خضعَ المشهد الداخلي في الساعات الأربع والعشرين الماضية لارتدادات نتائج جلسة انتخابات رئيس المجلس النيابي ونائبه واعضاء هيئة مكتب المجلس، وانهمكت الاوساط السياسية على اختلافها في قراءة هذه النتائج وتداعياتها على مجمل الصورة السياسية.
وفي الوقت الذي بَدا فيه انّ هذه النتائج، رجّحت كفّة فريق على آخر، إن لناحية عدم تمكن المكونات المسمّاة تغييرية او سيادية، من تجميع الاكثرية المطلوبة لتحقيق هدفها بمنع انتخاب الرئيس نبيه بري لولاية مجلسية سابعة، أو لناحية قطع الطريق على التيار الوطني الحر ومنع فوز مرشحه النائب الياس بو صعب من الفوز بمنصب نائب رئيس مجلس النواب. فإنّ «المشهد التغييري» عكسَ إرباكاً، وقراءات نقدية لما سُمّي «سوء ادارة» هذا الفريق لمعركته، ما أتاح المجال لفوز ما يسمونه «فريق 8 آذار» وحلفاؤه بكلّ مقاعد هيئة مكتب مجلس النواب. وبالتالي ابقاء «قيادة المجلس الحالي»، هي نفسها التي كانت على رأس المجلس النيابي السابق.
مآخذ وانتقادات
ولوحِظ في الساعات الأخيرة انّ الضفة التغييريّة والسياديّة بَدت مُحبطة من خسارة معركتها الأهم، التي حشدت لها منذ لحظة صدور نتائج الانتخابات النيابية. وقد شهدت بالأمس تبادلاً لمآخذ بين أطرافها وانتقادات علنية لسوء التنسيق فيما بينها، وكذلك للأنانية التي حكمت أداء بعض الكتل والنواب، إضافة إلى ما سمّاها تغييريون بصورة علنيّة، السَذاجة التي أبداها بعض النوّاب الجدد أمام معركة كبرى، كلّ ذلك إضافة الى أسباب اخرى، تسبب في إرباكٍ خَلخَل هذه الجبهة وأظهَرها مشتتة غير قادرة على الاجتماع على كلمة وموقف واحد.
ولعلّ الموقف الانتقادي لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قد لخّص المشهد التغييري، وكذلك تداعيات ما حصل في جلسة الثلاثاء، حيث اعتبر، في تغريدة لافتة في مضمونها، انه «بعد هزيمة الامس للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من اجل مواجهة «جبهة 8 آذار» السورية – الإيرانية التي للتذكير ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكلّ الوسائل ولن ترحم احداً».
وبرز في هذا السياق، ما قاله النائب غسان السكاف الذي لم يحالفه الحظ في مواجهة بو صعب للفوز بمنصب نائب رئيس مجلس النواب، بأنّ «الخربطة في انتخاب نائب رئيس المجلس أتت في الدورة الثانية، ونحن نعرف أنّ بو صعب حصل على 65 صوتاً ولكن الـ«Pointage» كان يدلّ على أنه قد ينال 58 صوتاً وهناك 7 أصوات أتت من التغييريين أو المستقلين وهم مَن أعطوا الفوز له».
وفي السياق نفسه اندرجَ موقف كتلة «الجمهورية القوية»، حيث أمِلَت النائب غادة ايوب «أن يشكّل ما حصل بالامس حافزاً لتلافي تكراره في الاستحقاقات المقبلة، مع التأكيد على استحالة الخروج من الازمة الوطنية والمالية الّا من خلال وحدة موقف ووحدة صف واستراتيجية سيادية تغييرية تتناسَب مع خطورة المرحلة ودقّتها». فيما اعتبر النائب غياث يزبك أنه «إذا توحّدت المعارضة المتنوعة تصبح أكثرية، وإذا تفرّقت تحوّلت إلى جزء من المنظومة أو إلى مطايا أو أحصنة طروادة يَعتليها «حزب الله». وأضاف عبر «تويتر»: «يتعيّن عليها تصحيح المسار لمواجهة الاستحقاقين التاريخيين: الحكومة المقبلة ورئاسة الجمهورية».
تهشيم الفوز
على انّ اللافت في موازاة المآخذ والانتقادات، كانت مواظبة بعض التغييريين على محاولة تهشيم الفوز الذي حققه الفريق الآخر، وعلى وجه الخصوص فوز الرئيس بري ونائبه، ونَعتِه بالهَزيل. إلّا أنّ الصورة مختلفة تماماً لدى «الفريق المنتصر» في جلسة الثلاثاء، حيث اكّدت مصادر مسؤولة في هذا الفريق لـ«الجمهورية»: انّ ما جرى في جلسة انتخاب مكتب المجلس عكسَ النتائج الحقيقية للانتخابات النيابية، بعيداً عن كل التنظيرات السابقة التي تحدثت عن انقلاب أحدثته هذه الانتخابات، وفرضت في المجلس النيابي اكثريات واقليات جديدة.
أكثرية «دوارة»
الا انّ مصادر مجلسية اكدت لـ«الجمهورية» انه من الخطأ القول انّ الانتخابات النيابية فرضت اكثرية معيّنة في المجلس النيابي تدور في فلك واحد وتلتقي على موقف واحد حول كل الملفات والقضايا، كما من الخطأ اعتبار انّ جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وسائر اعضاء هيئة مكتب مجلس النواب قد رَسّمت حدود الاكثريات والاقليات في المجلس، بل انّ الصورة الحقيقية للمجلس هي انه مؤلف من مجموعة أقليات، تتأتّى من خلال تَلاقيها مع بعضها البعض ما يمكن ان تسمّى «اكثرية دوّارة» تبعاً للظروف، ووفقاً لتلاقي بعض الكتل الكبرى مع بعضها البعض حول بعض الملفات وكذلك الاساسيات المشتركة فيما بينها.
واعتبرت المصادر انّ الفوز في انتخابات رئاسة المجلس بفارق صوت واحد او بنسبة عالية من الاصوات نتيجته واحدة: فوز كامل. وبالتالي، فإنّ محاولة بعض الكتل تهشيم نتائج الجلسة الانتخابية، والحديث عن فوز الرئيس بري ونائبه بأكثرية هزيلة، ليست سوى تعبير عن موقف سياسي لا يقدّم ولا يؤخّر حيال هذه النتائج، كما لا يغطي على خسارة فريق في عملية انتخابية. وبالتالي، لا يغيّر في واقع الحال شيئاً، فما حصل قد حصل، والفوز تحقّق للرئيس بري وكذلك لمرشّح التيار الوطني الحر وانتهى الامر.
معركة اللجان
ومع انتهاء انتخابات «القيادة المجلسية» امس الاول، تتجه الانظار الى الاستحقاق المجلسي الثاني المحدّد في الجلسة الانتخابية التي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري الثلاثاء المقبل، والمتمثّل بانتخاب اعضاء اللجان النيابية الدائمة وتحديد رؤسائها ومقرّريها.
وعلى ما تؤشّر الأجواء السابقة لجلسة انتخاب اللجان، فإنّ أجواء الكتل النيابيّة تَشي بما يشبه «الحشود المتبادلة» بين الكتل والتوجهات النيابية، او بمعنى أدق بين التناقضات النيابية، وأن مجلس النواب على موعد الثلاثاء المقبل مع حلبة منافسة حامية الوطيس بين هذه التناقضات للفوز بالقدر الاكبر من اللجان.
وبحسب المعلومات المتداولة فإنّ الكتل المسمّاة تغييرية وسيادية، ستسعى الى جعل انتخابات اللجان «ام المعارك» تَتحيّن من خلالها فرصة لإثبات وجودها وللتعويض عن الخسارة التي مُنيت بها في جلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه واعضاء هيئة مكتب المجلس.
ووفق هذه المعلومات فإنّ مشاورات مكثفة انطلقت بين هذه الكتل والنواب التغييريين والسياديين، في سبيل تنسيق المواقف، وخوض هذا الاستحقاق بالقدر الأعلى من التنسيق، مع التشديد على التركيز على اللجان الاساسية في المجلس وخصوصاً لجنة المال والموازنة ولجنة الادارة والعدل ولجنة الشؤون الخارجية. ويتزامَن ذلك مع حديث عن مشاورات تجري على الخط المقابل بين كتل نيابية كبرى ومع الحلفاء من النواب المستقلين، لترجمة الفوز الذي تحقق في جلسة الثلاثاء، فوزاً مماثلاً على صعيد اللجان النيابية.
وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنه في الوقت الذي تسعى فيه الادارة المجلسية الى اعداد لائحة توافقية فيما بين الكتل والنواب المستقلين، حول تركيبة اللجان النيابية، على غرار ما كان معتمداً في المجالس النيابية السابقة، علم انّ النواب الجدد وخصوصاً رافعو لواء السيادة والتغيير، يرفضون هذا المنحى، ويصرّون على كسر التقليد المتّبع بإعداد لائحة لجان توافقية، والإحتكام الى صندوقة الاقتراع في انتخاب اللجان.
يُشار في هذا السياق الى انّ انتخابات اللجان، في حال قرّ الرّأي على إجرائها بالاقتراع السري على ما جرى في انتخابات هيئة مكتب المجلس، قد تستغرق وقتا طويلا ما قد يتطلّب عقد أكثر من جلسة، لانهاء عملية الاقتراع ومن ثم الفرز واحتساب الفائزين بالعضوية.
الاستشارات الملزمة
الى ذلك، وبعد انجاز المشهد الأول من مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، والذي تمثّل بانتخاب رئيس واعضاء هيئة مكتب مجلس النواب، ينتقل لبنان تلقائيا الى المشهد الثاني المتمثّل بالاستحقاق الحكومي بجولتَيه: اولاً، الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة. وثانياً، معمعة التأليف، بدءًا من الاستشارات النيابية غير الملزمة التي سيجريها الرئيس المكلف بعد تكليفه رسمياً لتأليف الحكومة.
واذا كان تحديد موعد الاستشارات الملزمة في يد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإنّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع اكدت لـ«الجمهورية» انّ هذا الموعد على النار، ولم يتأخر سوى ايام قليلة. مع الاشارة هنا الى انّ دوائر القصر الجمهوري اشارت الى انها في انتظار ان تتلقّى لائحة رسمية بكيفية توزّع الكتل والنواب في المجلس الجديد، ليُصار الى تحديد المواعيد على اساسها.
ولفتت المصادر نفسها الى انّ الايام القليلة الفاصلة عن تحديد موعد الاستشارات الملزمة، هي فرصة طبيعية للنواب يُتاح فيها لهم المجال لكي يحددوا خياراتهم فيما يتعلق بالشخصية التي سيسمّونها في الاستشارات ويرونها مناسبة لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة.
وتبعاً لذلك، فإنّ مصادر موثوقة كشفت لـ«الجمهورية» ان موعد الاستشارات الملزمة مُستبعد هذا الاسبوع، على الرغم من المطالبات التي تصدر من اكثر من جهة نيابية بالتعجيل فيها، بل انّ الموعد الاكثر ترجيحاً هو منتصف الاسبوع المقبل اي بعد جلسة انتخاب اعضاء اللجان النيابية في مجلس النواب.
ومَردّ هذا الترجيح، كما تضيف المصادر، هو، الى جانب اعطاء فرصة للنواب لتحديد خياراتهم، مُصادفة وجود استحقاقين في آن واحد امام النواب: الاول استشارات التكليف في القصر الجمهوري، والثاني استشارات التشكيل التي سيجريها الرئيس المكلف في مجلس النواب والتي قد تستغرق يوماً او يومين. ولذلك، وحتى لا تتزاحم المواعيد وتتداخل ببعضها البعض يبدو انّه من الأفضل إنجاز انتخاب اللجان اولاً، ليتفرّغ بعد ذلك النواب للاستشارات الملزمة وللاستشارات غير الملزمة.
على انّ اللافت للانتباه عشية الاستشارات الملزمة هو انه ليس في نادي المرشحين لرئاسة الحكومة اسم محسوم لرئاسة الحكومة. وان كانت مصادر سياسية، وتبعاً للنتائج التي انتهت اليها جلسة انتخاب رئيس واعضاء هيئة مكتب مجلس النواب اعادت الى الواجهة اسم الرئيس نجيب ميقاتي كمرشّح هو الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة الجديدة، باعتبار انّ الاكثرية التي فرضت نفسها في انتخابات هيئة مكتب المجلس تُحبّذ اعادة تكليف ميقاتي. هذا في وقت تتداوَل الاطراف النيابية الاخرى فيما بينها مجموعة أسماء «هويتها تغييرية وسيادية»، لتسمية واحد منها في الاستشارات الملزمة، وحتى الآن لا اتفاق على اسم موحّد.
هل سيتم التأليف؟
بمعزل عن الاسم الذي سيرسو عليه التكليف في الاستشارات الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية، فإنّ تشكيل الحكومة في الحالات العادية يتطلب بعض الوقت وعلى الاقل من شهر الى شهرين، ولكن في حالة لبنان الراهنة، فإن العقدة الاساس متمثّلة باقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي الذي يفترض ان يحصل معه انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في فترة الستين يوماً السّابقة لانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، اي بعد خمسة اشهر، والممتدة من اول ايلول وحتى آخر تشرين الأول. وأيّ حكومة سيتم تشكيلها في هذه الفترة، ولو تَم ذلك بشكل طبيعي جداً من دون عراقيل او مطبات، لن يزيد عمرها عن خمسة اشهر، حيث ستشكّل حكومة جديدة بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
إلتزام الدستور
وفي وقت بدأت فيه بعض الاوساط السياسية الترويج بأنه في ظل جَو التناقضات القائم بين المكونات السياسية والنيابية، فإن الحل الأسلم هو تمرير فترة الخمسة اشهر بالحد الادنى من التوتر والتشنجات السياسية، وبالتالي الابقاء على حكومة تصريف الاعمال الى حين انتخاب رئيس الجمهورية، الّا انّ هذا الأمر يَلقى معارضة شديدة على اكثر من مستوى سواء على مستوى النواب الجدد، او على مستويات مسؤولة.
وفي هذا الاطار أبلغ مرجع سياسي مسؤول الى الجمهورية قوله: انّ اي طرح يرمي الى تمديد فترة تصريف الاعمال، هو طرح غير بريء يُراد منه اضافة مواد اشتعال اضافية على الحريق الداخلي المتفاقِم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ومالياً. يجب ان ننظر الى حالنا أين أصبحنا، فهو لم يعُد يحتمل ترف تضييع الوقت، هناك نص دستوري ينبغي التقيّد به والعمل بموجبه لناحية تشكيل الحكومة، فلبنان في حاجة الى حكومة تُقدم على مبادرات وخطوات إنقاذية حتى ولو كان عمرها يوم واحد، وتبعاً لذلك لا مفرّ من الالتزام بالدستور واتّباع الآليّات التي يحددها.
مخرج مُستفزّ
الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ جهات سياسية مشارِكة في حكومة تصريف الاعمال الحالية، أبلغت الى مراجع مسؤولة مخرجاً عنوانه «الاستفادة من الوقت»، ويفيد بأن يُصار الى اعادة تسمية الرئيس ميقاتي لتشكيل الحكومة، على ان يَلي ذلك مبادرة ميقاتي سريعاً الى وَضع لائحة لحكومته الجديدة من وزراء حكومة تصريف الاعمال جميعهم، وتصدر مراسيم تشكيلها بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، والثقة بها مضمونة بأكثر من تزيد عن الـ65 نائباً موزعة على نواب ثُنائي حركة «امل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، الحزب التقدمي الاشتراكي، وتيار المردة وسائر حلفاء الحكومة الحالية.
واذا كان هذا المخرج ممكناً في رأي مصادر سياسية، الا انّ نقطة الخلل فيه انه يشكل نقطة استفزاز سياسية لبعض الاطراف، من شأنها ان تزيد من حدة التوتر السياسي في البلد، فضلاً عن ان السؤال الذي ينبغي ان تتم الاجابة عليه قبل طرح هذا المخرج: هل يمكن ان يسير الرئيس ميقاتي وكذلك وليد جنبلاط بهذا الخيار؟
إضراب
من جهة ثانية، مَعيشياً، يتزايد الضغط يومياً مع الارتفاع المتواصل في اسعار السلع الحياتية للمواطنين، بالتوازي مع التلاعب المريب بسعر الدولار وفلتان الأسواق السوداء، فيما تَتزايد الاعباء ومؤشرات الشح في الدواء والقمح والارتفاع المتوالي في اسعار المحروقات. وفي هذا السياق، أعلنت اتحادات ونقابات قطاع النقل البرّي عن «يوم استثنائي يعبّر فيه السائقون عن غضبهم ووجَعهم الخميس في ٢٣ حزيران ٢٠٢٢، على أن يُعلَن عن آليات الإضراب والتحرّك والتصعيد في مؤتمر صحافي يُعقَد الاثنين في ٢٠ حزيران ٢٠٢٢ في مقرّ الاتحاد العمالي العام».