لم تبدأ بعد المشاورات السياسية الفعلية لتشكيل الحكومة، في انتظار الانتهاء من معركة اللجان النيابية التي لم يتّضح بعد ما إذا كانت ستشهد معارك شرسة في ضوء التركيبة الجديدة لمجلس النواب. أكثر مِن مصدر مطّلع، تقاطعت معلوماتهم، حول وجود تريّث من قبل كل الأطراف، وخصوصاً أن الحكومة العتيدة ستكون محط اشتباك كبير لجهة هويّتها وتوازناتها. فهي ليست حكومة «عادية» يجري تقاسم الحصص فيها، بل حكومة «تقاسم النفوذ» الذي يريده كل طرف في مرحلة لاحقة، في ضوء المؤشرات التي ترجّح عدم القدرة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يعني أن هذه الحكومة ستكون هي الحاكم الفعلي في ظل الفراغ.
ورجحت المصادر أن الخلاف حول رئيس الحكومة وشكلها سيكون متعدّد الاتجاهات، من جهة بين الرئيسين نبيه بري وميشال عون، واستطراداً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ومن جهة أخرى مع القوى المُعارضة كالقوات اللبنانية والكتائب والمستقلّين الذين يرفضون حكومة «وحدة وطنية» كما صرّح بعضهم، فيما البعض الآخر «لا يزال يشاور نفسه». وقالت أوساط سياسية مطّلعة على الاتصالات «التحضيرية» إنه «ستكون هناك صعوبة كبيرة في الاتفاق على رئيس جديد للحكومة، فيما هناك قوى أساسية ترى أن المدة المتبقية لانتهاء العهد لا تسـتأهل تأليف حكومة جديدة، ويُمكن الإبقاء على الحكومة الحالية لتصريف الأعمال»، وأن «هذا هو الخيار الراجح».
وفي انتظار دعوة الرئيس عون الى الاستشارات المُلزمة في قصر بعبدا، والتي تقول المصادر إنها «لن تحصل قبل إجراء مشاورات جانبية لترتيب الأجواء السياسية»، تواصلت المشاورات المتعلقة بإنجاز المطبخ التشريعي الذي سيكتمل في جلسة الغد. وتقول مصادر نيابية إن هناك شبه توافق على الإبقاء على مذهبية اللجان وحصص القوى الرئيسية كما هي الآن، أي أن تكون لجنة المال والموازنة مع التيار الوطني الحر، الإدارة والعدل مع القوات، الاتصالات مع حزب الله، على أن تؤول لجنة الأشغال إلى النائب سجيع عطية والخارجية إلى حركة أمل، والصحة إلى الحزب الاشتراكي. في هذا الإطار، أشارت مصادر التيار الوطني الحر الى أن «المفاوضات مع كل الكتل السياسية من حلفاء وخصوم تجري بسلاسة للوصول الى توافق قبيل جلسة انتخاب أعضاء اللجان النيابية يوم غد». وبحسب المصادر، فإن التيار تواصل مع القوات ومع رئيس المجلس النيابي لأن «الكل بحاجة إلى الكل، وهذا العمل لا يدخل ضمن مبدأ المحاصصة، بل تسهيلاً لتشكيل اللجان للبدء بالعمل التشريعي». ويسعى التيار إلى التمثل في مختلف اللجان ولضمان رئاسة ثلاث لجان عبر ثلاثة نواب: إبراهيم كنعان على رأس لجنة المال والموازنة، فريد بستاني للجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، وسيمون أبي رميا لرئاسة الشباب والرياضة. ويؤكد التيار عدم معارضته تمثّل كتلة نواب المعارضة في كل اللجان، مؤكداً أن «لا نيّة بإقصائهم، ولكن إن أصرّوا على رفض التفاهم فعندها سنذهب الى الانتخابات».
بدوره، يفضل حزب القوات إرساء تفاهم مع كل الكتل لأن «الذهاب الى جلسات مطولة للانتخاب ليس سوى مضيعة للوقت، وخصوصاً أن ثمة مساحة للجميع للمشاركة». ووفقاً للمعلومات، لم يخلص اجتماع نهاية الأسبوع لنواب القوات الى صورة واضحة حول توجههم يوم غد، على أن تتخذ معراب قرارها في الساعات المقبلة وتبلغه الى الكتلة. لكن المؤكد أن رئيس الحزب متمسك بعضوية نوابه في كل اللجان، من دون أن يحسم قراره برئاسة لجان أو لا، رغم أن ثمة لجنة واحدة هي الأهم بالنسبة إلى القوات وهي لجنة الإدارة والعدل التي كان يرأسها جورج عدوان.
أما بالنسبة إلى قوى «الاعتراض»، فقد علمت «الأخبار» أن الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر هو من يتفاوض معهم، وأكد عليهم ضرورة التعاون لأن الذهاب إلى معركة لن يعود بالمنفعة عليهم. وقالت النائبة بولا يعقوبيان لـ«الأخبار» إن «الكتلة سبق أن اجتمعت واتخذت قرارها بالمشاركة في كل اللجان نظراً إلى أهمية الوجود فيها وللمراقبة والمشاركة الفعالة». وعما إذا كان جرى التنسيق مع باقي الأحزاب السياسية، قالت إن «الكتلة تفضّل العمل بحسب القانون والنظام الداخلي، وأرسلت الأسماء الى أمانة سرّ مجلس النواب من دون التواصل مع أي جهة سياسية على مستوى الكتلة، وقد طرح اسمها في عضوية لجنتين: الإعلام والاتصالات، والدفاع والداخلية والبلديات». وعلى مقلب حزب «تقدّم» ومن يمثّله في البرلمان، النائبان نجاة صليبا ومارك ضو، فسبق أن أعلن ترشيح صليبا لعضوية لجنتي البيئة والتربية والتعليم العالي والثقافة، وترشيح ضو لعضوية لجنتي المال والاقتصاد. ورأى ضو أن «المسؤولية تقتضي المشاركة في كل اللجان وسنتمثل بها عبر شخصيات ذات كفاءة تراعي اختصاص كل فرد. فقضيتنا إيصال أصحاب الاختصاص كنجاة عون الى البيئة وإبراهيم منيمنة الى لجنة الأشغال وملحم خلف الى لجنة الإدارة والعدل». من ناحية أخرى، قال أحد النواب المستقلين إن «الكتلة بانتظار رد أمانة سرّ المجلس على ما تقدّمت به، لدراسة اقتراح الأمانة في ما بينهم، ثم اتخاذ القرار بالموافقة على الطرح المقدّم من الرئيس بري أو رفضه»، ومؤكداً أنهم ليسوا «في صدد الذهاب الى معركة ويفترضون النية الحسنة بالقبول بتمثيلهم، وخصوصاً أن عدد اللجان كبير وهي تتّسع للجميع».