الصراع على الغاز واستخراجه وخطوطه دمّر العراق وسوريا واليمن وليبيا، فيما الجزائر ولبنان على لائحة الانتظار؟ أما مصر التي وقعت امس، عقدا مع الاتحاد الاوروبي لتصدير الغاز «الاسرائيلي» الى اوروبا عبر مصر، فقد اقحمت نفسها في لعبة الحروب الكبرى ونتائجها الخطرة، بعد أن ردت موسكو عبر شركة الطاقة الروسية بتخفيض تصدير الغاز الى اوروبأ. والسؤال الأساسي، هل مسموح للدول العربية استغلال ثرواتها الوطنية خارج ما تقرره واشنطن المصرة على التسريع باستخراج الغاز من المنطقة كبديل عن الغاز الروسي، والتضييق على ايران وسوريا، وادخال المنطقة برمتها في توترات كبرى وفوضى؟ وهل مسموح للبنان استخراج نفطه خارج ما تقرره واشنطن و»اسرائيل»؟ وهل يمكن فصل ملف لبنان وغازه عن التطورات في المنطقة، وزيارة بايدن منتصف تموز الى السعودية و»اسرائيل»، ودعوة السعودية لاقامة محور اقليمي، وعقد اجتماع في الرياض لدول الخليج ومصر والاردن والعراق بحضور بايدن؟
كلها اسئلة مشروعة حسب مصادر متابعة للملف النفطي، التي تكشف ايضا عن بوادر خلاف اميركي – فرنسي على الغاز اللبناني، وان المسؤولين الكبار في الدولة اللبنانية ووزراء النفط منذ الـ ٢٠١١ سمعوا من السفيرين الاميركي والفرنسي كلاما واضحا وشروطا متبادلة حول اسماء الشركات التي ستتولى التنقيب والحفر والاستخراج، كما وضع المسؤولون الاميركيون خلال المفاوضات «فيتو» على شركة «توتال» الفرنسية والعديد من الشركات الاوروبية من الاستثمار في الغاز و منع اقتراب الشركات الروسية – الصينية من الشاطئ اللبناني. وهذا ما دفع « توتال» الى التوقف عن الحفر في البلوك ٩. حتى ان التعثر في الملف النووي الايراني مرده الى التشدد الاميركي الرافض لاعطاء «توتال» الفرنسية اية عقود بالتنقيب والحفر واستخراج الغاز من الآبار العميقة جدا في ايران، ولا يمكن العمل فيها الا بالمواصفات التي تملكها شركة «توتال» على ان يبدأ الحفر فور رفع العقوبات الدولية، وتحديدا الاميركية، التي لن ترفع في القريب العاجل.
هذه التطورات تؤكد ان المنطقة امام شهور صعبة جدا، فالحرب الروسية – الاوكرانية أساسها الغاز، والكباش الاميركي مع الصين على الغاز. فاميركا انسحبت من معظم المناطق السورية والعراقية الا من مناطق الغاز، والقصف «الاسرائيلي» تصاعد على دمشق مؤخرا بعد اكتشاف كميات هائلة من الغاز في حمص، وترفض اميركا استثماره من قبل سوريا.
« تحريك وكر الدبابير»
وبعيدا عن المزايدات اللبنانية، وتصوير المحادثات مع هوكشتاين بـ «الانتصار»، حسب مصادر عليمة في هذا الملف، التي تؤكد ان الخطوط البحرية لا قيمة لها، كون الآبار كلها متشابكة وموصولة بعضها ببعض، والاساس هو البدء باستخراج الغاز قبل «الاسرائيلي» والقبرصي واليوناني والسوري من اللاذقية، لكن من المستحيل أن يستخرج لبنان نفطه في ظل دولة مفككة ومشلولة وكل مسؤول يغني على هواه؟ حتى ان العقوبات على جبران باسيل تعود لأعطائه الشركات الروسية عقودا والتزامات في مصفاة طرابلس على حساب شركة اميركية يديرها كبار القوم في لبنان.
علما ان توقيت فتح هذا الملف في الظروف الحاضرة يطرح أسئلة كثيرة عن الفائدة من الدخول كطرف في لعبة « تحريك وكر الدبابير « في أخطر مرحلة تمر بها المنطقة على كل المستويات، فقد نقل موقع « أيلاف» عن مصدر «اسرئيلي» رفيع المستوى، أن «اسرائيل» حذرت الرئيس السوري بشار الاسد من أن أحد قصوره سيصبح هدفا «للجيش الاسرائيلي» في غارته القادمة اذا أستمر في السماح لأيران بنقل أسلحة عالية الجودة الى بلاده، بالاضافة الى التحضير لعمليات في عمق سوريا دون أبلاغ روسيا. وهذا ما يكشف خطورة الاوضاع وتدحرجها نحو حرب شاملة.
وحسب المعلومات ايضا، فان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يزور لبنان قريباً بشعارات «انسانية»، عينه على الغاز اللبناني وعلى المسؤولين عن هذا الملف ايضا كشف المفاوضات مع الفرنسيين واصرارهم على الحصة الاكبر في التنقيب والحفر والاستخراج بشروط «توتال»، وهذا ما رفضته واشنطن المصرة على تولي شركة اميركية القيام بكل العمليات، واعطاء لبنان حصته بشكل مماثل لما تقوم به الشركات الروسية مقابل اللاذقية. كما ان الهجوم الاميركي على فرنسا من باب الغاز مرتبط بالاستياء من الموقف الفرنسي الايجابي من حزب الله، وقد شكلت حارة حريك في الاسبوعين الماضيين حركة ديبلوماسية مكثفة لعدد من السفراء الاوروبيين، وهذا ما شكل ازعاجا واضحا لواشنطن.
هوكشتاين تبلّغ القرار اللبناني
قبل وصوله الى بيروت بيومين
وفي المعلومات المتعلقة بزيارة هوكشتاين الى بيروت، فان الموفد الاميركي تبلغ القرار اللبناني بالتفاوض تحت سقف خط الـ ٢٣ قبل وصوله الى بيروت بيومين، وتولى احد المستشارين الرئاسيين ابلاغه بالموقف اللبناني، وعلى هذا الاساس تمت الزيارة، بعد ان وضع هوكشتاين شرطا يتضمن حصوله على رد مكتوب من لبنان على اقتراحاته السابقة قبل وصوله، وهذا ما حصل عليه، وعلى هذا الاساس حضر الموفد الاميركي لأخذ الصور التذكارية فقط، وسماع موقف لبنان الموحد من الرئيس ميشال عون، دون الاشارة من قريب او بعيد الى الخط ٢٩، على ان ينقل هوكشتاين الموقف اللبناني الى «اسرائيل» والاعلان بعدها عن استئناف المفاوضات غير المباشرة اواخر شهر حزيران بوفد لبناني جديد من المستشارين في القصر الجمهوري ووزارة الخارجية، فيما رفضت وزارة الاشغال والنقل ضم اي من مستشاري الوزارة والتقنيين الى الوفد، ولم يحسم بعد انضمام ضباط من الجيش الى الوفد المفاوض، في موازاة ذلك، مدد وزير الطاقة وليد فياض مهلة تقديم الطلبات للشركات الراغبة في الحفر في المياه العميقة الى ١٥ كانون الاول، بعد ان انتهت مهلة تقديم دورة التراخيص الثانية في ١٥ حزيران، ولم تتقدم اية شركة بعروض للحفر، ولم تبد اية شركة الرغبة بذلك.
الوضعان الحكومي والاقتصادي
خلال غداء جمع نوابا وسياسيين في احدى المناطق الجبلية الاسبوع الماضي، كشف نائب بارز ان لبنان يفصله عن الانهيار ٤ أشهر فقط، وتحديدا على الصعيد المالي، وبعدها لا رواتب للموظفين ولا دعم لأي قطاع، وهذا ما يفرض إطلاق الاستشارات النيابية الملزمة وتشكيل حكومة جديدة لتوقيع العقود مع صندوق النقد الدولي .
على الصعيد الحكومي، فقد حدد الرئيس عون الخميس المقبل في ٢٣ حزيران موعدا للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار أسم الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، علما ان النواب «التغيريين» لن يحضروا ككتلة واحدة بل كنواب مستقلين، وعلم ان الرئيس عون اعطى فرصة اسبوع للنواب للتشاور، واجراء أتصالات بين الكتل النيابية للاتفاق على التأليف قبل التكليف، لتسهيل مهمة الرئيس لتشكيل الحكومة وتجنب الفراغ.
وفي موازاة ذلك، هناك توجه «اشتراكي» – «قواتي» لتسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، وقد كان هذا الامر موضع نقاش مستفيض بين جعجع وشهيب وابو فاعور في معراب منذ ايام، على ان يقوم الطرفان بالتواصل مع النواب «التغيريين» والمستقلين لتأمين الاكثرية النيابية لنواف سلام في مواجهة تسميه ٨ آذار، وعندها يكون الحسم للتيار الوطني الحر المصر على رفض التصويت لميقاتي وتسمية الوزير الحالي أمين سلام او جواد عدرا، وهذا التطور قد يرفع الحماوة حول أسم رئيس الحكومة المقبل، ورغم ذلك يبقى اسم نجيب ميقاتي الاوفر حظا، في ظل رغبة نواف سلام عدم تولي رئاسة حكومة انتقالية.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، فان البلاد دخلت ايضا الاجواء الجدية للأستحقاق الرئاسي، مع تقدم احتمال الفراغ نتيجة أستحالة حصول أي فريق على الاكثرية الراجحة ٨٤ نائبا، وبالتالي فان الحكومة الجديدة او حكومة تصريف الاعمال ستتولى ادارة الفراغ، التي قد يمتد لأكثر من سنتين، ومن هنا تسعى «القوات» و»الاشتراكي» الى تشكيل حكومة تدير الفراغ بشكل يتماشى مع طروحات ١٤ آذار برئاسة نواف سلام، وقد دخلت السعودية على خط التكليف والتأليف، وقد ظهر ذلك من خلال المعلومات التي سربت بعد زيارة السفير السعودي وليد البخاري الى دار الفتوى والذي وضع المفتي عبد اللطيف دريان في جهوده لتشكيل كتلة سنية وازنة يكون لها الدور الاساسي في اختيار الرئيس المكلف، في ظل ميل البخاري الى تسمية نواف سلام.
وفي ظل تلهي المسؤولين بالقشور والخلافات والحصص، تشتد الازمة الاقتصادية مع توقف الاعمال في المؤسسات الرسمية نتيجة استمرار أضراب موظفي القطاع العام بسبب العجز عن تلبية مطالبهم المحقة، وأدى ذلك الى توقف معاملات الموظفين واقفال المكاتب على ان يعقد صباح اليوم اجتماع في السراي الحكومي لبحث مطالب القطاع العام، علما ان اجتماعا عقد في المجلس الاقتصادي – الاجتماعي بحضور وزير العمل مصطفى بيرم والنقابات واصحاب المهن، وتوصل المجتمعون الى رفع الحد الادنى للاجور في القطاع الخاص الى مليونين و٦٠٠ الف ليرة، ورفع بدل النقل اليومي الى ٩٥ الفا .
كما تواصل الارتفاع غير المسبوق في اسعار المحروقات، وتخطت صفيحة البنزين الـ ٧٠٠ الف ليرة، وكذلك صفيحة المازوت، وسيترك هذا الارتفاع مفاعيله السلبية على كل القطاعات المتعلقة في حياة الناس، وتحديدا أسعار الخبز والمواد الغذائية، وتبقى فسحة الضوء الوحيدة في اعداد المغتربين القادمة الى لبنان اوائل تموز، ووصول ٢٠ الف مغترب يوميا على مدار شهر تموز ومنتصف آب، رغم الارتفاع الذي طرأ على اسعار تذاكر السفر الاسبوع الماضي، هذه الحركة للمغتربين ستوفر مردودا للخزينة وآلاف فرص العمل، وحركة تستفيد منها كل القطاعات الاجتماعية.
في مجال آخر، عقدت «لجنة المال والموازنة» برئاسة النائب ابراهيم كنعان اجتماعها الاول ودعت الحكومة الى اجتماع استثنائي الاسبوع المقبل لدرس ومناقشة موازنة ٢٠٢٢وخطة التعافي.
الطعون النيابية
تنتهي عند الثالثة من بعد ظهر اليوم مهلة تقديم الطعون بالانتخابات النيابية الى المجلس الدستوري، وابرز هذه الطعون المقدم من فيصل كرامي، وحاجته الى ٢٤ صوتا كي يعلن فوزه على ان يبدأ درس الطعون بعد اجتماع للمجلس الدستوري وتعيين قاض لكل طعن .