“دقّت ساعة الحقيقة وبعد 417 يوماً من عدم توقيع رئيس الجمهورية مرسوم تعديل المرسوم 6433، وبعد 34 يوماً على انطلاق المنصة العائمة، ها نحن أمام الواقع المرير: وصلت “إينرجيان باور” إلى “كاريش”، وبعد شبك المنصة بالبنى التحتية ستحتاج إلى شهرين (أو) ثلاثة أشهر لبدء الانتاج ونكون خسرنا أكبر ورقة للتفاوض”… بهذه العبارة المختصرة، لخّصت خبيرة النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان صورة الحدث بمختلف أبعاده النفطية والسيادية والوطنية، بينما لا تزال السلطة “تتلعثم” في التعبير عن الموقف إزاء بدء إسرائيل عمليات استخراج النفط والغاز من المنطقة الحدودية الواقعة ضمن الخط 29على مشارف الخط 23، مستفيدةً من تخبط أهل الحكم في لبنان والضياع الطاغي على إدارتهم ملف الثروة النفطية.
فمع دخول سفينة “FPSO Energean Power” المياه الإقليمية صباح الأحد، أدخلت إسرائيل عملياً الجبهة الحدودية مع لبنان في مرحلة “اللعب بالنار” وفق ما يرى خبراء عسكريون، لتتجه الأنظار تالياً إلى ردة فعل “حزب الله” الذي سبق وحذر على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الشركات الأجنبية من مغبة المخاطرة الأمنية الناتجة عن أعمال استخراج النفط والغاز من المنطقة المتنازع عليها، فهل ستشهد الجبهة الحدودية على مشارف تموز 2022 استعادة لمعادلة “أنظروا إليها تحترق” التي دشّن فيها نصرالله الهجمات الصاروخية على البارجة العسكرية الإٍسرائيلية في تموز 2006… أم أنّ التوقيت الإقليمي و”النووي” الراهن يحتم عليه الإبقاء على حالة “الستاتيكو” الحدودية جنوباً، فتكون المعادلة هذه المرة في مواجهة إسرائيل: “أنظروا إليها… تشفط الغاز”؟!
أما على ضفة الدولة، فتقاطعت التصريحات عند تحميل الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة الملف النفطي وحرمان اللبنانيين من الاستفادة من ثرواتهم الوطنية بعدما زجّها العهد وتياره في “بازارات مفتوحة” تبتغي تعويم المصالح السياسية والمنافع الشخصية على “منصة” التفاوض اللبناني مع الوسيط الأميركي بغية استدراج عروض “المقايضة” بين الخط البحري الحدودي للبنان ورفع العقوبات عن جبران باسيل… فكانت النتيجة أن سارعت إسرائيل إلى “اقتناص اللحظة” لفرض أمر واقع في المنطقة الحدودية، مستفيدةً من تجميد رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم تعديل المرسوم 6433، وإقراره علناً في شباط الفائت بأنّ حدود لبنان البحرية تنطلق من إحداثيات الخط 23 مقابل اعتباره أنّ الخط 29 ليس لديه “حجج تبرهنه”، وذلك بالتوازي مع عدم المبادرة إلى الرد خطياً على مقترح “الخط المتعرج” الذي قدمه السفير آموس هوكستاين. الأمر الذي دفع نواب التغيير إلى تحميل رئيس الجمهورية “شخصياً مسؤولية التنازل عن حقوق لبنان البحرية”، على أن يعمدوا إلى تظهير موقفهم هذا خلال مؤتمر صحافي يعقدونه في مجلس النواب بعد ظهر اليوم.
وأمام هذه الوقائع، لم يجد عون أمس سوى التلطي خلف “رسالة” وزارة الخارجية اللبنانية إلى الأمم المتحدة التي تؤكد تمسّك لبنان بحقوقه وثروته البحرية، والتشديد على أنّ “المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لا تزال مستمرة” مقابل التحذير من أنّ “أي عمل أو نشاط في المنطقة المتنازع عليها يشكل استفزازاً وعملا عدائياً”. وكذلك فعل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي نبّه إلى أنّ بدء إسرائيل أعمال استخراج النفط والغاز في منطقة متنازع عليها “أمر في منتهى الخطورة من شأنه إحداث توترات لا أحد يمكنه التكهّن بتداعياتها”. في حين علمت “نداء الوطن” أنّ وزير الخارجية عبد الله بو حبيب يتجه إلى استدعاء سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن “لوضعهم في خطورة الوضع والطلب من دولهم المسارعة إلى إيجاد الحلول المناسبة لتداركه”.
وفي الملف الحكومي، تدخل دوائر الرئاسة الأولى في قصر بعبدا مع انطلاقة الأسبوع في دائرة الضغط لاستعجال تحديد موعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلف تشكيل الحكومة الجديدة، لا سيما غداة توجيه دار الفتوى عبر اجتماع المجلس الشرعي الأعلى رسالة واضحة بضرورة “الاحتكام إلى الدستور والنظام الديمقراطي بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن”، محذرةً من العودة إلى استنساخ “التجارب السابقة في تأخير تشكيل حكومة جديدة وفي انتخاب رئيس جديد للدولة”. كما صوّب البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس على استمرار “نزعة التعطيل وذهنية الهدم” في إدارة الاستحقاقات الدستورية، مستغرباً وصول “اللامبالاة واللامسؤولية إلى هذا الحد”.
وبانتظار أن تتبلور خلال الساعات المقبلة توجهات النواب التغييريين إزاء الاستحقاق الحكومي، شددت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”نداء الوطن” على أنّ تكليف أي رئيس حكومة “يستدعي اتفاق مكونات المعارضة على اختلافها وتعدديتها على المواصفات التي تشكل المدخل الأساس للعبور إلى مشروع الدولة الذي وحده يشكل الخلاص لجميع اللبنانيين”.
وعدّدت المصادر “القواتية” بعض المواصفات التي تشكل القاعدة لأي تفاهم وتسمية وهي “ألا يكون على الرئيس المكلف شبهات بملفات فساد ولا بأي صفقات من قريب او من بعيد، وأن يتعهد بالابتعاد عن كل ما يتصل بحكومة الوحدة الوطنية وأن يضع في أولوياته إقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء وعدم تكريس اي حقيبة لأي طائفة، وأن تكون الحكومة العتيدة حكومة أكثرية مقابل أقلية تعارض في مجلس النواب، بالإضافة إلى التزام مبدأ فصل النيابة عن الوزارة واستعادة القرار الاستراتيجي للدولة، وأن تضع الحكومة السياسة الخارجية من دون أن يكون لأي فريق الحق في تعكير علاقات لبنان الخارجية، بالإضافة إلى وضع القرار العسكري والأمني في لبنان بيد الجيش اللبناني”.
وختمت المصادر بالإشارة إلى ضرورة أن “تتفق أكثرية مكونات المعارضة على شخصية يصار إلى تسميتها من أجل أن تكون مشاورات التكليف معبراً للتسمية وليس فقط لتسجيل النقاط، لأنه من خلال التكليف يضع رئيس الحكومة المكلف المعايير التي تعيد الاعتبار للحكومات التي تخرج لبنان من أزمته”.