هل يصح المثل الانكليزي القائل «ان تأتي متأخرا خير من ألا تأتي ابدا» على واقع الحال اللبناني في ما يتصل بطريقة التعاطي مع ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل ووصول الباخرة اليونانية انرجين الى حقل كاريش تمهيدا لبدء التنقيب، ام بات «اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب» الاكثر انطباقا، بعدما نام المسؤولون على حرير صفقاتهم وسمسراتهم في وقت كانت اسرائيل تعمل ليل نهار لاستخراج نفطها وشفط نفط لبنان «السائب»، وقد بُحت اصوات اعضاء الوفد اللبناني المفاوض في الناقورة لكثرة ما نادت الرؤساء والمسؤولين منذ اشهر، لارسال المستندات اللازمة لاثبات حق لبنان في حدوده البحرية حتى الخط 29 الى الامم المتحدة وتوقيع المرسوم 6433 قبل ان تقع الواقعة؟
فجأت وفي ربع الساعة الاخير، استفاقت دولة «الثرثرة» الغافلة عن قضاياها المصيرية الكبرى من ثبات خمولها لاطلاق النفير العام وتحذير اسرائيل التي تشفط النفط والغاز وتترك للبنان مياها تسبح فيها اموال المودعين وتتبخر كخطط الكهرباء التي لم يعد يعرف اللبنانيون منها سوى فواتير المولدات الجنونية. استدعت السفراء، ثم عدلت، دعت الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين للعودة الى بيروت واستكمال المفاوضات. قررت فتح شبكة الاتصالات مع عواصم القرار متمسكة بحقوق كانت غافلة عنها لسنوات… فهل من يستجيب؟
دعوة هوكشتاين
استحوذ ملف ترسيم الحدود البحرية في الجنوب على الاهتمام المحلي الرسمي كاملا امس. ففي إطار متابعة تطورات التحركات التي تقوم بها سفينة وحدة انتاج الغاز الطبيعي المسال Energean power قبالة المنطقة البحرية المتنازع عليها في جنوب لبنان، بحث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي صباحا في الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة محاولات العدو الاسرائيلي توتير الأوضاع على الحدود البحرية الجنوبية. وتوافق الرئيسان عون وميقاتي على دعوة الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين للحضور الى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على انهائها في اسرع وقت ممكن، وذلك لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار الذي تعيشها المنطقة. وتقرر القيام بسلسلة اتصالات ديبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، وللتأكيد على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أن أي اعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها إسرائيل في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازا وعملا عدوانيا يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية التي تتم بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، وفق ما ورد في المراسلات اللبنانية الى الامم المتحدة والمسجلة رسميا».
تحرك ديبلوماسي
وعلم ان تحركا ديبلوماسيا اميركيا تم في اتجاه لبنان الرسمي وبقي بعيدا من الاضواء، اذ سجل صباح امس لقاء ديبلوماسي اميركي- لبناني ، ابدى فيه الجانب الاميركي استعداده لتحريك ملف التفاوض على الترسيم المجمد، ومعاودة عمل الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين. وفيما كان من المقرر ان يلتقي وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن امس على خلفية التحرك الاسرائيلي، تمت الاستعاضة عن استدعائهم بدعوة هوكشتاين للعودة الى بيروت. وافيد لاحقا ان بوحبيب اجتمع الى القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد مايكلز وتم البحث في الحصول على دعم لبنان في التصويت على بعض القرارات الدولية.
وبعد الظهر، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري الوزير بوحبيب في عين التينة.
اعلان حرب
على الضفة الاخرى، أشارت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الى أن «شركة الطاقة البريطانية اليونانية Energean، التي تمتلك حقوق حقول غاز كاريش منذ عام 2016، أقامت الحفارة ، على بعد حوالي 80 كم غرب حيفا»، موضحةً أنه «في الأيام المقبلة، سيربط العمال المنصة برواسب الغاز ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل الحفارة في الأشهر الثلاثة المقبلة». وذكرت أن «البحرية الإسرائيلية تقوم بتأمين الحفارة منذ خروجها من قناة السويس، واشارت الى أن «لبنان يزعم أن البوارج البحرية الإسرائيلية موجودة بالفعل في مواقع تحمي الحفارة، حتى قبل أن يتم توصيلها بمكامن الغاز. وأوضحت الصحيفة أن «إسرائيل قالت في وقت سابق إن أي ضرر يلحق بمنصات الغاز الخاصة بها سينظر إليه على أنه إعلان حرب». ولفتت الى أن «مسؤولي دفاع إسرائيليين أبلغوا لبنان مؤخرًا أن منصة الغاز الجديدة ستبدأ العمل في المنطقة قريبًا، ويعتقدون أنه لا توجد نية لمهاجمة الحفارات أثناء الأشغال». واعتبرت أن «إسرائيل لم ترد رسمياً على المزاعم اللبنانية، وليس لديها في الوقت الحالي أي نية للقيام بذلك، لتفادي إضفاء الشرعية على الادعاء بأن المنطقة متنازع عليها بالفعل».
الحل بالوساطة
وفي السياق، وفي موقف إسرائيلي هو الأول بعد وصول سفينة التنقيب عن النفط الى حقل كاريش، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ان «الخلاف مع لبنان بشأن حقل الغاز الحدودي سيتم حله عبر الوساطة الأميركية».
اين المرسوم؟
في المواقف من الملف، دعا النائب ملحم خلف باسم نواب التغيير الدولة الى توقيع المرسوم 6433 والى التوحد خلف الخط 29، فيما اعتبر عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب فادي كرم أن «المطلوب هو توقيع تعديل المرسوم 6433 وإرساله إلى الأمم المتحدة لنحفظ حقنا بثروتنا النفطية وإعادة المفاوضات»، سائلًا: «لماذا حصلت هذه المماطلة»؟
المصادر تشير الى ان لا حل الا بالتواصل مع هوكشتاين من جديد وبرفع جواب موحّد اليه. هذا ما توافق عليه رئيس الجمهورية وميقاتي اليوم حيث اتفقا «على دعوة الوسيط الاميركي للحضور الى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على انهائها في اسرع وقت ممكن، لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار الذي تعيشها المنطقة. وتقرر ايضا القيام بسلسلة اتصالات ديبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، وللتأكيد على تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أن أي اعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها إسرائيل في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازا وعملا عدوانيا يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية التي تتم بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، وفق ما ورد في المراسلات اللبنانية الى الامم المتحدة والمسجلة رسميا».
لا حل اذا الا بالديبلوماسية والوساطة الأميركية، خصوصا ان قرع طبول الحرب وتهديد حزب الله بردع تل ابيب، لا يبدو سينتقل الى ارض الواقع، ولا يبدو سيفيد اصلا نظرا الى أنظمة الحماية التي أحاطت اسرائيل السفينة بها، كما ان حزب الله على لسان مسؤوله هاشم صفي الدين بدا اول امس متريثا في اي خطوة، مفضّلا انتظار موقف الدولة اللبنانية.
حزب الله: مستعدّون لاستخدام القوة
شدد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، في حديث لوكالة «رويترز»، على أن حزب الله مستعد لاتخاذ إجراءات «بما في ذلك القوة»، ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية عن الغاز، في المناطق البحرية المتنازع عليها، بمجرد أن تعلن الحكومة اللبنانية انتهاك إسرائيل لحدود لبنان البحرية.
وأشار قاسم، إلى أنّ «المسألة الآن تتطلب قرارا حاسما ورأيا حاسما من الدولة اللبنانية، هل هذه الباخرة تعمل في منطقة متنازع عليها أم لا؟ هل حسمت الدولة اللبنانية مسألة الحدود وخط التفاوض أم لا؟».
ودعا إلى أن يكون لدى الدولة «حرارة أكثر وضغط أكثر» في مسألة ترسيم الحدود البحرية «إذا كان هناك انسداد في المفاوضات (غير المباشرة بوساطة أميركية ينبغي) أن يعلنوا أن المفاوضات انتهت.
وردا على سؤال حول إعطاء الدولة اللبنانية مهلة قبل قيام حزب الله بأي عمل، ذكر قاسم «أننا لا نعطي مهلة للدولة اللبنانية، الدولة اللبنانية هي فوق الجميع، وهي التي تحدد مسارها ونحن تحت سقف الدولة في مثل هذه القرارات، ولكن نشجع الدولة على الإسراع.