كتبت صحيفة “الديار” تقول: هي جلسة برلمانية “تاريخية” شهدتها القاعة الرئيسية لمجلس النواب اللبناني يوم أمس. فالقوى التي اعتادت الاتفاق في ما بينها خارج قاعاته لتعمم على النواب التابعين لها “البصم” خلال انعقاد الهيئة العامة، فوجئت يوم أمس بنمط جديد من العمل النيابي فرضه النواب التغييريون وعدد من نواب المعارضة. وبدت المفاجأة واضحة من خلال طريقة ادارة رئيس المجلس نبيه بري للجلسة بحيث أخذ وعدد من النواب يدققون بمواد دستورية لتحديد كيفية انتخاب أعضاء هيئة المجلس الذين كانوا يفوزون عادة بالتزكية بعد الاتفاق على أسمائهم في اوقات سابقة.
وفيما استفز الهرج والمرج اللذين تخللا جزءا لا بأس به من الجلسة عددا من النواب مطالبين بـ”المزيد من ضبط الجلسة”، أكد أحد نواب “التغيير” لـ “الديار” ان على “قوى المنظومة أن تعتاد نمطا جديدا من العمل النيابي بعيدا عن منطق البصم والتسويات والمحاصصة”، مشددا على ان “اللعبة الديمقراطية من الآن وصاعدا ستأخذ مجراها وسنكون الكتلة التي تخرّب اتفاقاتهم لما فيه خير ومصلحة البلد والمواطنين”.
وانتُخب بري رئيسا لمجلس النواب لولاية سابعة وللعام الـ30 على التوالي بـ 65 صوتا وتم إحصاء 40 ورقة ملغاة منها 19 وضعتها “القوات اللبنانية” تحمل عبارة “الجمهورية القوية”، وأخرى وضعها نواب التغيير تحمل عبارات مرتبطة بالعدالة. اما نائب الرئيس الياس بو صعب ففاز بدورة ثانية بعد حصوله على 65 صوتا مقابل 60 للنائب غسان سكاف ورقتين بيضاء وورقة ملغاة. كذلك انتُخب النائب الان عون لمنصب امين السر الماروني لمجلس النواب بـ65 صوتا مقابل 38 لزياد حواط و 4 لميشال دويهي و 9 اوراق بيضاء و 10 اوراق ملغاة. وفاز هادي أبو الحسن أمينا للسر عن المقعد المخصص عرفاً للموحدين الدروز بالتزكية. وفاز النواب أغوب بقرادونيان وميشال موسى وكريم كبارة في عضوية هيئة مكتب البرلمان بالتزكية.
وكان لافتا تصويت كل نواب “أمل” لابو صعب مقابل تصويت 3 من تكتل “الوطني الحر” لبري. وقالت مصادر مطلعة لـ “الديار” انها تسوية عمل عليها حزب الله. بالمقابل اكدت مصادر قريبة من الوطني الحر، أن “التيار” التزم بكامل نوابه بالورقة البيضاء في انتخابات رئاسة المجلس ولم يصوّت للرئيس نبيه بري بالرغم من الاشاعات والتسريبات التي شغلت الرأي العام في الايام الماضية.
واضافت “فقد وصل عدد الاوراق البيضاء الى 23 والمعروف ان عدد نواب التيار هو 17”.
الأكثرية الحقيقية
وبالرغم مما اعتبرته “تهريجا ومسرحيات البلد في غنى عنها في المرحلة الراهنة”، أكدت مصادر قريبة من حزب الله ان “ما حصل يوم أمس كان أول اختبار لحقيقة أحجام الكتل بعد الانتخابات النيابية، ودحض كل الاقاويل عن أكثرية تمتلكها القوى المناوئة للحزب”، وشددت المصادر في حديث لـ “الديار” على ان “نتائج التصويت يوم أمس حسمت ان حزب الله وحلفائه أكثرية وهم 62 نائبا يضاف اليهم 3 حسب الاستحقاق والملف، اما القوى المناوئة للحزب اي “القوات” وحلفائه فلا يبلغ عدد نوابهم اكثر من38 والبقية هم 13 نائبا لـ “التغيير” و 15 مستقلين”. وأضافت المصادر: “الأصوات التي نالها زياد حواط هي الاصوات الكفيلة بتحديد حجم القواتيين وحلفائهم الذين يتبعون للخارج وينفذون اجندات خارجية وهم أقلية”. ونبهت المصادر من “ردة فعل” قد يقوم بها “القوات” وحلفائه الخارجيين نتيجة خسارتهم المدوية يوم أمس لأن ما حصل يؤكد انهم أوهموا الناس بما ليس حقيقة”.
ولا يبدو ان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يؤيد المصادر بحديثها عن أكثرية لصالح فريق معين، اذ اعتبر في تصريح يوم أمس بعد جلسة الانتخاب أن “ما حصل يؤكد ان الكلام عن اقليات واكثريات في مجلس النواب، كلام غير مستقيم. صحيح أن مرشحنا النائب الياس بوصعب لنيابة رئاسة المجلس وامين السر نجحا، لكن ذلك لا يعني أننا الاكثرية”.
من جهتها، اعتبرت مصادر سياسية واسعة الاطلاع ان ما شهده مجلس النواب يوم أمس “يؤكد اننا مقبلون على مرحلة شد حبال غير مسبوقة، باعتبار ان لا أكثرية ولا أقلية لأي فريق الا بالخيار الاستراتيجي الكبير، اذ يبدو واضحا ان لا أكثرية ضد حزب الله وسلاحه، لكن المقابل لا اتفاق وتفاهم ورؤى موحدة حول كيفية مقاربة كل الملفات الأخرى”. وتضيف المصادر عبر “الديار”:”يوم أمس صوت نواب عكار السنة لنبيه بري ولكن من يضمن ان يصوتوا غدا لقرارات ومشاريع يؤيدها “الثنائي الشيعي” وحلفائه؟”
لا استشارات قريبة
وبانتظار استيعاب الواقع النيابي الجديد الذي تجلى بأبهى حلله في جلسة الاثنين، بدأت النقاشات حول تكليف رئيس يشكل حكومة جديدة. وبحسب معلومات “الديار” هناك توجهين رئيسيين للتعامل مع هذا الاستحقاق، اولهما يدفع باتجاهه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يسعى لاتفاق “سلة واحدة” يشمل الرئيس المكلف، الحكومة شكلها ومواصفاتها وتوزيع الحصص اضافة للتعيينات الرئيسية كقائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، وهو لذلك أخر موعد جلسة انتخاب اللجان النيابية الاسبوع المقبل علما انه كان يمكن ان يدعو لها هذا الاسبوع.
أما التوجه الثاني والذي يتمسك به حتى الساعة بشكل رئيسي النائب باسيل، فيقول بالسير بكل استحقاق على حدة لأنه خلاف ذلك قد يتطلب التفاهم على “سلة واحدة” أشهرا فينقضي ما تبقى من عهد الرئيس عون من دون حكومة. وبكلا الحالتين لا يبدو انه سيكون هناك استشارات قريبة كما يطمح النواب التغييريين، الذي قال أحدهم لـ “الديار”: “يفترض الدعوة لهذه الاستشارات اليوم قبل الغد. سنضغط في هذا الاتجاه ولن نسمح بعقد صفقات جانبية يوزعوا من خلالها المغانم في ما بينهم. وان كان موقفنا الواضح والصريح رفض المشاركة بأي حكومة مع قوى المنظومة وتأكيدنا على التواجد في صفوف المعارضة التي سنمارسها بشراسة”.
وردا على سؤال عن موعد دعوة الرئيس عون للاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة، قالت مصادر الرئاسة الأولى لـ “الديار” انه “بمرحلة أولى ننتظر ان تصلنا من الأمانة العامة لمجلس النواب لائحة بتوزيع الكتل وفق التركيبة المجلسية الجديدة ليتم بعدها التشاور مع الرئيس بري وتحديد موعد للاستشارات التي يمكن التأكيد ان لا موعد محدد لها حتى الساعة”.
الدولار يحلق مجددا
وعلى وقع السجالات السياسية والكباش بين قوى المنظومة وقوى المعارضة، واصل سعر صرف الليرة يوم أمس انهياره فلامس خلال ساعات النهار الـ 30 ألفا للدولار الواحد بعدما كان انخفض لـ27 ألفا نهاية الاسبوع نتيجة تدخل المصرف المركزي. وفي هذا الاطار أكدت مصادر مالية لـ “الديار” ان سعر الصرف لا يمكن ان يشهد استقرارا نظرا لقدرة “المركزي” المحدودة على التدخل، مرجحة ان يواصل تأرجحه. واضافت: “لكن لا يمكن توقع ما يحصل خلال اسبوعين مثلا خاصة اذا كنا مقبلين على تأزم سياسي واسع وعدم قدرة على تشكيل حكومة بوقت سريع”.