كتبت صحيفة “الديار” تقول: على الرغم من الإنقسام اللبناني على موضوع سلاح حزب الله، إلا أن أحدًا لا يُمكن نكران أن هذا السلاح هو الوحيد القادر على لجم العدوان الإسرائيلي، والدليل المقال الذي نشرته البارحة صحيفة الـ «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية.
فعلى إثر إرسال حزب الله لثلاث طائرات من نوع درون إلى منطقة حقل كاريش المتنازع عليه يوم السبت الماضي، نشرت الصحيفة مقالًا تحليليًا بعنوان «التهديد الهائل للطائرات بدون طيار بين إيران وحزب الله، يتصاعد»، فصّلت فيه القدرات الكبيرة لطائرات الدرون التابعة لحزب الله والتهديدات التي تواجه العدو الإسرائيلي ومنصته لإستخراج الغاز في كاريش، لتستنتج أن هذه العملية – أي إرسال الدرونات من قبل حزب الله – تصعيدًا متزايدًا من قبل الحزب لاستهداف منصات الغاز قبالة السواحل الإسرائيلية.
الدقة التي واكبت عملية إرسال الدرونات والتي تمّ إثباتها من خلال الفيديو الذي نشرته شبكة اخبارية ايرانية رسمية على مواقع التواصل الإجتماعي، أظهر صوراً التقطتها مسيّرات حزب الله للسفينة اليونانية القابعة في منطقة في حقل كاريش الغازي.
الصحيفة الإسرائيلية فصّلت في مقالها القدرات الجوية لحزب الله وقدّرت أن هناك أكثر من 2000 طائرة درون متطوّرة موجودة عند الحدود الشمالية لفلسطين المحتلّة. وأضافت أن هذه الطائرت المسيّرة هي من نوع الطائرات الإنتحارية تحمل رؤوسًا حربية ومصممة للطيران نحو هدفها، مؤكّدة التطور الكبير في هذه الطائرات التي أصبحت – بحسب قول الصحيفة – أكثر تعقيدًا وبالتالي إرتفاع المخاطر.
وعدّدت الصحيفة عدّة حوادث تُظهر عجز «إسرائيل» عن مواجهة هذه الطائرات على مثال ما حصل في العام 2004 حين تمكّن درون تابع لحزب الله من التحليق في المجال الجوي الإسرائيلي لفترة تفوق الخمس دقائق من دون أن تستطيع طائرات العدو كشفها. أيضًا ذكرت الصحيفة حادثة في العام 2005 حين دخلت طائرة مسيّرة تابعة لحزب الله إلى المجال الجوي الإسرائيلي، وقامت برحلة استطلاعية فوق منطقة الجليل بمسار بلغ 30 كم. أيضًا وخلال عدوان تموز 2006، شن حزب الله هجومات على مواقع إسرائيلية من ضمنها سفينة تمّ إستهدافها. ورصد السفينة العديد من الحوادث كان أخرها في 17 شباط الماضي حيث قالت أن «إسرائيل» أسقطت طيارة أطلقها حزب الله، وإستنتجت منها زيادة الخطر على العدو الإسرائيلي من هذه الدرونات التي لم تعد القبة الحديدية قادرة على مواجهتها على الرغم من الإستثمارات الهائلة التي قامت بها إسرائيل على مر السنين في المجال التكنولوجي بما في ذلك إستخدام الطائرات الحربية وصواريخ باراك وسفن كورفيت الإسرائيلية.
ووجّهت الصحيفة الإتهام لحزب الله بأنه يقوّض إتفاق مُحتمل على الحدود البحرية بين المنطقتين الإقتصاديتين الخالصتين التابعتين للبنان ولفلسطين المُحتلة، مُستندة إلى التهديد الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والذي قال فيه أن «الهدف المباشر يجب أن يكون منع العدو من استخراج النفط والغاز من حقل غاز كاريش».
التوجّه الإستراتيجي الإسرائيلي العام هو نحو توسيع التحالفات الإقليمية والدولية لمواجهة هذه المخاطر. وما الحديث عن حلف ناتو شرق – أوسطي إلا دليل على رغبة «إسرائيل» بتوسيع شراكاتها العسكرية لتضمّ العديد من الدول الإقليمية التي قد تساعدها بشكل أو بأخر على درء «الخطر المتصاعد» لحزب الله ضد العدو الإسرائيلي.
على هذا الصعيد كان للنائب جميل السيّد تغريدةٍ لافتة على حسابه على موقع «تويتر» قال فيها «رغم الثرثرة اللبنانية حول مفاوضات الترسيم البحري والتي يقابلها صمت إسرائيلي مطبق إلاّ ما يتسرّب عندنا عن لسان الوسيط الأميركي، وخلافاً لكل ما يُقال ويُشاع، فإنني أرى أن لبنان وتحت وطأة خوف قياداته من العقوبات، قد أضاع حرّية المناورة وأوقع نفسه في فخّ قد لا يخرج منه إلا بالتصعيد». مُضيفًا في تغريدةٍ لاحقة أن «جواب للعلم، التفاوض ليس محصوراً بالرئيس عون، وكبار المسؤولين في الدولة يشاركون في التفاوض بكل التفاصيل ضمن ما يُسمّى وحدة الموقف اللبناني، والتي تعني الكل شركاء في الربح، وعند الخسارة، ما حدا مسؤول».
هذا الأمر علّق عليه وزير سابق من محور 14 أذار سابقًا بقوله لجريدة الديار «كل السياسيين المعنيين بملف ترسيم الحدود مع إسرائيل خائفون من عقوبات أميركية. وبما أن مصالحهم تمرّ قبل المصالح الوطنية لذلك رفضوا تعديل المرسوم 6433 وتخلّوا عن حقوق لبنان في حقل كاريش والتي أثبت الجيش اللبناني صحتها ومصداقيتها من خلال منهجية علمية دقيقة حصدت تقدير مراجع دولية». وأضاف الوزير السابق «البعض يُحاول شراء العفو عن فساده مقابل ثروة لبنان النفطية والتي تبلغ عشرات مليارات الدولارات من حقوق للبنان في حقل كاريش». مُضيفًا أنه «وعلى الرغم من مواقفنا السياسية التي تتعارض مع حزب الله، إلا أننا نتوافق مع دعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على وحدة الصف اللبناني في وجه العدو الإسرائيلي ونزيد عليها في وجه منظومة سياسية باعت حق لبنان مُقابل بقائها في مناصبها».
إلى هذا يقول أحد المُحللين السياسيين أن هذه الحادثة أرعبت العدو الإسرائيلي وبالتالي قد تُشكّل دافعًا رئيسيًا لقيادات العدو لإتخاذ قرار بعمليات إستبقاية ضدّ لبنان وضدّ حزب الله على الأراضي اللبنانية، وذلك خوفًا من أن تتحمّل «إسرائيل» مُخطّطًا وضعه حزب الله قد يُكبّدها خسائر كبيرة. وأضاف أن هذا الأمر مدعوم بحجّة جوهرية وهي عدم قدرة لبنان على الصمود كما فعل في العام 2006 والتي أثبت فيها الشعب أنذاك أن وحدته قاومت 34 يومًا من القصف المدمّر ولم يستطع أي جندي إسرائيلي البقاء في الأراضي اللبنانية.
إقتصاديًا، يقول مرجع إقتصادي أن أي حرب على لبنان ستؤدّي حكمًا إلى ضرب مقومات العيش بحدّه الأدنى للشعب اللبناني خصوصًا إذا ما قامت «إسرائيل» بإستهداف السفن التجارية المُحمّلة بالمحروقات والمواد الغذائية والأدوية. وهذا الأمر سيزيد من نسبة الفقر والعوز ويجعل من لبنان منطقة منكوبة بكل ما للكلمة من معنى.
هذا القول يؤيّده المّحلل السياسي الآنف الذكر الذي قال قد تكون هنا بالتحديد الحجّة الجوهرية لأي عمل عسكري ضدّ لبنان. والحسابات الإسرائيلية تدور حول ما قد يقوم به حزب الله وحماس وإيران من ردّة فعل. وإذ شدّد على عنصر الضعف اللبناني إقتصاديًا، إلا أنه أضاف أن مخاوف «إسرائيل» من حزب الله ومن قدراته كما ذكرتها الصحيفة العبرية تجعله يحسب ألف حساب وهو يحتاج إلى دعم لوجستي إقليمي متسائلًا عن دور مُحتمل لبعض الفئات الموجودة في لبنان.
في هذا الوقت وعلى الصعيد الداخلي، يستمر المواطن في مواجه أصعب أيامه. ودخل إضراب الموظفين في القطاع العام مرحلة مُتقدّة أصبحت معها الخدمات العامة في حالة حرجة خصوصًا لناحية مداخيل الدولة التي سجّلت أدنى مستوياتها منذ الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي. ويقول المرجع الإقتصادي الآنف الذكر أن مصرف لبنان هو من يمول الدولة اللبنانية مع غياب أية مداخيل للخزانة العامة، وما تعديل أسعار الإتصالات إلا مُحاولة من قبل الحكومة لتمويل قسم من الإنفاق الذي تقوم به. ويتوقّع المرجع أن تكون المرحلة المُقبلة التي تمتدّ حتى حدث من إثنين: أو إتفاق على ملف الحدود البحرية أو إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، مرحلة صعبة سيستمر خلالها مصرف لبنان بالصرف على الدولة اللبنانية خلافًا لكل ما تدّعيه بعض القوى السياسية.