بمزيد من الإصرار والتصميم والتكرار، تتوالى المواقف العربية والدولية لتعيد التوكيد على التوأمة الإلزامية بين “الإصلاح والإنقاذ” كمسارين متلازمين لا خلاص للبنانيين من دونهما ولا مناص للسلطة من الالتزام بهما لتأمين الدعم الخارجي لعملية انتشال لبنان من قعر الانهيار. هذا ما ذكّر به اجتماع السفيرة الفرنسية مع الممثل المقيم لصندوق النقد في بيروت أمس لناحية الإشارة إلى انتظار المجتمع الدولي إنجاز “التدابير الطارئة والإصلاحات البنيوية الضرورية” واتخاذ الخطوات العملية لترجمة قرارات “إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوحيد أسعار الصرف وإقرار الموازنة العامة والكابيتال كونترول” كمعبر إلزامي للمضي قدماً نحو إبرام الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، وهذا ما شدد عليه البيان الختامي السعودي – المصري إثر زيارة الأمير محمد بن سلمان القاهرة أمس لجهة وجوب إجراء “الإصلاحات اللازمة بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته”، مع التركيز في جوهر الموقف العربي على “أهمية الحفاظ على عروبة لبنان وأمنه واستقراره، وألا يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وألا يكون مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات”.
أما على المستوى الداخلي، فلا خبر يعلو على “أخبار” التكليف في شريط الأحداث السياسية وباتت الأنظار مشدودة إلى استشارات الغد في قصر بعبدا لحسم الترشيحات والخيارات النيابية إزاء الاستحقاق الحكومي، وسط ارتفاع “حاصل” الأصوات المؤيدة لتسمية السفير نواف سلام كمرشح منافس لمرشح السلطة نجيب ميقاتي، بعد إعلان كتلتي “اللقاء الديمقراطي” و”الكتائب اللبنانية” تبنيهما لتسميته وتكليفه تشكيل الحكومة العتيدة. غير أنّ دائرة تبني هذا الخيار لا يبدو أنها ستكتمل خلال الساعات المقبلة على ضفة الأحزاب والكتل المعارضة، لا سيما في ظل ما استُشفّ من معلومات عن “جوّ سنّي” غير داعم لتسمية سلام، فضلاً عن عدم وجود حماسة “قواتية” للسير بترشيحه.
إذ كشفت مصادر مواكبة لاجتماعات النواب السنّة عن اتجاه “يميل إلى ترجيح كفة التصويت لصالح إعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال تشكيل الحكومة الجديدة، على اعتبار أنه الأقدر على إدارة المرحلة حكومياً في الفترة الفاصلة عن نهاية العهد”، مشيرةً إلى أنّ هذا التوجه “يضعف فرص تسمية نواف سلام نظراً لافتقاره إلى التبني النيابي السني لترشيحه، بالتوازي مع عدم وجود أي مؤشرات يُعتد بها تدل على كون تسميته تحظى بزخم عربي ودولي”.
وعلى المقلب “القواتي”، نقلت المعطيات المتواترة أنّ أسهم تسمية نواف سلام بقيت حتى ساعات المساء غير مرتفعة في حسابات معراب بانتظار “اتخاذ تكتل الجمهورية القوية القرار النهائي اليوم حيال الموقف من استشارات الغد”، حسبما أكدت مصادر التكتل، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ “التنسيق مستمر مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” بمعزل عن حسم موقفه بتسمية سلام، انطلاقاً من الرؤية المشتركة بين الحزبين لضرورات المرحلة الحكومية المقبلة”، وسط انطباع سياسي متزايد بأنّ التكليف شيء والتأليف شيء آخر نظراً لاستبعاد قدرة أي رئيس مكلف على تشكيل حكومة جديدة في ظل استمرار لعبة الشروط التحاصصية، ما قد يؤدي تالياً إلى تمديد فترة “تصريف الأعمال” الحكومية حتى نهاية العهد.
وفي الغضون، برز أمس توقيع مصر ولبنان وسوريا اتفاقاً لنقل 650 مليون متر مكعب من الغاز كل عام من مصر إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وأوضح وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض خلال توقيع الاتفاقية النهائية لاستجرار الغاز المصري في وزارة الطاقة، أن هذا الاتفاق “سيؤمن تغذية كهربائية تصل إلى 4 ساعات إضافية في لبنان”.
غير أنّ الضبابية التي رافقت توقيع الاتفاقية الثلاثية استمرت طاغية على “كيفية التمويل وتوقيت وصول الغاز”، وفق تعبير مصادر معنية، معتبرة أنّ ما حصل أمس لا يعدو كونه ناتجاً عن “ضوء أصفر أميركي” يعبّد الطريق أمام احتمال تذليل العقبات في الفترة المقبلة وأمام جعل الخطوات التنفيذية لاتفاقية استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية بمأمن من عقوبات قيصر، فمصر لم تكن لتلزم نفسها وتوقّع الاتفاق مع لبنان “لولا ثقتها بأنّ الأمور متجهة إلى نيل ضوء أخضر أميركي لتنفيذ هذا الاتفاق”.
وأشارت المصادر إلى أنّ “الولايات المتحدة ستعمل على تأمين الاطار القانوني لاستثناء هذه العملية من عقوبات قانون قيصر المفروضة على النظام السوري والمتعاملين معه، وفي المقابل سيسهّل البنك الدولي حصول لبنان على القرض بقيمة تناهز 300 مليون دولار لشراء الغاز لمدة سنة واحدة”، مذكرةً بأنّ “هذا التطور الذي بقي مجمداً منذ أكثر من 6 أشهر أتى بالتزامن مع تنازل لبنان الرسمي عن الخط 29 لترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل… فهل من ترابط بين الحدثين؟”.