مع ان الاستحقاقات المحلية التي تعقب الانتخابات النيابية، ومنها جلسة مجلس النواب اليوم لانتخاب اللجان النيابية استكمالا لجلسة انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة المكتب الأسبوع الماضي، يفترض ان تعيد الاهتمامات الى المشهد الداخلي، ظل ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل متصدرا الأولويات في ظل التداعيات الساخنة التي اطلقها وصول وحدة التنقيب والحفر والإنتاج اليونانية الى حقل كاريش وتفاعلها اقله على الصعيد الديبلوماسي حتى الان. ولكن المفارقة التي سجلت وسط أجواء الحذر التي اشاعتها التطورات المتعلقة بملف النزاع على الثروة الغازية والنفطية بين لبنان وإسرائيل تمثلت في الاتجاه الغالب نيابيا وسياسيا الى تسوية عريضة تكفل لجميع الكتل النيابية إعادة توزيع اللجان ورؤسائها بما يجنب هذا الاستحقاق مواجهة حادة مماثلة للجلسة السابقة. واذا صحت المعطيات التي سادت عشية الجلسة التي ستعقد اليوم ولم يحصل ما يعرقل الاتجاهات السائدة، فان الاتصالات الناشطة بين رئاسة المجلس وامانته العامة ومختلف الكتل والنواب المستقلين كانت حتى الامس قد قطعت شوطا كبيرا نحو إتمام التوافق على توزيع اللجان ورئاساتها بما يضمن تمثيلا جماعيًا واسعا ويجنب المجلس اليوم مواجهة. وافيد ليلا ان الامانة العامة للمجلس وضعت مسودة لتوزيع اللجان بدت مرضية للقوى الكبيرة، وان الرئيس نبيه بري طلب الإبقاء على لجنة الإدارة والعدل لـ”القوات اللبنانية”، والمال والموازنة لـ”التيار الوطني الحر”، ولكن “حزب الله” طلب الحصول على لجنة التربية بدلا من الاتصالات فيما عرضت الاتصالات على النواب التغييريين فلم يوافقوا وطلبوا لجنة الاشغال واعطيت الصحة لـ”اللقاء الديموقراطي”. وأفادت المعلومات انه في حال اصر النواب التغييريون على مطلبهم فان التسوية ستسقط والجلسة ستذهب الى انتخابات طويلة.
الاحتواء؟
واما في ملف ترسيم الحدود البحرية فان الإعلان رسميا من الجانبين اللبناني والإسرائيلي عن إعادة الاحتكام للوساطة الأميركية بدا بمثابة مؤشر الى تحريك الديبلوماسية الاحتوائية منعا لمزيد من التوتر عند ملف محفوف بالابعاد والدلالات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، بما يشكل حدا ادنى من الضمانات الظرفية الانية على الأقل باستبعاد انفجار او مغامرة عسكرية. وقد سارع لبنان الرسمي تحت مظلة توافق واضح بين الرؤساء الثلاثة الى الإبلاغ الى الجانب الأميركي طلبا رسميا بتحرك الوسيط الأميركي الامر الذي اطلق رسالة واضحة الى رغبة لبنان في حل تفاوضي للازمة على ان يتولى المسؤولون حل الجانب الداخلي المتصل بمأزق الانقسام حول تعديل المرسوم 6433 وتثبيت خط التفاوض. وافيد في هذا السياق بان رئيس الجمهورية ميشال عون بحث مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي “في الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة محاولات العدو الاسرائيلي توتير الأوضاع على الحدود البحرية الجنوبية. وتوافق الرئيسان عون وميقاتي على دعوة الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين للحضور الى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على انهائها في اسرع وقت ممكن، وذلك لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار الذي تعيشها المنطقة. وتقرر القيام بسلسلة اتصالات ديبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، ولتاكيد تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أن أي اعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها إسرائيل في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازا وعملا عدوانيا يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية التي تتم بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة، وفق ما ورد في المراسلات اللبنانية الى الامم المتحدة والمسجلة رسميا”.
وعلمت “النهار” ان التنسيق حصل بين الرؤساء الثلاثة ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وجرى اتصال بالوسيط الأميركي هوكشتاين وجرى التمني عليه الحضور بسرعة، لكن ذلك لم يتقرر بعد لانه لم يؤكد انه سيحضر قبل أسبوعين . وفيما كان من المقرر ان يلتقي وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن امس على خلفية التحرك الاسرائيلي، تمت الاستعاضة عن استدعائهم بدعوة هوكشتاين للعودة الى بيروت. وافيد لاحقا ان بوحبيب اجتمع الى القائم بالاعمال الاميركي ريتشارد مايكلز. وبعد الظهر، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري الوزير بوحبيب في عين التينة.
وبدا لافتا الموقف الإسرائيلي الأول بعد وصول سفينة التنقيب عن النفط الى حقل كاريش، اذ أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ان “الخلاف مع لبنان بشأن حقل الغاز الحدودي سيتم حله عبر الوساطة الأميركية”. وجاء ذلك بعدما أشارت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الى أن “شركة الطاقة البريطانية اليونانية انرجين، التي تمتلك حقوق حقول غاز كاريش منذ عام 2016، أقامت الحفارة يوم اول من أمس، على بعد حوالي 80 كيلومتر غرب حيفا موضحةً أنه “في الأيام المقبلة، سيربط العمال المنصة برواسب الغاز ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل الحفارة في الأشهر الثلاثة المقبلة”. وذكرت أن “البحرية الإسرائيلية تقوم بتأمين الحفارة منذ خروجها من قناة السويس، واشارت الى أن “لبنان يزعم أن البوارج البحرية الإسرائيلية موجودة بالفعل في مواقع تحمي الحفارة، حتى قبل أن يتم توصيلها بمكامن الغاز. وأوضحت الصحيفة أن “إسرائيل قالت في وقت سابق إن أي ضرر يلحق بمنصات الغاز الخاصة بها سينظر إليه على أنه إعلان حرب”. ولفتت الى أن “مسؤولي دفاع إسرائيليين أبلغوا لبنان مؤخرًا أن منصة الغاز الجديدة ستبدأ العمل في المنطقة قريبًا، ويعتقدون أنه لا توجد نية لمهاجمة الحفارات أثناء الأشغال”. واعتبرت أن “إسرائيل لم ترد رسمياً على المزاعم اللبنانية، وليس لديها في الوقت الحالي أي نية للقيام بذلك، لتفادي إضفاء الشرعية على الادعاء بأن المنطقة متنازع عليها بالفعل”.
“الحزب “ومواقف داخلية
ومساء امس اعلن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم لرويترز إن الحزب مستعد لاتخاذ إجراءات “بما في ذلك القوة” ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية عن الغاز في المناطق البحرية المتنازع عليها بمجرد أن تعلن الحكومة اللبنانية انتهاك إسرائيل لحدود لبنان البحرية. وقال قاسم “عندما تقول الدولة اللبنانية بأن الإسرائيلي يعتدي على مياهنا ويعتدي على نفطنا، نحن حاضرون أن نقوم بمساهمتنا في الضغط والردع واستخدام الوسائل المناسبة بما فيها القوة من أجل منع إسرائيل من أن تعتدي على مياهنا ونفطنا”. وأضاف “المسألة الآن تتطلب قرار حاسما ورأيا حاسما من الدولة اللبنانية، هل هذه الباخرة تعمل في منطقة متنازع عليها أم لا؟ هل حسمت الدولة اللبنانية مسألة الحدود وخط التفاوض أم لا ؟”
وردا على سؤال حول إعطاء الدولة اللبنانية مهلة قبل قيام “حزب الله” بأي عمل، قال قاسم “نحن لا نعطي مهلة للدولة اللبنانية، الدولة اللبنانية هي فوق الجميع وهي التي تحدد مسارها ونحن تحت سقف الدولة في مثل هذه القرارات، ولكن نشجع الدولة على الإسراع، ندعوها إلى وضع مهلة لنفسها لأنه لا يصح أن يبقى هذا الأمر معلقا ولا يعرف الناس إذا كان هناك اعتداء أو ليس هناك اعتداء أو إذا كانت هذه المنطقة متنازعا عليها أو ليس متنازعا عليها. ندعو الدولة اللبنانية لحسم أمرها بأسرع وقت ممكن … وبما أننا جزء من هذه الدولة سنعمل من خلال وجودنا وحضورنا أن ندفع باتجاه الإسراع لاتخاذ المواقف المناسبة”.
وفي المواقف الداخلية الأخرى من هذا التطور، دعا النائب ملحم خلف باسم “نواب التغيير” السلطة التنفيذية الى تعديل المرسوم الرقم 6433 وفق مقترحات قيادة الجيش اللبناني وإعتماد الخط 29 بدلاً من الخط 23 المحدد إعتباطاً ومن دون أي سند قانوني. وإيداع المرسوم المعدَّل مع إحداثيات الخط (29) لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة عملاً بأحكام المادة 16 و 75 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
كما أكد النائب غياث يزبك ان موقف “القوات اللبنانية ” بالنسبة الى الحدود البحرية هو مع ما هو مدوّن في الأمم المتحدة أي الحق بالخط 23 ولكن هذا لا يعني أننا لا نريد ان نكسب المزيد من حقوق لبنان من الغاز والثروات ونحن مع المطالبة بالخط29 ولكن في العمل الديبلوماسي هناك فرق بين التمنيات والعمل الفعلي”.
وردا على سؤال عما إذا كان يؤيد عملا مقاوما لردع السفينة عن البدء بالعمل في حقل كاريش أجاب يزبك، “نعم اذا كان عملا وطنيا شاملا بقيادة الجيش اللبناني وليس بقيادة حزب الله”.