ملوّحاً بـ”المغلف الأبيض”، ومتسلّحاً بتشكيلة خطّها بيده ليلاً ليسلّمها صباحاً إلى رئيس الجمهورية، دخل الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي بخطى واثقة إلى قصر بعبدا أمس عامداً ومتعمّداً استخدام “عنصر المباغتة” في أولى جولات الكرّ والفرّ في معركة الصلاحيات مع العهد وتياره على حلبة التأليف، فكان له ما أراد بإرباك جبهة بعبدا قبل أن تعود إلى امتصاص الهجمة الميقاتية بصحوة عونية مضادة على “نجيب السريع” كما وصفه نواب “التيار الوطني” في معرض التهكّم على مسارعته إلى تقديم تشكيلة وزارية بعد أقل من 24 ساعة على انتهاء الاستشارات النيابية.
الأكيد أنّ استعجال الرئيس المكلف عملية استيلاد الحكومة مطلوب بل واجب وطني دستوري لمواجهة الانهيار المتمادي والمتمدد تحت أقدام اللبنانيين، لكن الأكيد أيضاً أنّ عامل “استضعاف” العهد في آخر أيامه كان الدافع الأساس وراء استقواء ميقاتي واستجماع قواه الدستورية للإقدام على هكذا خطوة من دون التحسّب لوقعها “الاستفزازي” على عون، الذي سرعان ما استنفرت دوائره للرد بشراسة مساءً على الرئيس المكلف، معتبرةً أنه “أخطأ في التقدير والظنّ بأنّه قادر على ليّ ذراع رئيس الجمهورية في نهاية عهده، فالجميع يدرك أنّ ميشال عون ليس من النوع الذي يستسلم وهو بالتأكيد لن يسمح لا لميقاتي ولا لغيره بدفنه حياً حتى ولو بقي من عهده ساعة“.
وعلى الموجة نفسها، بادرت “ميرنا الشالوحي” إلى تعميم أجواء عبر مصادرها تشدّد على كون الرئيس المكلف لم يقدم على خطوة تقديم “تشكيلته المتسرعة” إلا لأنه “لا يريد التأليف ويسعى إلى صدام حكومي مع رئيس الجمهورية يحول دون ولادة حكومة جديدة بما يفضي إلى الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد”، لكنها أكدت في المقابل على أنّ “الأمور لن تكون بهذه السهولة التي يفترضها الرئيس المكلف وصلاحيات الرئاسة الأولى لن تكون لقمة سائغة في فمه“.
وفي هذا الإطار، أفادت المعلومات أنّ الهجمة المرتدة التي يعتزم العهد وتياره شنها على ميقاتي ترتكز على “مجاراته في لعبة النفس الطويل” من خلال استدراجه لتقديم “جملة إيضاحات وتفسيرات حول المعايير التي اعتمدها في مبدأ المداورة الطائفية والسياسية في بعض الحقائب كما جاء في مسودة التشكيلة المقترحة، سواءً في ما يتصل بحقيبة الطاقة أو سواها“.
وعلى المقلب الآخر، تؤكد المعلومات أنّ الرئيس المكلف سيحرص على إبقاء قنوات التواصل والتشاور مفتوحة مع رئيس الجمهورية “احتراماً لمبدأ الشراكة الدستورية في التأليف بينهما”، وسيحاول جاهداً عزل العلاقة الرئاسية عن منزلقات التوتر الطاغية على علاقته مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، على أمل بأن “تساهم الظروف الدقيقة التي يمر بها البلد في الترفع عن المهاترات والتراشق وإعلاء المصلحة الوطنية العليا على أي مصالح أخرى“.
وكان الرئيس المكلف قد شدد إثر لقائه رئيس الجمهورية على أنّ “الخيارات ضيقة جداً والوقت مهم جداً”، وقال: “سلّمته تشكيلة الحكومة التي أراها مناسبة في هذه الظروف”، موضحاً أنّ عون استمهله “لدرسها” والعودة إليه. وما أن خرج ميقاتي من القصر الجمهوري حتى اشتعل فتيل “التسريب الإعلامي” بين بعبدا والسراي فكانت النتيجة احتراق “المسودة الوزارية الأولى” على وقع تبادل الاتهامات بين الجانبين حول الجهة التي سرّبتها، وكشفت بالأسماء والحقائب تشكيلة الـ24 التي اقترحها الرئيس المكلف على رئيس الجمهورية، فتبيّن أنها نسخة منقّحة عن حكومة تصريف الأعمال، اعتمدت مداورة طائفية بين حقيبتي الطاقة والاقتصاد، بحيث جرى إسناد الأولى إلى وليد سنو بدل وليد فياض، مقابل منح الطائفة الأرمنية الحقيبة الثانية وتحديداً لجورج بوشيكيان مكان أمين سلام، بينما بقيت حقيبة المال من حصة “الثنائي الشيعي” مع اقتراح اسم ياسين جابر بدل يوسف خليل، وانتقلت وزارة المهجرين من عصام شرف الدين (المحسوب على طلال أرسلان) إلى سجيع عطية، فضلاً عن تسمية وليد عساف لوزارة الصناعة.
وعلى الأثر، استعرت حرب البيانات والردود بين الرئاستين الأولى والثالثة، فسارع مستشار الرئيس المكلف فارس الجميّل إلى انتقاد تسريب المسودة الوزارية معتبراً أنّ “ما حصل معيب والرسالة وصلت”، الأمر الذي ردً عليه مستشار رئيس الجمهورية أنطوان قسطنطين بتغريدة دوّن فيها عبارة: “التذاكي رداء يرتديه الغباء فيزداد عرياً”، وذلك بالتوازي مع تشديد مصادر بعبدا على أنّ “القصر الجمهوري ليس مصدر تسريب التشكيلة الحكومية وليس من عادة دوائر القصر اعتماد هذا الأسلوب“.
ولاحقاً، أصدر المكتب الاعلامي لميقاتي بياناً اعتبر فيه أنّ “مَنْ نفى التسريب” عمد إلى توزيع خبر عبر أحد المواقع الالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي مفاده “ان الفريق المحيط بالرئيس ميقاتي هو من سرّب المسودة”، موضحاً بناءً عليه أنّ “أسماء من سرّب التشكيلة ومن سُرّبت إليه من الصحافيين معروفة وموثقة بالوقائع والادلّة، (…) كما أن عجلة التسريب فضحت “المسّرب” الذي أبقى على علامات بالغة الدلالة على النسخة المسرّبة ففضحته”. وختم بيان ميقاتي بالإشارة إلى أنّ “القصد من تسريب التشكيلة واضح للعموم والرسالة وصلت”، معلناً في المقابل “وقف السجال لإنجاح السعي الحثيث لتشكيل الحكومة وصوناً لمقام رئاسة الجمهورية“.