على صورة الدولة العاجزة مالياً وسيادياً، أتت تعاميم وتصاريح وزير السياحة أمس لتعكس واقع التحلّل والاستسلام الرسمي أمام قوى الأمر الواقع، سواءً عبر شرعنة الخضوع الحكومي للسوق السوداء في تسعير الخدمات السياحية، أو من خلال الاستئذان الوزاري من “حزب الله” و”حركة أمل” طلباً لوضع صور ولافتات ترويجية للمعالم الوطنية على طريق المطار مكان الصور واللافتات الترويجية لرموز الثنائي الشيعي والقادة الإيرانيين عند مداخل المطار.
وطالما أنّ “عقدة النقص” هذه ستبقى تلازم الدولة في مواجهة الدويلة، فسيبقى تحالف “المافيا والميليشيا” حاكماً متحكماً بإدارة شؤون البلد ولن تقوم للبنانيين قيامة في الأفق المنظور، خصوصاً بعدما أعادت قوى السلطة التي أوصلتهم إلى البؤس والخراب استنهاض نفسها من كبوة الانتخابات النيابية، لتعود إلى بسط سطوتها على الاستحقاقات الدستورية، حيث لفت أمس تلويح عوني صريح بإقصاء النواب التغييريين عن اللجان النيابية بسلاح أكثرية الـ65 في حال عدم خضوعهم للعبة المحاصصة في الترشيحات “وإلا فالأمور متجهة الى انتخاب، والانتخاب يتطلب أكثرية وبالتالي تأخذ الأكثرية أغلبية اللجان” حسبما حذر النائب آلان عون أمس، متوعداً بـ”سيناريو الثلاثاء المقبل شبيه بما حصل الثلاثاء الماضي” إذا لم تبادر قوى التغيير إلى الاتعاظ من “خطيئة” جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس.
وإلى الاستحقاق الحكومي، تستعد قوى 8 آذار لخوض الاستشارات النيابية الملزمة بروحية مماثلة تنتهي إلى تكريس أكثريتها في تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، وأكدت المعلومات تسلّم المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بعد ظهر الأمس لائحة من الأمانة العامة لمجلس النواب تضم أسماء النواب الأعضاء في الكتل والتكتلات النيابية والنواب المستقلين، تمهيداً لتحديد قصر بعبدا موعد الاستشارات النيابية الملزمة، وسط ترجيح مصادر مطلعة على أجواء دوائر الرئاسة الأولى أن يتم تحديد يوم الخميس المقبل موعداً لإجراء الاستشارات.
في المقابل، استرعت الانتباه أمس مواقف للبطريرك الماروني بشارة الراعي يحث فيها الكتل النيابية على “ترجمة المواقف الانتخابية بالمواقف العملية” في مواجهة المنعطفات المصيرية، داعياً ممثلي الشعب إلى أن “يترجموا شعاراتهم والبرامج التي وعدوا بها أثناء حملاتهم الانتخابيّة، فالشعب سئم المواقفَ المتقلّبة والمتردّدة والغامضة والضبابيّة (…) فلا التغيير شعار ولا السيادة أنشودة، بل مواقف شجاعة ووطنية وصامدة تنقل الوطن من واقع الأزمة إلى واقع الحل”، وأعرب الراعي عن أمله بتسريع عملية تأليف الحكومة “لأنّ البلاد لا تحتمل أي تسويف أو تعطيل”، كما جدد مناشدته مختلف الكتل النيابية والأحزاب إلى “تأمين جلسة كاملة النصاب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية العهد الحالي يكون على مستوى التحديات ووحدة البلاد“.
وتزامناً، عاد ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل إلى الواجهة خلال الساعات الأخيرة، لا سيما بعدما أعاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إحياء الخط 29 التفاوضي في معرض التشديد على حق لبنان في الرد على أي أعمال إسرائيلية لاستخراج النفط والغاز من أي نقطة بحرية واقعة ضمن هذا الخط “كما لو أنه تعرض لاعتداء على سيادته وحقوقه”، مذكراً في الوقت نفسه بأنّ “الجانب الأميركي لا يزال ينتظر الرد من السلطات اللبنانية على ما أودعه الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين السلطات اللبنانية في زيارته الاخيرة إلى بيروت”، لكي يشكل الرد اللبناني مدخلاً لإعادة “فتح باب النقاش والتفاوض مجدداً“.
وفي هذا السياق، توقعت مصادر مواكبة لملف الترسيم أن تكون “الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة في عملية استئناف المفاوضات”، خصوصاً وأنّ “العد العكسي لمهلة الشهر التي كان قد أعلن عنها الرئيس نبيه بري للعودة إلى طاولة التفاوض غير المباشر بوساطة الأميركيين شارفت على الانتهاء”. وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن “الجانب اللبناني سيبادر في الأيام المقبلة إلى إعادة تفعيل قنوات التواصل مع الوسيط الأميركي في ضوء ما نقله ابراهيم من أجواء لمسها خلال زيارته واشنطن، تفيد بأنّ الإدارة الأميركية متحمسة لإنهاء هذا الملف بغية نزع الفتائل التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار الوضع الحدودي على الجبهة اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل“.