على نغمة واحدة سارت الاستشارات النيابية غير الملزمة التي بدأها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في المجلس النيابي، أمس، هي التعجيل في تأليف الحكومة الجديدة. واذا كانت رغبة الاستعجال في ولادة هذه الحكومة ملازمة للرئيس المكلف، وعَبّر عنها لحظة تكليفه في مَد اليد الى كل الاطراف للشراكة في ولادة طبيعية عاجلة لحكومة تتصدى لوضع غير طبيعي يمر فيه لبنان، الا انّ يسر هذه الولادة وعسرها يبقيان رهناً باستجابة المكونات السياسية او عدمها لليد الممدودة، ومغادرة لغة الشروط التي من شأنها ان تصعّب ولادة الحكومة، إن لم تجعلها مستحيلة.
الوقت القاتل
واذا كانت موجبات التعجيل في تشكيل الحكومة اكثر من ان تُحصى، أكان فيما يتعلق بالعامل الزمني، حيث أنّ استحقاق التأليف مقيّد هذه المرّة بمرحلة شديدة الدقة والحساسية، ومحكوم بوقت قاتل يستوجِب استثمار كل دقيقة فيه، في موازاة الازمة التي تشهد انهيارات متتالية على مختلف الصعد والمجالات المالية والحياتية والصحية وكل ما يرتبط بأولويات اللبنانيين، او ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي الذي يقف البلد على مَشارفه، ولن يطول الوقت لكي يشكّل البند الاول وربما الاوحد، في جدول اعمال فترة الاشهر الاربعة المتبقية من ولاية الرئيس ميشال عون، الّا انّ الصورة السياسية في المقابل ما زالت ثابتة في نقطة الوسط بين احتمال التعجيل بتشكيل الحكومة واحتمال المراوحة والتأجيل.
المواقف واضحة
على انّ اللافت للانتباه في ما يتصل باستشارات الرئيس المكلف، انها لم تُضف جديداً على مواقف مختلف الكتل والتوجهات النيابية والسياسية، المعلنة منذ ما قبل استشارات التكليف، بل انها شكّلت محطة لإعادة تكرارها شكلا ومضمونا. وعلى ما تؤكد مصادر سياسية لـ”الجمهورية” فإنّ “استشارات الامس، محطة لزوم ما لا يلزم، ذلك انّ مواقف الاطراف محسومة سلفاً، أكان بالنسبة الى المؤيدين او الى المعارضين وقرارهم بعدم المشاركة في الحكومة. وطالما انّ صورة المواقف بهذا الوضوح، يفترض في هذه الحالة ان يُستفاد من الوقت، ويُستتبع التكليف بالتأليف السريع، وبالتالي ليس ما يمنع الرئيس المكلف من تجاوز الشروط والاعتراضات والتحفظات، وتقديم تشكيلة حكومته في غضون ايام قليلة، إن لم يكن قبل نهاية الاسبوع الجاري، فالاسبوع المقبل على أبعد تقدير”.
وبحسب المصادر فإنّ “وضوح المواقف يُسهّل على الرئيس المكلف مهمته في اعداد تشكيلة حكومته في فترة قياسية زمنياً، خصوصاً انّ الاطراف التي قرّرت عدم المشاركة في هذه الحكومة خَفّفت عنه ثقل الوقوف على خاطرها ومُراضاتها، وبالتالي ضيّقت مساحة مشاورات الاخذ والرد حول الحكومة وحَصرتها ضمن الفريق الذي كلّفه، علماً انّ مهمّة الحكومة سبق له ان حَدّدها لإكمال طريق العلاج التي بدأتها حكومته السابقة، ومَن منحوه أصواتهم في استشارات التكليف يؤيدونه فيها”.
حكومة بمَن حضر!
ورداً على سؤال عما اذا كانت الامور ستنحى في اتجاه تأليف حكومة من لون واحد، قالت المصادر: وهل انّ التكليف جاء بألوان متعددة، في اي حال، اسم حكومة اللون الواحد مُستفز، وهذا بالاساس ليس هو هدف الرئيس المكلف الذي يرغب بحكومة جامعة تتشارَك فيها كل المكونات في مواجهة الازمة. إنما الامور كما نراها تسير في اتجاه تشكيل حكومة بحجم المرحلة.
وسُئلت المصادر: هل ستشكّل حكومة بمَن حضر؟ فأجابت: لا يجب التوقف عند اي توصيفات او تسميات، نعم البلد بحاجة الى حكومة بمَن حضر، ليس بمن حضر لإكمال العدد والتشكيلة، بل بمَن هو حاضر ومستعد وراغب في الشراكة في عملية الانقاذ.
بدأ النقاش بالصيغ!
الى ذلك، كشفت مصادر معنية بملف التأليف لـ”الجمهورية” انه “بعيداً عن الاستشارات النيابية الشكلية التي بدأها ميقاتي مع النواب أمس، فإنّ حركة مشاورات واتصالات جرت في الساعات الاربع والعشرين الماضية، مرتبطة بعملية التأليف وتوزّعت على عدة خطوط سياسية، وكان الرئيس المكلف حاضراً فيها”.
وبحسب المصادر عينها فإنّ البند الاساس التي تمحورت حوله هذه الاتصالات، هو التعجيل في توليد الحكومة، من دون إغراق مهمة الرئيس المكلف بشروط وافكار تعقد جهوده وتُربك مسار التأليف، بل تقديم كل تسهيلات ممكنة من شأنها ان تسرّع بولادة الحكومة.
ولفتت المصادر الى ان “لا خلاف على مهمّة الحكومة، وامّا شَكل هذه الحكومة فلدى الرئيس المكلف تصوّره في هذا المجال، وهو ما سيتوضّح قريباً جداً، كاشِفة عن صِيغ عديدة يجري النقاش حولها داخل الغرف المغلقة، وتبعاً لذلك فقد تكون مسودة الحكومة جاهزة في غضون أيّام قليلة ليقدّمها الرئيس المكلف الى رئيس الجمهورية لإصدار مراسيم الحكومة الجديدة”.
مصير بعض الوزارات!
الّا انّ مصادر سياسية تحدثت عن صعوبات ماثلة امام الرئيس المكلف في كيفية تجاوز التعقيدات المرتبطة ببعض الوزارات، لا سيما ما يتعلّق بوزارة الطاقة والمياه والجهة التي ستسند اليها. والرئيس المكلف يبدو انه مع “تحرير” هذه الوزارة وإخراجها من الموقع العالقة فيه منذ سنوات طويلة، علماً انّ وزارة الطاقة “مُجيّرة” منذ سنوات لفريق رئيس الجمهورية، سواء لوزير من تياره السياسي او لوزير يسمّيه رئيس الجمهورية شخصياً. وبحسب اجواء هذا الفريق انه لن يتخلى عن الطاقة، كما عن وزارتي الدفاع والعدل على وجه الخصوص”.
وتشير المصادر عينها إلى “عقدة ثانية واساسية كامنة في وزارة المال، حيث لا يبدو انّ ثنائي حركة “امل” و”حزب الله” في وارد التخلّي عن كون حقيبة المالية من حق الطائفة الشيعية. وهذا الأمر، معطوف على عدم تخلّي الفريق الرئاسي عن بعض الحقائب ومنها الطاقة، بدأت تتعالى حوله بعض الاصوات الاعتراضية من جهات سياسية ومراجع روحية ترفض استئثار فئة او طائفة ببعض الوزارات”.
“هاتان العقدتان”، تقول المصادر، “وقد تضاف اليهما عقدة ثالثة مرتبطة بحجم تمثيل بعض الاطراف، قد يطول النقاش حولها، في مرحلة محكومة بوقت قصير، وطول هذا النقاش سيمدّ تلقائياً من عمر التكليف ومعه حكومة تصريف الاعمال وصولاً الى لحظة يفرض فيها الاستحقاق الرئاسي نفسه بنداً أولاً على جدول البلد، ويصبح معه تأليف الحكومة آخر الاهتمامات”.
قبل نهاية الاسبوع
وفي سياق متصل، كشفت مصادر حكومية لـ”الجمهورية” انه بعد انتهاء الجولة الثانية من الاستشارات النيابية اليوم، سيعقد لقاء قريب بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، لجَوجلة الأفكار والطروحات النيابيّة، على ان يليه اجتماع ثان للبحث في مسودة حكومية سينقلها ميقاتي الى عون ربما قبل نهاية الاسبوع الجاري.
إستشارات الأمس
وكان الرئيس المكلف قد أجرى في المجلس النيابي امس، جولة أولى من الاستشارات غير الملزمة مع الكتل والتوجهات النيابية، على ان تستكمل في جولة ثانية اليوم.
ولخّصت مصادر مطلعة مجريات الاستشارات، بقولها لـ”الجمهورية” انّ “الاجواء كانت هادئة وطبيعية، وغاصت بالحديث عن المواصفات التي ينبغي ان تتوفر بالحكومة الجديدة”.
واشارت المصادر الى انّ “الرئيس المكلف كان منفتحاً على اي فكرة او طروحات نيابية، وحرص على تدوينها، وكان واضحاً في ابداء رغبته في تشكيل حكومة للجميع وبأوسع مشاركة فيها، وتلبّي حاجة البلد الى مثل هذه الحكومة، في ظرف يوجِب التحام كل الاطراف وشراكتهم في التصدي للأزمة والتخفيف من الاعباء على اللبنانيين، وبالتالي التعاون الكامل في كل ما يدفع بلبنان خارج الهاوية ويقرّبه من سكة الانقاذ”.
واشارت المصادر الى انّ مَن سمّوا الرئيس ميقاتي في استشارات التكليف، التقوا على التأكيد على تعجيل التأليف، الا انّ بعضهم طرحوا ضرورة إشراكهم في الحكومة، وذهبوا الى المطالبة بوزيرين او ثلاثة، فيما انّ كتلاً اخرى كانت حاسمة لناحية عدم مشاركتها كـ”القوات اللبنانية”، وكذلك نواب التغيير الذين يعتبرون ميقاتي وحكومته المنوي تشكيلها امتداداً للسلطة المسؤولة عن الازمة. وايضاً اللقاء الديموقراطي الذي قرّر عدم المشاركة مباشرة، الا انّه عَبّر عن استعداده لأن يكون عاملاً مسهلاً في تشكيل الحكومة، وهذا الامر اعتمَده اللقاء في تشكيل الحكومة السابقة، وانتهى بمشاركته بوزيرين درزيين سمّاهما وليد جنبلاط”.
وكانت لقاءات الرئيس ميقاتي قد توالت اعتباراً من بعد ظهر امس، بدءاً بلقائه كتلة التنمية والتحرير التي اكدت ضرورة تشكيل حكومة في اسرع وقت، مشددة على خطة التعافي والحفاظ على اموال المودعين.
التكتل الوطني المستقل
وبعد لقائه مع الرئيس المكلف، اكد التكتل الوطني المستقل الذي يضمّ النواب ميشال المر وطوني فرنجية وفريد الخازن “اننا سنطلق موقفنا من الحكومة ومنحها الثقة بناء للخطة التي ستعرضها، وأيّ خطة تحمي حقوق طرف على آخر لن نوافق عليها، فنحن نريد خطة تتوزّع فيها الخسائر بشكل عادل وتحمي جميع الناس وخصوصاً موظفي القطاع العام”.
ولفت التكتل الى انّ “أولويتنا وتطلعاتنا بعيدة كل البعد عن المشاركة في الحكومة او عدمها، ونحن لا نرفض المشاركة ولا نطلب ذلك ايضا”.
وطالبَ نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بحكومة قادرة على متابعة الملفات المطروحة، فيما دعت كتلة الجمهورية القوية الى حكومة “تستعيد قرار الدولة مُعلنة عدم المشاركة في الحكومة”، امّا كتلة الوفاء للمقاومة فاعتبرت انّ الازمة داخلية وخارجية تستلزم مشاركة الجميع من اجل النهوض، ومَن شاء المقاطعة فهذا شأنه، ولكن من غير المقبول ان يقاطع لإلقاء اللوم على الآخرين. وكان نائب الامين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم قد أعلن انّ “حزب الله” مع تشكيل الحكومة وعدم إضاعة الوقت وإنهاك التشكيل بالشروط والشروط المضادة، فالفرصة لا تسمح بأن يأخذ كل فريق مكتسبات من الحكومة.
وقال: نحن نؤيّد ان تجري التعديلات على الحكومة الحالية ليدخل اليها من يرغب بالدخول والتعاون او ليعدل من يعدل من الوزراء للاسراع في عدم الوقوف في فخ الاسماء الجديدة التي يمكن ان تأخذ وقتاً طويلاً. إننا مع اختصار الوقت الى أسرع وقت ممكن لأنّ البلد يتطلب حكومة، وليعلم اولئك الذين ينظّرون ولا يشاركون ولا يسهلون المشاركة انّ الناس ترى من يعطّل تشكيل الحكومة ومن يؤيّد تشكيلها، وبالتالي الموقف السلبي من تشكيل الحكومة لا يعني انهم يخدمون البلد”.
بدورهم، اعلن نواب التغيير انهم مع حكومة مصغرة وإنقاذية رافضين المشاركة في حكومة محاصصة و/أو حكومة وحدة وطنية، فيما اعلنت كتلة حزب الكتائب انها ليست معنية بالمشاركة في الحكومة.
ماكرون وعون
على صعيد آخر، اكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون “انّ فرنسا متعلقة بصورة مميزة وخاصة بروابط الاخوة التي تجمعها مع لبنان ومع الشعب اللبناني”. جاء ذلك في برقية شكر وَجّهها الرئيس ماكرون الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رداً على برقية التهنئة التي كان قد وَجّهها إليه لمناسبة إعادة انتخابه رئيساً للجمهورية الفرنسية.
نيد برايس
وعلى خط المفاوضات والترسيم، أعلن المتحدث بإسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن المحادثات التي أجراها كبير مستشاري أمن الطاقة عاموس هوكشتاين الأسبوع الماضي مع نظرائه الإسرائيليين حول ترسيم الحدود البحرية مع لبنان كانت مثمرة.
وأضاف أن الولايات المتحدة ستبقى منخرطة مع الأطراف في الأيام والأسابيع المقبلة.