تبرأ لبنان الرسمي من المسيرات التي أطلقها «حزب الله» باتجاه حقل كاريش النفطي المتنازع عليه مع إسرائيل، معتبراً أنها «جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي، وهو عمل غير مقبول يعرّض لبنان لمخاطر هو في غنى عنها».
وأعلنت رئاسة الحكومة، في بيان، أمس (الاثنين)، أن رئيسها نجيب ميقاتي عقد اجتماعاً مع وزير الخارجية عبد الله أبو حبيب «تطرق إلى الوضع في الجنوب وموضوع المسيّرات الثلاث التي أطلقت في محيط المنطقة البحرية المتنازع عليها، وما أثارته من ردود فعل عن جدوى هذه العملية التي جرت خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي؛ خصوصاً أن المفاوضات الجارية بمساعٍ من الوسيط الأميركي أموس هوكستاين قد بلغت مراحل متقدمة». وجدّد لبنان، بحسب البيان «دعمه مساعي الوسيط الأميركي للتوصل إلى حل يحفظ الحقوق اللبنانية كاملة بوضوح تام، والمطالبة بالإسراع في وتيرة المفاوضات»، معلناً أنه «يعوّل على استمرار المساعي الأميركية لدعمه وحفظ حقوقه في ثروته المائية ولاستعادة عافيته الاقتصادية والاجتماعية».
وأكد البيان «أن لبنان يعتبر أن أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره، غير مقبول ويعرّضه لمخاطر هو في غنى عنها».
وأهاب بجميع الأطراف «التحلي بروح المسؤولية الوطنية العالية والتزام ما أعلن أن الجميع من دون استثناء هم وراء الدولة في عملية التفاوض»، في إشارة إلى كلام أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله مؤخراً. وجدد المطالبة بوقف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لسيادته بحراً وبراً وجواً.
وأتى الموقف اللبناني الرسمي الأول في وقت لا تزال فيه عملية «حزب الله» تأخذ حيزاً من الاهتمام اللبناني، خاصة مع المعلومات التي أشارت إلى استياء أميركي مما حصل، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، مساء أول من أمس؛ حيث قال في حديث تلفزيوني إنه اجتمع مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، وأبلغته احتجاجها على إطلاق «حزب الله» مسيرات فوق حقل كاريش.
واستمرت أمس المواقف الرافضة لإطلاق المسيرات، وقال النائب في حزب «القوات اللبنانية» بيار أبو عاصي أن «مسيّرات (حزب الله) الإيرانية حلّقت جغرافياً باتجاه حقل كاريش، وسياسياً فوق قصر بعبدا (القصر الرئاسي)، والهدف المادة 52 من الدستور، والمستهدف صلاحية رئيس الجمهورية ميشال عون، والمفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة».
من جهته، انتقد «لقاء سيدة الجبل» عملية «حزب الله»، قائلاً بعد اجتماعه الدوري إن العملية أتت «في توقيت إيراني محسوب بدقّة، غداة فشل المفاوضات الإيرانية الأميركية في الدوحة، وعشيّة زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة»، لافتاً إلى أن «حزب الله» الذي أعلن سابقاً «أنّه وراء قرار الدولة اللبنانية في موضوع ترسيم الحدود البحرية جنوباً إنّما هو عملياً وراء قرار الجمهورية الإسلامية في إيران لترسيم حدود نفوذها في المنطقة، وليس ملف الترسيم اللبناني سوى ورقة بيده بالوكالة عن إيران وفوق مصالح الشعب اللبناني المنكوب».
وبعد الموقف اللبناني الرسمي، تتجه الأنظار إلى ما ستكون عليه تداعيات عملية «حزب الله» وتأثيرها على مفاوضات الحدود البحرية التي انطلقت بشكل غير مباشر مع إسرائيل عام 2020 بوساطة أميركية، وتوقفت في مايو (أيار) من العام الماضي، جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها، بما في ذلك حقل غاز كاريش، الذي دخلت إليه أخيراً سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي «إنرجان» لبدء التنقيب عن النفط، وهو ما استدعى دعوة لبنان للوسيط الأميركي أموس هوكستين للحضور إلى بيروت حيث التقى مسؤولين وحمل طرحاً لبنانياً يضمن في المرحلة الأولى الحصول على حقل قانا والخط 23. وهو ما لا تزال بيروت تنتظر الرد عليه.
وأعلنت إسرائيل، مساء السبت، اعتراض 3 مسيّرات تابعة لـ«حزب الله» اقتربت من المجال الجوي، وكانت متّجهة نحو حقل «كاريش» للغاز. وأكّد «حزب الله» أنه أطلق المسيرات للقيام بمهام استطلاعية، «وقد أنجزت المهمة المطلوبة، وكذلك وصلت الرسالة»، بحسب بيان صادر عنه.
وعلّق حزب «القوات اللبنانية» على موقف الحكومة بشأن مسيرات «حزب الله»، وقال في بيان له: «تبين أنه حتى الحكومات المحسوبة على (حزب الله) لم تعد قادرة على التستر على أعماله وخلفيات هذه الأعمال، وتصريح وزير الخارجية والمغتربين عقب اجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال واضح وجلي»، حيث شدد على أن «أي عمل خارج إطار مسؤولية الدولة والسياق الدبلوماسي الذي تجري المفاوضات في إطاره غير مقبول ويعرضه لمخاطر هو في غنى عنها، ما يعني أنّه جاء مَن يحاول تعطيل هذه الاستراتيجية من خارج إطار الدولة كلياً من خلال اعتماد استراتيجيّة أخرى خاصة به ممكن أن تؤدّي، تبعاً للتصريح المذكور، إلى ما لا تحمد عقباه».
ولفت «القوات» إلى أنه «مرة جديدة، يتبين أن حزب الله مصرّ على مصادرة القرار الاستراتيجي والأمني والعسكري للدولة اللبنانية، ما يضرب صدقية هذه الدولة أكثر مما هي مضروبة، ويضرّ بمصالح الشعب اللبناني، وكل ذلك خدمة لمصالح أخرى واستراتيجيات أخرى لا علاقة للبنان ومصالح الشعب اللبناني بها».