء أمّا فيما خصّ نيابة رئاسة المجلس فهذه المعركة مؤجلة منذ 4 سنوات وهكذا حصل اليوم ديمقراطيّاً وهذا يُحمّلنا مسؤولية كبيرة»، مضيفاً: «صحيح أن مرشحينا لنيابة الرئاسة وعضوية هيئة المكتب نجحا ولكن هذا لا يعني أنّ الأكثرية معنا والأيام ستبرهن أنّ الأكثرية مفهوم متحرّك ويجب تخفيف الصفقات والتسويات»، مضيفاً: «ما حصل يؤكد أن الكلام عن أقليات وأكثريات في مجلس النواب، كلام غير مستقيم». وتابع: «نحن من الدّاعين للدولة المدنيّة ولكنّ إلغاء النظام الطائفي لا يجب أن يتمّ بعشوائية بل بنظام».
ودعا الرئيس بري النواب إلى جلسة الثلاثاء المقبل لاختيار رؤساء وأعضاء اللجان النيابية، علماً بأن الاستحقاق المقبل الذي يتعين على البرلمان خوضه بعد انتخاب رئيسه هو المشاركة في استشارات يفترض أن يبدأها رئيس الجمهورية ميشال عون المتحالف أيضاً مع «حزب الله»، مع الكتل النيابية، على أن يسمي على أساسها شخصية سياسية تشكل حكومة جديدة.