في مشهدية سريالية تعكس حجم الانفصام عن الواقع المعيشي المتدهور، لا يزال أهل السلطة يتنازعون أطراف التصاريح والمواقف حول ما يطلبونه ويرفضونه في التشكيلة الحكومية العتيدة بينما الناس بلغوا حافة الجوع الكافر بعدما تآكلت قدراتهم الشرائية وفقدوا المقومات الأساسية للحياة البشرية من خبز وماء ودواء وكهرباء… وبدل أن يستنفر المسؤولون ويتداعى أركان الدولة لتسريع خطوات الإصلاح والانقاذ ما زالت “سوسة” المحاصصة تنخر عميقاً في الذهنية الحاكمة وترهن مصير اللبنانيين بتحقيق ما يصبو إليه هذا الفريق أو ذاك من مغانم ومكاسب في التركيبة الوزارية.
واليوم ستشهد ساحة النجمة لقاءً يخرق أجواء القطيعة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي و”رئيس التيار الوطني الحر” جبران باسيل، ليجتمعا “وجهاً لوجه” في قاعة الاستشارات النيابية غير الملزمة للتأليف، على نية محاولة التوصل إلى تقاطعات في التأليف تعيد وصل ما انقطع بينهما في التكليف. ورأت مصادر معارضة أنّ “المحاصصة ستشكل نقطة الارتكاز في هذا اللقاء، سيّما وأنّ باسيل لم يتردد في الإفصاح عن وجود دفتر شروط سياسي لديه ينبغي على الرئيس المكلف الالتزام به في سبيل تسهيل ولادة الحكومة”، معتبرةً أنّ عملية “شد الحبال” بينهما ستنطلق عملياً اليوم ليتضح في الأسابيع القليلة المقبلة خيط التشكيل من التعطيل ربطاً بما ستخلص إليه مفاوضات الجانبين في الكواليس المواكبة لمشاورات قصر بعبدا على قاعدة: “DEAL OR NO DEAL”.
وكان اليوم الأول للاستشارات النيابية أمس قد سجّل مواقف مبدئية للأحزاب والقوى المعارضة، برز منها على الضفة المسيحية إعلان كتلة “الجمهورية القوية” قرارها عدم المشاركة في حكومة نهاية العهد، انطلاقاً من القناعة بأنّ الاستحقاق الرئاسي بات يتربع على رأس أولويات ومقتضيات التغيير المنشود لأنه “مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمكن حينها تطبيق كل الشروط الإصلاحية المطلوبة” بدءاً من تشكيل حكومة “تستعيد قرار الدولة”. وفي المقابل بدت الأولوية على جبهة السلطة تتركز على ضرورة “احترام التوازنات القائمة” كما عبّر النائب علي حسن خليل باسم كتلة “التنمية والتحرير” في إشارة إلى وجوب عدم المسّ بهذه التوازنات في أي مسودة وزارية للحكومة الجديدة، وبشكل أساس في ما يتصل باستئثار الثنائي الشيعي بالتوقيع الثالث في وزارة المالية.
وتحت هذا السقف، أكد “حزب الله” على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أمس تأييد “إجراء التعديلات” على حكومة تصريف الأعمال في خارطة تشكيلة الحكومة الجديدة، و”ليدخل إليها من يرغب بالتعاون وليعدّل من يُعدّل في الوزراء، لكن من دون إضاعة الوقت وإنهاك التشكيل بالشروط والشروط المضادة”، محذراً في هذا السياق من الوقوع “في فخّ الأسماء الجديدة التي يُمكن أن تأخذ وقتاً طويلاً“.
وفي نهاية المطاف، خلصت أوساط مواكبة للاستحقاق الحكومي إلى اعتبار عدم إلزامية استشارات التأليف النيابية تجعل منها عملياً استشارات “فولكلورية لا تسرّع ولا تؤخّر في مجريات التشكيل”، مشيرةً إلى أنّ “المنازلة الأساس التي تنتظر الرئيس المكلف ليست في ساحة النجمة بل في قصر بعبدا حيث من المتوقع أن تنطلق أولى جولاتها نهاية الأسبوع الجاري أو بداية الأسبوع الذي يليه مع الزيارة التي من المفترض أن يقوم بها ميقاتي لرئيس الجمهورية ميشال عون حاملاً معه مسودته الأولية للتأليف، بناءً على ما اتفق عليه لناحية الإبقاء على الطابع الوزاري العام لتركيبة حكومة تصريف الأعمال مع إدخال بعض التعديلات الوزارية عليها، سواءً في الأسماء أو في الحقائب والحصص، وذلك بالاستناد إلى ما أفرزته صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية“.