كتبت صحيفة “البناء” تقول: مع وصول المستشار الأول لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الطاقة الوسيط التفاوضيّ في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان آموس هوكشتاين، يدخل لبنان والمنطقة مرحلة شديدة الحساسية، فمعهد واشنطن واكب زيارة هوكشتاين بدراسة لمدير سياسات الطاقة لديه هو سايمون هندرسون الذي استعرض وجوه أزمة الترسيم في الحدود البحرية لدول المنطقة وصولاً لتركيا واليونان ومصر وقبرص، ولمقاربة عوامل الوقت والأمن والنزاعات التاريخية ليقول «تشكل وجهات النظر المتباينة بشدّة بين «إسرائيل» ولبنان بشأن الحدود البحرية تحدياً كبيراً للدبلوماسية الأميركية، التي شجعت ضمنياً تطوير قطاع النفط والغاز البحري في شرق البحر المتوسط، مع بعض النجاح في السنوات الأخيرة. وقد يكون التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع أو في المدى القريب بعيد المنال – حيث لا تريد «إسرائيل» التنازل حتى عن المُلكية الجزئية لحقول الغاز المكتشفة أو تأخير دخولها إلى الإنتاج بسبب العرقلة اللبنانية المتصورة. لكن المواجهة، التي قد تكون مصحوبة بتهديدات «حزب الله» باستخدام القوة، قد تردع مستثمرين آخرين عن الالتزام بمشاريع قبالة الساحل الإسرائيلي – والتي قد تكون جزءاً من الدافع الذي يحفز بيروت. وبالتالي، لن تكون المهمة التي تنتظر الوسطاء الأميركيين سهلة».
بالمقابل وصل وفد أوروبي رفيع الى فلسطين المحتلة لبحث فرص الحصول على عقود في قطاع الغاز توفر بدائل سريعة للغاز الروسي، والوفد الذي يضم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، سيلتقي رئيس حكومة كيان الاحتلال نفتالي بينيت اليوم بالتزامن مع اللقاءات التي سيجريها الوسيط الأميركي هوكشتاين مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي سيبلغه الموقف اللبناني الذي توافق عليه عون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وفيما توقعت وكالة الصحافة الفرنسية نتائج غير عملية لزيارة الوفد الأوروبي لكيان الاحتلال، وتوقع معهد واشنطن مخاطر تنتظر وساطة هوكشتاين بين بيروت وتل أبيب، قالت مصادر متابعة للملف، إن هوكشتاين حمل معه جوائز ترضية للبنان عرضها خلال لقاءاته أمس، وعنوانها العودة لمعزوفة الإغراء الأميركي بضمان الحصول على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سورية، دون خطر تعرّض لبنان والأردن ومصر لمخاطر العقوبات الأميركية المفروضة على سورية، وتسهيل الحصول على تمويل البنك الدولي للمشروع، وهو وعد مستمرّ منذ سنة. وتقول المصادر المواكبة للملف إن لبنان لن يبتلع الطعم نفسه عدة مرات، وهو يرحّب بالتنفيذ العملي للوعود الأميركية السابقة لكنه لا يقايض بين ذلك، وبين الموضوع المحوري لمباحثاته مع الوسيط الأميركي، ومحورها بات أبعد من معادلة الترسيم مع قدوم سفينة الاستخراج أنرجين باور، حيث الأمر واضح للمسؤولين اللبنانيين، الاستخراج او تجميد مصر الغاز والنفط في كل من حقول بحر صور وبحر عكا، قبل الدخول على خط التفاوض على الترسيم، دون الاستخفاف بحقيقة ان المنطقة تواجه خطر انفجار حرب إقليمية إذا تم تجاهل هذه المعادلة. فالدولة التي فاوضت خلال سنوات للوصول الى اتفاق إطار بالشراكة مع واشنطن، وفاوضت لاحقا لسنتين في ظل الوساطة الأميركية الرسمية بصورة غير مباشرة مع الوفد الإسرائيلي، لم تحصد سوى الخداع الذي يظهره القرار ببدء الاستخراج من حقول بحر عكا بينما المثل ممنوع من حقول بحر صور، وها هي المقاومة تدخل على الخط، وعلى الأميركي والإسرائيلي التعامل مع تهديداتها بجدية.
مقابل خطر الانفجار ثمة سيناريو واحد تداولته مصادر أوروبية هو أن تنجح واشنطن والوفد الأوروبي الزائر لتل أبيب بإيجاد مخرج يحفظ ماء وجه كيان الاحتلال، بمنح مهلة شهرين للتوصل الى حل تفاوضي يتوقف خلالها مشروع الاستخراج من الحقول المتقابلة والمتنازع عليها، على أن يسعى الوسيط الأميركي لطرح مبادرات توفر فرصاً أفضل للتوصل إلى حل تفاوضي خلالها، آخذا بعين الاعتبار عامل الوقت والأمن اللذين لم يعودا يعملان لصالح «إسرائيل»، في ظل الحاجة الأوروبية المحلة والإغراءات التي تقدمها السوق لحكومة الاحتلال بما يستدعي السرعة مع الحفاظ على استقرار الوضع الأمني في ظل جدية تهديدات المقاومة.
خطفت زيارة الموفد الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي عاموس هوكشتاين الى بيروت الأضواء المحلية، حيث يجول اليوم على المسؤولين اللبنانيين للبحث بالتطورات الأخيرة على صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية والعمل للتوصل الى حل للنزاع بين لبنان و»اسرائيل»، في ضوء تبلور موقف لبناني موحّد اتفق الرؤساء الثلاثة على إبلاغه لهوكشتاين خلال اللقاء به اليوم.
واستهل المبعوث الأميركي جولته بلقاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في مكتبه بحضور السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وتناول البحث تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية. ولفت إبراهيم في حديث لقناة «المنار» الى أن «اللقاء مع هوكشتاين كان جيّدا، وأبلغته أنه سيسمع موقف لبنان الموحّد حيال ملف ترسيم الحدود البحرية من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون».
وأوضحت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن الهدف من لقاءات هوكشتاين هي جس نبض موقف الدولية اللبنانية من ملف الترسيم والباخرة الاسرائيلية وتهديدات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لباخرة استخراج الغاز الاسرائيلية في كاريش، كما أنها زيارة تمهيدية وتحضيرية للقاء بين الوسيط الأميركي والرئيس عون لإبلاغه الموقف اللبناني الرسمي الذي سيؤكد على الحقوق اللبناني كاملة ورفض استخراج الغاز من المنطقة المتنازع عليها قبل التوصل الى حل يرضي الطرفين ويرسم الحدود بشكل واضح من خلال المفاوضات غير المباشرة».
والتقى الموفد الأميركي وزير الطاقة والمياه وليد فياض، وتم البحث في سبل تفعيل خط الغاز العربي الى لبنان.
وذكرت وسائل إعلام أن «هوكشتاين أكد تأييد بلاده لحصول لبنان على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، وأصرّ على أن يوقع لبنان مع مصر، وسيتم خلال هذا الأسبوع وفي أبعد تقدير يوم الأحد المقبل». وشدّد هوكشتاين أنه «في حال التوقيع على الاتفاق فسيعمل على تحضير وإنجاز رسالة الضمانات التي تعفي الجانب المصري من قانون قيصر، وستضغط الولايات المتحدة على البنك الدولي لتأمين التمويل ليشتري لبنان الغاز»، ووعد هوكشتاين وزير الطاقة خلال زيارته «بالتدخل مع الجانب العراقي لتجديد العقد مع لبنان».
ولفت فياض بعد اللقاء الى «أننا تناقشنا مع الوسيط الأميركي حول توقيع اتفاقيات استجرار الكهرباء إلى لبنان من الأردن ومصر، ونحن خلف فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والدولة كلها لديها موقف واضح وهذا يقوّي لبنان».
وأضاف: «في ما خصّ موضوع ترسيم الحدود البحرية أكدت للوسيط الأميركي على أن الموقف الوطني الموحّد هو ما يتوافق عليه الرؤساء الثلاثة ولبنان يسعى للحفاظ على حقوقه».
وتساءلت مصادر سياسية لـ»البناء» هل يقوم الوسيط الأميركي بمحاولة جديدة لخداع لبنان بجرعات مخدر عبر إلهائه بتفعيل خط الغاز العربي وتأمين كهرباء ونفط مقابل غض النظر عن ما تقوم به «اسرائيل» من اعمال تحضيرية لبدء استخراج الغاز من كاريش؟ محذرة من أن الهدف من زيارة هوكشتاين هو احتواء ردة الفعل اللبنانية على استقدام باخرة الاستخراج الى تخوم الخط 29 وإغراء الدولة اللبنانية ببعض النفط والكهرباء عبر إعادة تفعيل خط الغاز الذي تحول الى وعد لم ينفذ من أكثر من عام لأسباب سياسية واضحة.
وبرز موقف المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بقوله إن «الأمم المتحدة مستعدة للعمل مع لبنان وإسرائيل للمساعدة في حل الخلاف بشأن حقل كاريش البحري».
ووصل هوكشتاين الى بيروت على وقع التهديدات الاسرائيلية برد عسكري على لبنان إزاء أية هجمات ضد أهداف في كيان الاحتلال، ووضعت مصادر عسكرية وسياسية هذه التهديدات في إطار الحرب النفسية الاعلامية ولتحقيق توازن مع تهديدات السيد نصرالله الأخيرة بمنع «اسرائيل» من استخراج الغاز من حقل كاريش، مشيرة لـ»البناء» الى «أن التهديدات موجهة ايضاً الى الجبهة الداخلية الاسرائيلية لضخ جرعة معنويات للمستوطنين بعد تهديدات السيد نصرالله العالية السقف»، وتساءلت: هل تستطيع «إسرائيل» شنّ حرب على لبنان في ظل تنامي وتعاظم قدرات المقاومة خلال العقد الماضي؟ وهل تستطيع شن حرب من دون ضوء أخضر أميركي؟ وهل الأميركي في وضع يسمح له بتغطية حرب اسرائيلية قد تمتد الى المنطقة، في ظل أزمة الطاقة العالمية وارتفاع أسعار النفط العالمية إثر الحرب الروسية – الاوكرانية؟
ورجحت المصادر أن يكون هدف زيارة هوكشتاين الى بيروت لاحتواء الموقف اللبناني والحؤول دون تدحرج الأمور نحو الحرب العسكرية والسعي لإعادة الطرفين الى التفاوض للتوصل الى حل سلمي.
وتوقعت المصادر أن تتراجع «اسرائيل» عن استخراج الغاز في كاريش بعد التهديدات التي اطلقها السيد نصرالله المعززة بموقف لبناني موحد سيتبلغه الوسيط الاميركي اليوم ويتضمن تمسك لبنان بالخط 23 ورفض العمل في المنطقة المتنازع عليها قبل التوصل الى حل، والتمسك بحقل قانا كاملاً ورفض اقتراح الاستثمار المشترك للحقول أو اقتراح آخر لا يحمي الحقوق اللبنانية». وشددت المصادر على أن «بعد كلام السيد نصرالله وموقف الدولة لم تعد «اسرائيل» قادرة على الاستمرار بمشروعها باستخراج الغاز من البلوكات المحاذية للخط 29 خشية استفزاز لبنان والدخول بحرب عسكرية ستؤدي الى تدمير باخرة انرجين والمنصة التي تعمل عليها».
وفي سياق ذلك، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن «إنتاج إسرائيل للغاز لن يكون سهلاً في ظل نزاعها الحدودي البحري مع لبنان، حيث ما زال الطرفان في حالة حرب رسمياً».
وأكد قائد الجيش العماد جوزاف عون، خلال زيارته كليّة فؤاد شهاب للقيادة والأركان الى أن «الجيش أنهى مهمّته التّقنيّة، ويقف خلف السّلطة السّياسيّة في أيّ قرار تتّخذه». وقال: «لسنا معنيّين بأيّة تعليقات أو تحليلات أو مواقف سواء أكانت سياسيّة أم إعلاميّة. الموقف الرّسمي يصدر عن قيادة الجيش حصرًا، وأيّ رأي آخر لا يعبّر عن موقف الجيش».
وقبيل وصول الوسيط الاميركي الى بيروت، تكثفت الاتصالات بين المسؤولين والمقار الرئاسية للتوصل الى موقف موحد من ملف الترسيم.
واستقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في عين التينة وجرى عرض للأوضاع العامة وآخر المستجدات السياسية، واستمر اللقاء نصف ساعة غادر بعده ميقاتي من دون الإدلاء بتصريح.
وأبلغ رئيس الجمهورية المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتسكا خلال استقبالها في بعبدا، «أن الجانب اللبناني سيبلغ الوسيط الاميركي بالموقف اللبناني الموحد حيال الطروحات المقترحة لاستئناف هذه المفاوضات والتي تحفظ حقوق لبنان». من جانبها اشارت فرونتسكا الى «أن الامم المتحدة مستعدة للمساهمة في كل ما من شأنه تحريك المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية»، منوهة بحكمة الرئيس عون و»دوره في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان».
وشدّد المكتب السياسي لـ»حركة أمل»، على «أهمية وحدة الموقف، والمطالبة باستئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية الأمم المتحدة على قاعدة التمسك بحق لبنان الكامل في مياهه وفق القوانين الدولية، وعدم التخلي عن أية مساحة مهما كانت، ومن جهة أخرى دعوة الشركات الملتزمة التنقيب للمباشرة بعملها في البلوك رقم 9 على الحدود الجنوبية، وعدم إهدار مزيد من الوقت في حين أن العدو الإسرائيلي يعمل للتعدي على حقوق لبنان في مياهه وغازه ونفطه».
وأعرب نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال لقائه أعضاء «هيئة علماء بيروت» في مركزهم في الضاحية الجنوبية عن «ارتياح الحزب لإنجاز الانتخابات النيابية ونتائجها، والتي ستنقل لبنان إلى مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي المبني على التمثيل الشعبي الذي عبَّر عنه الناس بعد المخاض الصعب الذي أحاط بلبنان خلال السنتين الأخيرتين، لنكون أمام تحدي النهوض بلبنان مسؤولية أولى وأساسية على عاتق نواب المجلس النيابي المنتخبين». وشدّد، بحسب بيان للعلاقات الاعلامية في حزب الله، على أننا «أمام استحقاق ملح وضروري هو تكليف رئيس الحكومة وتشكيلها، ندعو إلى إنجازه بأسرع وقت، وبتعاون بنَّاء بين جميع القوى والشخصيات الممثلة في المجلس النيابي».
ولفت قاسم الى أن «الحكومة هي المعبر الوحيد والحصري للانطلاق إلى معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وأول مهامها أن تضع خطة التعافي والإنقاذ في مسارها العملي والتنفيذي، وتوفير كل شروط نجاحها، ونتمنى أن تسود عقلية حكومة الوطن وليس حكومة تتقاسم المكتسبات».
وفي ذكرى مجزرة إهدن المروّعة التي ذهب ضحيتها النائب والوزير طوني سليمان فرنجية وزوجته وطفلتهما وعدد كبير من أنصاره، رأى حزب الله في بيان أن هذه الجريمة «تمثل أبشع تمثيل الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان خلال الحقبة الماضية»، معتبراً أن «المجرمين أرادوا ضرب بيت وطني عريق ارتبط مصيره بوحدة لبنان وعروبته الحقيقية الأصيلة، وتهيئة الساحة اللبنانية بما يخدم العدو الاسرائيلي ومشاريعه العدوانية».
وأضاف: «إن حزب الله إذ يجدّد عزاءه لمعالي الوزير سليمان فرنجية المؤتمن على الخط السياسي الوطني والعروبي لهذه العائلة الكريمة ولهذا التيار والمؤمن بالمقاومة في وجه العدو الصهيوني وأطماعه في بلدنا، يؤكد أن هذه الجريمة البشعة لن يطالها النسيان وستبقى حية في ضمير المظلومين واللبنانيين عامة، ويشدّد على معاقبة الجناة المعروفين الذين لن يطالهم عفو في السياسة أو تهاون في القانون».
على الصعيد القضائيّ، قرر النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر التنحي عن النظر في الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ما يدعو للتساؤل عن سبب تنحّي ابو حيدر وعلاقة الضغوط السياسية التي يتعرض لها القضاء لعرقلة البت بملفات الفساد والملاحقات المالية ضد حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا سلامة. وربطت مصادر «البناء» بين تنحي ابو حيدر، وبين كف يد القاضية غادة عون عبر سحب ملف سلامة من يدها تارة وإحالتها الى المجلس التأديبي والتفتيش تارة أخرى وذلك لتمييع الملف وتضييع الوقت حتى نهاية العهد الرئاسي الحالي.