كتبت صحيفة “الديار” تقول: شلل في القطاع العام، مظهر جديد من مظاهر تحلّل الدولة، مع دخول الاضراب المفتوح حيز التنفيذ امس، تحليق متواصل في اسعار المحروقات مع اقتراب صفيحة البنزين من ال700الف ليرة، ولا «كوابح» يمكن ان تحد من حرق اموال اللبنانيين. في المقابل يستمر غياب اي تحرك جدي لتشكيل الحكومة العتيدة، فيما ينزلق القضاء اكثر فاكثر داخل «النفق» المظلم مع تنحي النائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد ابو حيدر عن النظر في الادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة… في هذا الوقت الانظار تتجه جنوبا بعد عودة «الوسيط» الأميركي آموس هوكشتاين، إلى بيروت بالامس، ويبقى السؤال هل وصل «التخبط» اللبناني في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية الى نهايته؟ الاجابة عن هذا السؤال ستحملها الساعات القليلة المقبلة، واذا كانت أجوبة رئيس الجمهورية ميشال عون حول العرض الاميركي الاخير باتت جاهزة، يبقى السؤال لماذا لم تحصر اللقاءات مع «الوسيط» الاميركي بشخصه؟ وما الحكمة من زياراته المكوكية الى المقرات الرسمية اليوم؟ فيما السؤال الاهم يبقى اسباب غياب الوفد التقني العسكري اللبناني عن المحادثات في بعبدا اليوم؟
«ترتيب المسرح»
وفي الانتظار، تم ترتيب «المسرح» الداخلي كي يظهر الموقف اللبناني موحدا هذه المرة، فبعد ساعات من الاتصالات التنسيقية بين المقرات الرسمية، التي اثمرت تفاهما على «قيادة» رئيس الجمهورية لملف التفاوض على قاعدة التنازل عمليا عن الخط 29 مقابل التمسك بالخط23 دون خطوط متعرجة، كأرضية صالحة لمعاودة المفاوضات غير المباشرة، واعتبار اتفاق «الاطار» منطلقا اساسيا للعملية التفاوض، توجت التفاهمات بموقف واضح وصريح وعلني من قائد الجيش العماد جوزاف عون، اعلن فيه الوقوف وراء القيادة السياسية في اي قرار تتخذه، ومع حصره دور الجيش في الجانب التقني، «تبرأ» على نحو غير ملتبس من السجال الذي يقوده رئيس الوفد المفاوض السابق العميد المتقاعد بسام ياسين، مع فريق رئيس الجمهورية.
الجميع تحت «الضغط»
ووفقا لمصادر ديبلوماسية، لا تشبه زيارة الموفد الاميركي هذه المرة زيارته السابقة، فالجميع تحت ضغط امكانية تحول النزاع «الغازي» الى مواجهة غير محدودة في المنطقة، خصوصا ان المؤشرات مقلقة للغاية في ظل تصعيد ميداني «اسرائيلي» تجاوز اكثر من «خط احمر»، سواء بقصف وتعطيل مطار دمشق الدولي، او باستمرار العمليات الامنية داخل ايران، وذلك على وقع وصول التفاوض حول الملف النووي الايراني الى «عنق الزجاجة». ولا تنفي تلك المصادر وجود حالة من التوتر والقلق لدى الجانب الاميركي عكسته السفيرة الاميركية دوروثي شيا خلال الساعات القليلة الماضية خلال جولاتها المكوكية على عدد من الشخصيات اللبنانية، اثر التدخل المباشر لحزب الله بالملف واعلان السيد حسن نصرالله وضع امكانياته العسكرية في «خدمة» الجانب اللبناني المفاوض، وهو ما يراه الاميركيين تطورا دراماتيكيا بنقل عملية التفاوض من مكان الى آخر.
قلق اميركي
ووفقا للمعلومات، لو لم يسارع لبنان الرسمي الى دعوة هوكشتاين الى بيروت، لكانت واشنطن قد اخذت المبادرة في استئناف مساعيها، في ظل قلق شديد من خروج الامور عن «السيطرة» ولهذا سيسعى الموفد الاميركي لتبريد الاجواء اولا. وقد جاءت التهديدات العسكرية «الاسرائيلية» اول من امس بتدمير لبنان، لاعادة التوازن «الردعي» بعد خطاب السيد نصرالله، وهي تهديدات على «الورق» لا ترتقي الى مصاف الجدية، كون «اسرائيل» غير معنية بحرب ستؤدي حتما الى وقف استثمارها الغازي، بينما ليس لدى لبنان ما يخسره بعد. ولكن التصعيد «الاسرائيلي» كان ضروريا، وسيستخدمه هوكشتاين «ورقة» على «الطاولة» لممارسة ضغط معنوي على الجانب اللبناني بغية التوصل الى تفاهمات سريعة في ظل رغبة الاميركيين في ايجاد بديل غازي عن روسيا لمد اوروبا بالطاقة.
وعود هوكشتاين ؟!
اولى لقاءات هوكشتاين كانت مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وبحضور سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وقد تناول البحث تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية من كافة جوانبه التقنية، وكذلك مخاطر عدم الوصول الى تفاهمات عاجلة حوله، وقد ابلغه اللواء ابراهيم انه سيسمع اليوم موقفا موحدا من المسؤولين اللبنانيين. وبعد لقائه هوكشتاين، اكد وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، ان الجميع يقف خلف فخامة الرئيس في ملف الترسيم، والدولة كلها لديها موقف واضح وهذا يقوي لبنان.
وقد تصدرت المحادثات بين هوكشتاين ووزير الطاقة، ملف استجرار الغاز والكهرباء من الاردن ومصر، وفي تكرار للمواقف الاميركية المتناقضة مع الواقع، «زعم» الموفد الاميركي مجددا ان بلاده تدعم اتمام هذه الصفقة، وهو اصر على الوزير ضرورة التوقيع مع مصر على الاتفاق، وتعهد بانه بعد ذلك سيتولى شخصيا العمل على الحصول على الضمانات الخطية المطلوبة لتجنيب الجانبين الاردني والمصري عقوبات «قيصر»، ووفقا للوزير فياض، فان الاتفاق سيوقع يوم الاحد المقبل، واعلن ان هوكشتاين التزم بانه سيضغط على البنك الدولي لتسريع الافراح عن القرض، وسيتم التوقيع مع مصر قبل يوم الاحد. ووفقا للمعلومات سيتدخل ايضا مع العراق لتجديد العقد في مسالة الفيول الذي ينتهي في ايلول المقبل.! ومساء امس اقام نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب حفل عشاء لهوكشتاين وقد سبق العشاء لقاء اتسم «بالايجابية» حيث ابدى الموفد الاميركي رغبة بالمساعدة.
موقف حاسم للجيش
وقبيل ساعات من زيارة الوسيط الأميركيّ، التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة، في جلسة استمرّت لأكثر من ساعة، غادر بعدها من دون الإدلاء بتصريح، ووفقا للمعلومات ابلغ بري ميقاتي انه يترك ملف التفاوض للرئيس عون، وهو يجدد قناعته بضرورة اعتماد اتفاق الإطار كـ»نقطة ارتكاز»، لحصول لبنان على كامل حقوقه. ووفقا لمصادر معنية بالملف، جرى تواصل مع قيادة الجيش لوقف السجالات «غير المفيدة» في هذا التوقيت الحساس، من قبل ضباط حاليين أو سابقين أو شخصيات قريبة أو محسوبة على قائد الجيش، خصوصاً أن المواقف التي تُعلن تظهر كأن هناك في الحكم من يريد التفريط بحقوق لبنان، وقد اثمرت هذه الاتصالات خروجا من قبل العماد جوزاف عون عن صمته بالامس، وردا على تحميل قيادة الجيش، ولا سيما العميد بسام ياسين الذي كان يتولى رئاسة الوفد التقني المفاوض مسؤولية خلق الخط 29 والمزايدة على السلطة السياسية، أعلن قائد الجيش امام ضباط دورة الأركان السادسة والثلاثين الذين سيتخّرجون الخميس المقبل، أن الجيش انهى مهمته التقنية، والآن هو دور السلطة السياسية، ولا نعرف ما الذي ستتخذه، والجيش يقف خلف السلطة السياسية في أي قرار تتخذه، وقال: لسنا معنيين بأي تعليقات أو تحليلات أو مواقف سواء أكانت سياسية أم إعلامية، الموقف الرسمي يصدر عن قيادة الجيش حصراً وأي رأي آخر لا يعبّر عن موقف الجيش…
التخلي عمليا عن الخط 29؟
ووفقا لاوساط مطلعة، سيبلغ الجانب اللبناني هوكشتاين ان ثمة مخاطر كبيرة باندلاع نزاع عسكري في المنطقة اذا حاولت «اسرائيل» استخراج الغاز في المنطقة المتنازع عليها قبل حصول الاتفاق، مع تجديد رفض الاقتراح الاميركي بتكليف شركة أميركية أو من جنسية أخرى أعمال التنقيب في المناطق المتنازع عليها، لان فكرة الصندوق الاستثماري المشترك تعني عمليا تطبيعا للعلاقات، وهو امر لن يقدم عليه لبنان مهما كانت الظروف. وسيبلّغ الرئيس عون هوكشتاين ان الخط 29 هو خط تفاوضي، وهو تريث في تحويله الى وثيقة رسمية كي لا يفشل عملية التفاوض، وهذا سيعني عمليا ان العرض اللبناني الذي سيكون على «الطاولة» اليوم، سيتضمن «دفن» ال29 مقابل الاقرار «الاسرائيلي»- الاميركي بالخط 23 واسقاط «الخط المتعرج» لتصبح المعادلة كامل حقل قانا للبنان، مقابل الاقرار بان حقل «كاريش» بكامله هو «لاسرائيل». واذا ما جرى تثبيت هذه المعادلة، يمكن القول ان «فتيل التوتر» بات خلف الجميع، ودون ذلك ستكون المنطقة، وليست الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، قابلة للاشتعال، خصوصا ان الرئيس سيكون مجبرا في نهاية المطاف على توقيع المرسوم بعد اعادة «احيائه» حكوميا.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون اكد خلال لقاء وفدٌ من نواب «التغيير» زاره في إطار جولة لهم على الرؤساء الثلاثة بهدف تأكيد ضرورة تمسّك السلطة التنفيذية بالخط 29 عبر تعديل المرسوم 6433، أنّه من غير الوارد التنازل عن حقوق لبنان في استثمار ثروته النفطية والغازية، كما أعلن تمسُّك لبنان بعودة المفاوضات غير المباشرة والّتي توقّفت على أثر رفض العدو اعتبار الخط 29 خطاً تفاوضياً، وأوضح أنّ «الجانب اللبناني رفض الخط الإسرائيلي رقم 1 وخط هوف».
«اسرائيل» تستعد «للاسوأ»!
ووفقا لاوساط معنية بالملف، ليس من مصلحة احد الاعلان عن فشل المفاوضات، لكن اذا لم تلتزم «اسرائيل» بوقف التنقيب قبل انتهاء المحادثات، فعندها يصبح القلق من انتقال التهديد المتبادل، من الكلام الى الافعال مشروعا، وفي هذا السياق، كشفت هيئة الاذاعة «الاسرائيلية» أن «الجيش الإسرائيلي» يستعد «للاسوأ»، وهو لا يستبعد تنفيذ حزب الله هجوما على حقل «كاريش»، ولفتت الى ان البحرية «الاسرائيلية» عززت تواجدها لتأمين المنصة، وستنشر في الساعات المقبلة غواصات في المنطقة، وكذلك نسخة بحرية من منظومة الدفاع الصاروخي «القبة الحديدية».
1500صاروخ يومياً!
ومع تصاعد التوتر البحري اعادت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية التذكير بترسانة حزب الله الصاروخية واشارت الى ان الدوائر الامنية تخشى من تحويل مائة ألف صاروخ، وصلته من إيران، لصواريخ دقيقةٍ قد تُغيِّر قواعد اللعبة والاشتباك على الجبهة الشمالية. ولفتت الصحيفة الى ان منظومة الصواريخ تعزز مخاطر الدمار الواسع في الجبهة الداخلية في حال اندلاع مواجهة، وشددت على أنّ التقديرات تشير إلى أنّه عشية حرب لبنان الثانية، كان بحوزة حزب الله 15 ألف صاروخ وأطلق نحو 4000 منها باتجاه «إسرائيل»، بالمقابل فإن لدى الحزب اليوم أكثر من 100000 صاروخ، وبحسب التقديرات الامنية «الاسرائيلية» انه في حال نشوب أي حرب مع حزب الله، فإنه من المتوقع أنْ يطلق نحو 1500 صاروخ يوميًا على الجبهة الداخلية «الإسرائيلية»، ما قد يؤدي الى سقوط 300 قتيل بصفوف المستوطنين والجنود!
الصواريخ الاكثر خطورة؟
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنيّةٍ رفيعة المستوى في «تل أبيب»، تأكيدها أنّ حزب الله يمتلك ايضا صواريخ «فجر» المطورة إيرانيًا، يبلغ مداه 43 كلم ويحمل رأسًا متفجرًا وزنه 45 كيلوغرام، هذا فضلاً عن صاروخ «فجر 5» الأكثر تطورًا، والذي يصل مداه إلى 75 كلم وله رأس متفجر يبلغ 90 كلغ. واضافة الى صواريخ «رائد 2″ ورائد 3» هنالك أيضًا في الترسانة النسخة الإيرانية من الصاروخ الروسي «فروغ7» ولديه القدرة على التصويب في عمق إسرائيل. لكن الاخطر يبقى نسخة من صواريخ»زلزال» المطورة، ويبلغ مدى الصاروخ «زلزال1» 125-160 كلم ويحمل رأسًا متفجرًا بوزن 600 كلغ، و»زلزال 2» يعتبر أكثر تقدمًا حيث يبلغ مداه 210 كلم وله رأس حربي مماثل وزنه 600 كلغ.
وبحسب «معاريف»، فإنّ ترسانة حزب الله الصاروخية تشتمل كذلك على صاروخ «فتح -110»، وهو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى، يبلغ مداه250-300 كلم ، وهو سلاح بعيد المدى وله رأس حربي يصل وزنه إلى 500 كلغ، وهو موجه بنظام تحديد المواقع العالمي «جي بي اس».
لا جديد حكومياً
حكوميا، لا يبدو الاستعجال على اجندة احد لاطلاق عجلة الاستشارات النيابية، فرئيس الجمهورية ميشال عون يتريث لحل مشكلة التأليف قبل التكليف، ولا يشعر حتى اليوم وجود ضغط سياسي يجبره على تسريع خطواته، خصوصا مع غياب الكتلة السنية الوازنة القادرة على خلق اجواء ضغط في البلاد. الثابت حتى الآن، بحسب مصادر سياسية بارزة ان الاستشارات مرجأة الى ما بعد انتهاء المحادثات مع «الوسيط» الاميركي، لكن المعضلة تبقى في محاولة فريق الرئيس الحصول على «ضمانات» مسبقة من اي مرشح لرئاسة الحكومة، وهو امر ازداد تعقيدا اثر الانتقادات العلنية العالية السقف من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ضد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي شن بدوره هجوما اعلاميا غير مسبوق على باسيل من خلال مواقع الكترونية محسوبة عليه.
ميقاتي: باسيل في موقف ضعيف!
واذا كانت «ابواب» التفاهمات غير موصدة، الا ان ميقاتي لا يتفاعل حتى الآن مع اي مطالب «برتقالية»، ويرى نفسه غير معنيا بتقديم اي التزامات لاحد، لانه يرفض سياسة «الابتزاز» العلنية التي يقودها باسيل. ولهذا فان دعوة الرئيس عون لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة لم تدرج على جدول أعمال اجتماعه الاخير بميقاتي، ولم يتطرق الرجلان الى الملف من قريب او بعيد، وبحسب اجواء ميقاتي فهو يعتبر باسيل في موقف «ضعيف» في ظل افول العهد، ولا يستطيع فرض شروطه، اما «لعبة» الوقت فهي ليست في صالحه، واذا اراد ان يستمر في «المماطلة» سيصل الى اليوم الذي سيجد نفسه من دون «انياب» بعد خروج الرئيس عون من بعبدا. ولهذا «الكرة» في «ملعبه» والطريق الى الحكومة معروف عبر «التسوية» المنطقية والمعقولة، وليس عبر محاولة فرض اجندات غير واقعية…